ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد أن استولى المتمردون المدعومون من قبل إيران على العاصمة اليمنية في سنة 2014، قاد الأمير السعودي محمد بن سلمان البالغ من العمر 30 سنة تدخلًا عسكريًا لدحرهم من معاقلهم.
بدعم الأسلحة الأمريكية، شرع الطيارون السعوديون في حملة قصف في إطار عملية عاصفة الحزم داخل اليمن، الدولة الجبلية الواقعة على حدودهم الجنوبية. وتوقّع المسؤولون هزيمة المتمردين بسرعة، وهم ميليشيا قبلية متشرذمة تعرف باسم الحوثيين.
بدلاً من ذلك، أمضت قوات الأمير سنوات غارقة في صراع انقسم إلى قتال بين جماعات مسلحة متعددة، واستنزف مليارات الدولارات من خزائن المملكة العربية السعودية وتسبب في وقوع اليمن في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. وراح ضحية هذه الحرب مئات الآلاف من الأشخاص بسبب العنف والجوع والأمراض المتفشية.
في نهاية المطاف، قلّصت السعودية وشريكتها الرئيسية الإمارات مشاركتهما العسكرية – جزئيًّا بسبب الضغوط الأمريكية – ودخل المسؤولون السعوديون محادثات سلام مع الحوثيين، الذين تمكنوا من السيطرة على شمال اليمن.
في الوقت الراهن، دفعت الحرب في غزة الحوثيين – الذين تحرّكهم أيديولوجية قائمة على العداء تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل مقابل دعم القضية الفلسطينية – إلى دائرة الضوء العالمية بشكل غير متوقع. تتسبب هذه الميليشيا في خلق حالة من الفوضى في البحر الأحمر من خلال إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار باتجاه إسرائيل واستهداف السفن التجارية، وقد شكلت الولايات المتحدة تحالفا بحريا دوليا لمحاولة ردعها، في حين تدرس إجراءات أخرى لمواجهة الجماعة.
في المقابل، تُفضّل المملكة العربية السعودية مراقبة هذه التطورات الأخيرة من على الهامش، حيث يعد احتمال السلام على حدودها الجنوبية هدفًا أكثر جاذبية من الانضمام إلى جهد لوقف الهجمات التي يقول الحوثيون إنها تستهدف إسرائيل – وهي دولةٌ لا تعترف المملكة بها رسميًا ويلعنها شعبها على نطاق واسع.
وفقًا لمسؤولين سعوديين وأمريكيين، يعد وليّ العهد الأمير محمد – الحاكم الفعلي للسعودية في الوقت الحالي – غير مهتم بالانجرار مرة أخرى إلى صراع مع الحوثيين. وفي مقابلة تلفزيونية في أيلول/ سبتمبر – قبل وقت قصير من بدء الحرب في غزة – عندما استضاف المسؤولون السعوديون وفدًا من الحوثيين في العاصمة السعودية الرياض، قال ولي العهد محمد بن سلمان: “حتى تكون هناك منطقة مستقرة، فأنت بحاجة إلى تنمية اقتصادية في المنطقة بأكملها. ليس من الضروري أن ترى المشاكل في اليمن”.
بينما يسارع الأمير إلى إحراز تقدم في خطته الشاملة لتحويل المملكة العربية السعودية إلى مركز تجاري عالمي بحلول سنة 2030، كان يسعى إلى تهدئة الصراعات والتوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط بما في ذلك من خلال التقارب مع إيران، المنافس الإقليمي للمملكة.
يقول المسؤولون والمحللون السعوديون إن عودة صواريخ الحوثيين التي تحلق فوق الرياض أو تستهدف بلدات جنوب السعودية – وهو أمر شائع نسبيًا في ذروة حرب اليمن – آخر ما يحتاجه الأمير في سعيه لإقناع السياح والمستثمرين بأن المملكة تمثل الوجهة الأمثل لأعمالهم التجارية.
