عقب لقاءٍ جمع وزير الداخلية المصري مجدي عبدالغفار، ونائب وزير الأمن العام بجمهورية الصين الشعبية تشن زيمين، بأقل من شهر، فوجىء الجميع بأزمة تعصف بطلاب الإيغور الأزهريين في مصر، وتهدد بترحيلهم إلى السلطات الصينية دون مبرر واضح من السلطات المصرية.
في 19 يونيو/حزيران الماضي التقى عبدالغفار نائب وزير الأمن الصيني مع وفدٍ رفيع المستوى زار مصر، ونشرت الصحف والمواقع الرسمية أخبارًا عن إِشادة المسؤول الصيني بالجهود التي تبذلها وزارة الداخلية المصرية لمكافحة الإرهاب وتدعيم الاستقرار فى البلاد، وإبداء استعداد وزارته لتقديم كافة أوجه التعاون لجهاز الأمن المصرى لصد “الهجمة الإرهابية الشرسة” التي طالت عدة دول.
كما أبدى رغبة بلاده لتفعيل قنوات لتبادل المعلومات المتعلقة بالتنظيمات المتطرفة والهجرة غير الشرعية، والاستفادة من خبرة الداخلية المصرية في التعامل مع الإيدلوجيات المتطرفة، وأكدا في نهاية اللقاء استمرار التشاور في القضايا الأمنية ذات الإهتمام المشترك، عبر توقيع وثيقة تعاون فني.
وزير الداخلية المصري يستقبل تشن زيمين نائب وزير الأمن العام الصينى
كما صادف الـ 3 من يوليو/تموز 2017، حضور نائب رئيس مكتب إعلام مجلس الدولة الصيني (يمثل وزارة الإعلام في الصين) شيويايينج إلى القاهرة، واجتماعه بضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، وتناولا سبل التعاون الإعلامي بين البلدين، لإبراز مخاطر الإرهاب، وضرورة توطيد العلاقات بين البلدين.
اعتقالات تطال الطلاب بعد أسبوعين من الاجتماع
وفي اليوم السادس عشر، من توقيع وثيقة التعاون الأمني، والذي وافق الـ5 من يوليو/تموز، أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية لحقوق الإنسان عن اعتقال الشرطة المصرية عددًا من الطلاب الصينيين المسلمين (الإيغور) الذين يدرسون في الأزهر الشريف تمهيدًا لترحيلهم إلى بلادهم، وأن ذلك تم بطلبٍ من السلطات الصينية.
#مصر pic.twitter.com/SEKQAjC5FT
— هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) July 5, 2017
الترحيل إلى الصين ينتظرهم
ثم بدأت الأخبار تنتشر بكثرة على الشبكات الاجتماعية، إذ نشرت فيديوهات وصور للحظات مداهمة منازل الطلاب واعتقالهم، كما نشرت لهم صورًا أخرى وهم مقيدين في عربات الترحيلات وداخل أقسام الشرطة.
هذا وأكدت صحيفة “نيويورك تايمز”، قيام السلطات المصرية بترحيل 12 منهم على الأقل إلى الصين، مساء الخميس 6 يوليو/تموز، وحسب مصادرها في مطار القاهرة، أكدت أنه جرى تجهيز 22 آخرين تمهيدًا لترحيلهم في اليوم ذاته.
فيما أكد صحفي يدعى وائل حسين، أن عدد الطلبة المعتقلين وصل إلى 100، بعد القبض عليهم من منازلهم ومطاعمهم في الحي السابع بمدينة نصر، وأماكن أخرى مثل بقالة “إسطنبول”، ومطعم “إسطنبول” بالحي السابع، اللذان أغلقا عقب المداهمة.
ولفت إلى لقائه أحد أصحاب المحال التجارية، والذي أصيب بكسرٍ في ساقه عقب المداهمة، والذي أكد له ترحيل زملائه إلى قسم أول وثان مدينة نصر، ومنه إلى مجمع التحرير، كما أشار إلى هرب بعض الطلاب الذين فلتوا من الاعتقال إلى محافظات أخرى خشية الترحيل.
بينما أكد المحامي خالد المصري على لسان الطلاب اعتقال 19 شخصًا منهم من مطار برج العرب بالإسكندرية كانوا في طريقهم للإمارات للهروب من المطاردات الأمنية، رغم أن أوراقهم كانت مضبوطة وليس بها مخالفات، فيما سحبت منهم جوازات السفر والهواتف المحمولة.
