شنت “إسرائيل” خلال الـ20 عامًا الماضية عدة حروب على قطاع غزة المحاصر، وفي كل مرة تُخرج من مخازنها أسلحة جديدة تقصف بها الفلسطينيين المدنيين والعزَّل، وسرعان ما تروجها في الأسواق العالمية، لتصبح حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على المدنيين أحدث اختبارًا لصناعة الأسلحة الإسرائيلية في أرض غزة.
حقل تجارب
على مر السنين، اختبر جيش الاحتلال الرصاص المطاطي والبنادق الآلية والطائرات المسيَّرة، وأشكالًا مختلفة من حلول تفريق الحشود، التي تسببت في إصابات خطيرة للفلسطينيين، وأطلق العديد من هذه الأسلحة على المتظاهرين السلميين الذين كانوا يحتجون ضد جدار الفصل العنصري والمستوطنات في الضفة الغربية المحتلة منذ عام 2002.
أسلحة مثل المياه الملوثة المسماه بـ”مياه الظربان” (skunk water) استخدمت لأول مرة في قرية بلعين الواقعة غرب مدينة رام الله بالضفة الغربية، لتفريق المتظاهرين. هذا السلاح المنسوب إلى الرائحة الكريهة التي يطلقها الظربان، ينشر رائحة تعشش في البيوت والجدران والثياب، طورته شركة “أدورتك” (Odortec) الإسرائيلية باعتباره “سلاحًا لقمع الاحتجاجات والعقاب الجماعي”.
قبل سنوات ثار جدل حول منتج skunk (مسمى على حيوان الظربان/الدُّربان/أبو الكِعِّيب والبخرج رائحة عفنة كآلية دفاعية). المنتج لشركة Odortec الاسرائيلية وتم وصفو بإنو شبه رائحة مجاري الصرف الصحي وجثث بقر متعفنة.. ويفوقهم سوءًا.
هل اشترتو قوات الأمن أو مُنتج مشابه؟#مليونية25ديسمبر pic.twitter.com/NcSNj6JAkn
— Mohammed A.Rahman (@m7rhman) December 25, 2021
إلى جانب استخدام حكومة الاحتلال “مياه الظربان” على الفلسطينيين، تقوم شركة “Odortec” أيضًا بتسويقها وتصديرها للجيوش في جميع أنحاء العالم، ففي الولايات المتحدة، يُستخدم هذا السلاح الخبيث في “المعابر الحدودية والمرافق الإصلاحية والمظاهرات والاعتصامات”، وقد اشترته العديد من أقسام الشرطة بالفعل، بما في ذلك قسم فيرجسون بولاية ميسوري، في أعقاب الاحتجاجات ضد وحشية الشرطة والعنصرية عام 2015، وتحدثت تقارير عن استخدامه في السودان في أعقاب الانقلاب الذي قاده الفريق عبد الفتاح البرهان عام 2021.
ليس مفاجئًا أن يكتسب هذا السلاح الذي طورته شركة إسرائيلية شعبية في الخارج، كما تقول المحللة في شبكة السياسات الفلسطينية يارا هواري، فـ”إسرائيل” تستخدم الفلسطينيين “كفئران تجارب لإثبات كفاءتها وقدرتها على القتل”، ولا يتعين على شركة “أدورتك” وغيرها من الشركات المصنعة للأسلحة الإسرائيلية أن تستثمر في تسويق أسلحتها، فالقنوات الإخبارية التي تعرض لقطات من الهجمات الوحشية التي يشنها جيش الاحتلال تؤدي هذه المهمة.
الشركات الإسرائيلية التي تنتج أسلحة للقتل الجماعي لديها غزة لتختبرها عليها، حتى إن الإسرائيليين أطلقوا على القطاع المكتظ بالسكان، حيث لا يتمتع المدنيون بحماية “القبة الحديدية” أو الملاجئ العسكرية المتطورة، اسم “البقرة الحلوب”، وكانت النتيجة المروعة لعقود من ممارسات “اختبار” شركات الأسلحة الإسرائيلية هي مقتل وتشويه آلاف الفلسطينيين.
