ترجمة وتحرير: نون بوست
ليلة الثلاثاء في أوائل شهر أيار/ مايو، تجمع مختلف اللاعبين الكبار في صناعة العلاقات العامة في “سيبرياني شارع 42″، وهو مطعم فخم يقع في مدينة مانهاتن، للحصول على الجوائز السنوية “للإنجاز المتفوق في سمعة العلامة التجارية والالتزام”.
في الواقع، وصف المنظمون هذا الحدث بأنه “عرض لأفضل ما قدمته العلاقات العامة”، حيث تم اختيار الفائزين من قبل مجموعة من المطلعين على الصناعة. إن هذه الفعاليات مشابهة لحفل الأوسكار، لكنها ذات أهمية بالغة بالنسبة لعمالقة العلاقات العامة، الذين وضعوا هاشتاغ “PR#CupFusion” لجذب أكبر عدد ممكن من المتابعين. وقد فازت شركة “ويبر شاندويك” بأفضل جائزة في العرض. وتحصل إيدلمان على جائزة كأس العالم لحملة فيديو ستاربكس، التي تركز على الأشخاص “العاديين” الذين يقومون بأشياء “غير عادية”.
علاوة على ذلك، فازت شركة ويبر شاندويك ومقرها نيويورك بأكبر عدد من الجوائز، لتعود وفي جوزتها ثلاثة كؤوس؛ الأول عن الوكالة الأمريكية الشمالية لهذا العام، وأخرى لحملة إعلامية اجتماعية احتفلت بدمى باربي التي تبعث رسائل إيجابية عن الجسم، وواحدة أخرى لتعليم العلوم برعاية لوكهيد مارتن.
في المقابل، لم تجذب إحدى حملاتها الأنظار والمتمثلة في الصفقة التي تبلغ قيمتها 1.2 مليون دولار لمدة سنة كاملة مع جهاز المخابرات العامة المصرية. وتعتبر الوكالة، التي تعادل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، جزءا من مجموعة من أجهزة الاستخبارات سيئة الصيت التي تعرف باسم “المخابرات”.
بعد مرور أربع سنوات على إسقاط السيسي لحكومة مصر المنتخبة، بات الرئيس المصري يتوق إلى توطيد العلاقات مع الإدارة الأمريكية الجديدة، التي أبدت استعدادها للتغاضي عن سلطويته
في الحقيقة، تعرف الوكالة في الولايات المتحدة بتعذيبها لأعضاء يشتبه في انتمائهم لتنظيم القاعدة، وذلك في أعقاب أحداث 11 من أيلول/ سبتمبر. وقد تم اتهام جهاز المخابرات العامة بالعمل سرا مع مباحث أمن الدولة (المخابرات الداخلية المصرية) للتلاعب بالانتخابات وقمع المعارضة الداخلية منذ الانقلاب، الذي نُصب بفضله عبد الفتاح السيسي رئيسا للبلاد سنة 2013.
عموما، لا يعد عقد شركة ويبر مع المصريين أمرا غير مألوف. ولكن قرار الشركة بالقيام بأعمال تجارية مع جهاز استخبارات أجنبية معروف بممارسة التعذيب والقمع، ناهيك عن اضطلاعه بدور أساسي في حملة القمع التي شنها السيسي على جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات الأخرى، يعتبر في حد ذاته أمرا مريبا خاصة أن هذا التعامل جدّ خلال فترة حساسة وحرجة.
بعد مرور أربع سنوات على إسقاط السيسي لحكومة مصر المنتخبة، بات الرئيس المصري يتوق إلى توطيد العلاقات مع الإدارة الأمريكية الجديدة، التي أبدت استعدادها للتغاضي عن سلطويته. وفي الوقت نفسه، يسعى السيسي لكسب أصدقاء في الكونغرس الذي يشرف على حزمة المساعدات الضخمة التي الموجهة لمصر.
أما حيال شركة ويبر شاندويك، فيبدو أن نظام السيسي قد وجد شركة العلاقات العامة التي على استعداد تام لاستخدام نفوذ الرسائل التي توجهها لتحويل أموال دافعي الضرائب الأمريكيين تجاه القيادة الوحشية المتزايدة لأكبر دولة في العالم العربي.