وأوضح في منشوره الذي كتبه على حسابه على فيسبوك أن عدد المقيدين رسمياً في جامعة الأزهر يتجاوز الـ 300 طالب وأغلبهم متزوجون ولديهم أُسر
فيما تم كل ذلك دون إعلان رسمي مصري عن أسباب ما يحدث، أو الأوضاع القانونية للطلبة المحتجزين.
رغم أن عدد كبير من الطلبة الصينيين يدرس في الأزهر بموافقة الحكومة الصينية، إذ توجد بروتوكولات تعاون بين الأزهر والحكومة الصينية على ذلك، لكن مشكلة الصين تكمن مع طلبة الإيغور، والتي استدعت عدد منهم قبل أشهر للعودة للتحقيق معهم، وهددوا باعتقال عائلاتهم.
السبب: مسلمون
أما سبب الاعتقال، فأكد الطلاب أنه بسبب انتمائهم إلى إقليم تركستان الشرقية، وبحسب ما نقله المحامي الحقوقي خالد المصري على لسانٍ أحد الطلاب، فإن ذلك يعود إلى كونهم مسلمين، وجاءوا إلى مصر للتعلم في الأزهر.
وبحسب ما نشره موقع “هاف بوست”، نقل المصري عن الشاب قوله: “لا شك أن السلطات الصينية طلبت من السلطات المصرية ضرورة ترحيلنا لهم حتى يقوموا بالقضاء علينا. وأريد أن أخبرك أن كثيراً من أهالي هؤلاء الطلبة في تركستان تم القبض عليهم من قبل السلطات الصينية وذلك للضغط على أبنائهم للعودة ومنهم من حصل على عقوبات مشددة وصلت لـ 15 سنة”.
وانتهت المكالمة بينهما باستغاثة الطالب بالقول: “نرجوكم ما فعلنا سوءاً بهذا الوطن فنحن نحبه ونعشق الأزهر. هل ضاق بنا هذا الوطن حتى يطردنا بهذا الشكل.. لا تتركونا لهم؟”.
وقد سبق أن عاد أحد الطلبة الذي يدرس دكتوراه في أصول الفقة ويدعى حبيب الله تختر طوعًا بعد اعتقال عائلته هناك، لكنه ما إن عاد حتى حكم عليه بالسجن 15 عامًا بتهمة “نشر فكر متطرف”، إذ تترواح الأحكام بين السجن 15 عامًا والسجن الؤبد، لمن يتهم بهذه التهمة، والتي تطال كل من يدرس التعاليم الإسلامية دون ترخيص، فيما لا يُمنح طلاب الإيغور هذه التراخيص.
مصالح مصر الاقتصادية مع الصين
ومع التعاون الأمني بين البلدين سالف الذكر، أيضًا من المقرر أن يزور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، العاصمة الصينية بكين، في الـ3، و4 سبتمبر/أيلول القادم، للمشاركة في منتدى الاقتصاديات الناشئة، والذي سيعقد على هامش قمة البريكس.
إذ سبق للخارجية المصرية الإعلان عن ذلك في 24 أبريل/نيسان الماضي، عقب لقاء جمع وزير الخارجية المصري سامح شكري، ونظيره الصيني نظيره وانغ يى، في العاصمة اليونانية أثينا، وأكدته أيضًا وزارة الخارجية الصينية بعد نحو شهر.
ويبدو أن العلاقات المصرية الصينية تتطور سريعًا في الآونة الأخيرة، خصوصًا منذ زيارة الرئيس الصيني لمصر في يناير/كانون الثاني 2016، حيث جرى التوقيع على 21 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات عدة أبرزها المجالات الاقتصادية.
الطلاب: “إحنا في حماية الأزهر”
كتب الصحفي هيثم التابعي على صفحته على فيسبوك شهادته على لقاء جمعه بعدد من طلاب الإيغور قبل أشهر، وبعد قص روايته لأوضاع إقامتهم في مصر، أشار إلى سؤالٍ وجهه للطالب الإيغوري حول إمكانية ترحيلهم إلى الصين حيث الاضطهاد مرة أخرى، فرد عليه بالقول: “مش معقول يا أخي.. مصر بلد مسلم.. إحنا في حماية الأزهر يا أخي”.
فيما نقل مدون رواية أخرى مع زميل إيغوري قابله، والذي بدى عليه الخوف من معرفة هويته المسلمة، وانتمائه للإيغور في بداية الحوار، والذي تحدث بعدها عن اضهاده في بلاده، وهربه إلى مصر الإسلام، مصر الأزهر الشريف.
الأزهر ينكر
التزم الأزهر الصمت في البداية، لكنها أصدر بيانًا بعد ذلك عن المركز الإعلامي قال فيه، إنه “لم يتم القبض على أي من هؤلاء الطلاب من داخل الحرم الجامعي لجامعة الأزهر، وكذلك من داخل معاهد الأزهر أو مدينة البعوث الإسلامية، أو أي جهة تابعة له”.
