واجه العالم قضايا كثيرة معقدة ومشاكل تطلبت اجتماعات وإجراءات كثيرة لحلها، ومن بين تلك القضايا مثلا سعر الصرف والتلاعب بالمعدلات، وخفض الضرائب بشكل كبير، وقضية المناخ والغازات الدفيئة، بالإضافة إلى قضايا مختلفة أخرى. وتعد قضية إنتاج الصلب من أبرز القضايا المعقدة التي تواجه العالم التي تتطلب تظافر جهود دولية لحلها، وأساس المشكلة هي الإفراط في الإنتاج من قبل الشركات الصينية التي تعمد إلى تصدير إنتاجها إلى أمريكا وأوروبا بأسعار رخيصة لا تتناسب وأسعار الشركات المحلية، ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار وخروج منتجين من السوق بسبب عدم القدرة على المنافسة أو عدم تحقيق أرباح. وبالرغم من اتفاق زعماء العالم الذين حضروا قمة مجموعة العشرين في مدينة “هانغشتو” الصينية سبتمبر/أيلول العام الماضي إلا أن الأزمة بقيت حاضرة حتى انعقاد القمة في هامبورغ قبل أيام.
وفي نوفمبر/تشرين الأول من العام الماضي 2016 قالت المستشارة الألمانية ميركل إنه يجب على مجموعة العشرين إيجاد حل للطاقة الإنتاجية الفائضة في صناعة الصلب العالمية، وأضافت أن الإفراط في الإنتاج في بعض الدول يسبب خسارة العمال لوظائفهم في مناطق أخرى، إلا أن الأزمة بقيت موجودة ممثلة في الإفراط بالإنتاج وعبثًا المحاولة في حلها!.
وصلت مستويات الإنتاج في العالم إلى 1.1 مليار طن في عام 2005 وصعدت في عام 2015 إلى 1.6 مليار طن، ولم يتراجع الإنتاج حتى الأزمة الاقتصادية العالمية عامي 2008 و 2009.
محاولة أخرى تقوم بها المستشارة الألمانية على هامش قمة مجموعة العشرين، حيث قالت ميركل أن المجتمعين حددوا شهر أغسطس/آب موعدًا نهائيًا لقيام منتدى عالمي ترأسه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بجمع معلومات عن المشكلة، مع تقديم تقرير شامل بشأن الحلول المحتملة بحلول نوفمبر/تشرين الثاني القادم، فهل تعود المستشارة العام القادم لتكرار نفس الكلام أم أن الأزمة ستجد حلًا في الأفق؟.
دول العالم في مواجهة الصين
أعادت المستشارة الألمانية ميركل تحذيرها من تفاقم أزمة الصلب في العالم وقالت الأحد الماضي، بعد اختتام قمة مجموعة العشرين في هامبورع إنه من المهم التمسك بالمواعيد النهائية الجريئة لمعالجة قضية الطاقات الإنتاجية الزائدة في سوق الصلب العالمية، وإلا فإن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى عمل منفرد من خلال فرض غرامات أو تعريفات جمركية.
ويرى العالم أن مشكلة الصلب قادمة من الصين بسبب إغراق الأخيرة الأسواق الأوروبية والأمريكية من المعدن الصيني، وهو ما يثير أزمة داخل قطاعات الصناعة الأوروبية والأمريكية، ويثير شكوى الشركات هناك بسبب صعوبة المنافسة مع الشركات الصينية التي تقم منتجاتها بأسعار رخيصة جدًا لا تقوى الشركات المحلية على مجاراتها.
وحث الزعماء الأوروبيون وترامب، الصين على التعجيل بخفض الطاقة الزائدة، وعزوا هبوط أسعار الصلب العالمية إلى صادراتها الكبيرة، واتهموها بإغراق الأسواق الأجنبية بصلب رخيص الثمن، وقالت ميركل في مؤتمر صحافي في ختام اجتماع قمة لمجموعة العشرين على مدى يومين “أتعشم أن يتم استخدام هذا المنتدى المتعدد الأطراف لإثبات أن بإمكاننا حل واحدة من أكبر المشكلات الاستراتيجية التي نواجهها من خلال العمل المشترك”.
