ترجمة وتحرير نون بوست
لقد كانت حربا ضروسا طويلة الأجل مرّ خلالها المواطنون بويلات لا تنسى، لكن بعد مرور ثلاث سنوات من صعود أبو بكر البغدادي إلى منبر مسجد النوري في الموصل، والدعوة للانضمام “للخلافة”، ها هو التنظيم يتعرض الآن إلى ضربة قاضية.
في العراق، فقد التنظيم أغلب مُجنديه في الموصل، بعد أن فجروا مسجد النوري في آخر موقف لهم في الأزقة الضيقة. في الحقيقة، لو كان البغدادي على قيد الحياة لكان ليلوذ بالفرار إلى سوريا، لكن معاقل التنظيم هناك أيضا بدأت في التقهقر. كما أن المقاتلين المدعومين من قبل الولايات المتحدة يتقدمون في المدينة القديمة في الرقة، معقل تنظيم الدولة الذي سيسقط عاجلا أم آجلا.
مع فقدان التنظيم لأكبر مدنه، تُحل أحجية هذه الدولة “الجهادية” للعيان. من جانب آخر، تحول تنظيم الدولة إلى ميليشيا سيئة الصيت والسمعة ومن المرجح أن يصبح لاحقا جماعة إرهابية غامضة على غرار تنظيم القاعدة لذلك يجب على العالم أن يفرح لسقوطه. طيلة سنوات، ارتكب تنظيم الدولة أعمالا وحشية لا توصف؛ بدءا من قطع الرؤوس والمذابح الجماعي، والاسترقاق الجنسي، وصولا إلى دمغجة العناصر المتطرفة في أوروبا وأماكن أخرى من العالم لقتل الأبرياء. قادت الولايات المتحدة الحملة لدحر تنظيم الدولة ببراعة وحنكة، حيث قدمت التدريب والدعم الجوي وسمحت للحلفاء المحليين بالقتال برا.
وفي الوقت الراهن، لسائل أن يسأل، ما الذي سيعقب الخلافة؟ لا أحد يعرف أقل من ناحية دونالد ترامب، الذي لا يزال يتعين عليه أن يملأ ما يقارب 200 وظيفة في الأمن الأجنبي والوطني، بيد أن صناع القرار في إدارته يعانون من خلل وظيفي وهذا أمر يدعو للقلق. كذلك، تواجه الولايات الأمريكية خطرين يتمثل، الأول في الفراغ الذي سيسمح للمتطرفين بإعادة التجّمع كما فعلوا مرارا وتكرارا في العراق. أما الثاني، فيتعلق بمشاركة واشنطن في حرب إقليمية من شأنها أن تجعل الأوضاع أسوأ.
الصراع المصاحب للحروب
يتكون حمام الدم في الشرق الأوسط من العديد من الصراعات من بينها؛ الثورات ضد الحكام القمعيين الذين فشلوا في كسب الشرعية أو تعزيز الازدهار؛ فضلا عن مقاومة أشكال الإسلام المتنافسة؛ والمسابقة الإقليمية بين المملكة العربية السعودية وإيران وتركيا؛ ناهيك عن المنافسة القائمة بين الولايات المتحدة وروسيا.
وفي جوهر هذه الصراعات، نجد شعور العرب السنة المفرط بالرغبة في انتزاع الملكية من الطرف الآخر، ويعد تنظيم الدولة خير مثال على ذلك. وبالتالي، تحتاج الولايات المتحدة إلى إستراتيجية متعددة الأبعاد، تجمع بين الوسائل العسكرية والسياسية والاقتصادية، مع مراعاة الجغرافيا السياسية المعقدة التي تغذي الفوضى العارمة في المنطقة.
في المقابل، ليس هناك ما يشير إلى أن إدارة ترامب تعتمد مثل هذا التفكير. ففي أول زيارة خارجية لترامب إلى المملكة العربية السعودية، لقي ترحيبا لا نظير له من قبل القادة العرب والمسلمين، وعاد وفي جعبته مجموعة من العقود العسكرية.
آنذاك، بدا من الجلي أن ترامب قد تبنى النظرة السعودية وهو ما انجر عنه نشوب أزمة بين حلفاء الولايات المتحدة في الخليج. وقد شجع السعوديون والإماراتيون (جنبا إلى جنب مع المصريين والبحرينيين) قطع الروابط البرية والبحرية والجوية مع قطر. وهم يتهمون المملكة الغنية بالغاز، التي تستضيف أكبر قاعدة جوية أمريكية في المنطقة، بدعم الإرهاب (وهي تهمة غالبا ما تكون موجهة إلى السعوديين).
علاوة على ذلك، سارع ترامب إلى إدانة قطر من خلال تغريداته على موقع تويتر. وحيال هذا الشأن، أبدى وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون، رفضه لحملة المقاطعة، أما وزير الدفاع جيمس ماتيس، فقد وقّع صفقة لبيع طائرات من طراز أف 15 إلى قطر، كما أرسل سفينتين حربيتين إلى الدوحة. وفي خضم غياب التنسيق، فإن أي إستراتيجية ستُعتمد سيكون مآلها الفشل، وهذا مما لا شك فيه.
