في الخامس من يوليو الجاري، أعلنت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية لحقوق الإنسان عن اعتقال الشرطة المصرية عددًا من الطلاب الصينيين المسلمين التابعين لقومية “الإيغور”، والذين يدرسون في الأزهر الشريف، تمهيدًا لترحيلهم إلى بلادهم، مشيرة إلى أن ذلك تم بطلب من الحكومة الصينية، وأن هذه الهجمة الشرسة بدأت في اليوم السادس عشر من توقيع وثيقة التعاون الأمني بين الدولة الصينية ممثلة في نائب وزير الأمن الصيني، وبين الدولة المصرية ممثلة في وزير الداخلية المصري مجدي عبدالغفار.
وبالرغم من وجود بروتوكولات تعاون بين الأزهر والحكومة الصينية، أدى إلى وجود عدد كبير من الطلبة الصينيين، يدرسون في جامعة الأزهر، إلا أن مشكلة الصين تكمن مع طلبة “الإيغور”، الذين تم استدعاء البعض منهم قبل أشهر للعودة إلى الصين للتحقيق معهم، وانتشرت أخبار عن اعتقال ذويهم في الصين من أجل الضغط على الطلاب الإيغور في مصر، الذين يرفضون العودة خوفا من الاعتقال والسجن بتهمة “نشر فكر متطرف”، التهمة التي توجه لكل طالب علم صيني لم يحصل على ترخيص من الحكومة الصينية لدراسة التعاليم الإسلامية. حيث تنتشر أخبار عما تعرض له “حبيب تختر” طالب دكتوراه في تخصص أصول الفقة، والذي عاد طوعا إلى الصين بعد علمه باعتقال ذويه في الصين، ليتم القبض عليه والحكم عليه بالسجن لـ 15 عاما.
المسلمون في الصين..
تقول الإحصائيات الحكومية الصينية أن عدد المسلمون في الصين يبلغ 24 مليون نسمة أي حوالي 1.8% من مجمل عدد السكان. في حين تؤكد التقارير غير الرسمية، أن هذه الأرقام غير صحيحة، وأن أعداد المسلمين في الصين تجاوز حاجز الـ 50 مليون نسمة على أقل تقدير.
فيما أشار تقرير أعدته قناة – BON news” Blue Ocean Network” الإنجليزية المتخصصة في شؤون الصين، أن تعداد المسلمين في الصين تجاوز 100 مليون نسمة، ليصل حوالي 130 مليون. أي ما يعادل 10% من جملة سكانها. ليفوق تعداد مسلمي الصين عدد المسلمين في السعودية والعراق وسوريا مجتمعين.
وينتمي المسلمون في الصين إلى عشر أقليات قومية؛ هي قومية “خوي/هوي” 回族، الأكثر تعدادا والأوسع انتشارا، الممثلة في العرب والفرس القدماء الوافدين مع الفتح الإسلامي للصين، وينتشرون في شينج يانغ، ومقاطعات خبى وخنان وشاندونج وإقليم منغوليا ذو الحكم الذاتى. و قومية الهوي مثلهم مثل قومية الهان “القومية الأولى من حيث الانتشار والعدد في الصين”، قدموا عشرات آلاف من الشهداء لقضايا أرض الصين، في مختلف الحروب، فلا يُنظر لهم من جانب “الهان” إلا باعتبارهم أبناء الصين المسلمين.
ويليها “الإيغور” 维吾尔، التي ترجع أصولهم إلى شعوب تركية ويتمركزون في منطقة تركستان الشرقية التي كانت تتمتع بحكم ذاتي قبل أن تضمها الصين لها عام 1949، وتعرف حاليا باسم شنجيانج، ويتواجدون أبناء هذه القومية في بعض مناطق جنوب وسط الصين أيضا.
