بالرغم من الصفعة الأخيرة التي وجهت للوبي الصهيوني في لندن، والمتمثلة في تسريبات قناة الجزيرة الإنجليزية بداية العام الجاري وفضحها لنفوذ هذا اللوبي في بريطانيا وإيقاعه بالمسؤولين البريطانيين وبعض النواب وإسقاطهم، إلا أن هذا اللوبي ما زال يعمل على تلميع صورة دولة الاحتلال واظهارها كضحية، وفي المقابل، ما زال يعمل على تشويه الفلسطينيين وقضيتهم، فهو لا يحبّ أن يرى أي شيء يظهر وجهًا من وجوه معاناة الفلسطينيين أو يعرّف بقضيتهم.
وآخر نشاطات هذا اللوبي المضادة، هو محاولته إلغاء فعالية فلسطينية كبيرة في لندن، تعرّف بفلسطين وشعبها وقضيتها وتراثها، حيث تنظّم مؤسسة “أصدقاء الأقصى” (فريندز أوف الأقصى) البريطانية، معرض فلسطيني في لندن يعد الأضخم من نوعه في أوروبا بمناسبة ذكرى وعد بلفور، حيث يقول القائمون على هذه الفعالية أن الآلاف من المشاركين حضروا في اليوم الأول للفعالية النوعية، فيما يتوقع أن يزيد عدد الحضور في اليوم التالي للفعالية، وهو ما يغيظ اليمينيين المتشددين في لندن وأرباب اللوبي الصهيوني.
جانب من فعاليات معرض فلسطين
والفعالية هي عبارة عن معرض فلسطيني، يتضمن مناقشات سياسية وحفلات موسيقية وأعمال كوميدية وورش عمل، وصالة طعام، وغيرها من الفعاليات، في مركز “QE2 Centre” في العاصمة البريطانية لندن، تبدأ في عطلة نهاية الأسبوع يومي 8 و 9 تموز/ يوليو، حيث يتوقع المنظمون أن تجذب الفعاليات حوالي 10 ألف شخص.
كانت إدارة المجتمعات المحلية والحكومة المحلية في لندن قد كتبت إلى المنظمين يوم 14 حزيران/ يونيو الماضي، أن وزير شؤون المجتمعات والحكم المحلي ساجد جاويد، يفكر في إنهاء العقد مع منظمي الفعالية الفلسطينية
هذه الفعالية والتي تعد من أكبر الفعاليات الفلسطينية في أوروبا تعرضّت إلى التهديد بالحظر بعدة أشكال خلال الأسابيع الأخيرة، وخصيصًا بعد تدخل الحكومة البريطانية، التي كتبت إلى منظميها بأنها تدرس وقفها، وسط حديث عن ضغط لوبي مؤيد لإسرائيل على الحكومة.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية قبل نحو أسبوعين، فإن الفعالية الفلسطينية تهددت بالحظر، ناقلة عن منظمي الفعاليات اتهامهم للحكومة بأنها ترضخ لضغوطات لوبي إسرائيلي. حيث كانت إدارة المجتمعات المحلية والحكومة المحلية في لندن، المسؤولة عن مركز “QE2 Centre“، قد كتبت إلى المنظمين يوم 14 حزيران/ يونيو الماضي، أن وزير شؤون المجتمعات والحكم المحلي ساجد جاويد، يفكر في إنهاء العقد مع منظمي الفعالية الفلسطينية.
وليس هذا القرار هو الأول الذي تستهدف فيه الحكومة المحلية الفلسطينيين، إذ إنها خسرت مؤخرا قضية لصالح الحملة البريطانية للتضامن مع فلسطين (PSC)، بعد رفعها للمحكمة طعنا في عدم قانونية منع حملات المقاطعة للاحتلال الإسرائيلي، التي أقرتها الحكومة.
الحكومة البريطانية عللت توجهها بحظر المعرض الفلسطيني بسبب مخاوف من أن المنظمين أعربوا عن تأييدهم العام لمنظمة وصفتها بـ”المحظورة”، وهي حركة حماس
وقالت الحملة، في بيان لها قبل نحو شهر إن قرار المحكمة يعد نصرا للديمقراطية وللقانون على محاولات حكومة اليمين الإسرائيلي، التي تحاول تكميم الأفواه. حيث أعلنت الحملة البريطانية للتضامن مع فلسطين (PSC)، في الوقت نفسه أنها كسبت القضية القانونية التي كانت رفعتها للمحكمة ضد الحكومة البريطانية للطعن في عدم قانونية منع حملات المقاطعة للاحتلال الإسرائيلي.
