الزفزافي يعري السلطات المغربية في الميادين وفي السجون

630

أربك السلطات الرسمية طوال أشهر في الساحات والميادين والشوارع بتزعمه حراك الريف، وها هو الأن يربكهم حتى بعد اعتقاله، عن ناصر الزفزافي زعيم حراك الريف المغربي الذي قضّ مضجع السلطات المغربية حكومة وبرلمانا وملكا أيضا، نتحدث. فحتى في سجنه بين القضبان لم تسلم سلطات المملكة من “وجعه”، وما الفيديو الأخير المسرّب للزفزافي وهو شبه عار داخل السجن وما أحدثه من جدل كبير واحراج للسلطات المغربية التي أذنت في فتح تحقيق في الغرض إلا دليل على ذلك.

فيديو “مهين” للزفزافي

أول أمس الاثنين، بث موقع إخباري محلي معروف بقربه من الأوساط الأمنية المغربية فيديو لناصر الزفزافي يظهر فيه في السجن بصدد إظهار أجزاء من جسمه وكأنه يريد أن يؤكد أنه لم يتعرض لأي عنف. وسحب الفيديو بعد ذلك من الموقع، وتداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مقطع الفيديو الذي نشره الموقع الإلكتروني قبل سحبه من الموقع، ويُظهر الشخص الذي قام بتصوير الزفزافي مناطق من جسده من بينها منطقة البطن والخصر، وساقيه. 

ويستمر شريط الفيديو لدقيقتين ويظهر فيه فائد حراك الريف المغربي ناصر الزفزافي هادئا وصامتا وهو يرفع جلابيته ليظهر صدره وظهره ورجليه، مع سماع أصوات رجال قريبة منه، وبث الموقع التسجيل المصور كدليل لدحض مزاعم تعرض الزفزافي لمعاملة سيئة لكن كانت هناك علامات وكدمات واضحة على وجهه وأسفل ظهره. وينصّ القانون المغربي المتعلق بتصوير المعتقلين ينص على منع أخذ صور فتوغرافية أو لقطات مصورة أو مشاهد أو رسوم أو تسجيلات صوتية، داخل المؤسسات السجنية أو بقربها مباشرة، إلا بإذن من وزير العدل.

وفي الـ 22 من يونيو الماضي، أعلنت منظمتا “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” في بيان، أن قائد الاحتجاجات الشعبية في شمال المغرب ناصر الزفزافي تعرض للضرب “بقسوة” والى إساءات لفظية من قبل عناصر من الشرطة المغربية خلال اعتقاله، واعتقل الزفزافي في الـ 29 من شهر مايو الماضي في قرية دوار لحرش على بعد حوالي 50 كيلومتراً من الحسيمة، لمقاطعته خطبة إمام مسجد في المدينة، ووجهت إلى الزفزافي الذي كان يندد في خطاباته “بالدولة الفاسدة”، عدة تهم بينها “الإساءة إلى الأمن الداخلي”.

قائد “حراك الريف”، دائما في الصدارة

نشر هذا الفيديو تزامن مع مثول الزفزافي أمام قاضي تحقيق في محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، في إطار أولى جلسات التحقيق التفصيلي بخصوص التهم ‏الموجهة إليهما تمهيدا لمحاكمته، وبرز اسم الشاب المغربي العاطل عن العمل ناصر الزفزافي (38 سنة)، مع انطلاق الاحتجاجات في مدينة الحسيمة بمنطقة الريف المغربي في أكتوبر من السنة الماضية، إثر مقتل بائع السمك الشاب محسن فكري سحقًا داخل شاحنة نفايات.

كان محور أول خطابات الزفزافي التي أصبحت الملهم الأبرز للاحتجاجات، التهميش الذي يعانيه الريف المغربي وسكانه

حينها استطاع الزفزافي، الذي عرف محليا بكونه ناشطا سياسيا في وسائل التواصل الاجتماعي، بفصاحته أن يجمع الناس حوله ويقود الحراك، ومنذ ذلك الحين، أصبح ناصر الزفزافي يعرف إعلاميًا بزعيم حراك الريف في مدينة الحسيمة المغربية، حيث أصبح حاضرًا في كل اللحظات، يقود المسيرات ويخطب في الجماهير وترفع صوره وتتداول تصريحاته وسائل الإعلام المحلية والدولية، وكثيرًا ما كان يردّد الزفزافي أنه يسير على نهج الزعيم المغربي الكبير محمد عبد الكريم الخطابي في التحرر والوقوف ضد الظلم والدفاع عن المهمشين.

كان محور أول خطابات الزفزافي التي أصبحت الملهم الأبرز للاحتجاجات، التهميش الذي يعانيه الريف المغربي وسكانه، وانعدام التنمية هناك وانتشار البطالة والظلم والفقر وفساد الحكومة، حسب وصفه، ثم بدأت نبرة خطاباته تزداد حدّة، فبدأ يوجه نقده للمخزن والملك المغربي محمد السادس مباشرة. 

لم تغب صور الزفزافي عن أي مسيرات لحراك الريف

ويتجاوز مشاهدو فيديوهات ناصر الزفزافي الذي يلقبه محبوه بـ “أمغار ناريف” وتعني “قائد الريف”، على قناة اليوتيوب مئات الآلاف، وبث كلماته المباشرة على صفحته على “فيسبوك” تحصد إعجاب ومشاركة الآلاف أيضًا، نتيجة الكاريزما الخاصة التي يتمتع بها وتجعل الناس يلتفون حوله. واعتقدت السلطات المغربية أن حال القبض على الزفزافي وإيداعه السجن سيخمد “حراك الريف” وينتهي، إلا أن الزفزافي كان حاضرا دائما فإن لم يكن بجسده فبصوره وخطبه التي استطاع أن يجمع من خلالها الناس حوله.

