انتهت داعش في الموصل وجاء ذلك اليوم الذي تمناه كل مهجر ونازح من أرضه للعودة إلى مدينته حيث بلغ عدد النازحين من الموصل نحو 920 ألف شخص من أصل سكان المدينة البالغ قرابة مليوني نسمة. إلا أن عودة هذا الرقم الضخم يجب أن يسبقه عملية كبيرة من إعادة الإعمار بشكل مدروس بحيث يتم إعادة النازحين إلى المدينة بشكل منتظم. مع التذكير أن عملية إعادة الإعمار هي أكبر من بناء الجسور والأنفاق والطرقات والبنى التحتية.
وهذا ما أكده رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، مساء أمس الأحد، في أول تصريح له بعد تحرير المدينة، إذ أشار أن العالم “لم يكن يتوقع” القضاء على تنظيم “داعش” “بهذه السرعة” في الموصل، ولفت إلى إيلاء إعادة الخدمات والبنى التحتية للمدينة أهمية كبيرة.
الموصل محررة أخيرًا
أدلى العبادي بتصريحات خلال تفقده أحياء الجانب الغربي للموصل، بعد ساعات من إعلان استعادة المدينة التي سيطر عليها “داعش” في يونيو/حزيران 2014 حول الانتصار الذي حققه المقاتلين في الموصل. ونقل التلفزيون الرسمي العراقي لقطات لجولة العبادي وسط أحياء الجانبين الغربي والشرقي للمدينة، وسط تجمع الآلاف من أهالي الموصل، المحتفلين بتحرير ثاني أكبر مدن البلاد سكانًا بعد العاصمة بغداد، بعد معارك استمرت أكثر من ثمانية أشهر ونصف الشهر.
العراق سيبدأ بالخطة الاستراتيجيّة التي أعدّتها خليّة إدارة الأزمات المدنية، لإعمار الموصل كأولوية، وذلك ضمن مشروع طويل الأمد لإعادة إعمار كل المناطق التي تحرّرت من “داعش”.
وفور إعلان التلفزيون العراقي استعادة الموصل، خرج مواطنون إلى الشوارع في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب احتفالا. واحتشد المئات من العراقيين في ساحة التحرير ومناطق الكرادة والمنصور وبغداد الجديدة في العاصمة، رافعين الأعلام العراقية، ومرددين شعارات منددة بـ”داعش”.
كما شهدت محافظات بابل والنجف وكربلاء والديوانية والبصرة وميسان وذي قار وواسط جنوبي العراق احتفالات واسعة باستعادة الموصل، آخر معقل رئيسي لـ”داعش” في العراق.
واستعادت القوات العراقية الشطر الشرقي من الموصل، في 24 يناير/ كانون الثاني الماضي، ثم بدأت في 19 فبراير/ شباط الماضي معارك لاستعادة الجانب الغربي.
عملية إعادة الإعمار
كشف الأمين العام لمجلس الوزراء العراقيّ مهدي العلاق لوسائل الإعلام في 14 حزيران/يونيو الماضي، أن الحكومة وضعت خطة استراتيجية لإعمار مدينة الموصل، بعد التحرير من تنظيم “داعش” في وقت أعلنت فيه وزارة التخطيط عن خطة لإعادة إعمار المناطق المحررة سوف تكلف العراق نحو 100 مليار دولار، وتستمر لمدة 10 سنوات.
وذكت مصادر إعلامية إن العراق سيبدأ بالخطة الاستراتيجيّة التي أعدّتها خليّة إدارة الأزمات المدنية، لإعمار الموصل كأولوية، وذلك ضمن مشروع طويل الأمد لإعادة إعمار كل المناطق التي تحرّرت من “داعش”، وتبدأ المرحلة الأولى منها عام 2018 وتستمرّ حتّى عام 2022. بعدها، تبدأ المرحلة النهائيّة من عام 2023 ولغاية عام 2028.
تمثل عودة السكان إلى جذور البيئة أهمية بالغة في إعادة الإعمار فهي التي تمثل لهم ذكريات الماضي وألم الحاضر والأمل بالمستقبل ولعب دور مهم في تشكيل البيئة الاجتماعية السكنية.
ويعزا سبب إعطاء الموصل الأولويّة في خطّة الإعمار الاستراتيجية إلى “الضرر الهائل الذي لحق بها من جرّاء المعارك”، وهو ما أكدته ممثلة البرنامج الإنمائي لمنظمة الأمم المتحدة في العراق ليز غراندي في 13 حزيران/يونيو الماضي، وقالت: “إن حجم الدمار الذي شهدته الموصل، يعدّ واحدًا من أسوأ التطورات التي شهدتها الحملة لتحرير المدينة”.
ومن المتوقع أن يكون تمويل هذه العملية عبر التوجه إلى الاقتراض، وسيكون التوجّه إلى البنك الدولي خيارًا رئيسيًا بحسب ما أفاد به مسؤوليين عراقيين، إذ ناقش رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في 24 أيّار/مايو الماضي مع المدير الإقليمي في البنك الدولي ساروج كومار عمليات الإعمار في المناطق المحررة. وأكد الناطق باسم مكتب رئيس الوزراء سعد الحديثي لمصادر إعلامية أن “البنك أبدى الاستعداد للاستثمار في إعادة إعمار الموصل”. كما أنّ “صندوق إعادة إعمار المناطق المتضرّرة” أبكر بالشروع في مشاريعه، إذ كشف في 18 أيار/مايو الماضي خلال مؤتمر إربيل الدولي للإعمار عن إنجاز أكثر من 151 مشروعًا في عدد من المحافظات المحررة من “داعش”.
