ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد مرور شهر عن قرار فرض الحصار على قطر، مازالت السعودية تصعد وتزيد من حدة التوترات في الخليج على حساب المصالح الأمنية الأمريكية. وعلى نحو متزايد، أصبحت الجهات الإقليمية الفاعلة، على غرار طهران وأنقرة، أطرافا ذات وزن في الصراع القائم في المنطقة، وهي تتخذ خطوات فعالة لتتماشى مع مصالحها وتطلعاتها الإقليمية.
في الواقع، لن يؤدي ذلك إلا إلى إدامة الصدع وتعطيل جهود المفاوضات، خاصة وأن العلاقات مع إيران وتركيا هي التي تقود مطالب السعودية. من جانب آخر، للولايات المتحدة مصلحة أمنية في منع انتقال الصراع إلى مسرح إقليمي آخر، وفي حال ظل النهج الذي تسلكه واشنطن منقسما، أو أسوأ من ذلك، ساهم في خلق صراعات أخرى، فعندها من المرجح أن تشهد الولايات المتحدة على تلاشي نفوذها في المنطقة.
وفي الوقت الذي دعت فيه إيران إلى إيجاد حل دبلوماسي للأزمة، سعت بكل حماس لمساعدة قطر من خلال تقديم المساعدات والسماح للطائرات بعبور مجالها الجوي. والجدير بالذكر أن قطر ليست الشريك التجاري الوحيد لإيران من بين دول مجلس التعاون الخليجي، إذ أن الإمارات العربية المتحدة لا تزال ثاني أكبر سوق للصادرات في إيران.
ومع ذلك، فإن ملامح دعم طهران للدوحة خلال الحصار سياسية بالأساس وتتعدى حدود الدعم الاقتصادي. في الواقع، تستقبل قطر مئات الأطنان من الأغذية يوميا من إيران، كما دعا زعيما البلدين إلى التعاون من أجل “تعزيز العلاقات الثنائية”. بالنسبة للرياض، قد تكون هذه التطورات أمرا غير مفاجئ لها، لكنها تبقى غير مرغوب فيها. لذلك، فإن قطع العلاقات مع إيران هو الطلب الأول على قائمة الثلاثة عشر نقطة التي أرسلها السعوديون إلى قطر، والتي أعلن وزير خارجية قطر عن “رفضها”.
في الحقيقة، إن إستراتيجية المملكة العربية السعودية لم تحقق أي نجاح يذكر، نظرا لأنه كلما ابتعدت قطر عن مجلس التعاون الخليجي زاد قربها من إيران. وسط تقارير لم يتم التحقق منها مفادها أن الحرس الثوري الإيراني يحمي أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، قامت إيران بتعبئة قواتها البحرية بالقرب من مضيق هرمز في إطار تدريبات بحرية مشتركة مع الصين، كما تم إجراء ألعاب حربية على بعد أميال قليلة من المياه السعودية.
يشترك كل من أردوغان وحزب العدالة والتنمية الإسلامي رؤية تعتبر فيها قطر حليفا نادرا وقويا يشاطرها نفس الرؤية الإقليمية. وعلى غرار إيران، حاولت تركيا مد قطر بالمساعدات الضرورية خلال الحصار، ليبلغ مجموع الصادرات 33 مليون دولار خلال عشرين يوما فقط
وبينما لا تزال الدولتان عالقتان في المستنقع اليمني والسوري، ترى إيران أن هذا الصدع بمثابة فرصة إستراتيجية لتعزيز دعمها لأعداء خصومها. ولكن إيران لم تكن الدولة الوحيدة التي تشارك في تعميق الصدع، نظرا لأن تركيا، وبطريقة غير مباشرة، تسعى من خلال مشاركتها في الخلاف إلى تحقيق أهداف مختلفة.
في المقابل، في حين تعتبر إيران المعزولة الصدع الناتج عن الأزمة الخليجية فرصة لها، تعتقد تركيا أن هذا يشكل تهديدا على مصالحا. والجدير بالذكر أن العلاقات التركية-القطرية الحالية هي ثمرة النظام الإقليمي الجديد الذي أعقب الربيع العربي، حيث تعتبر تركيا نفسها طرفا أساسيا، في الوقت الذي يثير فيه دعم قطر للجماعات الإسلامية حفيظة جاراتها الخليجية.
من جانب آخر، يشترك كل من أردوغان وحزب العدالة والتنمية الإسلامي رؤية تعتبر فيها قطر حليفا نادرا وقويا يشاطرها نفس الرؤية الإقليمية. وعلى غرار إيران، حاولت تركيا مد قطر بالمساعدات الضرورية خلال الحصار، ليبلغ مجموع الصادرات 33 مليون دولار خلال عشرين يوما فقط.