مصحف طُبع في الصين في مطلع القرن السابع عشر الميلادي
وقوميات “الأوزبك والطاجيك” ذوى الأصول البدوية واللغة الأوزبكية، وقومية “القازاق” المتمركزون في منطقة شينج يانغ، وتقول السلطات إنهم أكثر من مليون وربع المليون نسمة منهم أكثر من مليون في تركستان الشرقية، وقومية “القرغيز” الذين أتوا من قرقيزستان، ولهم في الصين ولاية ذات حكم ذاتي في إطار منطقة كيسنجيانغ، وقومية “التتار” متمثلين في من اجتازوا حدود تتارستان الحالية والقبائل التركية في السابق، وباوآن، وقومية دونغشيانغ التي تقطن مقاطعة قانسو، وهم من أصول منغولية ويعتبرون أول من اعتنق الإسلام من المنغول، وقومية سالار التي تستوطن محافظة شيونهوا ذاتية الحكم ولهم لغتهم الخاصة وهي السالار المنطوقة، وهي أقلهم تعداداً.
ويعود تاريخ وجود المسلمين في الصين، إلى بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) بوقت قليل، عندما سافر التجار العرب إلى الصين حاملين معهم الإسلام، وأنشأ العرب والفرس أحياءًا في مدن: قوانغتشو ويانغتشو وتشيوانتشو وهانغنشو وتشانغآن وكايفنغ ولويانغ، وحافظوا على ديانتهم وتزاوجوا مع الصينيين مع التزامهم بالقوانين الصينية.
قومية الخوي/الهوي Hui People
شباب وشابات من قومية الهوي/الخوي المسلمة
قومية الخوي/الهوي Hui People، مجموعة عرقية صينية تتكون في الغالب من أتباع العقيدة الإسلامية، وبعض معتنقي الديانات الأخرى ويتحدثون الصينية كلغة أم، وينتشرون في جميع أنحاء الصين. على سبيل المثال في؛ بكين، منغوليا الداخلية، خبى، هاينان، ويوننان، لكنهم يتمركزون بكثرة في المقاطعات الشمالية الغربية من البلاد وفي منطقة نينغشيا ذات الحكم الذاتي. ويبلغ تعداد قومية الهوي طبقا للإحصائيات الرسمية، حوالي عشرة ملايين ونصف نسمة، ويرجع تاريخ هذه القومية في منطقة نينغشيا إلى أواخر عهد أسرة تانج الملكية الصينية (من عام 618 م إلى 907 م).
المسجد الكبير التابع لقومية الهوي في شيان
وتقع منطقة نينغشيا على طريق الحرير المشهور تاريخيا، حيث ترك التجار العرب المسلمين أثرهم في هذه المدينة. وبقى الكثير منهم في الصين، فنشروا الإسلام وتزاوجوا مع الصينيين، بل ويمكن اعتبارهم الأجداد الأوائل لقومية هوي/خوي.
وكانوا يسمون “هوي هوي كه” أي ضيوف هوي هوي، أو “هوي هوي رن” أي أبناء هوي هوي. وتذكر المراجع التاريخية الصينية، أن أبناء هوي هوي، انتشروا في جميع أنحاء الصين، وتجمعوا بكثافة في مناطق شنسي وقانسو ونينغشيا. حيث أصبحت قراهم منتشرة على طول المساحة الممتدة من نينغشيا إلى بينغليانغ في مقاطعة قانسو حاليا.
لا يتعرض أبناء قومية الهوي للمضايقات التي يتعرض لها أبناء القوميات المسلمة الأخرى، حيث يُعتبرون عرقية مشابهة قوميا ولغويا وعرقيا لقومية الهان “قومية الهان هي القوام الرئيسي للشعب الصيني وتمثل حوالي 91% من تعداد السكان”
و”نينغشيا” اسمها المختصر نينغ، وتقع في المجرى الأوسط للنهر الأصفر في منطقة شمال غربي الصين، ومساحتها 66 ألف كيلومتر مربع، وعاصمتها ينتشوان.
ولا يتعرض أبناء قومية الهوي للمضايقات التي يتعرض لها أبناء القوميات المسلمة الأخرى، حيث يُعتبرون عرقية مشابهة قوميا ولغويا وعرقيا لقومية الهان “قومية الهان هي القوام الرئيسي للشعب الصيني وتمثل حوالي 91% من تعداد السكان”، بل يعتبرهم البعض هان مسلمين، و يُسمح لهم بالتعبد والصيام وإقامة شعائرهم الخاصة، واستبدال مكونات الطعام المحرمة على المسلمين بمكونات حلال، كما يرتدون ملابس صينية تقليدية تحتوي على عناصر من الثقافة الإسلامية.
