“إسرائيل تعود إلى إفريقيا على قدم وساق، ونستقبلكم هنا في إسرائيل بقلوب مفتوحة وبأذرع مفتوحة“، بعض ما قاله رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للرئيس الرواندي بول كاغامي الذي يزور الكيان هذه الأيام، عبارات يؤكّد من خلالها نتنياهو أهمية كاغامي في استراتيجية “إسرائيل” الخاصة بإفريقيا وسعيها للتغلغل هناك.
رواندا الحليف البارز لـ “إسرائيل”
تعتبر رواندا على رأس الدول الإفريقية التي ترتبط بعلاقات صداقة مع الكيان الإسرائيلي، حيث سبق وزار رئيسها، بول كاغامي، “إسرائيل” في مايو عام 2008، وشارك في احتفالات مرور 60 عامًا على تأسيس “إسرائيل”، كما زار رئيس مجلس الشيوخ الرواندي تل أبيب خلال الفترة من 27 أبريل إلى 3 مايو من نفس السنة، لحضور اجتماعات غرفة التجارة الدولية المسيحية.
وكان آخر لقاء رسمي بين نتنياهو، الذى جعل إقامة علاقات مع إفريقيا أحد أهم برامجه للسياسة الخارجية، وكاغامي، في يوليو الماضي، حيث زار الأول جمهورية رواندا، خلال جولة إفريقية أجراها شملت أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا، هي الأولى التي يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي منذ أكثر من 20 عاماً في أفريقيا، واستقبل الرئيس الرواندي رئيس حكومة الاحتلال استقبالًا حافلًا في المطار، واصطحبه بعد ذلك إلى زيارة “مركز كيغالي التذكاري”، حيث يُدفن هناك أكثر من 250 ألف من أصل 800 ألف شخص من ضحايا الإبادة الجماعية التي وقعت في عام 1994 في قبور جماعية برواندا.
قلت اليوم للرئيس الرواندي كاغامي: إسرائيل تعود إلى إفريقيا على قدم وساق ونستقبلكم هنا في إسرائيل بقلوب مفتوحة وبأذرع مفتوحة.???? pic.twitter.com/oMFYlP6alh
— بنيامين نتنياهو (@Israelipm_ar) July 10, 2017
وفي أثناء استقباله لكاغامي، قال نتنياهو، “إن رواندا لعبت دورًا هامًا في مساعدة “إسرائيل” على توسيع نطاق علاقاتها في القارة، وأضاف نتنياهو، “أود أن أقول إنكم كنتم الجسر الذي لا غنى عنه الذي عبرناه من أجل عودتنا إلى إفريقيا خطوة بخطوة وبمشورة سليمة جدًا وحكيمة جدًا”، وتابع: “أريد أن أشكركم على مساعدة إسرائيل”. وسبق للرئيس الرواندي بول كاغامي أن ألقى الأحد في الـ 26 من شهر مارس الماضي خطاباً، أشاد فيه بالعلاقات الرواندية الإسرائيلية، أمام “لجنة الشؤون العامة الأميركية – الإسرائيلية” (إيباك)، قائلا ” نحن سعداء لأن إسرائيل تعود وتنخرط أكثر في إفريقيا“، ليصبح بذلك أول رئيس إفريقي يتحدث أمام أكبر منظمة مؤيدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
مساع إلى إحياء العلاقات القديمة
يسعى رئيس الوزراء نتانياهو إلى إحياء العلاقات التي كانت سائدة في الستينات عندما كانت تربط “إسرائيل” علاقات جيدة مع الدول الإفريقية التي نالت حينها استقلالها. وتغير ذلك عقب حرب أكتوبر 1973 حين قطعت الدول الإفريقية علاقاته مع “إسرائيل” بشكل جماعي بقرار ملزم صادر من منظمة الوحدة الإفريقية التي تعرف حالياً بالاتحاد الإفريقي؛ حيث قطعت 31 دولة علاقتها مع تل أبيب، إلا أن بعض الدول الإفريقية بدأت في إعادة علاقاتها مع إسرائيل بشكل فردي إثر توقيع مصر وإسرائيل على اتفاقية كامب ديفيد للسلام في عام 1978.
وفقاً لقاعدة بيانات الأمم المتحدة، المتعلقة بتجارة السلع الأساسية، فإن حجم تجارة “إسرائيل” مع إفريقيا يصل إلى 5.7 مليارات دولار سنوياً
وتضع “إسرائيل” بالخصوص منطقة القرن الإفريقي وشرق أفريقيا علي سلم أولوياتها الاستراتيجية، كونها تمثل نطاق الأمن الحيوي الجنوبي لها، بغية امتلاك وسيلة ضغط عل الدول العربية بالمنطقة، وتعمل على تعزيز العلاقات مع دول حوض النيل، في إطار استراتيجية هدفها الضغط على مصر والسودان في تحقيق مصالحها بالمنطقة ومياه النيل.
