تنتهي قمة مجموعة العشرين في هامبورغ الألمانية اليوم السبت بحضور ترامب الذي أثار جدلًا كبيرًا في الفترة الماضية بشأن اتفاقيات التجارة الحرة، والتبادلات التجارية بين دول العالم والميزان التجاري الأمريكي الخاسر مع بعض دول العالم وطريقة التعاطي معها.
يُسجل لهذه القمة أنها تمكنت من تطويع ترامب لصالحها بدون إزعاجه وتغيير مخططاته إزاء الانعزالية والحمائية، إذ سيصدر البيان الختامي عن المجموعة يتضمن إدانة الحمائية والاعتراف في الوقت نفسه بحق الدول في الدفاع عن نفسها تجاريًا في حال وقوع ممارسات غير قانونية، بحسب ما أوردته وكالة فرانس برس، وبحسب الوكالة فإن الولايات المتحدة كانت متحفظة على مكافحة الحمائية، وستحصل مقابل تغيير موقفها هذا على حق استخدام أدوات مشروعة للدفاع التجاري، لذا من المتوقع أن يشدد البيان الختامي على أهمية التبادل الحر، وبنفس الوقت يعترف بحق الدول في الدفاع عن مصالحها التجارية في حال مواجهتها ممارسات غير شرعية.
وسائل للدفاع التجاري
ورود تعبير يشير إلى وسائل للدفاع التجاري في البيان الختامي لمجموعة العشرين سيشكل سابقة من نوعها في بيانات مجموعة العشرين السابقة التي لطالما كانت تؤكد على مبادئ السوق الحرة والانفتاح والاندماج بالاقتصاد العالمي.
الولايات المتحدة كانت متحفظة على مكافحة الحمائية وستحصل مقابل تغيير موقفها هذا على حق استخدام أدوات مشروعة للدفاع التجاري
إلا أن هذه الصيغة ستحمل جديدًا عن البيانات السابقة، إذ من شأن ذكر وسائل الدفاع التجاري عرقلة أي اتفاق تجاري حر بين بلدين لا يصب في مصلحة أحدهما، وفرض رسوم جمركية على منتجات وخدمات ذلك البلد وهذا بحد ذاته تقويض لكلمة السوق الحر، وتكبيلها باتفاقات قد تؤذي البلد المنتج والمصدر، ولمعالجة هذا سيضطر ذلك البلد إما للقبول بشروط البلد الآخر أو بإيجاد طريق ووسائل تضمن للبلد الآخر الموافقة على إدخال تلك المنتجات دون فرض رسوم جمركية.
بحسب مراقبين فإن مثل هذه الصيغة ستكرس تحولًا في عقيدة التبادل الحر، أما فيما يخص ترامب فمن المتوقع أن يرحب بها كونها تخدم أجندته مع اختلاف التسمية، ولكن هناك زعماء آخرون من المتوقع أن يستفيدوا منها، وفي مقدمتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يدعو إلى سياسة تحمي أوروبا ومواطنيها من العولمة واتفاقات التبادل الحر، وانطلاقًا من هذا قد تؤسس قمة هامبورغ نظامًا اقتصاديًا عالميًا جديدًا، على خلفية بروز صراع تياري العولمة والقومية من جديد.
نظام عالمي جديد
مع تولي ترامب للسلطة وإثارته لنعرات القومية والانعزال بدأت تظهر صراعات بين تياري العولمة والقومية بشكل أوضح من السابق، حيث يقود تيار القومية كل من ترامب وبوتين ورئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي إلى حد ما، أما العولمة فيقود تيارها ويدافع عن شعاراتها كل من الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي يتزعم مجموعة “البريكس” والمستشارة الألمانية ميركل التي تتزعم الاتحاد الأوروبي، وإيمانويل ماكرون إلى حد ما.
من شأن ذكر وسائل الدفاع التجاري عرقلة أي اتفاق تجاري حر بين بلدين لا يصب في مصلحة أحدهما، وفرض رسوم جمركية على منتجات وخدمات ذلك البلد، ومن شأن هذه الصيغة تكريس تحول في عقيدة التبادل الحر
تشير نتائج قمة العشرين التي صرح بها مسؤولون أوروبيون قبيل إعلان البيان الختامي، لقيام نظام عالمي جديد يكرس بشكل أو بآخر للسياسات التي دعا إليها ترامب التي تقف ضد التجارة الحرة والانفتاح وهو ما قد يقود إلى عزلة أمريكا في العالم، في حين كانت متصدرة دول العالم واقتصاداتها طول العقود الماضية، وبنفس الوقت يزيد من التقارب بين الصين وأوروبا، ولأنه نظام جديد فسيحمل بين طياته ملامح جديدة سيختلف عن النظام السابق بكل تأكيد، فمن المتوقع أن تغيب القوة الأمريكية بسبب انسحاباتها المتكررة في عدة مواضع حول العالم.
