البحرين تجرد معارضيها من الجنسية أمام صمت الولايات المتحدة الأمريكية

gettyimages-541786560

ترجمة وتحرير: نون بوست

ما فتأت مملكة البحرين، هذه الجزيرة الصغيرة، تتحول بشكل متزايد إلى أداة قمعية وحشية. وفي الوقت الراهن، عمدت البحرين إلى توظيف إستراتيجية “التجريد من الجنسية” ضد معارضيها. وفي هذا السياق، أفاد ناشطون حقوقيون أن السلطات البحرينية قامت بإلغاء الجنسية لحوالي 103 شخص إلى حد الآن خلال هذه السنة. وقد تجاوز هذا العدد الأرقام المسجلة في سنة 2016. وفي الأثناء، تمت إدانة هؤلاء الأشخاص بجرائم تتعلق بالإرهاب، عقب محاكمات وصفت من قبل الناشطين الحقوقيين بأنها تفتقر إلى الالتزام بالإجراءات القانونية والشفافية.  

في إطار حملتها المكثفة ضد المعارضة، ارتفعت وتيرة إلغاء الجنسية من قبل السلطات البحرينية. وفي هذا السياق، أكد ثلة من الناشطين في مجال حقوق الإنسان  أن صمت الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، يعتبر عاملا مشجعا بالنسبة للسلطات البحرينية للمضي قدما في اتخاذ المزيد من التدابير القمعية ضد المواطنين وخاصة المعارضة. ومن المثير للاهتمام أن حملة القمع المسلطة ضد المعارضين في المملكة، في الوقت الراهن، قد فاقت في شدتها وتعنتها تلك التي اعتمدت لمواجهة الاحتجاجات الجماهيرية في سنة 2011.

وفي هذا الصدد، قال سيد أحمد الوداعي، رئيس معهد البحرين لحقوق الإنسان والديمقراطية، الذي جرد بدوره من جنسيته: “لا وجود لأي ضغوط خارجية مسلطة على السلطات البحرينية للقيام بإصلاحات سياسية أو في مجال حقوق الإنسان وذلك في إطار التنديد بسياسة القمع المتبعة في البحرين”. وأوضح الوداعي أن موقف الدول الغربية كان جليا للغاية من خلال مبادرة ترامب بطمأنة ملك البحرين بأنه لن يكون هناك أي “توتر” في العلاقة بين الدولتين، وذلك خلال لقاء جمع بين الطرفين في أيار/مايو. وأضاف الناشط الحقوقي أن هذا الأمر يعتبر مؤشرا على أن حقوق الإنسان لا تعتبر جزءا من أولويات واشنطن على الإطلاق.

تظهر هذه الصورة، التي قدمها لنا ناشط اشترط عدم الإفصاح عن هويته، أشخاصا يحملون رجلا أصيب في مداهمة للاعتصام الذي احتضنته قرية الدراز في البحرين في 23 أيار /مايو 2017

في واقع الأمر، داهمت الشرطة البحرينية قرية الدراز التي احتضنت اعتصاما شعبيا لعدة أشهر بدعم من الشيخ عيسى قاسم، رجل الدين الشيعي البارز الذي جردته السلطات البحرينية من الجنسية. وفي خضم هذه المداهمة، صرح ناشط حقوقي أنه قد تم قتل أحد المتظاهرين. من جهتها، أكدت وزارة الداخلية البحرينية في تغريدة على موقع تويتر أن هذه المداهمة كانت تهدف إلى الحفاظ على الأمن والنظام العام.

في المقابل، أشار مسؤول في سفارة البحرين في المملكة المتحدة إلى أن السلطات البحرينية تسعى من خلال سياسة إلغاء الجنسية إلى الحفاظ على استتباب الأمن والاستقرار في مواجهة التهديدات الإرهابية. فضلا عن ذلك، أقر المسؤول البحريني، من خلال رسالة إلكترونية أجاب فيها عن تساؤلات الصحيفة بشأن الوضع في البحرين، شريطة عدم الكشف عن هويته، بأن إلغاء الجنسية لا يتم إلا وفقا لأحكام القانون. وفي الغالب، يتم اتخاذ مثل هذا الإجراء في حال ضلوع أحد المواطنين في نشاطات تضر بمصالح المملكة وأمنها القومي.