على سبيل المثال، في عام 2014، وخلال العدوان الإسرائيلي على غزة، كان الشاب الفلسطيني أحمد سعيد النجار يقود سيارته الأجرة في رفح، محاولًا مساعدة العائلات على الوصول إلى مناطق أكثر أمانًا في جنوب غزة، ليتفاجأ بصاروخ اخترق فتحة سقف سيارته، وانفجر داخلها، ما أدَّى إلى استشهاد الركاب الست الذين كانوا معه على الفور، وحده النجار، أُنقذ من حطام سيارته، لكنه أصيب بحروق بالغة، وفقد عينه وساقه اليمنى التي بُترت بسبب الانفجار.
تبين لاحقًا أن السيارة اُستهدفت بصاروخ إسرائيلي الصنع من طراز “سبايك” (Spike)، تصنعه شركة “رافائيل” للصناعات العسكرية المملوكة لدولة الاحتلال، ويمكن تعديله ليحمل قنبلة “دايم” التي وُلدت في مختبرات سلاح الجو الأمريكي بعد سلسلة أبحاث استهدفت تصنيع أسلحة خاصة بالمناطق السكنية، ويسهل التحكم بحدود تأثيرها المدمّر ليقتصر على نطاق جغرافي معين.
تتكون “الدايم” من خليط متجانس من المواد المتفجرة، بالإضافة إلى معدن التنغستن الكيميائي، الذي يتشظى في لحظة الانفجار إلى أجزاء متناهية الصغر تقتل الأشخاص الموجودين في مدى 4 أمتار، كما تلحق إصابات بالغة بالأشخاص الذين يبعدون مسافة أكبر من بينها بتر الأطراف والإصابة بسرطان الأنسجة، ولا يعرف عن أماكن وأزمنة استخدامها سوى غزة في ذلك التوقيت ولبنان عام 2006.
وتشير روايات شهود عيان من الأطباء العاملين في مستشفيات غزة إلى أن “إسرائيل” أسقطت أسلحة تجريبية خلال حربها على غزة، تشمل متفجرات معدنية خاملة كثيفة، تسبب إصابات مروعة عن طريق الحرق في درجات حرارة عالية، وذكرت مؤسسة الحق الحقوقية الفلسطينية، أن “الدايم” تم حملها في صواريخ “هيلفاير” (Hellfire) الموجَّهة التي أسقطتها طائرات مسيَّرة إسرائيلية.
من خلال إقامة علاقات وثيقة مع صناعة الأسلحة الإسرائيلية، منحت الكثير من الدول الغربية الفلسطينيين نفس المكانة التي تتمتع بها الحيوانات المستخدمة في التجارب القاسية
بحلول عام 2014، أصبحت الطائرة المسيَّرة “إيتان” (Eitan)، المعروفة أيضًا باسم “هيرون تي بي” (Heron TP)، والتي تحمل صاروخ “سبايك” مطلوبة بشدة من الدول الأخرى، وهي أكبر طائرة دون طيار في “إسرائيل”، دخلت الخدمة عام 2007، وتصنعها شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية الحكومية، يمكنها حمل أربعة صواريخ “سبايك” والطيران لمدة تصل إلى 40 ساعة متواصلة.
استخدم الاحتلال الإسرائيلي “إيتان” لأول مرة خلال الحرب على غزة التي أُطلق عليها اسم “عملية الرصاص المصبوب” عام 2008-2009، لشن هجمات ضد المدنيين، وفقًا لتقرير صدر عام 2014 عن منظمة “Drone Wars” البريطانية غير الحكومية، ووفقًا للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، من بين 353 طفلًا اُستشهدوا و860 جريحًا خلال هذه الحرب، اُستشهد 116 طفلًا بسبب الصواريخ التي أطلقتها طائرات مسيرة.
