شنّت “إسرائيل” عملية استخباراتية/عسكرية ببلدة السيدة زينب قرب العاصمة السورية دمشق، تمكنت خلالها من اغتيال أحد أبرز مستشاري الحرس الثوري في سوريا، اللواء رضي موسوي، الذي مثل اسمه علامة بارزة في مسار الحرب السورية، خصوصًا أنه كان من أوائل جنرالات الحرس الذين رافقوا قائد قوة القدس السابق قاسم سليماني، ونجح عبر خبرته الطويلة في الساحة السورية، التي تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، في قيادة المجموعات والمليشيات المسلحة للقتال إلى جانب النظام السوري، في حربه ضد قوى المعارضة السورية.
يعد موسوي أحد أبرز منسقي العلاقة بين إيران والنظام السوري، كما أنه لعب دورًا مهمًا في تنسيق عمليات الدعم اللوجستي، عبر توصيل الأسلحة والمعدات إلى “حزب الله” اللبناني عبر الأراضي السورية، فضلًا عن دوره في عمليات القصف الصاروخي التي طالت شمال “إسرائيل” خلال الفترة الماضية، لذلك تمثل عملية اغتياله ضربة كبيرة للدور الإيراني في سوريا، وهي لا تقل تأثيرًا عن عملية اغتيال سليماني، لعلاقاته الجيدة مع جميع الأطراف الموالية لإيران، التي تقاتل على الساحة السورية.
وفي هذا السياق أيضًا، قاد موسوي الوحدة 2250 التابعة لقوة القدس في الساحة السورية، وهي وحدة عمليات خاصة تختص بعمليات صنع وتجميع الطائرات المسيرة، وتطوير الصواريخ المرسلة للنظام السوري، وعملت هذه الوحدة على تنشيط الهجمات عبر الطائرات المسيرة على المواقع التي تتمركز فيها القوات الأمريكية في شرق سوريا، إلى جانب دعم العمليات العسكرية التي يشنها النظام على مواقع المعارضة السورية، ولعل هذا ما يفسر قربه من قائد قوة القدس إسماعيل قآني، الذي عمل على منح موسوي العديد من المهام في الساحة السورية، وتحديدًا تلك المتعلقة باحتواء الهجمات الإسرائيلية على مواقع الحرس في الداخل السوري.
مقتل العميد سيد رضي موسوي في منزله في السيدة زينب في دمشق، مسؤول الحرس الثوري الإيراني في سوريا، قال السفير الإيراني في سوريا "تم استهداف منزله على ما يبدو بثلاثة صواريخ من الكيان الصهيوني".
عرّفة بيان الحرس الثوري بأنه "أحد المستشارين العسكريين القدامى لدى الحرس" ومن رفاق درب… pic.twitter.com/8M3Zt10adG— أحمد أبازيد (@abazeid89) December 25, 2023
دوافع إسرائيلية وراء الهجوم
مما لا شك فيه أنه نتيجة الأدوار التي قام بها موسوي في الداخل السوري، التي قد تكون الدافع الرئيسي وراء قيام “إسرائيل” بعملية اغتياله، فقد عملت إيران خلال الفترة الماضية على تمويه تحركاته في الساحة السورية، بعد عدة محاولات فاشلة قامت بها “إسرائيل” لاغتياله في فترات سابقة.
إلا أنه ونظرًا للدور الإيراني غير المباشر في حرب غزة، خصوصًا على مستوى اتهام “إسرائيل” لها بدعم حركة حماس عسكريًا ولوجستيًا، فضلًا عن الدور الذي تقوم به حركة الحوثي اليمنية والمدعومة من إيران، وتحديدًا الهجمات التي تشنها الحركة على السفن الإسرائيلية العابرة بمضيق باب المندب والبحر الأحمر، أو حتى في تعطيلها لخطوط الشحن الدولية، فإن “إسرائيل” على ما يبدو كانت بحاجة إلى هدف عالي المستوى من أجل ردع إيران، وإجبارها على التراجع خطوة للوراء.
ورغم أن الخطوة الإسرائيلية الأخيرة قد لا تأتي بنتائج حاسمة على مستوى السلوك الإيراني، فإنها قد تجبر إيران على مراجعة حساباتها قليلًا، فعملية اغتيال مسؤول قسم البحوث وتطوير التكنولوجيا بمنظمة الصناعات الدفاعية العقيد حسن صياد خدائي في طهران عام 2022، الذي عمل في سوريا أيضًا ضمن الوحدة 840 التابقة لقوة القدس، لم تثن إيران عن المضي قدمًا في تعزيز نفوذها بالداخل السوري، بل وزيادة حجم المخاطر التي تطال “إسرائيل” من الساحة السورية، عبر تنسيق عمليات التمركز في الجنوب السوري.
إن قابلية إيران لاستيعاب الخسائر هي ما منحتها أفضلية نسبية في مسار المواجهة مع “إسرائيل”، فنجاح “إسرائيل” في نقل حرب الظل مع إيران إلى داخل طهران، عبر تدمير العديد من شبكات المنشآت النووية، أو اغتيال العديد من العلماء النوويين، إلى جانب تجنيد العشرات منهم، لم يثن إيران عن مواصلة جهودها في زرع المخاوف لدى صناع القرار في “إسرائيل”، وتحديدًا على مستوى القدرات النووية، مع ضرورة التأكيد على أن الاستجابة الإيرانية لهذه الخسائر، هي ما شجعت “إسرائيل” على مواصلة هجماتها، انطلاقًا من فكرة أن إيران لن تغامر بالرد عليها.