كما يطلق أيضا على أبناء قومية الهوي، اسم مسلم صيني. على أساس أنهم فقط من يتحدثون الصينية من القوميات المسلمة الأخرى الموجودة في الصين، كما أطلق عليهم الباحثون الأوروبيون الصينيون المحمدييون في محاولة للتفرقة بينهم وبين قومية الهان.
ويتم التعامل مع مختلف القوميات العرفية المسلمة في مناطق مختلفة من قبل الحكومة الصينية بشكل مختلف فيما يتعلق بالحرية الدينية، فيما يُسمح بحرية أكبر لأبناء قومية الهوي، الذين يستطيعون ممارسة شعائر دينهم، وبناء المساجد.
مسلمون الهوي يصلون صلاة عيد الفطر
كما دعمت الحكومة الصينية في ثمانينات القرن الماضي، المدارس الخاصة الإسلامية وسمحت بها في المناطق الإسلامية، باستثناء شينجيانغ – معقل قومية الإيغور، بسبب الرغبة الانفصالية عن الصين. وبالرغم من أن التعليم الديني للأطفال محظور رسميا بموجب القانون الصيني، إلا أن الحزب الشيوعي يسمح لمسلمي الهوي بتعليم أبنائهم في الدين وحضور حلقات التعليم في المساجد. وبعد الانتهاء من التعليم الثانوي، تسمح الصين للطلاب الهوي الذين لديهم رغبة، بتلقي العلوم الإسلامية على أيدي علماء أو شيةخ متخصصين.
كما يسمح للمدارس الدينية في هوي بإنشاء شبكة كبيرة مستقلة من المساجد والمدارس التي يديرها زعيم هوي صوفي، والتي تشكلت بموافقة الحكومة الصينية.
مسلمون هوي يتناولون وجبة الإفطار في شهر رمضان
وبالرغم من أن كلا من الهوي والإيغور يعتنقان نفس الدين، إلا أنها يعيشان بشكل منفصل ولا يصلون في مساجد بعضهما البعض. حيث يرى الإيغور أن الهوي ساعدوا في قمعهم خلال محاولاتهم للثورة، كما أن توطين الحكومة الصينية للهوي في إقليم شينجيانغ، وزيادة معدل نمو الهوي بصورة أكبر بكثير من الإيغور، تسببت في حدة هذه الصراعات والصدامات.
كما يتهم الإيغور الهوي، بأنهم لا يسعون للاستقلال ويعتبرون الصين وطنهم ولغة العدو “اللغة الصينية” لغتهم الأم.
مسلمو الإيغور أبناء تركستان الشرقية
طائفة الأيغور والتي تعني الاتحاد والتضامن باللغة الأيغورية ، شعوب من أصول تركية، يشكلون واحدة من 56 قومية عرقية في جمهورية الصين الشعبية، ويتمركزون بشكل عام في يتركزون في تركستان الشرقية والتي باتت تعرف باسم شينجيانغ، على مساحة تعادل 1/6 مساحة الصين، كما يتواجدون في بعض مناطق جنوب وسط الصين، ويدينون بالإسلام ويتحدثون لغتهم الإيغورية الخاصة.
وكانت تركستان الشرقية في وقت من الأوقات دولة مستقلة للإيغور، تسمى جمهورية تركستان الشرقية الأولى سنة 1933، والثانية سنة 1949.
وتشير كلمة تركستان في المصادر الإسلامية القديمة، إلى جميع البلاد والأقاليم التي كانت تسكنها الشعوب التركية في العصور الوسطى، فقد كانت تلك الشعوب تمتد على مساحات واسعة من الحدود الغربية للصين حتى الحدود الشرقية للقارة الأوروبية.
خريطة توضح تركستان الشرقية أو ما يعرف شينجيانغ
وتبلغ مساحة تركستان الشرقية ما يزيد عن 1.6 مليون كيلومتر مربع، وتتمتع بأهمية اقتصادية كبيرة، حيث يتوافر فيها قدر هائل من الثروات الطبيعية؛ فهي غنية بالمعادن والفحم الحجري والحديد والكروم والنحاس، كما أنها تختزن احتياطيا نفطيا كبيرا، بالإضافة لتواجد العديد من مناجم الذهب واليورانيوم في أراضيها.
