يقترب العالم من توديع سنة 2023 التي حملت ذكريات قاسية لكثير من الناس، إذ شهدت بدايتها زلازل مدمرة في إندونيسيا وشمال سوريا وتركيا، ثم عرفت حرب السودان بكل ما أفرزتها من مآسٍ، فضلًا عن تصاعد عدوان الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين، بدءًا من اقتحام مخيم جنين ومدينة نابلس، وصولًا إلى القصف الوحشي لقطاع غزة ومحاولة محوه كليًا من الوجود في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية حماس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
بالنسبة للقارة السمراء كان 2023 عام استمرار الانقلابات والنزاعات المسلحة بكل آلامها وأوجاعها، وفي الوقت نفسه ازدادت حدة التنافس الدولي والإقليمي على القارة ومواردها. فيما يلي نستعرض بشيء من التفصيل أبرز الأحداث التي شهدتها إفريقيا خلال 2023:
تجدد الصراع في شرق الكونغو يوتر العلاقات مع رواندا
شهد مطلع عام 2023، تجدد الصراع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بهجومٍ دامٍ شنته حركة 23 مارس المتمردة على قرية، ما أدى إلى مصرع 24 شخصًا بينهم 6 نساء، قبل نهب العديد من المنازل والمتاجر وإشعال النار فيها، ثم توالت الهجمات ما أدى إلى سقوط المنطقة في دوامة لا تنتهي من انعدام الأمن وعدم الاستقرار.
وظلت شرق الكونغو ساحة معركة للصراعات المتداخلة بين القوى الإقليمية والجماعات المسلحة، وهي منطقة غنية بالموارد الطبيعية المتنوعة، بما في ذلك الذهب والألماس والنفط، إذ تعد الكونغو الديمقراطية ثالث أكبر منتج للألماس في العالم بنسبة 23% من الإمدادات العالمية، وأكبر منتج للكوبالت بنسبة 70%، وهو عنصر أساسي نادر في ثورة التكنولوجيا وإنتاج البطاريات.
استولت حركة 23 مارس المتمردة على مساحات شاسعة من الأراضي في مقاطعة كيفو الشمالية وتحديدًا مدينة جوما التي تقترب جغرافيًا من كيغالي عاصمة رواندا، حيث تُمثل الحركة سببًا أساسيًا في تدهور العلاقات بين الكونغو ورواندا، فالعديد من المقاتلين المتمردين الكونغولويين تعود أصولهم العرقية إلى قومية التوتسي التي ينتمي إليها رئيس رواندا، لذلك تتهم الكونغو الديمقراطية حكومة جارتها رواندا بدعم التمرد.
لا يزال الخبراء يحذرون من تهديد أمني أكبر لمنطقة شرق الكونغو في ضوء تاريخ مأساوي، فقد كانت الكونغو الديمقراطية، التي لا تزال تتجرع مرارة حرب الكونغو الأولى والثانية بين عامي 1996 و2003، مرتعًا لما أسماه البعض “الحرب العالمية في إفريقيا”، إذ لقي ما يصل إلى 6 ملايين شخص حتفهم، إما جرَّاء القتال وإما جرَّاء المرض وسوء التغذية.
نيجيريا.. فوز مرشح الحزب الحاكم في انتخابات رئاسية “متنازع عليها”
في مطلع مارس/آذار الماضي أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات في نيجيريا فوز مرشح الحزب الحاكم بولا تينوبو بالانتخابات الرئاسية التي طعنت المعارضة بنتائجها، فيما يأمل المواطنون بحصول تغيير في أكبر بلد بإفريقيا من حيث عدد السكان.
وبحسب اللجنة حصل تينوبو على 8.8 مليون صوت، متقدمًا على منافسيه الرئيسيَين، إذ تقدم على عتيق أبو بكر مرشّح حزب الشعب الديمقراطي الذي حصل على 6.9 مليون صوت، وبيتر أوبي مرشّح حزب العمّال الذي حصد 6.1 مليون صوت.
ويعد تينوبو سياسيًا مثيرًا للجدل، فقد لاحقته تهم الفساد دون أن تتم إدانته، وحتى بعد إعلانه رئيسًا للبلاد اتهمه خصومه بتزوير الانتخابات، بينما يرى آخرون أن فوزه كان “انتصارًا للديمقراطية”.
لفتت انتخابات نيجيريا 2023 أنظار العالم كحدثٍ إفريقيٍّ كبير، كونها أكبر بلد في القارة السمراء من حيث عدد السكان “217 مليون نسمة” ولأنها تقع في غرب إفريقيا المنطقة المهددة بتراجع كبير للديمقراطية بسبب الانقلابات الأخيرة، إلى جانب انتشار العنف الجهادي.