في أواخر شهر كانون الثاني/ يناير، أبرمت كل من شركة ويبر شاندويك وشركة “كاسيدي آند أسوسياتس”، وهي شركة “متخصصة” وتعد جزءا من ويبر (وكلاهما مملوكة من قبل شركة إنتيربوبليك)، عدة صفقات مع مصر، وقد حدث ذلك بعد ثمانية أيام من تنصيب دونالد ترامب.
ووفقا للوثائق المودعة لدى وزارة العدل، ستقدم الشركات تقاريرها مباشرة إلى اللواء ناصر فهمي التابع لجهاز المخابرات العامة. كما أنها ستعزز “الشراكة الإستراتيجية مع مصر” مع التأكيد على “دورها القيادي في إدارة المخاطر الإقليمية”. بعبارة أخرى، ستعمل الشركة على تضخيم رسالة الحكومة المصرية، التي مفادها أن تسليح ودعم دولة مصر الاستبدادية على نحو متزايد، ضروري للحفاظ على السلام.
من وجهة نظر السيسي، كان ترامب فرصة هائلة توجب عليه أن يغتنمها. ففيما يتعلق بالحملة الانتخابية، أعرب رجل الأعمال الشهير في تلفزيون الواقع عن إعجابه الشديد بالرجل المصري القوي. وفي شهر نيسان/ أبريل من سنة 2016، قال وزير الدفاع في إدارة ترامب، الجنرال جيمس ماتيس، إن “السبيل الوحيد لدعم مصر كبلد يتميز بمجتمع مدني وبالديمقراطية، هو من خلال دعم الرئيس السيسي”. وحتى الآن، لا يزال ترامب بمثابة نعمة حلت بحكومة السيسي، وخير دليل على ذلك دعوة الزعيم المصري لزيارة البيت الأبيض بعد سنوات من الجمود في العلاقات مع إدارة أوباما.
أما على مستوى السياسات، فقد قدم ترامب أقصى ما لديه. وعلى الرغم من أن ترامب تعهد بأن تكون “الولايات المتحدة أولا”، وخصص مقترح الميزانية الأولية لدراسة إمكانية تقليص حزمة المساعدات العسكرية السخية الموجهة لمصر، إلا أنه سرعان ما تخلى عن هذا القرار. فضلا عن ذلك، عمدت وزارة الخارجية الأمريكية إلى إلغاء أولويات حقوق الإنسان، وهذا يعني أن واشنطن لن توبخ مصر علنا بسبب عمليات القمع، والتي كانت السبب الرئيسي لتوتر العلاقات بين إدارة أوباما وحكومة السيسي.
وبعد توثيق الشراكة، بدأت الشركة عملها في مصر من خلال خلق اسم تجاري جذاب “مصر للأمام”، وإنشاء موقع على شبكة الإنترنت وموقع تويتر من أجل وضع نظام ثابت من أشرطة الفيديو المتفائلة والمقالات التي تصور مصر على أنها مكان نابض بالحياة ومستقر، وتتمتع بمجتمع أكثر ديمقراطية وشمولية.
في الحقيقة، كان توقيت اعتماد هذه الإستراتيجية حاسما. والجدير بالذكر أنه في الربيع سيخصص مجلس الشيوخ الأمريكي للقاهرة حزمة من المساعدات بقيمة 1.5 مليار دولار. وسيتخذ المشرعون أيضا قرارا بشأن ما إذا كان ينبغي إرفاق هذه المعونة بأية شروط متعلقة بحقوق الإنسان.
من ناحية أخرى، سعت حكومة السيسي للتأثير على واشنطن من أجل الاحتفاظ “بالتدفقات النقدية”، التي تسمح لمصر بشراء الأسلحة المصنعة من قبل الشركات الأمريكية عن طريق الائتمان، علما بأن إدارة أوباما كانت تأمل في التخلص التدريجي من هذه الآلية.
في المقابل، على الرغم من أن العمل على ميزانية المساعدات العسكرية لم ينته بعد، إلا أن المسؤولين في إدارة ترامب أكدوا لمصر أن صفقتها ستبقى على حالها، حتى إذا انخفضت المساعدات المقدمة إلى الحلفاء الأمريكيين الآخرين، على غرار باكستان وكولومبيا.