وفقًا لتقرير “Drone Wars“، شهدت الشركة الإسرائيلية المصنِّعة ارتفاعًا في الطلب على طائرات “إيتان” من 10 دول على الأقل بين عامي 2008 و2011، خلال هذه الفترة، اشترت الدول أو استأجرت أكثر من 100 طائرة دون طيار في إطار مشاريع مشتركة، ثلثها تقريبًا (34 طائرة) كان من نصيب الهند في هذه الفترة، تليها فرنسا (24)، والبرازيل (14)، وأستراليا (10).
بالنسبة لصواريخ “سبايك”، فقد باتت أوسع انتشارًا حول العالم، ووصلت مبيعاتها حاليًّا إلى نحو 40 دولة، نصفهم تقريبًا دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “ناتو”، وكانت آخر صفقة عسكرية هذا العام بقيمة 1.44 مليار شيكل (400 مليون دولار) مع اليونان لشراء هذه الصواريخ، التي وصل أكثر من 34 ألف منها إلى بلدان مختلفة أطلقت أكثر من 6 آلاف منها، سواء لأغراض الاستخدام العملي أم التدريب.
كما مكّن الهجوم على غزة في صيف عام 2014 “إسرائيل” من عرض بعض من أحدث أسلحتها، فقد أفادت التقارير، على سبيل المثال، أن طائرات “هيرميس” بنسخها المختلفة، وهي إحدى الطائرات المسيرة متعددة الحمولة التي تنتجها شركة “إلبيط سيستمز” (Elbit Systems) الإسرائيلية، ظهرت لأول مرة خلال الأسبوع الأول من الحرب التي بدأت في 8 يوليو/تموز 2014، ونُسب خلالها مقتل 37% من الشهداء إلى هجمات الطائرات المسيّرة، وفقًا لتقدير مركز الميزان لحقوق الإنسان ومقره غزة.
وعلى عكس ما أحدثته هذه الطائرة من معاناة ودمار هائلين مُنعت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش من توثيقهما، حرصت “إسرائيل” على الترويج لها باعتبارها “مثبتة في القتال لدرجة أنها يمكن أن تقتل السائق وتترك الركاب على قيد الحياة في المقعد الخلفي”، و”الأداة الأساسية للجيش الإسرائيلي في عمليات مكافحة الإرهاب”، وهو ما دفع البرازيل إلى شرائها بغرض المراقبة خلال كأس العالم، ومكنت الصفقة شركة “إلبيط” المصنعة للطائرة، من التفاخر بكيفية مساهمتها في إجراءات “الأمن والسلامة” بالأحداث الرياضية.
وعلى النقيض من الإبلاغ عن المراقبة الجماعية لمشجعي كرة القدم، فإن المناقشات حول الاستخدام المحتمل للطائرات المسيرة الإسرائيلية لتعقب اللاجئين المتجهين إلى شواطئ أوروبا، مرت دون أن يلاحظها أحد، رغم انتهاك وكالة إدارة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي (فرونتكس) حقوق الفلسطينيين، وفقًا لتحقيق موقع “ميدل إيست آي”.
وفي عام 2014، تضاعفت مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى أوروبا، وارتفعت المبيعات من 724 مليون دولار إلى 1.63 مليار دولار عام 2015، كما ارتفعت المبيعات إلى أمريكا الشمالية إلى 1.02 مليار دولار، ومن خلال إقامة علاقات وثيقة مع صناعة الأسلحة الإسرائيلية، منحت الكثير من هذه الدول الفلسطينيين نفس المكانة التي تتمتع بها الحيوانات المستخدمة في التجارب القاسية.
بعد حرب غزة عام 2014، أصبحت “هيرمس 900” واحدة من أكثر الطائرات دون طيار شهرة، وتوسع سوق صادرات “إلبيط” بشكل كبير أيضًا، وحصلت منذ ذلك الحين على عقود مع أكثر من 20 دولة حول العالم بما في ذلك الفلبين، التي اشترت 13 طائرة، بالإضافة إلى الهند وأذربيجان وكندا والبرازيل وتشيلي وكولومبيا وأيسلندا والاتحاد الأوروبي والمكسيك وسويسرا وتايلاند، وفي مارس/ آذار الماضي، أعلنت الشركة عن طلبيتها رقم 120 لشراء “هيرمس 900”.
