مباشرة بعد إعلان ما وصف بـ “تحرير بنغازي”، توجه اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يطمح أن يحكم ليبيا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في زيارة التقى خلالها كبار مسؤوليها هناك، لتأكيد دولة الإمارات على دعمها علنا لمشروعه سياسيًا وعسكريًا، في خطوة من شأنها أن تؤكّد التقارير التي تحدّثت عن دور إماراتي مشبوه في ليبيا.
في ثاني زيارة له للإمارات في ظرف ثلاثة أشهر، التقى حفتر بولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حيث بحث الجانبان، وفقا للرواية الرسمية، تعزيز العلاقات بين البلدين وسبل تطويرها وتنميتها. زيارة أعرب خلالها حفتر، وفقا للرواية الرسمية أيضا، عن شكره لدولة الإمارات العربية المتحدة على وقوفها إلى جانب الشعب الليبي من أجل تحقيق أمنه واستقراره، وهو ما تلقاه الطرف الإماراتي بصدر رحب وامتنان.
انتهاكات، لم تكن قوات حفتر لترتكبها بتلك البشاعة لولا الدعم والمباركة الإماراتية لها
“أمن” و”استقرار”، لم يره الليبيين إلا في مخيلة حفتر وحلفائه الإماراتيين، حيث يروّج الاثنين، رسميا واعلاميا لما يصفانه بـ “تحرير بنغازي” وتطهيرها، ولكن، أيًا كان، تحرير أو تطهير، فقد جاء بعد انتهاكات كبيرة لحقوق الانسان طالت الجميع مؤيّد ومعارض.
انتهاكات، لم تكن قوات حفتر لترتكبها بتلك البشاعة لولا الدعم والمباركة الإماراتية لها، والمشاركة فيها في بعض الأحيان، فقد أثبتت تقارير اعلامية وحقوقية قيام قوات إماراتية بقصف مدنيين ومناطق سكانية ليبية في أكثر من مرة، واشرافها على سجون سرية وعلنية ارتكبت فيها حالات تعذيب واعتداء جنسي موثقة، بالإضافة إلى احتجاز مئات الناشطين والسياسيين وأعضاء في برلمان طبرق، بهدف تكميم أفواه المعارضة السياسية.
إعلان السيطرة على بنغازي بعد تدميرها
ومؤخرا، أعلن خليفة حفتر، السيطرة الكاملة على مدينة بنغازي وتحريرها من المسلحين بعد أكثر من 3 سنوات من المعارك الدامية، خلالها دمرت قواته عدة أحياء في مدينة بنغازي، وارتكبت انتهاكات تصل إلى جرائم حرب، وتقول أطراف ليبية إن حقيقة الدور الإماراتي في ليبيا هو عرقلة جميع مساعي المصالحة الوطنية، وإذكاء نار الحرب بين أبنائه، وانتهاك سيادته الوطنية.
حقيقة الدور الإماراتي في تأزيم الوضع بليبيا
زيارة حفتر لأبو ظبي واستقباله في أول أيام عيد الفطر المبارك من قبل نائب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإماراتية عيسى المزروعي في مقره بمدينة بنغازي شرقي ليبيا، يثير حسب عديد المراقبين كثيراً من التساؤلات حول حقيقة الدور الإماراتي في تأزيم الوضع بليبيا، وتغليب طرف على آخر تريده الإمارات لتحقيق مصالحها ونفوذها في ليبيا.
زيارة حفتر لأبو ظبي الأخيرة تأتي من باب الإعلان عن التحالفات والدعم علنيا ضدّ حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، أمام المجتمع الدولي
ويحاول الطرفان التأكيد على أن هذه الزيارات تأتي في إطار “الأخوة ومدّ أواصر التعاضد والتعاون الليبي – الإماراتي على مختلف المستويات والأصعدة”، و”بحث القضايا المشتركة”، إلا أن مراقبين يرون أن هذه الزيارات هذه الزيارات تأتي تنفيذاً لاستراتيجية إماراتية لتمكين حفتر من بسط سيطرته على كامل التراب الليبي، وتقويض كل مساعي رأب الصدع بين أطراف الأزمة الليبية، ما من شأنه تعزيز الانقسام السياسي وتغذية الصراع المسلح في ليبيا.