على العموم، تضم البحرين، التي تعد موطن الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، غالبية شيعية من السكان تحكمها أقلية سنية. في سنة 2011، قُوبل آلاف المحتجين المطالبين بإجراء إصلاحات ديمقراطية بحملة قمعية وحشية واعتقالات جماعية. وإثر ذلك، أدت الضغوط الدولية إلى فتح تحقيق، حيث قامت الجهات المسؤولة بتوثيق ادعاءات التعذيب والانتهاكات في حق المواطنين من قبل قوات الأمن. كما تم توجيه توصيات بضرورة القيام بجملة من الإصلاحات.

في المقابل، سرعان ما تلاشت هذه الضغوط إلى حد كبير. وفي الأثناء، اتخذت الحكومة البحرينية، مؤخرا، منحى جديدا في إطار حملة القمع التي تنتهجها، حيث قامت بحل الجماعات السياسية ومنع صدور آخر صحيفة مستقلة في المملكة. علاوة على ذلك، ألقي القبض على العديد من الناشطين الحقوقيين والمعارضين والزج بهم في السجن، في حين قتلت قوات الأمن خمسة متظاهرين خلال مداهمتهم لمظاهرة في أيار /مايو.

منذ سنة 2012، قامت مملكة البحرين بتجريد 451 شخصا من الجنسية البحرينية، وفقا لما أفاد به معهد حقوق الإنسان. وقد طال هذا الأمر ناشطين حقوقيين تحدثوا بحرية عن ضرورة القيام بإصلاحات في صلب الدولة فضلا عن انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة. وفي السنة الماضية، قامت السلطات البحرينية بسحب الجنسية من الشيخ عيسى قاسم، أحد أبرز رجال الدين الشيعة في المملكة.

ناشطون في مجال حقوق الإنسان:  نظام العدالة في البحرين فقد كل مقومات المصداقية

وفي هذا الإطار، صرح العديد من البحرينيين الذين تم تجريدهم من جنسيتهم أنهم لم يقوموا بأمر جلل يستحق هذا العقاب. وتجدر الإشارة إلى أن البحرين ليست الوحيدة التي تنتهج هذه الممارسات القمعية، فقد تبنت كل من قطر والإمارات العربية المتحدة والكويت مثل هذه السياسات.

من ناحية أخرى، بادرت السلطات البحرينية بطرد العديد من المواطنين الذين تم حرمانهم من الجنسية، مما أدى إلى ارتفاع عدد المنفيين. أما بالنسبة للأشخاص الذين فضلوا البقاء في المملكة، فيعيشون في حالة من “انعدام الجنسية”. ومع غياب وثائق الهوية لدى هذه الفئة، يمكن أن يمثل مجرد قيادة سيارة عبر هذه الجزيرة التي تنتشر فيها نقاط التفتيش خطرا على حياة هؤلاء الأشخاص.

علاوة على ذلك، يتم حرمان فاقدي الجنسية في البحرين من إمكانية الحصول على معاشات من الدولة أو خدماتها، بما في ذلك الرعاية الصحية بالإضافة إلى ذلك، لا يستطيع فاقدو الجنسية إدارة ممتلكاتهم أو حتى تسجيل المواليد الجدد في السجل المدني للدولة. وبالتالي، يحرم أطفالهم، بدورهم، من التمتع بجُل الخدمات التي تقدمها الدولة. والجدير بالذكر أن معظم الأشخاص الذين جردوا من جنسيتهم، تم ايداعهم السجن على خلفية إدانتهم بموجب قانون البحرين لمكافحة الإرهاب.