“أسلحة ثبتت فعاليتها في المعركة”
قد يجادل البعض بأن ذلك لا يعني أن “إسرائيل” تشن حروبًا لمجرد استعراض أسلحتها، ومع ذلك، تنشر “إسرائيل” في كل حرب ضد غزة، مجموعة من الأسلحة وتقنيات المراقبة ضد الفلسطينيين، قبل تسويقها وبيعها لعدد كبير من الدول حول العالم، كما يقول الصحفي الأسترالي المستقل أنتوني لوينشتاين.
في كتابه “مختبر فلسطين: كيف تصدّر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال حول العالم”، نشر لوينشتاين تحقيقًا مفصلًا عن تجربة “إسرائيل” أسلحة مختلفة على الفلسطينيين، واستخدم الأراضي الفلسطينية المحتلة لعقود من الزمن كحقل تجارب للأسلحة وتكنولوجيا المراقبة التي تصدّرها بعد ذلك إلى جميع أنحاء العالم لتحقيق أرباح بملايين الدولارات.
جربت “إسرائيل” أسلحة في الضفة الغربية وغزة ثم عرضتها في السوق الدولية على أنها “أسلحة ثبتت فعاليتها في المعركة”
وبحسب لوينشتاين، استخدمت “إسرائيل” أنواعًا مختلفةً من الأسلحة، بعضها لا يتمكن الأطباء من التعرف على الإصابات والحروق التي تسببها، ويعجزون عن التعامل معها ومعالجتها في ظل نقص المعدات الطبية واستهداف المستشفيات، ويكشف أن هذه الإصابات ناتجة عن أسلحة جديدة يتم اختبارها على الفلسطينيين.
ووفقًا لاستشاري جراحة العظام، نبيل الشوا، الذي عالج العديد من الفلسطينيين الذين أصيبوا بنيران إسرائيلية خلال مسيرة العودة الكبرى عام 2018، كان القناصة الإسرائيليون يتدربون على التصويب على البشر، ويتعمدون إصابة المدنيين في المفاصل لإحداث أكبر قدر من الضرر وليس القتل، وتسببت هذه الطلقات الجديدة في إصابات لم ير مثلها من قبل، وفي بعض الحالات كان الطرف يبدو سليمًا، لكن في أثناء الجراحة لم يتمكن من التمييز بين العظام والأنسجة الرخوة.
ربما يدفع ذلك البعض إلى رفض فكرة المظاهرات، لأنها في بعض الأحيان تُستحدم لمعرفة كيفية استخدام كل نوع من الأسلحة، وهو ما يجعل هذه الأنواع من الأنشطة التي يقوم بها الفلسطينيون مفيدة للإسرائيليين، وتجعل هذه المنطقة بمثابة ميدان لاختبار أسلحتهم وتطويرها وجعلها صناعة تجارية من خلال تصدير أدوات الاحتلال إلى عدة دول تستخدمها ضد الأقليات الخاصة بها ونشطاء حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين.
وطوَّرت “إسرائيل” الكثير من تكنولوجيا الطائرات المسيرة في سماء غزة، تستخدمها فيما يُسمَّى “وقت السلام”، رغم أنها ليست كذلك للفلسطينيين، بل عندما تحدث حرب بين “إسرائيل” وحماس كما كان دائمًا في السنوات الـ15 الماضية، تتحول هذه الطائرات وبشكل متكرر إلى جزء أساسي من عملية استهداف المدنيين الفلسطينيين.
بحسب تقرير نشره مركز “بوليترز” عام 2016، جربت “إسرائيل” أسلحة في الضفة الغربية وغزة ثم عرضتها في السوق الدولية على أنها “أسلحة ثبتت فعاليتها في المعركة”، فيما يُعرف بـ”Battle Tested”، وهو المصطلح المستخدم كثيرًا من الشركات والحكومة الإسرائيلية نفسها لتسويقها والترويج لها بعد اختبارها والوقوف على مدى فعاليتها وقدرتها التدميرية.
