تمكنت الصين من إجراء أول تجربة تاريخية على صعيد تشغيل مدينة كاملة من خلال مصادر الطاقة المتجددة لديها، بعيدًا عن الفحم والموارد الأحفورية الأخرى. وحسبما ذكرته وكالة الأنباء الصينية “شينخوا” فإن تشينغهاي إحدى مقاطعات شمال غرب الصين تمكنت من العمل بالطاقة النظيفة لسبعة أيام متتالية من يوم 17 إلى 23 يونيو/حزيران الماضي، وتعد تشينغهاي رابع أكبر مقاطعة في الصين بكثافة سكانية تصل إلى 6 ملايين نسمة، وبدءًا من مايو/أيار 2017، كانت المقاطعة تولد نسبة 82.8% من كامل احتياجاتها التي تعادل 23.4 مليون كيلوواط اعتمادًا على طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، ومصادر طاقة مائية.
ووفقًا للوكالة الصينية فقد استمدت المقاطعة 1.1 مليار كيلوواط/ساعة من مصادر متجددة، واستمدت نسبة 72% من الطاقة اعتمادًا على المحطات المائية، بينما قسمت النسبة المتبقية بين طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وتعادل الطاقة المولدة الناتجة عن احتراق 535 ألف طن من الفحم.
الصين تتصدر الطاقة النظيفة في العالم
أرادت الصين عبر هذه التجربة إثبات إمكانية تشغيل إحدى مقاطعاتها اعتمادًا على مصادر متجددة نظيفة فقط، لتثبت لنفسه والعالم أنها على قادرة على الوفاء بأي وعد قطعته على نفسها، إذ تعهدت الصين بأن تكون رائدة إنتاج الطاقة المتجددة في العالم، واليوم هي كذلك بالفعل متغلبة على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في هذا، وأصبحت الدولة الأولى التي تثبت إمكانية العمل على المصادر المتجددة بشكل كامل.
ولمكافحة ظاهرة التغير المناخي والوفاء بالتزاماتها الدولية في هذا الجانب، تصدرت الصين دول العالم في التوسع في استثمارات مشروعات الطاقة المتجددة، حسب تقرير للجنة المناخ الأسترالية الصادر عام 2013.
توظف نحو 40% من القوة العاملة في قطاع الطاقة المتجددة في العالم.
وحسب “هان تي” نائب المدير العام لشركة شبكة كهرباء تشينغهاي، الذي صرح عن التجربة التاريخية في المدينة قائلا “الطاقة النظيفة هي الحل النهائي. وعلينا التقليل من اعتمادنا على الوقود الأحفوري، والتحسين من بنية طاقتنا، وتخفيض الانبعاثات الكربونية”. وبغض النظر عن الفوائد البيئية الجلية المتأتية جراء استخدام الطاقة النطيفة، تعد المصادر المتجددة خيارًا اقتصاديًا سليمًا، وبدرجة تفوق مصادر الوقود الأحفوري، خصوصًا في الصين التي تعاني من درجات تلوث هي الأكثر على مستوى العالم بسبب دخان المصانع والمعامل والسيارات الناجم عن الكثافة السكانية العالية.
وتخطط الصين لاستثمار 2.5 تريليون يوان؛ أي نحو 370 مليار دولار تقريبًا، في قطاع الطاقة المتجددة في الأعوام القليلة القادمة، ما يعني أنها ستفتح المجال لأكثر من 13 مليون وظيفة وفقًا لإدارة الطاقة الوطنية.
وقالت اللجنة الأسترالية التي أصدرت التقرير 2013 إن الصين خفضت اعتمادها على الوقود الكربوني بمعدلات فاقت التوقعات، في الوقت الذي خفضت فيه وتيرة نمو الطلب على الكهرباء بمقدار النصف تقريبًا. وأشار التقرير إلى أن معدل نمو استهلاك الوقود الكربوني في الصين بدأ يتراجع بعد سنوات عديدة من الارتفاع. ووفقًا للأرقام المتاحة فإن إنتاج الكهرباء من الرياح بالصين تضاعف خمسين مرة تقريبًا خلال الفترة من 2005 إلى 2012. كما زادت كمية الكهرباء المولدة من طاقة الرياح خلال 2012 بنسبة 36% عن 2011.
وزاد إنتاج الطاقة الشمسية بنسبة 75% خلال العام الماضي، ومن المتوقع وصول إجمالي إنتاج الطاقة الشمسية عام 2015 إلى أكثر من 21 ألف ميغاواط، بما يعادل ثلاثة أمثال الإنتاج خلال العام 2012.
بلغت حصة الاستثمار في الطاقة المتجددة في الصين في عام 2013 ما لا يقل عن 59%
وتعد الاستثمارات الصينية في مجال الطاقة المتجددة الأكبر في العالم على الإطلاق، حيث باتت الصين قادرة على إنتاج 1.36 تيراواط، مقارنة بالولايات المتحدة التي تنتج تيراواطا واحدًا. ووفقًا للخطة الصينية المتوسطة والبعيدة المدى لتنمية الطاقة المتجددة الصادرة سنة 2007، تهدف الصين زيادة نسبة الطاقة المتجددة من استهلاكها للطاقة إلى 15% في نهاية سنة 2020، بحيث يكون 4% تحتل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة البيولوجية من هذه الزيادة.