لماذا كل هذه الحرب على المعرض؟
وفق تقرير “الغارديان” فإن الحكومة البريطانية عللت توجهها بحظر المعرض الفلسطيني بسبب مخاوف من أن المنظمين أعربوا عن تأييدهم العام لمنظمة وصفتها بـ”المحظورة”، وهي حركة حماس، وأن الحركة تدعم الفعاليات، وأنه يجري الثناء على حماس وحزب الله خلال هذه الفعاليات.
ونقلت الصحيفة رد المنظمين من “أصدقاء الأقصى”، إلى الحكومة المحلية، إذ اشتكوا الحظر المقترح، ووعدت الحكومة باتخاذ قرار حاسم قريبًا. إلا أن وزارة الثقافة أعربت عن أسفها لعدم اتخاذ قرار بعد، قائلة إن جاويد كان مشغولا بالأحداث الأخيرة التي وقعت، في إشارة واضحة إلى كارثة برج غرينفيل، بحسب الصحيفة.
حضور كثيف من قبل البريطانيين لفعالية معرض فلسطين
ونقلت عن إسماعيل باتيل، مؤسس منظمة “أصدقاء الأقصى”، قوله، إن الإدارة المحلية تدخلت بشكل غير قانوني في هذا الحدث الفلسطيني. وأضاف أنهم “فشلوا في تقديم أي سبب لاختيارهم إلغاء حدث يسعى للاحتفال بالثقافة والتراث الفلسطينيين”. متهمًا الإدارة المحلية بأنها تتصرف بناء على ضغوطات من لوبي مؤيد لإسرائيل.
اللوبي الأكثر نفوذًا في بريطانيا
كان التحقيق الاستقصائي لقناة الجزيرة الذي تحدثنا عنه بداية هذا العام أثر كبير في كشف دور اللوبي الصهيوني في إزاحة أعضاء البرلمان الذين ينتقدون “إسرائيل”، ولقد فجّر ذلك التحقيق حالة من الغضب لدى البريطانيين وكشف متى تغلغل هذا اللوبي في بريطانيا، فهو يؤثر على البرلمان والوزراء والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني.
والآن، ما بين تبني الحكومة البريطانية للمفهوم الجديد لـ”اللاسامية”، ومشروع إصدار قانون يمنع مقاطعة إسرائيل، وآخر يمنع صرف المساعدات النقدية للسلطة الفلسطينية، أو يمنع المؤتمرات التي تدعم القضية الفلسطينية، تستمر الاستجابة لضغوط اللوبي الصهيوني في بريطانيا، وبعضها ينجح، وبعضها يفشل، كحادثة المعرض الفلسطيني هذه.
أحد الفعاليات التضامنية مع الشعب الفلسطيني في لندن
أما في أكتوبر / تشرين الأول الماضي، نجحت ضغوطات اللوبي الصهيوني في بريطانيا، بتوجيه وزيرة التنمية الدولية “ريتي باتل” نحو تجميد المساعدات المالية المُخصصة للسلطة الفلسطينية، والتحقيق في كيفية صرف المساعدات التي تقدمها بريطانيا للفلسطينيين. وذلك بعد أن خاض هذا اللوبي عبر شخصياته البريطانية حملة تستهدف ربط هذه الأموال بتمويل “الإرهاب والتحريض”، حتى إن رئيسة مجموعة “أصدقاء إسرائيل” في كتلة “حزب العمال” في مجلس العموم البريطاني “جوان ريان”، تقدمت بطلب لتشكيل لجنة مستقلة تضم نوابًا من جميع الأحزاب؛ لمراجعة كيفية صرف السلطة الفلسطينية للمساعدات النقدية، زاعمة بأن “بعض هذه الأموال تُصرف كرواتب لإرهابيين في قطاع غزة، ولأسر وعائلات إرهابيين محكومين بجرائم قتل إسرائيليين”، حسب صحيفة “ذي صن” البريطانية.