وفي مقابلة تلفزيونية هذا الشهر، صرّح الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، بأن “التصعيد ليس في مصلحة أحد”. وأضاف: “نحن ملتزمون بإنهاء الحرب في اليمن ووقف دائم لإطلاق النار يفتح الباب أمام عملية سياسية”. وتجدر الإشارة إلى أن المسؤولين السعوديين لم يستجيبوا لطلبات التعليق.
إن الاستراتيجية السعودية الجديدة في اليمن – التي تنأى بنفسها عن العمل العسكري المباشر وتتجه نحو تنمية العلاقات مع الفصائل اليمنية – مدفوعة بحقيقة أنه بعد ثماني سنوات من الحرب انتصر الحوثيون فعليا. في ظل انحسار القتال، تصدرت الميليشيا – التي تتبنى أيديولوجية دينية مستوحاة من طائفة فرعية من الإسلام الشيعي – السلطة في شمال اليمن حيث أنشأت دولة نموذجية فقيرة تحكمها بقبضة من حديد.
بينما يواجهون احتمال الصراع مع الولايات المتحدة بفرحة علنية، يعتمد الحوثيون على قدراتهم العسكرية الموسّعة وشجاعتهم الواضحة التي تم شحذها في اشتباكاتهم مع التحالف الذي تقوده السعودية. وإذا أرسلت الولايات المتحدة جنوداً إلى اليمن، ستواجه قواتها صراعا أسوأ من حروبها الطويلة في أفغانستان وفيتنام، وذلك حسب تهديد عبد الملك الحوثي، زعيم الميليشيا، في خطاب متلفز يوم الأربعاء إذ أعلن أن الحوثيين “ليسوا خائفين” من قتال الولايات المتحدة بشكل مباشر، وفي الواقع يفضلون ذلك.
ونظرا لأن الحوثيين أعلنوا حماسهم للحرب ضد الولايات المتحدة، فيبدو أنهم استغلوا الصراع في غزة كفرصة لتعزيز هدفهم المركزي. عبارة “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل” جزء من شعار الجماعة، حيث صور الحوثيون هجماتهم على السفن التجارية على أنها معركة عادلة لإجبار إسرائيل على إنهاء حصارها لغزة.
يُعد الحوثيون أيضًا ذراعًا مهمًا لـ “محور المقاومة” الإيراني، الذي يضم جماعات مسلحة في جميع أنحاء الشرق الأوسط – على الرغم من أن محللين يمنيين ومسؤولين سعوديين يقولون إنهم ينظرون إلى الميليشيا على أنها مجموعة يمنية معقدة وليست وكيلًا إيرانيًا بحتًا.
في خطابه يوم الأربعاء، طالب الحوثي الدول العربية الأخرى بالتنحي جانباً و”السماح للأمريكيين والإسرائيليين بالدخول في حرب مباشرة معنا”. وأضاف “إذا كنت تريد الرقص على جثث الضحايا، فلها ذلك”، في إشارة ضمنية إلى سلسلة من الحفلات الموسيقية الأخيرة في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك عرض لفرقة ميتاليكا. لكن لا تشاركوا الأمريكيين في حرب ضدنا”.
قال شوقي المقطري، وهو مستشار يمني كبير في منظمة البحث عن أرضية مشتركة، وهي منظمة تتخذ من واشنطن مقرا لها وتعمل على إيجاد حل للصراعات، إنه “بالنسبة للحوثيين، فإن مثل هذه الحرب ستكون “فرصة ذهبية لهم لتحقيق هدفهم وتمكينهم من التجنيد بسهولة واكتساب المصداقية من الناس”.
هذه المعطيات صحيحة لاسيما أن القصف الإسرائيلي لغزة ــ الذي بدأ رداً على الهجمات التي شنتها حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ــ يثير الاستياء والسخط في مختلف أنحاء الشرق الأوسط ولا يستهدف إسرائيل فحسب بل الولايات المتحدة أيضًا، حليفتها الرئيسية.
قبل بدء الحرب في غزة، كان الحوثيون على وشك التوقيع على اتفاق سلام مدعوم من قبل الولايات المتحدة والسعودية من شأنه أن يرسّخ موقعهم في السلطة ويسمح للمجتمع الدولي بإعلان بداية نهاية الحرب في اليمن.