هناك أيضًا احتمال أن “إسرائيل” تستخدم الفلسطينيين كـ”فئران تجارب” لشركات الأسلحة الأجنبية أيضًا، ففي القدس الشرقية، على سبيل المثال، يقدّم الأمريكيون الرصاص الإسفنجي لـ”إسرائيل”.
في البداية، بدأوا برصاصة إسفنجية زرقاء، لكن بعد ذلك قرروا أنه لم يكن فعالًا للغاية، لأن الفلسطينيين يرتدون الكثير من الملابس، فغيّروه بعد ذلك إلى رصاصة إسفنجية سوداء أقوى تسببت في عاهات مستديمة، بحسب قول المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان المقيم في القدس إيتاي ماك.
بدأت قوات الاحتلال باستخدام هذا النوع من الرصاص عام 2014، في ذلك العام، جرى إطلاق أكثر من 35 ألف رصاصة، ورتفع مذاك عدد الضحايا الفلسطينيين مع زيادة استخدام الشرطة الإسرائيلية للرصاص، وهناك عشرات الفلسطينيين الذين فقدوا أعينهم وأعضاءً أخرى من أجسادهم، وزعمت تل أبيب أنها حققت في شكاوى بشأن إصابات، كثير منها لأطفال، لكن لم يتم توجيه الاتهام إلى أي من رجال الشرطة حتى الآن.
مختبر غزة
دلائل عدة تشير إلى أن “إسرائيل” استخدمت خلال السنوات الأخيرة على الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك الهجمات الأخيرة، أسلحة محرمة دوليًا. أنواع عديدة وأسماء مختلفة من هذه الأسلحة، أبرزها قنابل الفسفور الأبيض، والقنابل العنقودية المدمّرة، والقنابل الفراغية، والمتفجرات المعدنية الخاملة الخفيفة، وهو نوع من الأسلحة يعرفه أبناء غزة، واُستخدم في حروب سابقة ضد القطاع.
ليس هذا فحسب، فقد كشفت الحرب على غزة عن أسلحة جديدة في طريقها إلى الأسواق العالمية، فبعد أسبوعين من بدء عملية “طوفان الأقصى”، نشر جيش الاحتلال لقطات لوحدة الكوماندوز “ماجلان”، وهي تنشر قذيفة هاون جديدة موجهة بدقة تسمى “اللدغة الحديدية” (Iron Sting)، أعلنت شركة “إلبيط” المصنّعة لها، عن خصائصها على موقعها على الإنترنت منذ مارس/ آذار 2021، لكنها شهدت مرحلة الاستخدام العملي لأول مرة في الحرب على غزة.
ووصف بيني غانتس، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، الذي أصبح الآن عضوًا فيما تسمى “حكومة الحرب” التي يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، “اللدغة الحديدية” بأنها “مصممة للاشتباك مع الأهداف بدقة، في كل من التضاريس المفتوحة والبيئات الحضرية، مع تقليل احتمالية حدوث أضرار جانبية ومنع إصابة غير المقاتلين”.
هذا الادعاء ردده مارك ريجيف، المتحدث السابق باسم نتنياهو، بشأن النهج الشامل الذي تتبعه بلاده في حربها على غزة، حيث قال إن “إسرائيل تحاول أن تكون “انتقائية” قدر الإمكان من الناحية الإنسانية” في حربها على غزة.
We are trying to be as surgical as is humanly possible in a complex combat situation.
Watch my interview with @mitchellreports @MSNBC:https://t.co/2XxQeLvQv9https://t.co/2XxQeLvQv9
— Mark Regev (@MarkRegev) November 10, 2023
ومع ذلك، بعد مرور 80 يومًا على القصف الإسرائيلي العشوائي على غزة، قتلت “إسرائيل” أكثر 20 ألف مدني فلسطيني، أغلبهم من الأطفال والنساء، بمتوسط نحو 300 شخص يوميًا منذ بداية الحرب، وأصابت أكثر من 50 ألفًا آخرين في القطاع المحاصر والضفة الغربية المحتلة، ودمرت عشرات آلاف المنازل، وتسببت في نزوج مئات الآلاف من منازلهم.