وفي هذا الإطار، أفاد علي عبد الإمام، مدون وناشط سحبت جنسيته في سنة 2015، أن هذه الإجراءات تعد آلية مبتذلة لتجريد الشخص من هويته والقضاء على وجوده. وفي الوقت الراهن، يعيش علي في المملكة المتحدة بعد حصوله على اللجوء السياسي هناك. وأضاف عبد الإمام أن “هناك من يعتقد أن له السلطة لإخباري أنني لا أنتمي إلى موطني”.

من جانبهم، صرح العديد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان أن نظام العدالة في البحرين فقد كل مقومات المصداقية. وفي هذا السياق، أورد نيكولاس ماكجهان، الباحث في شؤون الشرق الأوسط لصالح “منظمة هيومن رايتس ووتش”، قائلا: “نحن نشعر بالقلق إزاء طبيعة نظام العدالة في البحرين الذي أثبت عجزه التام عن إجراء أي محاكمة عادلة، ولا سيما فيما يتعلق بقضايا الإرهاب. لذلك لا يمكن الاعتماد على الأحكام التي يقرونها ببساطة”.

في المقابل، اعترف بعض الناشطين الحقوقيين بحدوث اعتداءات في حق قوات الأمن. غير أن السلطات غالبا ما تقوم باعتقال مجموعة من  الأشخاص ليس لهم أية علاقة بمثل هذه الجرائم وتقوم بتوجيه أصابع الاتهام لهم على خلفية هذه الاعتداءات. والجدير بالذكر أن البحرين تحظى بعلاقات وطيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، التي تملك بدورها قاعدة بحرية في المملكة الشيعية.

أشار أغلب الأشخاص الذين سحبت منهم جنسيتهم إلى أن أشد العواقب المترتبة عن هذا الأمر تتمثل في تأثير مثل هذه الإجراءات التعسفية على عائلاتهم

وفي هذا الصدد، أفادت متحدثة باسم وزارة الخارجية البريطانية في بيان لها أن الحكومة البريطانية قد أعربت عن قلقها للحكومة البحرينية بشأن تجريد المواطنين من الجنسية، إلا أنها شددت على العلاقة المتينة بين البلدين. وأردفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية البريطانية أن “المملكة المتحدة تعمل بشكل وثيق مع البحرين على دراسة مجالات التعاون المشترك. نحن نرى أن الدعم الذي نقدمه للبحرين يعد الطريقة المثلى لتحقيق إصلاح طويل المدى في البلاد”.

من جانبها، أعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن مخاوفها فيما يتعلق بإجراءات التجريد من الجنسية في البحريين، وذلك حسب مسؤول تابع لوزارة الخارجية الأمريكية. وفي هذا الإطار، أفاد هذا المسؤول، قائلا: “لقد خُضنا في حيثيات هذه القضية مع المسؤولين البحرينيين وسنواصل حث الحكومة على احترام وحماية حقوق الإنسان”. وقد ساهمت هذه التصريحات في بث مشاعر الارتياح في صفوف المواطنين الذين تم تجريدهم من الجنسية البحرينية.

على العموم، أشار أغلب الأشخاص الذين سحبت منهم جنسيتهم إلى أن أشد العواقب المترتبة عن هذا الأمر تتمثل في تأثير مثل هذه الإجراءات التعسفية على عائلاتهم. فقد أنجبت زوجة علي عبد الإمام طفلا في آذار/مارس، ونظرا إلى أن الجنسية في البحرين تنتقل عن طريق الأب، سيكون هذا الطفل من عديمي الجنسية منذ الولادة. وفي هذا السياق، قال عبد الإمام: “أشعر بالأسى لأن هذا الطفل سيعاقب بسبب جريمة لم يرتكبها. .. سيعاقب بسبب والده. هذا الأمر مؤلم حقا”.

المصدر: واشنطن بوست