كما أكدت تركيا في 15 حزيران/يونيو الماضي على لسان سفيرها في العراق فاتح يلدز “الاستعداد لعقد مؤتمر لرجال الأعمال والمستثمرين الأتراك والعراقيّين خلال شهري آب وأيلول المقبلين بهدف التنسيق في شأن عمليات الإعمار، وأبدت الشركات الفرنسية الرغبة في مشاريع إعادة الإعمار أيضًا.
أكدت تركيا الاستعداد لعقد مؤتمر لرجال الأعمال والمستثمرين الأتراك والعراقيّين خلال شهري آب وأيلول المقبلين بهدف التنسيق في شأن عمليات الإعمار
واليوم وبعد انتهاء داعش من الموصل تواجه هذه المدينة بشكل خاص والعراق عمومًا إحدى أهم وأبرز الملفات على الإطلاق، وهو إعادة إعمار المدينة المدمرة بما يعنيه هذا المفهوم من معنى فضفاض، إذ لا يتوقف على الشق الاقتصادي وحده كإعادة تأهيل قطاعات الإنتاج من زراعة وصناعة وخدمات، ولا يعني فقط إعاة بناء شبكات الطرق والجسور والأنفاق التي لحقها دمار واسع وشبكات المياه والكهرباء وغيرها، بل يُعنى بالإنسان؛ المتضرر الأكبر من هذا النزاع، الجريح وعائلة القتيل، اللاجئ والنازح والمعتقل، إذ يكفي القول أن البلاد خسرت بين 20 – 25 ألف قتيل خلال السنوات الثلاث الماضية، مع خسارة الآلاف من الكوادر المتخصصة بين جريح ومهجر ومعتقل. بالإضافة إلى عملية المصالحة وضمان الاستقرار وعدم تدهور الأوضاع من جديد، وقيادة مرحلة جديدة تؤسس لما بعد الصراع.
هذه التجربة مرت بها بلدان عديدة حول العالم ممن رأت حروب ونزاعات أدت في النهاية لتنظيم عملية ضخمة لإعادة إعمار البلد، وفق آلية معينة ومدروسة تشترك فيها الدول الكبرى في العالم، فهي مرحلة حساسة جدًا في تاريخ مجتمعات النزاع والمناطق المنكوبة، إذ تمثل عودة السكان إلى جذور البيئة التي تمثل لهم ذكريات الماضي وألم الحاضر والأمل بالمستقبل ولعب دور مهم في تشكيل البيئة الاجتماعية السكنية.
تبدأ المرحلة الأولى من إعادة الإعمار عام 2018 وتستمرّ حتّى عام 2022. بعدها، تبدأ المرحلة النهائيّة من عام 2023 ولغاية عام 2028.
ويجب على الهيئة التي تقوم بهذه العملية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى لتحديد أوجه الخطأ والخلل وتصويبها، وهناك العديد من التجارب العالمية في إعادة الإعمار مثل تجربة إعادة إعمار ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، ومارشال أوروبا، تجربة إعادة إعمار اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وتجربة رواندا، وتجربة جنوب إفريقيا وتجارب أخرى حول العالم.
هناك عدة أمور يجب الأخذ بها في باب إعادة الإعمار، فالموصل تعد مدينة تاريخية فيها آثار ومواقع أثرية وثقافية لها أهمية كبرى مثل الأضرحة والمساجد والكنائس وغيرها، ويجب العناية بها خلال هذه العملية وتعامل بحساسية عالية، للتأكد من عدم تغيير معالمها التاريخية وإدخال عناصر حداثوية إليها، فقيمة التراث الثقافي لأي شعب تعد الدافع الأساسي لإعادة بناءه، وهناك تجارب عديدة حول العالم في إعمار التراث الثقافي يمكن الأخذ بها والاستفادة منها كما في مدينة وارسو في بولندا، ومدينة درسدن بألمانيا، وبيروت في لبنان.
ويعد ترسيخ الأمن الداخلي والاستقرار الاجتماعي عبر ضمان عدم تدحرج الأمور إلى السابق، من أهم الأمور التي يجب العناية بها في العملية وإيلاء المؤسسات التعليمية أهمية قصوى في إعادة الإعمار من مدارس ومعاهد وجامعات وسواها. وتأسيس برنامج صحي عاجل لعلاج الحرجي المتضررين، والاهتمام بهم فضلا عن التركيز على تجهيز المشافي والمراكز الصحية وإعادة تأهيلها من جديد لتتحمل عبء المرحلة الجديدة.
ومن بين أبعاد العملية إشراك الفعاليات المختلفة بالعملية وتسهم الجامعات ومراكز البحث والمعاهد في أعمال إعادة الإعمار كل حسب تخصصه، وخاصة في المدن الكبرى لتجنب أي نتائج سلبية قد تحصل جراء تدخل عناصر أجنبية في العملية قد تضيع بها هوية المنطقة وبالأخص في المناطق الأثرية.