وأصبحت نيجيريا أخيرًا محط اهتمام كثير من القوى الكبرى، إذ تنعم بأقوى اقتصاد في القارة الإفريقية حقق معدل نمو 3.52% على أساس سنوي في الربع الأخير من 2022 مقابل 2.25% في الربع الثالث، بحسب وكالة بلومبيرغ.
صراع السودان.. أكبر أزمة نزوح في العالم
يودع السودانيون سنة 2023 بذكريات أليمة امتزجت فيها الدماء والدموع، حيث بدأت السنة بخلاف متصاعد وحرب كلامية بين الجيش وقوات الدعم السريع، انتهت إلى صراع وحشي مدمر في منتصف أبريل/نيسان الماضي، لم تشهد العاصمة الخرطوم له مثيلًا منذ مئات السنين.
راح ضحية الحرب آلاف الناس في الخرطوم ودارفور وكردفان والجزيرة، وشُرّد الملايين، وبات مثلهم على حافة المجاعة، حيث أطلق برنامج الغذاء العالمي، في أحدث تقرير له، تحذيرات جديدة من حدوث مجاعة وشيكة، تهدد 18 مليون سوداني بحلول موسم الجفاف العام المقبل، موضحًا أنه اضطر إلى تعليق المساعدات الغذائية مؤقتًا في بعض أجزاء ولاية الجزيرة بسبب تصاعد النزاع.
🚨 تحديث من #السودان: اضطر برنامج الأغذية العالمي إلى تعليق المساعدات الغذائية مؤقتاً في بعض أجزاء ولاية #الجزيرة بسبب تصاعد النزاع.
⚠️ تعد هذه انتكاسة كبيرة للجهود الإنسانية فيما يتعلق بالغذاء في البلاد، حيث كان البرنامج يساعد أكثر من 800,000 شخص.
🔗 https://t.co/H5grjsnEZd pic.twitter.com/OvkGz4O910
— برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة (@WFP_Arabic) December 21, 2023
وإلى جانب تدهور الأوضاع الأمنية والوضع الغذائي، تفشت الأمراض الوبائية مثل الكوليرا، وبات تعطل الدراسة يهدد جيلًا بأكمله، إذ حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” من أن 19 مليونًا من أطفال السودان في مختلف المراحل الدراسية أصبحوا خارج أسوار المدارس، وأن البلد على وشك أن يصبح موطنًا لأسوأ أزمة تعليمية في العالم.
وعن الخسائر في الاقتصاد والبنية التحتية والخدمية، يقدر الخبير الاقتصادي عادل عبد العزيز أنها بلغت أكثر من 108 مليارات دولار، منها 15.8 مليار دولار في الناتج الإجمالي المحلي، ويقدر خسائر البنى التحتية العامة في قطاع الطيران المدني بـ3 مليارات دولار، والطرق والجسور ومقار وزارات ومؤسسات حكومية بـ10 مليارات دولار، بحسب حديث للجزيرة نت.
انقلاب النيجر
توالت الانقلابات العسكرية في إفريقيا، ففي يوليو/تموز الماضي احتجز الحرس الرئاسي في النيجر الرئيس محمد بازوم وأعلن قائد الحرس الجنرال عبد الرحمن تشياني نفسه رئيسًا للمجلس العسكري الجديد.
لاحقًا، أغلقت قوات الحرس الرئاسي حدود البلاد، وعلقت مؤسسات الدولة، وأعلنت حظر التجوال، وأغلق الحرس الرئاسي كذلك مداخل الوزارات.
النيجر تحتل موقعًا جغرافيًا مركزيًا في منطقة الساحل الإفريقي التي تمتد من المحيط الأطلسي غربًا إلى البحر الأحمر شرقًا، وظلت النيجر منذ أقدم العصور بوابة للعابرين من دول إفريقيا إلى الجنوب، وشمالًا من جنوب الصحراء.
وتُعد مدينة أغاديس ملتقى لتلك الوجهات، ولا تزال معبرًا تستخدمه الحركات المسلحة للتنقل بين المناطق الساخنة في هذه المنطقة التي ينعدم فيها القانون.
وازدادت أهمية هذه المنطقة بالنسبة لفرنسا بعد فقدانها عددًا من الدول في القارة السمراء لصالح منافسيها، وتململ الشعوب الإفريقية بحثًا عن الخلاص من الهيمنة الفرنسية.
ورغم رفض المجتمع الدولي والاتحاد الإفريقي لانقلاب النيجر والعقوبات التي هددت بها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” بالتدخل العسكري بهدف إعادة الحكومة الشرعية إلى سدة الحكم، فإنّ رئيس النظام العسكري في النيجر الجنرال عبد الرحمن تياني نجح في فرض نفسه كحاكم للبلاد.
