لم يعد خافيا على أحد، ان الصراع الحاصل في الشرق الاوسط، هو صراع بين الانظمة الاستبدادية، والشعوب المتطلعة للديمقراطية والحرية، وما الإرهاب إلا أداة تستثمرها النظم القمعية، وتتخذها ذريعة لضرب المشاريع الديمقراطية، والحركات التحريرية، وكذلك تتخذها الدول الغربية وتحديدا أمريكا وسيلة لابتزاز دول البحر النفطي “الخليج”..
في خطاب الرئيس الأمريكي “ترمب” في قمة الرياض، وأمام زعماء العالم العربي والإسلامي، لم يذكر مصطلح “الديمقراطية” ولم يشير له من قريب أو بعيد، بينما ذكر مصطلح “الإرهاب” في أكثر من موضع وكرر ذلك عشرات المرات، ليس لأنه يكره الديمقراطية فهو من بلد “ديمقراطي” وجاء إلى الرئاسة بانتخابات، ولكن هناك سببين لعدم ذكر هذه المفردة التي لطالما يتغنى بها الأمريكان في كل المحافل ألا وهما:
أولاً: تجنب الحديث عن الديمقراطية في قمة تاريخية، لأن البلد المستضيف يحكم بنظام ملكي، ومن واجب الضيف أن لا يجرح مشاعر مضيفيه، وهو يدرك أن هذه المصطلحات مجرم ذكرها أو تداولها وتثير الحساسية حتى صارت عند هؤلاء الحكام فوبيا من الديمقراطية بإمكانهم محاربتها ولو كانت خارج الجغرافيا العربية.
ثانياً: هو جاء له هدف واحد المتمثل “بالمليارات” وأما تركيز أهداف القمة حول الإرهاب فقط فكان ذلك مجرد ورقة يمكن من خلالها اختلاس الأموال الضخمة وتمرير الصفقات، فالرجل يدرك أن ذكر الديمقراطية قد تفسد ما جاء لأجله على خلاف خطاب سلفه أوباما في جامعة القاهرة، فالامريكان يدركوا جيدا أن الإستبداد وغياب الديمقراطية هو من صنع الإرهاب، وأن ما يحدث في الشرق الأوسط نتاج القمع وتضييق مساحة الحرية، لكن مادامت مصالحهم مرتبطة ببقاء الإرهاب والأنظمة المستبدة والهشة، فلزاما عليهم التناغم مع الوضع القائم.
كشفت الأزمة الخليجية الأخيرة عن حجم الديمقراطيفوبيا لدى بعض حكام الخليج، فمن خلال الأسباب التي دفعتهم لحصار قطر، واتهامها بالإرهاب ودعمه،يتضح أن الأزمة تمثل امتداد لموجة الثورات المضادة التي تتزعمها الإمارات وتمولها والتي بدأت من مصر عام 2013م، وأن هذه الخطوات التصعيدية ضد قطر والتي جاءت عقب قمة الرياض هي عقاب لقطر لأنها وقفت مع الشعوب في اختيار من يحكمهم في ثورات الربيع العربي.
هذه الجماعة مرتبطة بالديمقراطية، وليست الوحيدة وإنما هناك حركات يسارية وليبرالية، ولكن لانها الأكثر حضورا على المستوى والأقوى تنظيما، ولديها القدرات والإمكانيات التي تواصلها إلى الحكم في حال ترسخت الديمقراطية
فكل المطالب التي قدمت لقطر كلها تتعلق بالديمقراطية والحريات،الإخوان،و قناة الجزيرة، وحقها السيادي في علاقتها الخارجية، ولم يثبتوا بدليل وأحد على الاتهامات التي ساقوها بعد ساعات من إعلان فرض الحصار، وهو ما جعلهم الآن في حالة ارتباك بعد موجة الانتقادات الدولية، وكذلك الموقف القطري الصلب.