تصدرت شركة “أرسيلورميتال” في لوكسمبورج أكبر شركة في العالم في إنتاج الصلب، بإنتاج قارب 6 – 10% من الإنتاج العالمي إذ أنتجت الشركة في عام 2015 ما يصل إلى 97.1 مليون طن من الصلب.
إلا أن هذه القضية لا يبدو أنها من الأمور اليسيرة بل هي مستعصية للدرجة التي استمرت لسنوات بدون أن تجد طريقًا للحل، وهو ما أشارت إليه ميركل بقولها أنه “من المرجح أن تظل المباحثات بشأن هذه القضية صعبة”.
صعوبة القضية تنبع من عدم القدرة على مجاراة شركات الصلب الصينية من قبل الشركات المحلية، ومن جهة أخرى فشل السياسات الحمائية التي اتبعتها دول الاتحاد الأوروبي عبر فرض رسوم استيراد مؤقتة على نوعين من الصلب اللذين يدخلان الاتحاد من الصين لمواجهة ما وصفه بأسعار منخفضة بشكل غير عادل، إذ كانت تلك الإجراءات تواجه انتقادات حادة من بكين التي تسارع لاتهام الاتحاد الأوروبي باستخدام إجراءات حمائية، في بلاد قررت أن تكون سياسات السوق الحرة هي التي تسير الأسواق فيها.
وسببت هذه القضية استغناء شركات في أوروبا عن موظفين لديها وانخفاض المبيعات وإغلاق بعض الشركات في بعض الأحيان بسبب عدم القدرة على المنافسة، ففي بريطانيا اضطرت الشركات للتخلي عن نحو خمسة آلاف عامل في صناعة الصلب البريطانية خلال العام الماضي بسبب مواجهتها صعوبة في منافسة الواردات الصينية الرخيصة الثمن وارتفاع تكاليف الطاقة.
وفي اليابان أوضحت المحاسبة الموحدة لأكبر ثلاث شركات منتجة للصلب في اليابان أن هذه الشركات لم تحقق أرباحًا بعد خصم الضرائب في ثلاثة أشهر انتهت في شهر يونيو/حزيران من العام الماضي 2016، وذكر محللون أن هناك منتجين في بعض الدول على حافة الانهيار بسبب الإنتاج الصيني. وهو ما حذى بمجموعة العشرين لاعتبار أن الطاقة الإنتاجية الزائدة في صناعة الصلب في الصين تمثل مشكلة خطيرة. في حين ردت الصين إن هذه المشكلة عالمية، في الوقت الذي تعد فيه الصين مصدر 50% من الصلب في العالم، كما أنها أكبر مستهلك للصلب أيضًا.
بلغ ما أنتجته الصين من الحديد الخام، وهو المكون الأساسي في منتجات الصلب، نحو 800 مليون طن، أي قرابة نصف الإنتاج العالمي كله
وتعقيبًا على هذه المشكلة تنفي الصين أن يكون إنتاجها للصلب يمثل مشكلة خطيرة للصناعة الأوروبية، وتدعي أن السبب الرئيسي لمشكلات الصلب الأوروبية ليست التجارة وإنما في النمو الاقتصادي الضعيف، حسبما قالت وزارة التجارة الصينية، والتي تتذرع أن منتجات الصلب الصينية لا تمثل سوى 5% من السوق الأوروبية. وقالت الوزارة إن “الصين تأمل أن يحترم الاتحاد الأوروبي بشكل صارم قواعد منظمة التجارة العالمية المتصلة بهذا الأمر، وأن يضمن بشكل كامل حق الشركات الصينية في الاحتجاج.