ورغم المنع الدولي من تقديم الدعم العسكري لأي طرف من أطراف الأزمة في ليبيا، فإن هذه الزيارات المتكررة بين المسؤولين الإماراتيين وأتباع حفتر، تؤكّد إلى جانب التقارير الأممية السابقة، عدم اكتراث الإمارات بالمقررات الدولية والأممية، فزيارة حفتر لأبو ظبي الأخيرة تأتي من باب الإعلان عن التحالفات والدعم علنيا ضدّ حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، أمام المجتمع الدولي.
الإمارات متهمة بانتهاك حظر السلاح على ليبيا
وكان التقرير السنوي للجنة العقوبات الدولية الخاصة بليبيا قد كشف عن خرق دولة الإمارات وبصورة متكررة نظام العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا، من خلال تجاوز حظر التسليح المفروض عليها، وزيادة قدرات قوات حفتر الجوية بصورة كبيرة، الأمر الذي أدى إلى تزايد أعداد الضحايا في النزاع الدائر في ليبيا.
وفي أكتوبر 2016، نشرت مؤسسة البحوث العسكرية “جاينز”، ومقرها لندن تقريرا يؤكد أن الإمارات أنشأت قاعدة عسكرية شرقي ليبيا خلال الفترة من مارس إلى يونيو 2016، تنطلق منها طائرات هجومية من طراز 802-AT وأخرى بدون طيار من طراز وينق-لوونق لدعم قوات ما يسمى بعملية الكرامة التي يقودها حفتر، ونشرت صورا ملتقطة بالأقمار الاصطناعية للقاعدة في 23 يوليو من نفس السنة يظهر فيها تمركز طائرات حربية. ولفت التقرير، آنذاك، إلى أن القاعدة الإماراتية أنشأت في مطار الخادم على بعد نحو 100 كلم من مدينة بنغازي، مشيرا إلى أن هذا المطار كان قبل إنشاء القاعدة الإماراتية مطارا بسيطا ببنية تحتية متواضعة.
بسط النفوذ
هذا الدعم الإماراتي السخي، مالا وعتادا لصالح اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يعرض الحكومة المعترف بها دوليا ويكن لها العداء ولا يعترف بها، يفهم منه حسب عديد الخبراء، وجود رغبة لدى الإماراتيين لبسط نفوذها على شرق ليبيا ومنطقة الهلال النفطي لما لهما من موقع استراتيجي ومستقبل اقتصادي كبير.
تتقاتل في ليبيا كيانات مسلحة عديدة، منذ أن أطاحت ثورة شعبية بالزعيم الليبي، معمر القذافي، عام 2011
ومنذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في فبراير 2011، تحدّثت تقارير اعلامية واستخباراتية عدّة عن دور إماراتي مشبوه، بقيادة “محمد بن زايد”، في دعم قوات “حفتر”، والمشاركة في عمليات عسكرية ضد فرقاء ليبيين؛ الأمر الذي ساهم حسب مراقبين في تأجيج الأزمة السياسية في ليبيا، وخلق حالة من التباعد بين شركاء الوطن الواحد.
وتخشى الإمارات العربية المتحدة من نفوذ أوسع لدول إقليمية وقوى اسلامية في حال سيطرت حكومة الوفاق على الأوضاع في ليبيا، وهو ما يفسّر الدعم الكبير المقدّم لحفتر، فالإمارات تسعى للحصول على نفوذ كامل في المناطق النفطية في شرق ليبيا.
تسعى الإمارات للسيطرة على منابع النفط الليبي
وتقول أوساط حقوقية ليبية ودولية، إن دولة الإمارات ارتكبت جرائم حرب في ليبيا بموجب الاتفاقات الدولية، وتعتبر هذه الأوساط أن الممارسات اللا إنسانية المختلفة لدولة الإمارات ضد السكان المدنيين، وخرقها للسيادة الوطنية بتدخلها في الشؤون الداخلية، يعد جريمة من جرائم الحرب بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، وخرقاً فاضحاً لجميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة، وانتهاكاً صريحاً لكافة الأعراف الدولية والإنسانية.
وتتقاتل في ليبيا كيانات مسلحة عديدة، منذ أن أطاحت ثورة شعبية بالزعيم الليبي ، معمر القذافي، عام 2011، في حين تتصارع على الحكم ثلاث حكومات؛ اثنتان منها في طرابلس (غرب)، وهما “الوفاق الوطني” المُعترف بها دولياً، و”الإنقاذ”، إضافة إلى الحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء (شرق)، والتابعة لمجلس النواب في طبرق.