منذ فترة طويلة، أراد السيسي أن تصنف واشنطن رسميا جماعة الإخوان ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وهو أمر رفضته إدارة أوباما، نظرا لأن إقدام واشنطن على هذه الخطوة من شأنه أن يجعل مسألة دعم أو العمل مع أي من فروعها الدولية أمرا غير قانوني
ومع ذلك، لا يزال التمويل المقدم لبرامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مصر مسألة أخذ ورد. كذلك، يبدو أن الإدارة تشير إلى أنها ستنفذ خطة أوباما لإنهاء تمويل التدفقات النقدية المرغوب فيه، بيد أن ويبر شاندويك، مازال لديها الكثير من العمل لتقوم به.
من جانب آخر، يمكن أن تتيح جماعة الإخوان المسلمين لهم فرصة ثمينة. لقد فازت هذه المجموعة، وهي حزب إسلامي سني يمتد على نطاق عالمي، بأول انتخابات ديمقراطية في مصر سنة 2012، إلا أنها فقدت الدعم الشعبي بسرعة. آنذاك، كان الجنرال السيسي الشخصية التي قادت أول انقلاب عسكري شعبي للإطاحة بحكومة محمد مرسي، ثم قاد حملة دموية ضد أنصار الحزب.
ومنذ فترة طويلة، أراد السيسي أن تصنف واشنطن رسميا جماعة الإخوان ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وهو أمر رفضته إدارة أوباما، نظرا لأن إقدام واشنطن على هذه الخطوة من شأنه أن يجعل مسألة دعم أو العمل مع أي من فروعها الدولية أمرا غير قانوني، على الرغم من أن العديد من تلك الفروع يعمل بشكل وثيق مع حلفاء الولايات المتحدة، خاصة تركيا.
من جانبه، اختار ترامب موظفي السياسة الخارجية من صفوف المناهضين لجماعة الإخوان المسلمين. وفي غضون أسابيع من توليه منصبه، كان ترامب يفكر مليا بشكل خطير في طلب مصر تصنيف جماعة الإخوان ضمن القائمة السوداء. كما ادعى كبير الإستراتيجيين في البيت الأبيض، ستيف بانون، أن ترامب طلب بدء العمل التنفيذي لتصنيف المنظمة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية.
في الحقيقة، تلعب شركة ويبر شاندويك دورا بالغ الأهمية في هذه الجهود. ففي ربيع هذه السنة، بدأت واشنطن في قصف مراكز التفكير وصانعي السياسات بالمذكرات وأشرطة الفيديو من دون ذكر هوية كاتبها، والتي نشرت على موقع “egyptfwd.org“. ووصفت المادة مصر بأنها بلد يسلك الطريق نحو إرساء نظام أكثر ديمقراطية، وشريكا في مكافحة الإرهابيين الذين هددوا الولايات المتحدة. وكان ملخص السياسة العامة الذي أعدته الشركة يتمثل في “مصر تحارب الإرهاب باسم الإنسانية”.
في المقابل، ضلت الحملة طريقها، ففي 31 آذار/ مارس، نشر موقع “egyptfwd.org” أول منشور تحت عنوان “ما يحتاج العالم معرفته عن الإخوان المسلمين”. وألقى باللوم على الهجوم الانتحاري، الذي جدّ في القاهرة في أواخر سنة 2016 مخلفا عشرات الضحايا من المسيحيين، على جماعة الإخوان المسلمين، بيد أن تنظيم الدولة أعلن تبنيه لهذا الهجوم.
علاوة على ذلك، أهملت “ويبر شاندويك” إدراج بعض من السياق الرئيسي بشأن جماعة الإخوان المسلمين ضمن موادها. وخلال تربع السيسي على رأس السلطة، أقدمت قواته الأمنية على قتل المؤيدين للإخوان وتحطيم الجماعة. وعلى الرغم من لجوء عدة فصائل من الجماعة إلى العنف، إلا أن أشد المنتقدين لها في الولايات المتحدة اعتبروا تسميتها بالمنظمة الإرهابية أمرا خاطئا.
في هذا الصدد، كان دانيال بنيامين، المنسق السابق لمكافحة الارهاب بوزارة الخارجية الأمريكية، قد صرح في وقت سابق من هذه السنة لصحيفة “بوليتيكو”، “أعتقد أنه من الغباء القيام بهذا الأمر، والسبب الرئيسي في ذلك أن هذه الجماعة لا تمثل تنظيما إرهابيا”.