فتح تحقيق ونفي

مباشرة بعد نشر هذا الفيديو لزعيم الحراك وهو شبه عار في السجن، أعلن الوكيل العام للملك (النائب العام) لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، في بيان له، أنه بمجرد الاطلاع على شريط الفيديو أمرت النيابة العامة بفتح تحقيق دقيق للوقوف على حقيقة ظروف وملابسات تصويره والغاية من نشره، لاتخاذ المتعين قانونا على ضوء نتيجة البحث.

أكدت إدارة السجون أن “هذا الفيديو لم يتم تصويره داخل هذه المؤسسة السجنية

من جهتها سارعت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج إلى نفي تصوير الفيديو داخل السجن، وأفادت في بيان أصدرته لها بأن “الفيديو المنشور للنزيل ناصر الزفزافي المعتقل على خلفية أحداث الحسيمة بالسجن المحلي عين السبع 1، لم يتم تصويره داخل هذه المؤسسة السجنية”. وأوضحت المندوبية بعد اطلاعها على الفيديو المنشور بمواقع التواصل الاجتماعي، أن الزفزافي لم يسبق له أن ارتدى اللباس الذي ظهر به في شريط الفيديو داخل المؤسسة السجنية منذ إيداعه بها إلى حدود الآن.

كما شددت على أن “المواصفات المادية للمكان الذي صور فيه الفيديو لا تتوفر في أي من القاعات الموجودة بالسجن المحلي عين السبع 1”. وانطلاقا من هذه الاعتبارات أكدت إدارة السجون أن “هذا الفيديو لم يتم تصويره داخل هذه المؤسسة السجنية، ولذلك فهي تستنكر الترويج في مواقع مأجورة من أطراف تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان لفكرة أن الفيديو قد تم تسريبه من داخل المؤسسة”.

استنكار وتنديد بالفيديو

تسريب هذا الفيديو للزفزافي لقى استهجانا كبيرا من قبل حقوقيين وسياسيين ونشطاء شبكات التواصل الاجتماعي بالمغرب، حيث قال وزير الدولة المكلف حقوق الإنسان المصطفى الرميد، إن نشر الفيديو “يعد إهانة مدانة لمواطن أعزل مهما كانت التهم الموجهة إليه. وقد انتابني ألم كبير وأنا أطلع على صورة المعتقل الزفزافي على صفحة أحد المواقع الإلكترونية بتلك الهيئة التي تعتبر إهانة مدانة لمواطن أعزل مهما كانت التهم الموجهة إليه… نحن لا نعلم لحد الآن في أي مكان التقطت ولا في أي ظروف صنعت، ويبقى القضاء وحده المخول بتحديد الجهة الآثمة التي أقدمت على تصويره”.

الزفزافي يظهر في الفيديو وهو يكشف عن أماكن من جسده تبدو عليها آثار كدمة على الجانب الأيسر من ظهره

واعتبر الرميد التقاط تلك الصور ونشرها خطيئة تحدت بشكل سافر كل القيم الأخلاقية والنصوص القانونية، “بل إنها تمثل مسا صارخا بكرامة مواطن بطريقة أحسست معها أن كرامتي وكرامة جميع المواطنين مست معها”، وأعلن الوزير المغربي أنه “جد غاضب من هذه الصبيانيات التي لا مبرر لها مطلقا”.

بدوره، قال منتدى الكرامة لحقوق الإنسان (مستقل)، في بيان، إنه تلقى باستياء وغضب شديدين تعميم الفيديو المهين والحاط من الكرامة الإنسانية للمواطن الزفزافي، بينما هو محتجز بأوامر من سلطات قضائية، مشيرا إلى أن الزفزافي يظهر في الفيديو وهو يكشف عن أماكن من جسده تبدو عليها آثار كدمة على الجانب الأيسر من ظهره مع تجمع وازرراق للدم تحت الجلد، فيما قد يبدو ظاهريا كأنه فحص طبي.

من جهتها ندّدت الكاتبة المغربية مايسة سلامة الناجي بالفيديو الذي ظهر فيه الزفزافي شبح عار وكتبت تدوينة في هذا الشأن على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك جاء فيها، ” في محاولة توثيق التعذيب الجسدي الذي طال الزفزافي مارسوا عليه تعذيبا نفسيا بطريقة التصوير تلك ثم إهانة له ولمواثيق حقوق الإنسان بنشر الفيديو...”

في نفس السياق ، كتب الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال عادل بنحمزة، كتب تدوينة على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” قال فيها، “الفيديو في حد ذاته حصة تعذيب وإهانة، سواء لقائد الحراك أو للمشاهدين، بل أكثر من ذلك إنه تحريض رخيص يثبت أن هناك من يلعب بالنار، سواء عن قصد أو عن جهل”.

وأشار بنحمزة في هذا الصدد إلى أنه “كان بالإمكان السماح لحقوقيين من المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومن المنظمات الحقوقية الوطنية وحتى الدولية بزيارته في السجن للتأكد من تعرض الزفزافي للتعذيب من عدمه؛ وذلك دون المس بكرامته وتصويره وعرض الفيديو على العموم في مس صارخ بالحق في الصورة، خاصة أن الزفزافي لا زال على ذمة التحقيق ولم يصدر في حقه أي حكم قضائي، سواء ابتدائي أو نهائي”.