تتجه العلاقات الاقتصادية القطرية التركية نحو التكامل يومًا بعد يوم مع استمرار تأزم العلاقات مع دول الحصار، واستمرار الحصار وتشديده بات يهدد الاستثمارات القطرية على مستوى الأفراد والمؤسسات ويجعل من إمكانية بقاءها أمرًا قابلًا للنقاش من قبل المستثمر القطري يحيله للبحث عن مواطن استثمارية ثانية.
أمام المستثمر القطري العديد من الوجهات التي يراها مغرية وقد تحقق له عوائد مجزية في المرحلة المقبلة إذا قرر الخروج من الخليج، كأوروبا ودول شرق آسيا ودول مثل روسيا والهند والصين وتركيا، وغيرها. ولأن قطر تتبع استراتيجية تقوم على تنويع استثماراتها فمن المتوقع أن تتجه الاستثمارات القطرية إلى عدة وجهات، بناءًا على عدة مؤشرات منها ما هو سياسية وما هو اقتصادي. وقبل الخوض في الوجهة المحتملة لتلك الاستثمارات يجب التنية لحجم الاستثمارات القطرية في الخليج ومجالات استثمارها، والأثر الذي ستتركه حال خروجها من هناك.
الاستثمارات القطرية في الخليج
في تقرير منشور على موقع الإمارات اليوم، ختم بفقرة تقول: “يمكن القول إن رؤوس الأموال القطرية على عتبة مرحلة جديدة من التجفيف في دول الخليج الثلاث المقاطعة لها ومعها مصر، حيث ستشهد انحساراً كبيراً خلال الفترة المقبلة، حال استمرار الأزمة، لاسيما في ظل الصعوبات التشغيلية التي باتت تواجهها أكثر من أي وقت مضى”.
تتنوع استثمارات قطر في مختلف القطاعات والمجالات، لتشمل المصارف والعقارات والزراعة، والمناجم والنفط وشركات السيارات، والنوادي الرياضية العالمية وغيرها، كما تمتد هذه الاستثمارات من ماليزيا والهند شرقًا، إلى أوروبا شمالاً وأفريقيا جنوبًا، وتنتهي في الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية غربًا.
من المتوقع أن يصل حجم التبادل التجاري بين قطر وتركيا بعد الفراغ الذي سببه الحصار إلى نحو 5 مليارات دولار
وقد بلغ إجمالي استثماراتها في الخارج نحو 35.6 مليار دولار مع نهاية العام 2015. في حين تشير منظمة الأونكتاد “مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية”، أن قيمة الاستثمارات القطرية الخارجية بلغت نحو 43.2 مليار دولار في عام 2015. وفضلا عن تلك الاستثمارات فلدى قطر محفظة استثمارية كبيرة يديرها جهاز قطر للاستثمار، وتُقدر بنحو 335 مليار دولار بنهاية يونيو 2016، وفقًا لمعهد صناديق الثروة السيادية، لتحتل بذلك المرتبة 14 عالميًا ضمن قائمة أكبر الصناديق السيادية على مستوى العالم.
وقد تناولنا في تقارير سابقة الاستثمارات القطرية في العالم وفي روسيا، والتي تهدف إلى توزيع استثماراتها كنوع من مساعي رؤية قطر “2030” لإبعاد اقتصادها عن رحمة أسعار الطاقة من النفط والغاز. حيث شكلت الاستثمارات القطرية في أنشطة القطاع المالي والتأمين 36% من إجمالي حجم الاستثمارات الخارجية، وأنشطة النقل والتخزين والمعلومات والاتصال 31%، ثم أنشطة التعدين واستغلال المحاجر 27%.