وأكد أنه “جار متابعة ما يتداول في هذا الشأن مع الجهات المختصة، وأن ما تبثه بعض المواقع والقنوات في هذا الصدد من أخبار وأعداد غير دقيق”.
رغم أنه سبق لها في يونيو/حزيران 2015 إدانة منع السلطات الصينية للمسلمين في بعض أجزاء مقاطعة شنغيانغ الغربية بتركستان الشرقية من الصيام وممارسة شعائرهم الدينية خلال شهر رمضان، ومطالبته بالترحك الدولي لوقف تلك الانتهاكات.
لماذا يُضهد الإيغور في الصين؟
يعاني مسلمو الإيغور (بين 9 :60 مليون نسمة) الذين يعيشون في مقاطعة شينغيانغ، التي عرفت باسم تركستان الشرقية قبل الاحتلال الصيني من الاضطهاد بشتى أشكاله منذ أكثر من 68 عامًا بعد فرض الزعيم الصيني ماوتسي تونج، سيطرته على المنطقة في العام 1949، وتغير اسمها لـ”شينغيانغ”.
الإيغور هي إحدى القوميات الـ56 المعروفة داخل المجتمع الصيني، ويسكنون في منطقة تركستان الشرقية التي تتمتع بحكم ذاتي فيما تقع على الحدود مع منغوليا وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأفغانستان وباكستان والهند.
فيما يعتبر الإيغور أقلية بالنسبة لطائفة الهان (نسبة لثاني إمبراطورية صينية) الذين يشكلون 91% من المجتمع الصيني، فيما يوجد طائفة مسلمة تابعة لطائفة الهان وتسمى الخوي Hui إلا أنهم لا يعانون الاضطهاد ذاته الذي يعانيه الإيغور، إذ يمارسون بحرية التعاليم الإسلامية، من الصلاة في المساجد والصوم في رمضان، والابتعاد عن أكل الخنزير وتناول الكحول، كما يسمح لهم ولغيرهم من الطوائف المسلمة بالحصول على تراخيص للابتعاث لتعلم الدراسات الإسلامية عكس الإيغور.
اعتمد الصينيون سياسة التنكيل بمسلمي الإيغور، إذ قام بترحيل 240 ألف من مسلمات الإيجور عنوةً إلى المصانع في شرق الصين للعمل بالسخرة وإجبارهن على الزواج من غير المسلمين، كما شرع في توطين مئات الآلاف من الصينين من عرق الهان الذين سيطروا على كافة الوظائف الرئيسة والنشاط السياسي للإقليم حتى أصبحوا يسيطرون على غالبية المصانع والشركات ولا يقبلون توظيف غير أبناء عرقهم فيها، ما اضطر أبناء البلد الأصلي من الإيغور لامتهان مهن متدنية.
كما مُنع أبناء الإيغور من التمثيل ولو بنسبة ضئيلة في الهيئات الحكومية وحرموا أيضًا من استخدام لغتهم في المدارس، واستمر في محاربة هويتهم من خلال إغلاق المساجد بحجة عدم وجود تراخيص ومنع الشباب دون 18 من الصلاة بالمساجد، كل هذا بالإضافة إلى مهاجمة مسلمي الإيغور من آن لآخر وقتل عدد منهم.
كان من بين تلك المجازر التي أًقيمت بحق مسلمي الإيغور مهاجمة عمال في مصنع للألعاب في مقطاعة كونجدوج الواقعة جنوب الصين بواسطة صيني الهان في يونيو/حزيران من العام 2009، الحادث الذي أسفر عن قتل وجرح ما لا يقل عن 1000 من مسلمي الإيغور، وتلاها عدد من الأحداث الدامية التي يقوم بها الصينيون من عرق الهان دون مساءلة رسمية من الدولة التي كانت تساعد في سن القوانين التي تزيد من اضطهاد مسلمي الإيغور،.
وكان سكان المنطقة طالبوا مرارًا بالاستقلال عن الصين منذ عام 2009، وخرجوا في تظاهرات قوبلت بالقمع والقتل وأصيب فيها الآلاف، فيما ترفض الصين طلب الاستقلال لأهمية المنطقة إستراتيجيًا بالنسبة إليها، فهي بلد غنية بالثروات المعدنية من الذهب والزنك واليورانيوم وبها مخزون ضخم من البترول، وهو ما قد يفسر تمسك الحكومة الصينية باضطهادهم والتنكيل المستمر بهم على عكس الحالة مع بعض الطوائف المسلمة الأخرى.