منذ أن وقعت “ويبر شاندويك” الاتفاق مع مصر، قام السيسي بتكثيف حملة القمع من خلال حجب الصحف وسجن الشخصيات البارزة من المعارضة، فضلا عن تعزيز حملة الأرض المحروقة، التي يقودها ضد الجماعات الإرهابية. وخلال شهر نيسان/أبريل الماضي، أظهرت لقطات مسربة تنفيذ قوات الجيش المصري لعمليات إعدام خارج نطاق القضاء.
في أعقاب ذلك، وجّه الجمهوريون والديمقراطيون في لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي العديد من الانتقادات للعلاقات الخارجية على خلفية التغاضي عن سجل حقوق الإنسان في مصر. وخلال جلسة استماع، اقترح كل من الديمقراطي بن كاردين، والجمهوري ليندسي غراهام، قطع حزمة المساعدات العسكرية المقدمة لمصر.
من جانب آخر، كان الممثلون عن “ويبر شاندويك” حاضرين أيضا خلال جلسة الاستماع، حيث قاموا بتوزيع تقرير “برّاق” لمصر في إشارة إلى أنها “شريك مستقر وجدير بالثقة”. في الواقع، قدمت الوثيقة المؤلفة من 14 صفحة، تقييما أشاد بما حققه نظام السيسي. ووفقا للتقرير، أثمرت السنتان الأوليتان من فترة حكم السيسي وساهمت في إجراء “تحسينات على مستوى المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في البلاد، فضلا عن الحقوق المدنية للشعب”.
وفي خضم انقسام آراء المراقبين للوضع في مصر حول مدى خطورة التهديد الإرهابي،الذي تواجهه البلاد في الوقت الراهن والقمع الممارس من قبل نظام السيسي، تبقى مسألةالحريات السياسية والاجتماعية الواقعة تحت بطش الدولة أمرا صارخا لا يمكن إنكاره.
من جهتها، وصفت ناجية بونعيم، مديرة حملات شمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، حملة”ويبر شاندويك” بأنها “سخيفة، فمن زاوية نظر موضوعية، تعتبر الأوضاع أسوء بكثير مما كانت عليه خلال فترة حكم حسني مبارك من حيث فسح المجال أمام المعارضة”.
بالإضافة إلى ذلك، لعبت الشركة دور “المُيسّر السياسي”، وهو ما تجلى خلال الزيارة التي أداها وفد من البرلمانيين المصريين إلى واشنطن للتحاور مع أعضاء من خلايا التفكير والمشرّعين الأمريكيين قبل بضعة أسابيع. في الأثناء، عملت “ويبر شاندويك” من خلال شركة “كاسيدي آند أسوسياتس” كوسيلة ضغط، حيث قامت بتوزيع نقاط الحديث وساعدت فيترتيب الاجتماعات في كابيتول هيل. كما أعدت الشركة المشرّعين لهذه اللقاءات، وذلك وفقا لما أفاد به أشخاص حضروا تلك الاجتماعات برفقة الوفد والذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم.
على صعيد آخر، وضع سيناتور تكساس، تيد كروز، مهمة تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية نصب عينيه عبر رعاية مشروع قانون من شأنه تحقيق ذلك. وعلى الرغم من غياب الأدلة التي تؤكد لقاءه بآخر وفد برلماني مصري، بيد أن السيناتور التقى بالوفد الذي زار الولايات المتحدة خلال شهر نيسان/ أبريل وليس بعد وقت طويل من انطلاق البث المباشر لموقع “ويبر شاندويك” على الإنترنت. ويبدو من غير الواضح ما إذا كانت الشركة قد لعبت أي دور خلال ذلك اللقاء، فضلا عن أن مكتب كروز رفض التعليق على المسألة.
في السياق ذاته، أشار الخبير المصري في مؤسسة “ذي سنتري”، مايكل وحيد حنا، إلى أن سطوة ويبر شاندويك قد تكون محدودة نظرا إلى أن العديد من الأطراف المؤثرة في واشنطن قد حددت بالفعل آراءها حول التحالف الأمريكي المصري. وفي هذا الصدد، قال حنا “إنهم لن يؤثروا على أشخاص من قبيل جون ماكين أو باتريك ليهي أو ليندسي غراهام” الذين يمثلون بعضا من أشد المنتقدين لمصر في مجلس الشيوخ الأمريكي.