في الواقع، يبدو أن ترامب لديه ثلاثة أهداف غامضة؛ تدمير تنظيم الدولة، والتصدي لنفوذ إيران المتنامي والحد من التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط. ومن الجلي أن هذه الأهداف غير متسقة لأن المشاركة الدبلوماسية والعسكرية المتواصلة ستكون ضرورية للحيلولة دون ظهور تنظيم إرهابي جديد من رماد التنظيم السابق. بالإضافة إلى ذلك، فإن احتواء إيران، التي تستخدم وكلاءها وقواتها المنتشرة حول المنطقة، سيوسع من نفوذها.
انطلاقا من تنظيم الدولة، يتعين على الولايات المتحدة أن تدعم السياسات التعددية واللامركزية (والمقصود هنا ليس بالأنظمة الديمقراطية) التي تعطي صوتا للمجموعات المتباينة في المنطقة، وخاصة العرب السنة من أجل تحقيق أي انتصار يذكر ضد المتطرفين. في العراق مثلا، يجب على واشنطن أن تحث الحكومة على جذب السنة وإشراكهم في إدارة البلاد؛ وينبغي أن تستخدم قوتها الجوية وقواتها الخاصة ودبلوماسيتها كقوة موازنة لإيران.
عموما، ستكون المهمة في سوريا أكثر تعقيدا لأن وضع حد للحرب الأهلية يبدو بعيد المنال. وتجدر الإشارة إلى أن تيلرسون قد وافق على التعاون مع روسيا لتحقيق الاستقرار في البلاد، ولكن ما يريده بالتحديد مازال غير واضح. أما في الوقت الحالي، يمكن للولايات المتحدة مساعدة الحلفاء المحليين على التقدم في وادي الفرات وتضييق الخناق على الإرهابيين، ليس فقط لهزيمة بقايا تنظيم الدولة، بل أيضا لضمان أن تكون المعابر الحدودية في أيد أمينة. ومن شأن ذلك أن يضمن أيضا صوتا للولايات المتحدة في محادثات السلام المقبلة.
مما لا شك فيه، يتطلب هذا مضاعفة الجهود لتدريب العرب السنة الأكثر اعتدالا. لكن من غير المحتمل أن يرغب التحالف، الذي يقوده الأكراد، في الذهاب لما هو أبعد من الرقة. وبالتالي، ستكون الأولوية لتعزيز قوة عربية جنوبية للقتال وسحب الدعم من تنظيم الدولة.
حتما، سيتّطلب تحقيق هذه المهمة الاتصال بين الولايات المتحدة وإيران، خاصة أن القوات الأمريكية وحلفاءها في مواجهة مع السوريين وغيرهم من الذين يدفعون شرقا، لذلك يسعون إلى التواصل مع الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق لإنشاء ممر أرضي من إيران إلى لبنان.
ولكن، لا يجب أن ننسى أن القوات الأمريكية قد أسقطت طائرة سورية، كما قصفت المقاتلين المدعومين من قبل إيران الذين هددوا القوات الأمريكية وقوات التحالف على حد السواء في منطقة التنف، بالقرب من الحدود الجنوبية المتاخمة للأردن والعراق.
وفي ظل التناقض في المواقف الأمريكية وتعقد الوضع، قال ترامب إن إيران “قد تم إخطارها”، على الرغم من أنه أبقى على اتفاق باراك أوباما الذي جمد برنامج إيران النووي. وبينما تناقش الإدارة سياسة جديدة لإعتمادها مع إيران، هناك الكثير ممن يتحدثون عن إمكانية فرض عقوبات أخرى على طهران، إذ أن هناك من يدافع عن “إجبار إيران على اعتماد سياسة ديمقراطية” مما يعني الإطاحة بالملا.
ومن خلال هذا التصعيد، من المرجح أن ينتهي المطاف بالولايات المتحدة في حرب مع إيران إما من خلال حادثة عسكرية، أو عن طريق الحلفاء الخليجيين، أو لأنها ستستسلم من جديد لوهم الإطاحة بالأعداء معتقدة أن ذلك أمر سهل ولن يكلفها الكثير. وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن يؤدي الصراع مع إيران إلى الإطاحة برجال الدين؛ إلا أنه سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار ونشر التطرف الشيعي.
في الواقع، إن إيران أكبر من أن تُستبعد من شؤون المنطقة، ولكن يمكن احتوائها من خلال الضغط والحوار. ومن هذا المنطلق، يجب على الولايات المتحدة أن تعمل على إنهاء الخلاف بين حلفائها الخليجيين، الذي يفيد إيران، كما يجب أن يعمل على وقف الحرب التي تدور رحاها في اليمن، مما خلق مساحة لتنظيم القاعدة.
القوة الأمريكية حيوية لكن محدودة
مهما فعلت الولايات المتحدة فإن ما ستقوم به سيكون فوضى عارمة، لذلك يجب أن تكون أهدافها محدودة. بالعودة إلا الماضي، بينت الحروب في كل من أفغانستان والعراق، في أعقاب هجمات 11 من أيلول/ سبتمبر، أنه من الجيد هزيمة الأعداء، لكنها سلطت الضوء على فشل الولايات المتحدة في بناء مؤسسات دائمة، حيث كان مصير الخطط الموضوعة من أجل إعادة تشكيل البلدان الفشل المحتوم.
ومع ذلك، فإن انهيار سوريا وصعود تنظيم الدولة منذ سنة 2011 يبين أن الإهمال يشكل خطرا فادحا وليس أمام الولايات المتحدة أي خيار سوى احتواء أسوأ الاضطرابات. لذلك، يحتاج ترامب لتوظيف خبراء جيدين ووضع خطة سريعة ومحكمة.
المصدر: ذي إيكونوميست