ووفقًا للبيانات الصادرة عن مجلس الكهرباء الصيني، تناقصت كمية الطاقة التي ولّدتها الصين باستخدام الوقود الأحفوري في عام 2014 بنحو 0.7% مقارنة بالعام 2013، وهو أول انخفاض في ذلك الوقت. ومن ناحية أخرى، تزايد توليد الطاقة باستخدام مصادر غير الوقود الأحفوري بنسبة 19%.
فقد زادت الصين من قدرتها على توليد الكهرباء من الوقود الأحفوري بنحو 45 جيجاواطا، لكي تصل ما مجموعه 916 جيجاواطا. وفي الوقت نفسه، زادت من قدرتها على إنتاج الكهرباء من مصادر غير الوقود الأحفوري بنحو 56 جيجاواطا، لكي يصل المجموع 444 جيجاواطا. وقد أضافت الرياح والمياه والطاقة الشمسية 51 جيجاواطا من قدرة توليد الطاقة.
ونتيجة لهذا فإن الرياح والمياه والطاقة الشمسية تمثل 31% من إجمالي قدرة توليد الكهرباء في الصين، ارتفاعا من 21% في عام 2007، في حين تمثل الطاقة النووية 2%.
ومن جهة أخرى وما يدلل على أن الصين تذهب قدمًا في طريق التحول نحو الطاقة الخضراء إضافة لما سبق، هي الأموال المستثمرة في هذا القطاع الهام. فالأموال التي تستثمرها الصين في الاتجاه نحو المصادر الخضراء للطاقة الكهربائية أكثر من التي تستثمرها في تلك التي تعتمد على الوقود الأحفوري، فكان الاستثمار في المرافق التي تنتج الطاقة من الوقود الأحفوري في انخفاض متواصل، من 167 مليار يوان (24 مليار دولار أميركي تقريبا) في عام 2008 إلى 95 مليار يوان (15.3 مليار دولار) في عام 2014.
تخطط الصين لاستثمار 2.5 تريليون يوان؛ أي نحو 370 مليار دولار تقريبًا، في قطاع الطاقة المتجددة في الأعوام القليلة القادمة
في حين ازداد الاستثمار في مصادر الوقود غير الأحفوري من 118 مليار يوان في عام 2008 إلى 252 مليار يوان على الأقل عام 2014. كما ازدادت حصة الاستثمار في الطاقة التي تذهب إلى توليد الكهرباء باستخدام مصادر الطاقة المتجددة بشكل ثابت، لكي تبلغ 50% في عام 2011، ارتفاعًا من 32% قبل أربع سنوات فقط. وفي عام 2013، بلغت حصة الاستثمار في الطاقة المتجددة ما لا يقل عن 59%.
الصين زعيم المناخ الجديد
في الوقت الذي انسحبت الولايات المتحدة على يد ترامب من اتفاقية باريس الخاصة بتغير المناخ في يونيو/حزيران الماضي، كانت الصين تزداد يقينًا من استخدام الطاقة المتجددة والوفاء بالتزاماتها نجاه مسائل البيئة سواءًا على المستوى المحلي أو الدولي، لذا توجهت الأنظار إليها ورأى فيها البعض أنها “زعيم المناخ الجديد” في العالم.
ويرتكز المراقبون على هذه النظرة عبر نمو استثمارات الصين في هذا القطاع مقارنة بالدول الأخرى، إضافة إلى السياسات الاقتصادية والبيئية المتبعة. حيث كانت الصين قد استثمرت 78.3 مليار دولار في الطاقات المتجددة العام الماضي، متفوقة على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على السواء. كما أنها توظف نحو 40% من القوة العاملة في قطاع الطاقة المتجددة في العالم.
تمكنت الصين من إجراء أول تجربة تاريخية على صعيد تشغيل مدينة كاملة من خلال مصادر الطاقة المتجددة لديها، بعيدًا عن الفحم والموارد الأحفورية الأخرى
وفيما يخص السياسات الاقتصادية والبيئية المتبعة، ففي الوقت الذي ينحو به ترامب إلى الانعزالية وتطبيق سياسات أكثر حمائية، يتجه الرئيس الصيني لأخذ دور الولايات المتحدة التي كانت تضطلع به سابقًا، حيث كان الرئيس الصيني “شي جين بينج” قد ألقى خطابا بارزًا في يناير/كانون الثاني الماضي، دفاعًا عن التجارة الحرة والعولمة، في منتدى دافوس العالمي في سويسرا، وكرر رئيس الوزراء الصيني، مؤخرًا نفس الأفكار لدى افتتاحه فعاليات تعرف بدافوس الصيفي في مدينة داليان الصينية.
كما يرى محللون أن سياسة ترامب تقوم على تبني ما كانت الصين تتبعه خلال السنوات الماضية عبر إنشاء المصانع وخلق الوظائف وعمل نهضة اقتصادية لتحريك معدلات النمو الاقتصاية دون أخذ البيئة والمناخ بالاعتبار كما فعلت الصين في العقود الثلاثة الماضية بالضبط. في حين أن الصين تنظر للمستقبل على أنه عهد الطاقة النظيفة والمتجددة لذا ترى الاستثمار في هذا المجال أكثر جدوى من أي شيء آخر، وإذا كانت الصين نجحت في تشغيل مدينة بالاعتماد على الطاقة النظيفة بشكل كامل فلابد أن يأتي يوم وتشغل فيه مدن كبرى على تلك الطاقة، قد تسبب من خلال ذلك تغييرات جذرية في معدلات التلوث لديها وفي العالم ككل.