لم يكن “حامد الغطاس” يدرك أن زيارة ابنه “وليد حامد الغطاس” لجده في مدينة ميت الكرما بمحافظة الدقهلية لقضاء العيد معاهم ستكون الزيارة الأخيرة، ليتفاجأ بعدها بخبر اختطاف ابنه الذي لم يبلغ من عمره سوى ربيعه التاسع، من خلال مواقع السوشيال ميديا.
واقعة هزت المدينة الهادئة قبل أن تهز مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية في أول يوليو الحالي، حيث تم اختطاف الطفل وليد من قِبل جار لهم في قريتهم، ورغم مرور أربعة أيام من البحث والسؤال وعرض عائلة الطفل مكافأة مالية كبيرة، لم يتمكن أهل القرية من إيجاد الطفل.
لتنقلب القرية بعدها رأسًا على عقب بعد ملاحظة الجيران انبعاث رائحة كريهة من داخل بدروم مجاور لمسكن والده، يمتلكه “حداد كريتال” مقيم بذات القرية، وبالبحث داخله عثر على جثة الطفل مدفونة وغير ظاهر منها غير قدمه، بعد أن حاول القاتل اغتصابه ثم قتله خنقًا!!
الأمر إذًا ليس بهدف الاختطاف فحسب!
لم تكن هذه القصة الأولى التي يتم فيها اختطاف طفل أو قتله، وإن اختلفت الدوافع وراء الخطف، بل إن حوادث الاختطاف أصبحت ظاهرة منتشرة بالآونة الأخيرة في مصر، لكن ربما اختلفت الدوافع والأهداف وراء ذلك.
هل يوجد سبب معين وراء الاختطاف؟!
توجد العديد من الأسباب وراء عمليات الاختطاف التي يتعرض لها الأطفال في مصر، فعند إجراء مسح عن الحوادث التي وقعت في الآونة الأخيرة يمكن الكشف عن أهم هذه الدوافع.
لعل أولها انتشار “عصابات الإتجار بالأعضاء البشرية”، رغم الانتقاد الطبي وراء مدى جدوى هذه الطرق، فهناك 12 قضية تم الكشف فيها مؤخرًا عن عصابات تعمل لصالح جهات داخل وخارج البلاد في بعض المستشفيات، حيث تسرق أعضاء المرضى أو حتى الموتى وتبيعها لهذه الجهات، والتي بدورها تجري عمليات زراعة أعضاء لمرضى آخرين مقابل مبالغ طائلة، تجارة رائجة وتغري كل عاطل بلا ضمير كي يقوم بسرقة أفلاذ أكباد الناس وبيعهم مقابل حفنة من الجنيهات، ويبيع إنسانيته معها.
أما السبب الثاني وراء الخطف يكمن في “استخدام الأطفال من قبل عصابات التسول والسرقة”، التي تدرب الطفل وتعلمه وسائل التسول والسرقة، فتجني هذه العصابات مبالغ كبيرة من وراء عمليات التسول هذه، إما عن طريق تشغيل الأطفال بذاتهم أو اصطاحبهم بدعوى أن المتسول مسؤول عن الطفل ويسعى لجمع المال لإجراء عملية له كونه مريضًا، وغيرها من الحيل التي تسعى بها عصابات التسول إلى استمالة قلوب الناس من أجل الحصول على أموالهم وابتزاز عواطفهم.
كما أن السبب الثالث وراء اختطاف الأطفال هو “التبني”، وذلك في حالات الأسر الغنية والتي ليس لها ولد، فتعمل عصابات خطف الأطفال على استمالة قلوب هذه الأسر من أجل تعويضهم عن نعمة الإنجاب وذلك من خلال بيع الأطفال المخطوفين لهم مقابل مبالغ هائلة.
ويضاف إلى هذه الأسباب سعي بعض العصابات لابتزاز الأهالي عن طريق خطف أطفالهم وطلب مبالغ مالية على شكل فدية لاسترجاعهم.