ويسكن في تركستان العديد من الشعوب ذات الأصول العرقية المختلفة، وإن كانت قومية الأيغور أكثرها تواجداً وتأثيراً في المنطقة.
وبعد قرون طويلة من السيطرة التركية على منطقة تركستان الشرقية، بدأت قوة الأويغور في الخفوت، مما أدى إلى لفت أنظار الجار الصيني العملاق، ليبدأ التوجه الصيني الجدي نحو تركستان في عام 1884، عندما أصدر الإمبراطور الصيني “زاي تين” مرسوماً قضى بضم تلك المنطقة إلى الصين، فتمت تسميتها بشيانجيانج Xinjiang، والتي تعني بالصينية “الحدود الجديدة”.
ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، أصبحت تركستان الشرقية تابعة للصين، وهو ما أدى إلى قيام سكان الإقليم بالكثير من الثورات ضد السلطة الصينية. ورغم النجاح المؤقت لبعض تلك الثورات، إلا أنها كلها قد باءت بالفشل في نهاية الأمر.
وفي محاولة من الحكومة الصينية لنزع فتيل التمرد، والقضاء على أي رغبات انفصالية تعززها الهوية الإسلامية، أجبرت الحكومة الأيغور على ترك لغتهم الأيغورية، وفرضت عليهم تعلم اللغة الصينية. كما منعتهم من إقامة الشعائر الإسلامية، مثل إطلاق اللحى وارتداء النساء للحجاب. كما منعت رفع الأذان عبر مكبرات الصوت، بالإضافة إلى وضع قيود صارمة أمام الذهاب إلى المساجد، كمنع دخول مَن تقل أعمارهم عن 18 عاماً لأي مسجد في أنحاء تركستان الشرقية. كما منعت الشباب الإيغوري من تعلم الدراسات الإسلامية، ووجهت لكل من حاول السفر للدراسة خارج الصين تهمة نشر أفكار متطرفة، والتي تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد.
وفي السنين الأخيرة، قامت السلطات الصينية بإجبار مسلمي الإيغور على تناول الطعام في نهار رمضان، وإجبارهم على تناول الأطعمة التي تحرمها الشريعة الإسلامية، مثل لحم الخنزير أو اللحم غير المذبوح على الطريقة الإسلامية، وبيع الخمور ولحوم الخنازير في محالهم التجارية.
جانب من قمع السلطات الصينية لتظاهرات الإيغور
وبرغم نفي الحكومة الصينية ارتكاب مثل هذه الممارسات القمعية، إلا أن منظمتي هيومن رايتس ووتش العالمية ومنظمة هيومن رايتس في الصين، ذكرتا في تقرير نُشر عام 2005، أن الحكومة الصينية تقود حملة شاملة من القمع الديني ضد المسلمين الإيغور الصينيين، تحت ذريعة محاربة النزعة الانفصالية والإرهاب
وأدى هذا القمع من جانب الحكومات الصينية، إلى اندلاع العديد من المصادمات في الإقليم، والتي من أبرزها ما وقع في مدينة غولجا في 5 فبراير 1997، عندما تظاهر الآلاف من الأيغور للمطالبة بحقوقهم، وقابلته السلطة بعنف مبالغ فيه أدى إلى سقوط ضحايا ومصابين، وكذلك أحداث أوروميتشي في 5 يوليو 2009، عندما اندلعت اضطرابات عرقية بين الأويغور والهان، مما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا.
وتركستان الشرقية تعتبر ممرًا بريًّا يصل الصين بحقول النفط والغاز في قرغيزستان وآسيا الوسطى، ويرى الباحثون أن هذه الموارد هي سبب هذا القمع من جانب السلطات الصينية، فبرغم كثرة الموارد الموجودة في الإقليم، إلا أن المستوى الاقتصادي للمسلمين فيه ضعيف جدًا؛ فهم يعانون من البطالة والأمية بسبب سياسة التمييز التعليمية التي اتبعت ضدهم، ولا يستطيعون النهوض في المجال الاقتصادي بسبب ضيق الحال.