يفهم من هذه التطورات أن الارهاب الذي تقصده السعودية وأخواتها، ليس الذي نعرفه نحن والعالم، وإنما الحركات والأحزاب والمنظمات التي تؤمن بالحريات والديمقراطية مبدأ للحكم والوصول إلى السلطة، وبمعنى أدق “الحرب الحاصلة في دول الشرق الأوسط هدفها إعادة الأنظمة العسكرية القمعية، وتجريف السياسة، وإغلاق الفضاء الإعلامي الحر،والعودة بالوضع إلى ما قبل الربيع العربي، وإلى ما قبل الجزيرة.
الحرب التي يتزعمها محمد بن زايد على الإخوان المسلمين التي امتدت نيرانها إلى كل دول الربيع العربي وتجاوزت الحدود الجغرافية ووصلت إلى تركيا وبريطانيا ليس لخلاف عقائدي، وايدلوجي كما يظن البعض وإنما لان هذه الجماعة مرتبطة بالديمقراطية، وليست الوحيدة وإنما هناك حركات يسارية وليبرالية، ولكن لانها الأكثر حضورا على المستوى والأقوى تنظيما، ولديها القدرات والإمكانيات التي تواصلها إلى الحكم في حال ترسخت الديمقراطية، وهذا ما حدث عقب ثورات الربيع في مصر وليبيا وتونس والمغرب، والذي أصاب أنظمة الخليج باستثناء قطر بالسعار ، فقادت حالة التخوف من الديمقراطية لدى انظمة ما قبل الدولة إلى انقلابات وحروب مدمرة امتدت نيرانها إلى دولهم، واتاحة المجال للتمدد الإيراني في المنطقة.
الحكومة التي تضيق ذعرا من تغريدة لمواطن من شعبها، لا تمانع في اشعال الحرائق وتحويل المنطقة إلى ركام ما دام ذلك سيزيح كابوس الديمقراطية والرأي الآخر من أمامها
لم تدخل دول الخليج في مواجهة مع حركة الإخوان المسلمين منذُ تأسيسها عام1928 إلا بعد أن تحولت إلى أحزاب سياسية وحركات تحريرية وتدعو للديمقراطية ووصلت الحكم في عددا من الدول العربية، فيما كانت علاقة الإخوان مع دول الخليج وتحديدا السعودية حميمية، ومتقاربة أثناء ما كانت الجماعة دعوية واجتماعية، فقد احتضنت السعودية قيادات الإخوان المصريين الذين هربوا إليها من بطش واضطهاد عبدالناصر في الستينيات من القرن الماضي،واستمرت العلاقة بين صعودا وهبوط حتى ثورات الربيع العربي التي كانت الحلقة الفاصلة.
لقد صار واضحا أن كل من يؤمن بالديمقراطية مستهدفا، وتهمة الإرهاب جاهزة سوى كان اسلاميا أو يساريا، ما يحصل الآن في دول المنطقة هي حرب ممنهجة هدفها القضاء على مشاريع الثورات العربية، وسحق الديمقراطية، وكل من يدعو لها، من حركات وأحزاب، واستبدالها بالحركات المتطرفة التى ترى الديمقراطية والسياسة كفرا وخروجا عن والإسلام.
إتخاذ حلف الحصار تلك الخطوات ضد قطر بعد ايام من قمة الرياض جاءت بضوء أخضر من ترمب ،ما جعلهم يتصرفون بشكل جنوني ومتهور، دون التفكير بالنهاية وما قد ينجم عن ذلك من مواقف دولية، كانوا واثقين ثقة عميا بالموقف الأمريكي المؤيد للحصار الذي ظهر على شكل تغريدات على تويتر، سرعان ما جاء موقف أمريكي رسمي بغير المتفق عليه وذلك من خلال بيانات البنتاغون والخارجية، والمخيب للآمال لدول الحصار هوحديث”تليرسون ” عن صعوبة تصنيف الإخوان جماعة ارهابية وقوله أنها تضم5مليون عضوا وتشارك في الحكم بعدد من الدول وذكر منها البحرين.
الخلاصة، أن الحكومة التي تضيق ذعرا من تغريدة لمواطن من شعبها، لا تمانع في اشعال الحرائق وتحويل المنطقة إلى ركام ما دام ذلك سيزيح كابوس الديمقراطية والرأي الآخر من أمامها، وأما الإرهاب شماعة ستبقى قائمة ما دام مشروع الثورات قائم.