في المقابل، لا تزال الشركة ملتزمة بمهمتها، وخير دليل على ذلك انتاجها لشريط فيديو يلخص زيارة الوفد المصري متبجحة من خلاله باللقاءات التي جمعت البرلمانيين المصريين بالمشرعين الخمسة عشر. وقد تمكن المصريون خلال هذه اللقاءات، حسب تعبير النائب المصري، أحمد يوسف، من تقديم رسالة تدل على وحدتهم، قائلا إن “دعونا نتحد ونتكاتف في مواجهة الإرهاب”.
تاريخيا، لطالما فضلت المخابرات البقاء بعيدا عن الأضواء حسب ماأخبرني به أوين سيرس، المحلل المصري السابق في وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية ومؤلف لكتاب يعرض تاريخ الشرطة السرية المصرية. وقد ساعد ذلك على إبقاء حجم انتهاكات حقوق الانسان المرتكبة من قبل جهاز المخابرات العامة طي الكتمان
أما النائبة داليا يوسف، وهي عضوة أخرى في الوفد المصري، فقد أفادت بأن البعثة ركزت جهودها على محاربة “المفاهيم الخاطئة” بشأن ما يحدث فعلا في مصر. من جانبها، لم تستجب السفارة المصرية في واشنطن لطلب إدلاء تعليق بهذا الخصوص. وتتعلق إحدى هذه المفاهيم الخاطئة، وفقا لأعضاء خلايا التفكير الذين التقوا بالوفد وطلبوا عدم الكشف عن أسمائهم، بالقانون الذي صدر مؤخرا والذي يضبط عمل المنظمات غير الحكومية المصرية.
والجدير بالذكر أن هذا القانون يمنح جهاز المخابرات العامة المصرية، أحد عملاء “ويبر شاندويك”، السلطة اللازمة لإغلاق منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية والممولة من خارج البلاد. كما ينص على “إنشاء هيئة تنظيمية مكونة من أعضاء جهاز المخابرات العامة وممثلين عن وزارات الدفاع والداخلية والقضاء وغيرهم”.
من جهة أخرى، وصف الوفد المصري، جنبا إلى جنب مع موقع ويبر شاندويك والمواد التي ينشرها، قانون المنظمات غير الحكومية بأنه قانون “عادي”. ووفقا لما أفادت به منظمة هيومن رايتس ووتش، فمن شأن هذا القانون أن “يحظر فعليا نشاط المجموعات غير الحكومية والمستقلة”، فيما أكدت منظمة العفو الدولية على أنه “سيبيد جماعات حقوق الإنسان”.
وفقا لما أشار إليه مايكل وحيد حنا والمراقبون للوضع المصري منذ وقت طويل، يتمثل أبرز ما يثير الاهتمام بشأن ظهور ويبر شاندويك على الساحة، في قرارها بالعمل مباشرة مع المخابرات المصرية. تاريخيا، لطالما فضلت المخابرات البقاء بعيدا عن الأضواء حسب ماأخبرني به أوين سيرس، المحلل المصري السابق في وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية ومؤلف لكتاب يعرض تاريخ الشرطة السرية المصرية. وقد ساعد ذلك على إبقاء حجم انتهاكات حقوق الانسان المرتكبة من قبل جهاز المخابرات العامة طي الكتمان.
وعلى الرغم من عدم استفادة جهاز المخابرات العامة بشكل مباشر من برنامج المعونة الأمريكية، من وجهة نظر معينة، إلا أن الولايات المتحدة تقوم بالدفع مقابل خدمات شركة العلاقات العامة بشكل غير مباشر. وفي هذا الإطار، أوضح أوين سيرس أنه “حين تتعرض للصعق الكهربائي والتعذيب، فأنت لا تعلم أبدا ما إذا كان ذلك على يد جهاز المخابرات العامة أو جهاز استخبارات مصري آخر”.
وفي شأن ذي صلة، أضاف سيرس قائلا “لم أتمكن يوما من الحصول على الصورة الكاملة بشأن ما قدّمته وكالة المخابرات المركزية لجهاز المخابرات العامة المصرية كل سنة، إلا أن هناك سببا مقنعا وراء امتلاكهم لمقرات أنيقة وبراقة. ومن المثير للسخرية عند هذه النقطة أن أموال دافعي الضرائب الأمريكيين يتم تمريرها عبر الشرطة السرية سيئة السمعة في مصر، ومن ثمة يعاد تدويرها مرة أخرى لتصل إلى أيدي اللوبيات، ويتم كل ذلك في سبيل تلميع صورة مصر في العاصمة الأمريكية”.