بالنسبة للأسواق العربية فقد انتشرت الاستثمارات القطرية انتشارًا كبيرًا في الفترة الماضية، إذ بلغت قيمة الاستثمارات القطرية في المنطقة العربية نحو 30.4 مليار دولار خلال الفترة من عام 2003 حتى أبريل 2016، لتصبح بذلك رابع أكبر مُصدّر للاستثمارات البينية في المنطقة العربية. وعلى مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ضخت قطر استثمارات بقيمة 8.6 مليارات دولار بنهاية عام 2015، أي ما يوازي 24% من إجمالي الاستثمارات القطرية في الخارج، بحسب بيانات FDI markets التابعة لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
وبحسب صحيفة “الإمارات اليوم”، كانت الأسواق السعودية والإماراتية والمصرية من أهم المقاصد الجاذبة للاستثمارات القطرية، وبين عامي 2003 و2016، استقبلت السعودية والإمارات رؤوس أموال قطرية بقيمة 3.8 مليارات دولار، و1.2 مليار دولار على التوالي، والبحرين ما قيمته 21 مليون دولار. أما في مصر، فقد بلغت الاستثمارات القطرية نحو 14.7 مليار دولار حتى عام 2015، وفقًا لبيانات FDI.
وتركزت محفظة الاستثمارات القطرية بالأسواق العربية في الأنشطة المالية والعقارية والنقل والاتصالات وغيرها. وعلى مستوى الرخص الممنوعة للمستثمرين الأفراد القطريين في مجلس التعاون فهناك 5.1 آلاف رخصة ممنوحة للقطريين لممارسة الأنشطة الاقتصادية في السعودية والإمارات والبحرين، وفقًا لإحصاءات الأمانة العامة لدول مجلس التعاون في تقريرها حول السوق الخليجية المشتركة لعام 2016، نشطت استثمارات القطريين في أسواق المال والعقارات الخليجية، لاسيما في السوقين السعودية والإماراتية. وبلغ عدد القطريين الذي يملكون عقارات في دول الخليج الثلاث (السعودية، والإمارات، والبحرين) نحو 14.9 ألف قطري بنهاية عام 2015، علاوة على وجود 15.3 ألف مساهم قطري في الشركات المساهمة الإماراتية والسعودية.
تعد قطر من الدول الأوائل بالاستثمار بتركيا بحجم استثمارات تزيد عن 20 مليار دولار، كما يبلغ حجم استثمارات الشركات التركية العاملة في قطر نحو 11.6 مليار دولار
أما على مستوى الاستثمارات المؤسسية القطرية في دول الخليج، فكان أولى تلك المؤسسات المتضررة من إجراءات دول الحصار هي شركة خطوط الطيران القطرية، بالإضافة إلى بنوك قطرية وشركات نقل ولوجستية تعمل في الخليج، وهناك مشروعات مستقبلية قد تضرر أيضًا مثل المشروع المقترح ببناء جسر بين قطر والبحرين بطول 40 كيلومترًا. وبالمثل قد تتوقف أي مشروعات وحدوية مع قطر مثل مشروع ربط شبكات السكك الحديدية بين دول الخليج، والمخطط لها خلال السنوات المقلبة، وهو ما قد يمثل تهديداً لخطط أعمال الشركات القطرية المشاركة في هذه المشروعات.
بلا شك سيؤدي تخارج تلك الاستثمارات المذكورة لأضرار على اقتصادات تلك الدول، فبيع الأسهم المملوكة من قطر في أسواق الأسهم السعودية والإماراتية قد يؤدي إلى موجة بيع كبيرة تؤدي بهبوط أسواق أسهم تلك الدول، وستخسر تلك الدول أيضًا الفوائد التي تجنيها من عوائد الشركات القطرية المرخصة في حال خروجها. أما عن المشاريع المستقبلية فقد تكون كبش فداء الأزمة عبر إلغاءها.
وجهة الاستثمارات القطرية القادمة: تركيا نصيب الأسد
يجب التنويه أولا أن خروج أي استثمارات قطرية من دول الحصار سيكون وفق خطة منهجية ومتكاملة، تقتضي توزيع الاستثمارات وفق استراتيجية قطر في استثماراتها بدول العالم التي تقوم على اعتبارات سياسية واقتصادية، والموزعة على أنشطة القطاع المالي والتأمين، وأنشطة النقل والتخزين والمعلومات والاتصال، ومن ثم أنشطة التعدين واستغلال المحاجر وغيرها من استثمارات أخرى. ومن هنا فإن القول أن توجه الأموال القطرية إلى دول معينة قد يكون من المغالطات، لكن سيكون هناك تفاضل بين دولة وأخرى، وبالنسبة لدول المنطقة فستحظى كل من الكويت وعُمان وتركيا وإيران بنصيب من تلك الاستثمارات.