في إشارة رمزية، سارع أردوغان أيضا إلى نشر عدد إضافي من القوات التركية في قطر، لينتقل عددهم من 88 إلى ألف عنصر. لكن، يظل عددهم ضئيلا مقارنة بالقوات الأخرى، لكن توقيت نشر هذه القوات، الذي كان بعد يومين من قطع دول الخليج علاقاتها مع قطر، رمزي بما فيه الكفاية. ومن هذا المنطلق، جاء طلب إغلاق القاعدة التركية في قطر ووقف العمليات العسكرية مع أنقرة في المرتبة الثانية على قائمة تضم 13 نقطة.
من جانبها، قالت قطر إن “الظروف في المنطقة” تستدعي تكثيف التعاون الدفاعي مع تركيا. وبينما تزيد السعودية من تفاقم الأزمة، وصف أردوغان القائمة بأنها “نهج قبيح جدا في محاولة للتدخل في اتفاقنا [العسكري]”. فضلا عن ذلك، ردت أنقرة على الأزمة من خلال إدارة التحالف لذلك تعتبر رسالة أردوغان واضحة ولا لُبس فيها؛ وهي تقر بأن أنقرة لن تتعرض للتخويف من قبل الرياض.
عموما، إن نهج السعودية تجاه الأزمة هو شكل من أشكال الإشارات المكلفة لأنه عند القيام بحملة عامة عدوانية سيكون من الصعب التراجع عنها دون وقوع أضرار سياسية. فالمملكة العربية السعودية وحلفاؤها يفهمون المنطق وراء هذا النهج، ولكن لم يأخذوا بعين الاعتبار أن إيران وتركيا على دراية بذلك أيضا.
وعلى خلفية ما تطورات أزمة الخليج، من غير الواضح ما إذا كانت المملكة العربية السعودية قد تنبأت بحجم الدعم الذي تقدمه كل من إيران وتركيا لقطر، أو إذا كانت مستعدة للمخاطرة بمصداقيتها من خلال المساس بمطالبها من أجل قياس هذا الالتزام. وفي حال استمر الصراع على نفس الوتيرة، إلى حين حلول 5 تموز/ يوليو، يجب على الولايات المتحدة أن تكون حذرة من الجهات الفاعلة الإقليمية المشاركة في النزاع.
في الحقيقة، لإيران مصلحة في تقسيم الكتلة السنية خصوصا بعد أن أشار ترامب في قمة الرياض إلى ضرورة عزل طهران. من ناحية أخرى، تركيا على خلاف متزايد مع الولايات المتحدة في شمال سوريا، وبالتالي يمكن أن تستفيد من تقاربها الجديد مع إيران لتحقيق تسوية مواتية في سوريا مع إعادة رسم خريطة سوريا السياسية، علما بأن هه السيناريوهات تتعارض مع المصالح الأمنية الأمريكية.
إن مجلس التعاون الخليجي، كما تدرك الولايات المتحدة الأمريكية، قد أصيب بأضرار لا رجعة فيها، لكن واشنطن لا تزال تحافظ على نفوذها المسلط على أعضائها المختلفين، وهو نفوذ يمكن أن يتلاشى مع مشاركة طهران وأنقرة
وفي خضم الأزمة، يبدو أن الممثل الوحيد المفقود في هذا المشهد هو الولايات المتحدة الأمريكية. فعلى الرغم من الحاجة الملحة للحفاظ على وحدة الخليج، لم تُظهر الولايات المتحدة أي موقف دبلوماسي متماسك تجاه النزاع. ومما لا شك فيه، تحتاج واشنطن إلى كل من المملكة العربية السعودية لتحقيق التوازن بين إيران، فضلا عن قاعدة العديد في قطر، أكبر قاعدة أمريكية إقليمية، لتنفيذ عملياتها العسكرية في سوريا والعراق وأفغانستان.
وفي سياق متصل، إن قرار رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بوب كوركر، الذي ينص على وقف مبيعات الأسلحة المستقبلية إلى دول مجلس التعاون الخليجي حتى يتم حل النزاع، يعد حسب المنطق الأمني مقبولا، بيد أن المملكة العربية السعودية لم تحل على علامات تدل على أنها سوف تعترف بهذا النوع من الضغوط.
باختصار، إن مجلس التعاون الخليجي، كما تدرك الولايات المتحدة الأمريكية، قد أصيب بأضرار لا رجعة فيها، لكن واشنطن لا تزال تحافظ على نفوذها المسلط على أعضائها المختلفين، وهو نفوذ يمكن أن يتلاشى مع مشاركة طهران وأنقرة. وبالتالي، إذا لم تتخذ الولايات المتحدة خطوات لحل النزاع بين اثنين من حلفائها، ستجد نفسها على نحو متزايد تتعامل مع الخصوم الخارجيين والجهات الفاعلة العدائية على حد السواء.
المصدر: نيوزويك