ومن الدوافع الكامنة أيضًا وراء عمليات الخطف اغتصاب الأطفال كقضية طفلة بورسعيد “زينة”، والطفلة المعروفة إعلاميًا بـ”طفلة البامبرز”، والتي هزت المجتمع من هولها، ولا يفرق الذئب البشري هنا بين الذكور والإناث من الأطفال حين يقرر إشباع رغبته الدنيئة.
الأرقام تتحدث!
أحدث إحصائيات المؤسسة المصرية للنهوض بالطفولة في تقرير لها هذا العام، رصدت فيها 268 حالة انتهاك ضد أطفال خلال شهر فبراير الماضي فقط، تراوحت بين الاختطاف والاستغلال الجنسي والقتل.
وقالت المؤسسة في تقريرها إن عدد القضايا التي تم تداولها إعلاميًا من خلال الصحف والجرائد الحكومية وغير الحكومية والتي ناقشت الأمر تصل إلى 182 قضية.
وأن نسبة الإناث من تلك الانتهاكات 34% بينما نسبة الذكور 52% و14% نسب لأطفال لم يحدد نوعهم بعد.
وقد بلغ مجموع حوادث الاستغلال الجنسي 19 حالة، إضافة إلى 12 حالة اختطاف و6 حالات انتحار وغيرها من الانتهاكات التي رصدها التقرير.
وأضاف التقرير أن المحافظات الريفية أكثر انتهاكًا للأطفال، حيث بلغ عدد الحالات بها 128 مقابل 54 حالة في المحافظات الحضرية.
ما الحل إذًا؟!
في القضايا الاجتماعية المشابهة لا بد من طرح حلول تساعد في حل هذه الأزمات التي تهدد أمن وسلامة المجتمع، والتي يمكن أن يشارك في طرحها منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الطفل.
يجب على الدولة أن تلعب الدور الرئيسي في حل مثل هذه المشكلات عن طريق سن القوانين الرادعة التي تكون زاجرًا لكل من تسول له نفسه أن يخطف فلذات أكباد الناس.
كما يلعب الإعلام دورًا مهمًا من خلال حملات التوعية التي تنظمها وسائل الإعلام المختلفة من أجل تثقيف الناس بشأن الدور المنوط بهم فعله عند التعرض لحالات الخطف وكيفية مساعدة الشرطة على حل مثل هذه القضايا في أسرع وقت ممكن.
ولا يمكن إغفال دور منظمات المجتمع المدني في عمليات التوعية والبحث حال اختطاف أطفال، من خلال دعمهم المادي والنفسي لأهالي الأطفال المختطفين ومساعدتهم في عمليات البحث عنهم.
ولعل من أكثر الحلول سرعة في الوقت الحالي قيام الناس بتدشين عدد من الصفحات والحملات على مواقع السوشيال ميديا لمساعدة أهالي المتخطفين في عملية البحث عن أطفالهم، عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي من خلال نشر صور أطفالهم المفقودين وعرض مبالغ مالية لمن يدلي بأي معلومات عنهم، وقد تم تفعيل الكثير من الصفحات التي تخص هذا الأمر في مصر كصفحة “أطفال مفقودة، ومفقودين في مصر”.
ونظرًا لكثرة جرائم الخطف والإتجار سواء بالأعضاء أو لأغراض التسول في الآونة الأخيرة، ولأن القانون لم يكن رادعًا بالشكل الكافي، فعلينا أن نراجع أنفسنا بخصوص متابعة أطفالنا ورعايتهم بشكل مستمر، وتعيين حدود حول الأماكن التي يرتادها أطفالنا والإشراف عليهم في بعض هذه الأماكن التي قد تكون مزدحمة أو تمثل خطرًا على حياتهم كمراكز التسوق ودور السينما والحدائق العامة، وذلك لحماية جيل المستقبل.