ملامح هذا النظام بدأت تتوضح مع صعود ترامب إلى السلطة ودعوته إلى تطبيق سياسات حمائية لحماية المواطن والاقتصاد الأمريكي من الاتفاقات التجارية الحرة المعقودة منذ أمد، فيما لا يزال الاتحاد الأوروبي يرى أن التعددية والحرية التجارية هي السبيل للمضي قدمًا في السياسات التجارية، حيث إنها تمكنت من تحفيز النمو الاقتصادي وتحقيق الازدهار وخلق فرص عمل.
وكان الاتحاد الهولندي للصناعة والتجارة واتحاد المصدرين في ألمانيا وعدد من الاتحادات الأوروبية قد حذروا سابقًا الرئيس الأمريكي ترامب من كسر قواعد التجارة العالمية، أو التلاعب بقوانين منظمة التجارة العالمية التي تضمن حرية التجارة بين دول العالم، وذكر الاتحاد الهولندي أن خطط الولايات المتحدة قد تقود إلى اتخاذ البلدان الأخرى لإجراءات مضادة، وفتح مثل هذه المعركة لن يفيد أي شركة أو مواطن.
ومن جهته حذر مدير معهد الاقتصاد العالمي في هامبورغ “هينيغ فوبل” من السقوط في مستنقع السياسات الحمائية وذكر: “قد نسقط في وهم أنه لا يوجد الكثير الذي يجب طرحه على طاولة النقاش فيما يتصل بالاقتصاد العالمي والعولمة” حسب تصريحات نقلها موقع دويتشه فيله وأضاف: “فهناك مجموعة من التطورات الأساسية التي يجب مناقشتها خلال فعاليات قمة مجموعة العشرين، كسياسة إعادة التأميم التي تنتهجها العديد من الحكومات والإجراءات الحمائية التي تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية”.
النتائج التي توصلت إليها قمة هامبورغ في إقرار وسائل للدفاع التجاري لعلها سجلت نقطة للتيار القومي على تيار العولمة الذي تراجع بهذا إلى الوراء
إلا أن ترامب لم يغير من موقفه حتى الآن وهو ما أدى إلى صعود أصوات المصالح القومية للدول على حساب ركائز التجارة الحرة المتبعة منذ زمن، وأوروبا اليوم وبعد مفاوضات حثيثة مع ترامب بشأن تغيير نهجه معها، يبدو سلوكها يتجه نحو الاستقلالية الاقتصادية بشكل أكبر مما مضى، بحيث لا تجد بدًا من التوجه نحو آسيا وإقامة علاقات تجارية معها، وفي المقابل بدأت الصين تحتل مكانة أكبر من أمريكا فيما يخص العلاقات الاقتصادية بين الدول والاتفاقات التجارية معها، بل وتذهب لتأسيس ما يشبه صندوق النقد والبنك الدوليين، وأصبحت قادرة على منح الدول النامية مبالغ مالية كبيرة وبشروط ميسرة مقارنة مع المؤسسات الدولية الموجودة في أمريكا، التي تم إنشاؤها كنتاج للنظام العالمي الذي تلى الحرب العالمية الثانية.
النتائج التي توصلت إليها القمة في إقرار وسائل للدفاع التجاري لعلها سجلت نقطة للتيار القومي على تيار العولمة الذي تراجع بهذا إلى الوارء، والذي قد يُسعد مناصري الاشتراكية والذين يقفون ضد العولمة وسياساتها والتي يرجعون مشاكل الاقتصاد العالمي عليها، من تشوهات وتفاوت طبقي وتزايد ثروة الأغنياء.
ومن جهة أخرى من شأن هذا التفكك وعدم التجمع على سياسة عالمية موحدة أن يفكك قمة العشرين، ويوتر العلاقات التجارية بين الدول وتظهر النزاعات والاصطفافات بين الدول والتكتلات أكثر من ذي قبل، وقد يقود النظام العالمي الجديد إلى تراجع الهيمنة الأمريكية مقابل بروز الصين بتحالف مع ألمانيا وفرنسا.