بسبب نفوذ اللوبي الصهيوني في بريطانيا، قامت عدد من الجامعات البريطانية في مارس/ آذار عام 2015 بالاعتذار عن استضافته المؤتمر السنوي الذي كان من المفترض أن يتناول “دور بريطانيا والصهيونية في تأسيس دولة إسرائيل”
وليست هذه الحادثة فحسب دليل على حجم الحرب التي يقودها اللوبي الصهيوني في بريطانيا ضد الفلسطينيين، ففي نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، استنكر المنتدى الفلسطيني في بريطانيا إعلان الحكومة البريطانية عن نيتها الاحتفاء بالذكرى المئوية لـ”وعد بلفور”، وقال المنتدى إنه “إمعانًا في الظلم واستهتارًا بالمشاعر الفلسطينية، يرسل رسالة في غاية السلبية عن موقف الحكومة البريطانية اليمينية الحالية التي تتماهى في مواقفها من القضية الفلسطينية مع اللوبي الإسرائيلي وتخضع لضغوطه”، أما رئيسة الوزراء البريطانية “تيريزا ماي”، وفي أول خطاب لها أمام منتدى “أصدقاء إسرائيل” في حزب المحافظين، فقد تعهدت بإصدار قرار حكومي جديد؛ يقضي بتوسيع مفهوم “اللاسامية”؛ ليتضمن التعبيرات الموجّهة ضد “إسرائيل” نفسها، وليس فقط ضد اليهود واليهودية، ويأتي ذلك حسب مكتب رئاسة الوزراء البريطانية بهدف ضمان عدم تملّص ونجاة المسيئين لليهود ومجتمعاتهم ومؤسساتهم، على حد تعبيرها.
وبسبب نفوذ اللوبي الصهيوني في بريطانيا، قامت عدد من الجامعات البريطانية في مارس/ آذار عام 2015 بالاعتذار عن استضافته المؤتمر السنوي الذي كان من المفترض أن يتناول “دور بريطانيا والصهيونية في تأسيس دولة إسرائيل”؛ وهو ما دفع الطلبة العرب إلى عقده في أحد الفنادق، ونقل موقع “الجزيرة نت” عن رئيس المؤتمر قوله إن اللوبي الإسرائيلي قام بالتشويش على المؤتمر وعرقلته، وذلك عبر إعطاء معلومات مضللة للجامعة التي كان يفترض أن يقام فيها المؤتمر.
وحتى الصحف البريطانية لم تسلم من تحركات هذا اللوبي، حيث كشفت صحيفة “الغارديان” في فبراير / شباط 2015، عن أن غالبية الشكاوى التي تصل الصحيفة هي قادمة من المؤيدين لـ”إسرائيل”، الذين شكلوا سيلًا دائمًا من الاعتراض، كأفراد ومجموعات ومن السفارة الإسرائيلية نفسها في لندن، على التغطية الإعلامية للصحيفة لما عرف بانتفاضة السكاكين في الضفة الغربية في فلسطين.
البريطانيين باتوا اليوم بحاجة إلى تحقيق شامل وكامل في سلوكيات السفارة الإسرائيلية ونفوذها في لندن، وفي ارتباطاتها، وفي علاقات وتمويل “أصدقاء إسرائيل” في حزب المحافظين و”أصدقاء إسرائيل” في حزب العمال – وزير بريطاني
ويعتاد اللوبي الصهيوني في بريطانيا الضغط على وسائل الإعلام البريطانية، إذ كشفت الصحيفة النقاب عن قيام منظمات بحشد التأييد لـ”إسرائيل” من خلال دعوة الصحافيين البريطانيين إلى زيارات لدولة الاحتلال في رحلات لاستكشاف الحقائق، وهناك توفر لهم مقابلة كبار الشخصيات الحكومية، وهي حملة كلفت بليونير يهودي ما يقرب من 4 .1 مليون جنيه إسترليني خلال سنتين.
هذا كله غيض من فيض تحركات اللوبي الصهيوني المشبوهة في بريطانيا، فهو منذ سنوات طويلة يقدم المنح والهدايا والدعم المادي والعيني للأحزاب البريطانية وبعض النواب وحتى بعض الوزراء.
حتى أن أحد الوزراء البريطانيين الذي رفض الكشف عن هويته في مقالة نشرتها صحيفة “ديلي ميل” قبل نحو 6 أشهر، قال إن البريطانيين باتوا اليوم بحاجة إلى تحقيق شامل وكامل في سلوكيات السفارة الإسرائيلية ونفوذها في لندن، وفي ارتباطاتها، وفي علاقات وتمويل “أصدقاء إسرائيل” في حزب المحافظين و”أصدقاء إسرائيل” في حزب العمال.
وأضاف الوزير في مقالته -التي أشار فيها إلى أنه لو أفصح عن هوية كاتبها لتعرض لكليل من النقد والشتم والتشهير والهجوم- :”نحتاج إلى تعهد من كافة الأحزاب السياسية بأنهم يرحبون بالدعم المالي والسياسي الذي تقدمه الجالية اليهودية في بريطانيا، ولكنهم لا يقبلون أي نشاط يرتبط بـ”إسرائيل”، إلى أن تتوقف تماما عن البناء غير القانوني في الأرض الفلسطينية، إن هذا التمويل غير الشفاف والتعامل بالباطن عار وذل وطني، ولا بد أن يجتث من الجذور”.