بدأت مفاوضات جنيف السورية بقول المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان ديمستورا، أنه لا يتوقع “إنجازًا كبيرًا” في النسخة السابعة من مفاوضات جنيف. فإذا كانت هذه البداية فكيف ستكون النهاية إذن! كما أنه من يسمع كلام الرجل يكاد يصدق أن نسخة المفاوضات التي قبلها أو حتى سابقاتها حققت إنجازات في الملف السوري.
وكان ديمستورا نفسه أكد عقب انتهاء محادثات أستانة 5 يونيو/تموز الجاري حول الظرف الصعب الذي تمر به سوريا وإمكانية إنهاء الحرب مع تأكيده على وجود أمل. حيث قال أن “الظروف مهيئة حتى اليوم لإنهاء الحرب في سوريا (…)، شعرنا بالإحباط وخيبة الأمل خلال السنوات الماضية ولكن الأمل موجود”.. الأمل موجود فعلا كما يقول ديمستورا، ولكن على السوريين أن ينتظروا إجراء أربع جولات جديدة في جنيف خلال ما تبقى من العام الحالي 2017 كما قال ديمستورا أمس الثلاثاء في مقابلة مع وكالة الإعلام الروسية “سبوتنيك”.
جنيف بلا جدوى
منذ بدء المفاوضات السورية في جنيف توقع البعض أن الأمر لن يكون سهلا وحل القضية لن يكون عبر جولة أو جولتين بل هي جولات كثيرة، وبالفعل فلو حدث كلام ديمستورا بحاجته إلى عقد أربع جولات أخرى سيصبح مجموع جولات المفاوضات السورية في جنيف 11 جولة حتى نهاية العام الحالي. هذا ولم يتم تحديد موعد انتهاء تلك الجولات لذا لن يكون غريبًا إذا كان هناك مثل هذا الرقم خلال العام المقبل. لذا يرى مراقبون فيها بأنها بدون جدوى وسط الظروف التي تمر بها من عدم رعاية أمريكية بها وتعنت روسيا وإيراني على أستانة الذي يراعي ويحقق مصالحهما أكثر من مسار جنيف.
لم تحظى هذه الجولة بتغطية إعلامية كبيرة كما في الجولات السابقة، ربما لأن العالم تلقف النتيجة المسبقة لديمستورا بعدم تفاؤله بتحقيق إنجاز كبير في هذه النسخة. والأنكى من هذا أن ديمستورا لم يجتمع بوفد المعارضة السورية في اللقاءات التقنية بينما اجتمع مع وفد النظام مرتين يومي الإثنين والثلاثاء كما نقلته مصادر إعلامية، في موقف من شأنه أن يطرح تساؤلًا فيما إذا كان هناك تجاهل لوفد المعارضة أم أن هذا جدول محدد تعقد وفقه اللقاءات لم يتم توضيحه لوسائل الإعلام!.
يعتزم ديمستورا إجراء أربع جولات جديدة في جنيف خلال ما تبقى من عام 2017، ليصبح بهذا عدد جولات جنيف في نهاية العام، 11 جولة
وتدور المباحثات الجارية في جنيف بنسختها السابعة، حول “وضع جدول زمني ودستور جديد”، وهذا ما كانت الجولة السابقة قد بدأت بنقاشه. ويشكل الدستور إحدى السلال الأربع التي كان ديميستورا قد طرحها وتم التوافق عليها شفهيًا، لبحثها في جنيف، باعتبار أنها من المسائل الأساسية المفضية لحل الأزمة السورية من وجهة نظره.
وأوضح المبعوث الأممي أن “النقاشات الحالية تدور حول الجدول الزمني والعملي لوضع الدستور وليس عن مضمونه”. وقال إن “الأكراد جزء أساسي من المجتمع السوري، وبرأيي يجب أن تكون لديهم كلمة بما سيكون عليه الدستور في المستقبل، سواء كان دستورًا جديدًا أم إصلاحات للدستور الحالي”. واعتبرديميستورا، في لقاءه مع الوكالة الروسية سبونتيك، أنه يجب عدم تجاهل الكرد السوريين، والسماح لممثليهم بالمشاركة في وضع الدستور السوري الجديد.
يُذكر أن موسكو كانت قد عرضت نسخة من مشروع دستور لسوريا مع اختتام محادثات أستانة في كازاخستان، في 24 يناير/كانون الثاني الماضي، وأثار طرحه ردود فعل من قبل بعض السوريين. ورفض كثيرون، باختلاف موقفهم السياسي معارضين أو مؤيدين للنظام السوري، الدستور، وطالبوا بترك تحديد مصير البلاد إلى الشعب السوري. ومن بين ما تم طرحه في بنود الدستور الروسي، نقل صلاحيات الرئيس إلى مجلس الشعب، ورئيس مجلس الوزراء و”جمعية المناطق”، التي تضم ممثلي الإدارات المحلية، و”الحكم الذاتي الكردي”، ومنحها صلاحيات واسعة بتشريع القوانين، بحيث يلعب الرئيس دور “الوسيط” بين السلطات.