تتوزع الاستثمارات القطرية في الخارج في أنشطة القطاع المالي والتأمين 36% من إجمالي حجم الاستثمارات الخارجية، وأنشطة النقل والتخزين والمعلومات والاتصال 31%، ثم أنشطة التعدين واستغلال المحاجر 27%.
وقفت تركيا مع قطر موقف جريء على المستوى السياسي عبر دعم موقفها ضد مزاعم دول الحصار، وعلى الجانب العسكري من خلال إرسال قوات تركيا إلى القاعدة العسكرية التركية في قطر، وعلى الجانب الاقتصادي وصلت إلى ميناء حمد القطري أول سفينة قادمة من ميناء إزمير في تركيا قبل أيام، تحمل على متنها 3 آلاف طن من المواد الغذائية المتنوعة، كما سيرت تركيا خط جوري لنقل السلع التركية لقطر.
وتعد تركيا إحدى الأماكن الجاذبة للاستثمارات القطرية في الفترة المقبلة، إذ تعد قطر من الدول الأوائل بالاستثمار بتركيا بحجم استثمارات تزيد عن 20 مليار دولار، كما يبلغ حجم استثمارات الشركات التركية العاملة في قطر نحو 11.6 مليار دولار. ويشهد حجم التبادل التجاري التركي مع قطر ارتفاعًا ملحوظًا ليصل إلى 1.720 مليار دولار، مع توقعات بتصاعد حجم هذا التبادل، في ظل التعاون المتنامي بين البلدين، ليتعدى الملياري دولار.
وحسب ما ذكره الشيخ عبد العزيز بن أحمد آل ثاني، وهو أحد أهم المستثمرين القطريين، في تصريحات لصحيفة “خبر سوبر” التركية “سنقوم بضخ استثمارات أكبر في تركيا وأبوابنا مفتوحة على مصراعيها للشركات التركية، سنقوم بكافة مشاريعنا في تركيا، وستتخذ قطر من تركيا بعد الآن مركزًا لها من أجل أعمالها في بعض الدول الأخرى بالشرق الأوسط”.
وأشار الشيخ عبد العزيز إلى إمكانية إقامة منطقة اقتصادية حرة في قطر من أجل الشركات التركية فقط، وأن تقام منطقة اقتصادية حرة في تركيا من أجل الشركات القطرية، ما يوفر برأيه الكثير من فرص العمل بالنسبة للبلدين. ومن المتوقع أن ينعكس تحسن العلاقات بين قطر وتركيا، ستحمل فرصا مهمة للبلدين فيما يتعلق بزيادة الاستثمارات وحجم التبادل التجاري ليتعدى 5 مليارات دولار سنويًا.
وكشفت مصادر إعلامية عن مسؤولين أتراك أن وفدًا اقتصاديًا قطريًا سيزور بلاده خلال الأيام القليلة المقبلة لبحث زيادة التبادل وتأمين المواد الأولية لقطاع البناء، وأن شركات البناء والإنشاءات التركية الموجودة أصلا بقطر، والمصنفة الثانية عالميًا بعد الصين، على استعداد لاستكمال البنى والمنشآت المتعلقة بمونديال كأس العالم، الذي ستستضيفه الدوحة عام 2022.
بلغ إجمالي استثمارات قطر في الخارج نحو 35.6 مليار دولار مع نهاية العام 2015
وتوقع رئيس جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين الأتراك “موصياد” عبد الرحمن كاءان، أن يصل حجم التبادل التجاري، بعد الفراغ الذي سببه الحصار، إلى نحو 5 مليارات دولار، وأشار مستثمرين أتراك أنهم يسعون لدعم قطر في المجالات ذات الحاجة، والحصول على بيئة استثمارية جديدة. إذا استطعنا الاستحواذ على نصفه ستكون فرصة كبيرة لرجال الأعمال من الجانبين”.
بلا شك ستعمل قطر على ضخ استثمارات متزايدة في تركيا ليس بسبب موقفها السياسي وحسب ولكن لأن تركيا أيضًا بلد جاذب للاستثمارات بشكل كبير وهذا أمر لا يمكن إنكاره، ففي العام الماضي تمكنت من جذب نحو 12 مليار دولار كاستثمارات أجنبية على الرغم من الأزمات والمصائب التي مرت فيها.