هل سترد إيران على الاغتيال؟
نظرة بسيطة لطبيعة ردود الفعل التي صدرت عبر تصريحات صحفية من مسؤوليين إيرانيين، أبرزهم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، تشير إلى الأثر الذي تركته عملية الاغتيال، ورغم أن إيران تمتلك خزانًا كبيرًا من المستشارين في الداخل السوري، فإن نوعية وتأثير موسوي ستلقي بظلالها على التحركات الإيرانية في المرحلة المقبلة، فهو يجمع مزيج مهم من مجازفة سليماني وتردد قآني، ويحسب له أنه حيد العديد من الأهداف الإيرانية في الداخل السوري، من تأثير الضربات الإسرائيلية المستمرة.
وكالة مهر الإيرانية تبث صورة من الأرشيف للمسؤول في الحرس الثوري #رضي_الموسوي الذي اغتالته إسرائيل في سوريا مع زعيم #حزب_الله حسن نصر الله#الحدث pic.twitter.com/kQuRuhvVbO
— ا لـحـدث (@AlHadath) December 26, 2023
وقياسًا على اغتيال سليماني، لا يتوقع أن تقدم إيران على فعل إستراتيجي عالي المستوى، ردًا على اغتيال موسوي.
ونظرًا للظروف الحرجة التي تعيشها إيران وحلفاؤها في المنطقة، فإن قابلية رفع مستوى المخاطر مع “إسرائيل” تبدو محدودة، خصوصًا أن إيران حرصت طيلة فترة الحرب الإسرائيلية ضد غزة، على الحفاظ على الطابع المحدود لهذه الحرب، وعدم السماح باتساعها خارج الأراضي الفلسطينية.
تدرك إيران أن توسيع الحرب في غزة، كرد على عملية اغتيال موسوي، قد تمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فرصة توحيد الجبهة الداخلية الإسرائيلية إزاء عدو أكثر تأثيرًا من حماس، ولا يتوقع أن تمنح إيران هذه الذريعة له، خصوصًا مع قابلية أن يحظى نتنياهو بإجماع دولي أكبر من الذي حصل عليه في حربه على غزة، وبإجراء موازنة سياسية بين قيمة النظام وقيمة موسوي، قد تفضل إيران الحفاظ على استقرار النظام، دون التفكير العملي بالانتقام من “إسرائيل”، وهي الموازنة نفسها التي فرضت نفسها على إيران عقب اغتيال سليماني.
رغم الحديث الإسرائيلي المستمر عن النجاح في تدمير 90% من البنى التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا، قإن إيران ما زالت قادرة على استيعاب المزيد من الخسائر
قد تبحث طهران عن حلول أقل تطرفًا، حلول قد تجعلها تمارس لعبتها المفضلة، “الهجمات سهلة الإنكار”، والحديث هنا عن هجمات يشنها حلفاؤها ردًا على عملية الاغتيال، وهو ما بدا واضحًا في البيان الذي أصدرته “حركة النجباء” العراقية الموالية لإيران، التي عبرت عن استعدادها لشن هجمات على أهداف إسرائيلية ردًا على اغتيال موسوي، أو قد نشهد مزيدًا من التصعيد في البحر الأحمر، عبر تنشيط هجمات الحوثي على السفن الإسرائيلية.
وفي هذا الإطار، قد تفرض العمليات الاستخباراتية نفسها في معادلة الرد الإيراني المحتمل، فبعد نجاح “إسرائيل” في اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، شنت إيران العديد من الهجمات الاستخباراتية الفاشلة، لاستهداف رعايا إسرائيليين في تركيا واليونان وإثيوبيا، كما أن الهجمات السيبرانية الإيرانية نجحت في تعطيل العديد من المؤسسات والقطاعات الخدمية داخل “إسرائيل” خلال الفترة الماضية، وقد تعول إيران عليها لتجنب المزيد من الردود الإسرائيلية الخطيرة.
إجمالًا، إن الحديث عن تداعيات اغتيال موسوي على الدور الإيراني في سوريا ما زالت مبكرة، فرغم الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الأهداف الإيرانية في الداخل السوري، ما زالت إيران تتمتع بوضع جيد، ففي عام 2022 شنت “إسرائيل” 49 هجومًا على أهداف إيرانية متنوعة، وخلال عام 2023، شنت “إسرائيل” 35 هجومًا، بسبب تصاعد النشاطات الإيرانية على الأرض السورية بقيادة قوة القدس، لنقل معدات الأسلحة والمكونات الدقيقة الخاصة بالصواريخ والمسيرات (الانتحارية والقتالية)، وأنظمة الدفاع الجوي الإيرانية إلى مواقعها على الأرض السورية.
ورغم الحديث الإسرائيلي المستمر عن النجاح في تدمير 90% من البنى التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا، فإن إيران ما زالت قادرة على استيعاب المزيد من الخسائر، من أجل الحفاظ على مشروعها الإستراتيجي في المنطقة، المتمثل بحلم وصولها الآمن للبحر المتوسط.