ونجح الكيان الإسرائيلي في أن يكون تعامله مع الدول الإفريقية من خلال مؤسسات إسرائيلية قوية قادرة على تقديم المساعدات التي تحتاجها هذه الدول حتى بدون مقابل في بعض المجالات، وتقوم المؤسسة الدولية للتعاون والتنمية MASHAV (الماشاف) التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية بجهد كبير وبنجاح واضح في دعم التواجد الإسرائيلي على مستوى القارة الإفريقية ولاسيما في المجال الزراعي والتعليمي والطبي والمياه والكهرباء.
مشروع “إسرائيلي” لتوليد الكهرباء في رواندا
ووفقاً لقاعدة بيانات الأمم المتحدة، المتعلقة بتجارة السلع الأساسية، فإن حجم تجارة “إسرائيل” مع أفريقيا يصل إلى 5.7 مليارات دولار سنوياً، فيما تسيطر الشركات الإسرائيلية على مجال البنية التحتية في عدد كبير من الدول الإفريقية في غرب القارة وشرقها. وتدير تلك الشركات محطات الطاقة بإثيوبيا وساحل العاج وكينيا وأوغندا، إضافة إلى إشراف شركات أمن إسرائيلية على تأمين العديد من مطارات القارة، وفي مقدمتها مطارات رواندا، كذلك تسيطر شركات الزراعة والمياه الإسرائيلية على هذا المجال في عدد من دول القارة.
حلفاء محتملين
ترى “إسرائيل” أن البلدان الإفريقية حلفاء محتملين، وخاصة في الأمم المتحدة وفي هيئات دولية أخرى، حيث يتم إدانتها غالبا بسبب احتلالها للأراضي الفلسطينية، وتسعى “إسرائيل” إلى توظيف الحضور الإفريقي في المؤسسات الدولية، لا سيما هيئة الأمم المتحدة، لإحباط أية محاولة لتمرير مشاريع قوانين تتعارض مع المصالح الصهيونية، وفي عام 2014، عندما كانت رواندا عضوا في مجلس الأمن الدولي، امتنعت كيغالي عن التصويت على مشروع قرار – تم رفضه في النهاية – يدعو إلى إنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية.
تقوم بعض شركات الخدمات الأمنية الإسرائيلية بتنفيذ عقود للتعاون في مجال التدريب العسكري مع رواندا
وتبحث “إسرائيل” عن حلفاء جدد، فدول أوروبية ذات وزن ثقيل مثل فرنسا ما فتئت تعارض بشكل متزايد الحصار الذي تفرضه “إسرائيل” على قطاع غزة وسياستها الاستيطانية بالضفة الغربية، لذلك أقامت “إسرائيل” علاقات دبلوماسية مع 40 من مجموع 45 دولة جنوب الصحراء الإفريقية، وخلال زيارة وزير خارجية غانا في مارس 2016 قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إنه يتوقع الآن من الأفارقة “تغييرات إضافية في أسلوب التصويت داخل الأمم المتحدة على ضوء القرارات المناهضة لإسرائيل في اللجان الدولية“.
مساعدات عسكرية وأمنية
في الوقت الذي لا يمكن فيه لـ “إسرائيل” تقديم أي إضافة سياسية لدول القارة الإفريقية، عمد الكيان الإسرائيلي إلى تدعيم وجوده هناك من خلال المساعـدات الاستخبارية والتدريبات العسكرية المقدمة لدول القارة، فقد ركزت “إسرائيل” في تفاعلاتها الأفريقية منذ البداية، على المساعدات العسكرية في مجال تدريب قوات الشرطة وقوات الحرس الرئاسي لعدد من الدول الأفريقية مثل زائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية حالياً) والكاميرون ورواندا وغانا.
مساعدات أمنية وعسكرية كبيرة تؤمنها “إسرائيل” لدول أفريقية عدّة
وتقوم بعض شركات الخدمات الأمنية الإسرائيلية بتنفيذ عقود للتعاون في مجال التدريب العسكري مع رواندا، والتي توفد بموجبها عسكريين إسرائيليين سابقين لتقديم خدمات تدريبية لوحدات الجيش الرواندي، خاصة وحدات الحرس الجمهوري، كما تشرف إحدى شركات الاستشارات الأمنية الإسرائيلية على نظم التأمين الخاصة بمطار كيجالي وقرية البضائع الرواندية، وتشكل العلاقات التجارية لـ “إسرائيل” مع إفريقيا 2% فقط من التجارة الأجنبية، ما يترك مجالا واسعا للنمو مع ارتفاع الطلب على خبرتها الأمنية ومنتجاتها.