يشار أنه في العام 2015، بلغ ما أنتجته الصين من الحديد الخام، وهو المكون الأساسي في منتجات الصلب، نحو 800 مليون طن، أي قرابة نصف الإنتاج العالمي كله. وبعد أن تقلص الطلب الداخلي مع ركود النمو الاقتصادي في الصين بدأ المنتجون المحليون يصدرون كميات كبيرة من فائض الإنتاج بدءًا من عام 2014 ويعد هذا أحد الأسباب الرئيسية التي خلقت مشكلة لدى دول العالم.
ويبقى حل المشكلة في جدية خطوات الصين لخفض طاقة إنتاج الصلب بما يتراوح بين 100 و150 مليون طن على مستوى البلاد خلال ما بين ثلاثة وخمسة أعوام للسيطرة على فائض الإمداد وإنعاش الأسعار والتصدي لمشكلة الخسائر المستمرة في القطاع.
إنتاج الصلب حول العالم
يُنتج الصلب في كل أنحاء العالم منذ أكثر من ألف عام، وقد زاد الطلب عليه بمستوى كبير بعد تعريفه بأنه بديل فعال للحديد، ويشتهر بطول عمره ومرونته لكن الأسعار العالمية والطلب على المعدن قلت في عام 2015 بعد موجة الركود التي ضربت دول العالم وعلى رأسهم الصين.
وتضم قائمة “وورلد أطلس” المنتجة للصلب، شركات من كوريا الجنوبية والهند والولايات المتحدة وألمانيا والبرازيل وروسيا، واستأثرت الصين بالنصيب الأكبر بعشر شركات من بين عشرين على مستوى العالم. وقد وصلت مستويات الإنتاج في العالم إلى 1.1 مليار طن في عام 2005 وصعدت في عام 2015 إلى 1.6 مليار طن، ولم يتراجع الإنتاج حتى الأزمة الاقتصادية العالمية عامي 2008 و 2009.
حث الزعماء الأوروبيون وترامب الصين على التعجيل بخفض الطاقة الزائدة، وعزوا هبوط الأسعار إلى صادراتها الكبيرة، واتهموها بإغراق الأسواق الأجنبية بصلب رخيص الثمن
تصدرت شركة “أرسيلورميتال” التي يقع مقرها في لوكسمبورج أكبر شركة في العالم في إنتاج الصلب، تأسست نتيجة الاندماج بين شركتي “أرسيلور” و”ميتال” في عام 2006. وأنتجت في العام 2015 ما يصل إلى 97.1 مليون طن من الصلب ويمثل إنتاج الشركة ما يتراوح بين 6 – 10% من الإنتاج العالمي. ويصل عدد الموظفين في الشركة إلى 232 ألف شخص ولها منشآت إنتاج في 60 دولة في أنحاء العالم.
وتأتي في المرتبة الثانية شركة “هيستيل” الصينية على مستوى العالم حيث أنتجت 47.7 مليون طن من الصلب في العام 2015 وهو تقريبًا نصف ما تنتجه شركة لوكسمبورج. تأسست شركة “هيستيل” في العام 2008 ولها العديد من الشركات الفرعية في العالم، ويصل عدد عمالها إلى 124 ألف موظف.
وفي المرتبة الثالثة تأتي شركة “نيبون” اليابانية، ويعود تاريخ تأسيسها إلى عام 1970، وقد بلغ إنتاجها في العام 2015 أكثر من 46 مليون طن من الصلب. وفي المرتبة الرابعة عالميًا جاءت شركة “بوسكو” الكورية الجنوبية التي أنشئت عام 1968 ولم تدخل السوق العالمي إلا في عام 2011 عندما بلغت مستويات إنتاجها 39.1 مليون طن، وسجل إنتاج الشركة في عام 2015 ما يصل إلى 42 مليون طن من الصلب.