إذ توجه الجنرال تياني الشهر الماضي إلى مالي في زيارة “عمل وصداقة” كأول زيارة خارجية له منذ الانقلاب الذي وجد دعمًا قويًا من جارتيه مالي وبوركينافاسو اللتين أعلنتا دعمهما للمجلس العسكري الحاكم.
ولم يكن دعم مالي وبوركينافاسو لانقلاب النيجر مستغربًا، إذ شهدت الأولى في عام 2020 انقلابًا أطاح بالرئيس المنتخب إبراهيم أبو بكر كيتا ثم انقلاب ثانٍ في 2021 على الانقلاب الأول، فيما عرفت واغادوغو انقلابًا آخر أطاح بالرئيس روش مارك كريستيان كابوري في مطلع العام 2022.
انقلاب الغابون
امتدت عدوى الانقلابات الإفريقية إلى الغابون في الربع الأخير من 2023، حيث أعلن عدد من ضباط الجيش في نهاية أغسطس/آب سيطرتهم على السلطة وإنهاء حكم الرئيس علي بونغو.
وقد أنهى الانقلاب حكم عائلة بونغو على البلد الواقع غرب ووسط إفريقيا – الذي دام 56 عامًا – وهو الانقلاب الناجح الثامن الذي يحدث في غرب ووسط إفريقيا منذ عام 2020، بعد انقلابات مماثلة في مالي (مرتان في 2020 و2021) وتشاد وغينيا وبوركينا فاسو (مرتان في يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 2022) والنيجر.
وأدى الجنرال بريس أوليغي أنغيما اليمين ليصبح رئيسًا للغابون لمرحلة انتقالية خلال مراسم أقيمت بالقصر الجمهوري في ليبرفيل في سبتمبر/أيلول الماضي بعد نحو أسبوع من الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس علي بونغو.
ولاحقًا، أعلن قادة الانقلاب إحالة الرئيس بونغو إلى التقاعد ووضعه قيد الإقامة الجبرية، كما أعلنوا اعتقال عدد من الوزراء والمسؤولين ورموز النظام، ووجهوا لهم تهمًا بالفساد والخيانة العظمى.
ازدياد التنافس الدولي والإقليمي على إفريقيا
رغم الأحداث المأساوية التي مرت بها القارة السمراء في 2023، فإنها شهدت كذلك ازدياد حدة التنافس الدولي والإقليمي على القارة ومواردها، إذ استضافت مدينة سانت بطرسبرغ الروسية منتصف العام، أعمال القمة الروسية الإفريقية الثانية.
وجاءت القمة الروسية الإفريقية بعد أن استضافت واشنطن العاصمة أواخر العام 2022 قمة أمريكية إفريقية حملت أيضًا الرقم 2 بمشاركة نحو 50 وفدًا من القارة السمراء.
وقبل أن يودع العام 2023، استضافت العاصمة السعودية الرياض أعمال “القمة السعودية- الإفريقية” بمشاركة العديد من قادة وكبار مسؤولي الدول العربية والإفريقية.
المملكة العربية السعودية جسر يربط بين آسيا و أفريقيا وهذا ما أكدته #القمة_السعودية_الأفريقية ورسالتها التي تسير ” نحو آفاق أرحب من التعاون والشراكة المثمرة في مختلف المجالات “
I would to thank @MiskKSA and @alekhbariyatv channel for the invitation me my brother and Neijrian… pic.twitter.com/TmLIpctkwc
— Faisal Khalaf | فيصل خلف (@DrFaisalKhalaf) November 19, 2023
فالأهميّة التي تتمتع بها إفريقيا إضافة إلى المعطيات الدولية الأخيرة بما في ذلك صراعات القوى العالمية جعلت القارة السمراء حلبة تنافس لحجز موطئ قدم لها بما يحقق مصالحها ويفتح لها آفاقًا لتحقيق أكبر قدر من المكاسب.
ومن المعلوم أن القارة الإفريقية هي ثاني أكبر قارات العالم بعد آسيا، وتبلغ مساحتها نحو 30 مليون كيلومتر مربع تشكل ما نسبته قرابة الـ20% من مساحة اليابسة في الكرة الأرضية، كما يسكنها 800 مليون نسمة يمثلون قرابة 15% من مجمل سكان الكرة الأرضية، وهي تتمتّع كذلك بثروات طبيعية وموارد ضخمة غير مستثمرة بالشكل المثالي في معظمها.
تكتسب إفريقيا أهميتها كذلك من كونها تعتبر مخزنًا إستراتيجيًا للموارد الطبيعية والمواد الأوليّة والمعادن التي يشتد الطلب عليها في ظل التنافس الشديد بين كبرى الدول المستهلكة لهذه الموارد مثل النفط والمياه والمعادن والأراضي الزراعية.