ووفقًا لشهادات الطواقم الطبية في غزة، استخدمت قوات الاحتلال أنواعًا من الأسلحة غير المعتادة، التي تذيب الجلد وتحدث حروقًا شديدةً وغير عادية على جثث الفلسطينيين الذين استشهدوا أو أُصيبوا بعد الغارات الجوية الإسرائيلية، وهذا ما لم تعهده الطواقم الطبية خلال الحروب السابقة، وفق تصريحات أشرف القدرة، المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة.
لكن الأخطر ما يقوله الأطباء بأن “إسرائيل” استخدمت في حربها على قطاع غزة أسلحة جديدة تتميز بالقدرة على القتل الأكيد، وليس بوسع الناجين المصابين بها أن يطمئنوا مهما كانت إصاباتهم طفيفة إلى أنهم قد نجوا فعلًا.
في مقابلة مع صحيفة “تورنتو ستار“، وصف الدكتور أحمد المخللاتي، من قسم الحروق وجراحات التجميل بمستشفى الشفاء، نوعية الأسلحة المستخدمة هذه المرة بأنها “تسبب حروقًا عميقةً من الدرجة الثالثة والرابعة، وتترك الأنسجة مشبعة بجزيئات سوداء”، وهي إصابات يوصف فيها الجلد بأنه قد ذاب مباشرة حتى العظام، مشيرًا إلى هذه لم تكن حروقًا بالفسفور، لكنها “مزيج من نوع ما من موجة القنابل الحارقة ومكونات أخرى”.
في حين أنه من غير الواضح ما الذي يسبب هذه الجروح الخطيرة، تشير القنابل الحارقة الغامضة والظهور الأول لطائرة “أيرون ستينغ”، والتقارير عن استخدام طائرة “سبارك” المسيّرة الجديدة في الحرب الحالية إلى أن “إسرائيل” تختبر مرة أخرى أسلحة جديدة في الصراع.
وتعد “إسرائيل” أكبر مُصدِّر للطائرات المسيرة العسكرية في العالم، ففي عام 2017، تشير التقديرات إلى أنها كانت وراء ما يقرب من ثلثي إجمالي صادرات هذه النوعية من الأسلحة على مدى العقود الثلاث الماضية، وتوفر “إلبيط” نحو 85% من الطائرات المسيَّرة التي اشتراها جيش الاحتلال الإسرائيلي، وفقًا لقاعدة بيانات التصدير العسكري والأمني الإسرائيلي (DIMSE).
ويرى محللون أن الترويج لمثل هذه الآلات المدمرة التي تستخدمها “إسرائيل” على أنها “انتقائية أو موجهة”، وتختبرها على الفلسطينيين بالفعل، تحظى بإقبال عالمي، وهو ما تثبته الطلبات المتراكمة لدى شركة “رافائيل”، التي تتجاوز حاليًا 10 مليارات دولار.
وحتى قبل قصف غزة في هذا التوقيت، كان لدى شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية طلبات متراكمة بقيمة 11.1 مليار دولار، وكان لدى “إلبيط” أعمال متراكمة بقيمة 6.2 مليار دولار، لذلك لا قد نتفاجأ عندما يكون الطلب على أسلحة الاحتلال أكبر من الآن فصاعدًا، فالحرب ذاتها أنعشت عاشر أكبر تاجر أسلحة في العالم بنفس الطريقة التي أنعشت سوق الأسلحة الأمريكية.
ووفقًا لـ”لوينشتاين”، ستظل الأسلحة الإسرائيلية جذابة للمشترين الدوليين، بناءً على أدائها في غزة، لكن “إسرائيل” لا تبيع الأسلحة فحسب، إنها “تبيع أيديولوجية الإفلات من العقاب لدول أخرى”، كما يقول، ومع ذلك، أظهر شعب غزة بروحه التي لا تُقهر، أن الغلبة بالتكتيك وليس بالقوة.