وأكد على ضرورة احترام الأديان، وأن تكون اللغة العربية رسمية للدولة، كما تُستخدم “أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي”، وبالتالي اللغتان العربية والكردية “متساويتان”. كما أشار الدستور أيضًا حرية الرأي والتعبير والحرية الشخصية وحرية الانتخاب، وضمانها من قبل الدولة، واعتبر أن رئيس الجمهورية “ضامن لاستقلال الوطن وحماية وحدته وسلامة أراضيه، على أن تخضع له التنظيمات والقوات المسلحة”.
غياب الدور الأمريكي الفاعل في جنيف عبر عدم ممارسة أي ضغوط سياسية أو عسكرية تدفع الأطراف لتحقيق تقدم في مباحثات جنيف، وغياب هذا الدور نابع من عدم توفر استراتيجية أمريكية واضحة في سوريا.
النسخة السابعة من جنيف ستكون كما قال ديميستورا عبارة نقاشات حول جدول وعملية وضع الدستور الجديد وليس عن شكل الدستور بحد ذاته، وقال في مقابلته مع الوكالة الروسية إنه “عندما يحين الوقت سيكون من الصعب جدًا تجاهل الصوت والرأي الكردي السوري”. وقد شهدت مدينة لوزان السويسرية في الأسابيع الماضية جولتين من المحادثات التقنية برعاية الأمم المتحدة مع جماعات من المعارضة السورية ضمت خبراء سوريين، لبحث مسائل تتعلق بالدستور.
سوريا بيد روسيا عبر أستانة
يغدو وفدي المعارضة والنظام السوريين جيئة وذهابًا جيئة وذهابًا إلى جنيف لمناقشة آخر ما توصلت إليه المفاوضات حول سوريا، في موقف متصلب لكلا الطرفين بين وفد النظام المتمسك بالسلطة لا يتخلى عنها ووفد المعارضة الذي يريد عملية انتقال سياسي للسلطة تنهي الأزمة وتدخل سوريا مرحلة جديدة.
وبين مباحثات أستانة ومباحثات جنيف، انخفض وهج الأخيرة لصالح أستانة التي ترعاه روسيا وإيران وتركيا، فيما يرى مراقبون أن جنيف لم ينخفض وهجها فقط بل تحولت إلى منصة لشرعنة الاتفاقات الدولية التي تتم في أستانة. فيما لم تبدي المعارضة أي تنازلات عن مسار جنيف لصالح أستانة.
وبحسب ما أفادت به نائب رئيس الوفد التفاوضي إلى جنيف، أليس مفرج، أن المعارضة مصرّة على جنيف، ولم تتنازل عنه، وكل أنظار المجتمع الدولي تتجه إلى جنيف وأنه أي المجتمع الدولي، بعد الاتفاق الروسي الأميركي الذي تجلى عبر اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا، متفق على تسيير جنيف تحت مظلة القرارات الدولية. فيما يرى باحثون أن هذه الجولة جاءت لـ”ملأ فراغ سياسي” وللتدليل على استمرارية تفاوضية غير منقطعة لإيجاد مخرج للأزمة السورية عبر هذه المحادثات.
يجب عدم تجاهل الكرد السوريين، والسماح لممثليهم بالمشاركة في وضع الدستور السوري الجديد.
ويتفق العديد من المحللين أن محادثات أستانة باتت أكثر عملية من محادثات جنيف بل وتحاول أن تكون بديلا عنها، فأستانة تمكنت من التوصل إلى اتفاقات تترجم على الأرض، وعلى الرغم من ركاكة العديد منها إلا أن روسيا لم تيأس، وتم التوصل إلى اتفاق “خفض التصعيد” الذي واجه انتهاكات كثيرة، إلا أنه لا يزال قائمًا وتعمل كل من روسيا وإيران وتركيا على اعتماده وتطبيقه، وهو يصب في الرؤية الروسية الإيرانية بسوريا، وهو أحد الأسباب التي غيبت فيها روسيا وإيران مسار جنيف لصالح إعلاء مسار أستانة.
في الواقع فإن أستانة وجنيف تعد شكل من أشكال الصراع بين أمريكا وروسيا، فالأخيرة لا ترى في مسار جنيف بأنه يحقق لها أهدافها الاستراتيجية والسياسية في سوريا ولطالما كانت تضع العراقيل للتوصل إلى حل لا ينسجم وأهدفها في سوريا، فجنيف يدعو إلى حكومة انتقالية بكافة الصلاحيات دون وجود رجل روسيا في سوريا، بشار الأسد، وهذا ما قد يهدد مصالحها هناك.
والأمر الآخر والأهم، هو غياب الدور الأمريكي الفاعل في جنيف فهي لا تمارس أي ضغوط سياسية أو عسكرية تدفع الأطراف لتحقيق تقدم في مباحثات جنيف، وغياب هذا الدور نابع من عدم توفر استراتيجية أمريكية واضحة في سوريا. وأخيرًا كان اتفاق جنوب سوريا إحدى تجليات الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي تقوم على التعاون والتنسيق مع روسيا في سوريا، وهو ما سيؤدي لاحقًا لتلعب روسيا دورًا أكبر عبر أستانة على حساب مسار جنيف.