من جهته، أشار مايكل وحيد حنا إلى أن خروج جهاز المخابرات العامة من الظل يهدف إلى توجيه ودعم جهود الضغط في مصر، وهو ما “يعكس أيّ المؤسسات قد تمكنت من تسجيلصعودها في البلاد”. وبالفعل، سعى السيسي إلى دعم المزيد من المؤسسات المصرية بما في ذلك البرلمان ووسائل الإعلام، وذلك ضمن مدار الأجهزة الأمنية.
في الحقيقة، أوضح مراسلو التحقيقات في مصر بالتفصيل كيف لعبت أجهزة الاستخبارات في البلاد دورا كبيرا في تجنيد المرشحين عن الأحزاب الموالية للسيسي في البرلمان المصري، ومدّ رجال الأعمال الذين يشترون شركات الإعلام المصرية بالأموال اللازمة. أما المؤسسات المدنية، من قبيل وزارة الخارجية، فتجد نفسها قد تم إقصاؤها نظرا لتولي ضباط المخابرات الأدوار الدبلوماسية بشكل متزايد. ووفقا لما ذكره موقع التحقيقات المصري “مدى مصر”، أعاد السيسي تعيين أكثر من 40 دبلوماسيا بحثٍّ من مسؤولين في المخابرات، منذ توليه سدة الحكم.
جنزير، وهو الاسم المستعار لفنان مصري شهير أجبر على الخروج من البلاد بسبب رسالته المناهضة للحكومة، لم تفاجئه مسألة تقديم شركة أمريكية للعلاقات العامة خدماتها لجهاز المخابرات العامة
خلافا لذلك، وعلى الرغم من تمثيل ويبر شاندويك لجهود نخبة مؤسسات المخابرات المصرية الرامية إلى نشر المعلومات المشكوك فيها، إلا أن بإمكانها تقويض مكانة مصر في واشنطن بدل دعمها، وذلك وفقا لما أفاد به مختار عوض، الخبير في شؤون الإرهاب في مصر بجامعة جورج واشنطن الأمريكية.
وحيال هذا الشأن، أضاف عوض أنه “في حال استمرار هذا الوضع على حاله، سيضمنون بمفردهم بأن لا يُأخذ أي أحد مطالب الحكومة المصرية مرة أخرى على محمل الجد”. والجدير بالذكر أن ويبر شاندويك لم تقم بالرد على العديد من رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية التي تطلب تعليقها على هذه القصة.
علاوة على ذلك، تحوم مخاوف أخلاقية بشأن المساعدات الأمريكية لمصر حسب ما جاء في شهادة ميشيل دن، الخبيرة السابقة في قضايا الشرق الأوسط في وزارة الخارجية والباحثة الأولى في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط، أمام لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي للعلاقات الخارجية خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي. كما أخبرتني ميشيل أن “وضع حقوق الإنسان في مصر فضيع للغاية لدرجة أنه قد أصبح من الصعب للغاية العمل مع الحكومة دون التواطئ معها بشكل ما”.
أما جنزير، وهو الاسم المستعار لفنان مصري شهير أجبر على الخروج من البلاد بسبب رسالته المناهضة للحكومة، فلم تفاجئه مسألة تقديم شركة أمريكية للعلاقات العامة خدماتها لجهاز المخابرات العامة. في المقابل، قال الفنان إن الحكومة المصرية بإمكانها استخدام الأموال بشكل أفضل، حيث أكد أن “مصر دولة فقيرة، لذلك يعتبر التفريط في تلك النقود من أجل العلاقات العامة أمرا في غاية التضليل”.
من جانب آخر، أبدى جنزير القليل من التعاطف بشأن المساعدة التي يقدمها العاملون في شركة العلاقات العامة الأمريكية لجهود جهاز المخابرات العامة في نشر المعلومات عن مصر، حيث وصفهم بأنهم “حثالة الأرض، وإذا ما كان هناك جحيم فآمل أن يكون لهم مكان خاص بهم هناك”.
المصدر: الأتلانتيك