حسب بعض المحللين، حتى اللحظة الراهنة على الأقل، لا يبدو أن رد فعل الحوثيين على حرب غزة قد قلّص استعداد المملكة العربية السعودية للتوصل إلى اتفاق بشأن اليمن. قال أحمد ناجي، أحد كبار المحللين اليمنيين في مجموعة الأزمات الدولية: “لم تقوض الحرب في غزة المحادثات بين الحوثيين والسعوديين، بل على العكس من ذلك، ساهمت في تقاربهم أكثر”.
في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز في أواخر أيلول/ سبتمبر، قال علي القحوم، عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله، الذراع السياسي للحوثيين، إن “المفاوضات مع السعودية كانت “مليئة بالجدية والتفاؤل”. وأكد القحوم أنهم ناقشوا كيفية تسهيل دفع رواتب الموظفين الحكوميين – الذين لم يحصلوا على رواتبهم لسنوات – واحتمال إعادة فتح المطارات والموانئ، وهي خطوات يمكن أن تخفف معاناة ملايين اليمنيين الذين هم في أمس الحاجة إلى المساعدات.
في سياق متصل، أوضح القحوم: “كانت وجهات نظرنا متقاربة للغاية. ما يعيق التوصل إلى اتفاق هو تنصل السعودية والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة من التزامات معالجة الدمار الذي خلفته ثماني سنوات من الحرب وقضايا أخرى مثل إعادة الإعمار والتعويضات”. ويبدو أن ذلك إشارة إلى التعويض المالي الذي يتوقع الحوثيون الحصول عليه من المملكة العربية السعودية كأحد الدوافع لإبرام أي صفقة. وأكد المحللون أن الحكومة السعودية من المرجح أن تضمن شكلاً من المدفوعات لإنجاح الصفقة.
في خضم هذه المفاوضات مع الحوثيين، واصلت المملكة العربية السعودية إنشاء علاقة أكثر دفئًا مع إيران، عدوتها القديمة. وقد أجرى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي زيارته الأولى إلى الرياض في تشرين الثاني/نوفمبر.
هذا الأسبوع، أعلنت الولايات المتحدة تشكيل قوة عمل بحرية للتصدي للتهديد الذي يشكله الحوثيون في البحر الأحمر لم تكن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من بين أعضائها، في حين ضمت دولة عربية واحدة وهي البحرين، وقد أثارت هذه الخطوة سخطا شعبيا.
كتب سليمان العقيلي، المعلق السياسي السعودي، على منصة التواصل الاجتماعي إكس أن المملكة العربية السعودية ليست مهتمة بأي جهود غربية لحماية إسرائيل. كما أعرب العديد من النقاد في الخليج عن استيائهم إزاء الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة، قائلين إن السياسة الأمريكية تجاه الحرب في اليمن ساعدت الحوثيين على الازدهار.
صرّح جون كيربي، المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، خلال مقابلة صحفية، بأن الولايات المتحدة تحترم أن بعض الدول قد يكون لديها “أسباب محلية” تدفعها للنأي بنفسها عن المشاركة في هذه العملية. وقال مسؤولان أمريكيان إن “المخططين العسكريين الأمريكيين أعدوا أهدافًا أولية للحوثيين في اليمن، في حال أصدر كبار المسؤولين في إدارة بايدن تعليمات بتوجيه ضربات انتقامية. لكن المسؤولين العسكريين يؤكدون أن البيت الأبيض لم يظهر أي رغبة في الرد عسكريا على الحوثيين والمخاطرة بحرب إقليمية أوسع نطاقا.
في مقابلة أجريت معه سنة 2018، أجاب الأمير محمد صرح عندما سُئل عن الحرب في اليمن: “في بعض الأحيان في الشرق الأوسط، لا يكون أمامك فرصة لاتخاذ قرارات جيدة ولا قرارات سيئة. في بعض الأحيان تتخذ قرارات سيئة وقرارات أسوأ”.
المصدر: نيويورك تايمز