كشفت وثائق حصلت عليها “الأناضول” أن المصور السابق في قناة “الجزيرة” القطرية “محمد فوزي” (مصري)، كان على علاقة وثيقة مع جهات أمنية مصرية أثناء عمله مع القناة، ويقاضيها أمام القضاء الأمريكي حالياً، بهدف “تشويه” صورتها، استجابة لتعليمات من الجهات ذاتها.
ويأتي الكشف عن تلك الوثائق، بعد أيام من نشر صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تحقيقاً كشف عن دفع السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة ربع مليون دولار أمريكي لصحفي مصري آخر في قناة “الجزيرة” يدعى “محمد فهمي” لرفع دعوى قضائية مماثلة على القناة.
الوثائق، وهي عبارة عن مراسلات بين “فوزي” وشخصية تعمل في جهة أمنية سيادية مصرية تحمل اسم “تيمو كمال” على البريد الإلكتروني، رفض الأول التعليق عليها، عندما اتصلت به “الأناضول” هاتفيا حرصا منها على منحه حق الرد، بينما قال مصدر من قناة “الجزيرة” إن مؤسسته ستدرسها، وتعلق عليها لاحقاً.
وتظهر تلك الوثائق العلاقة القديمة بين صحفي الجزيرة السابق، وجهات أمنية مصرية، والتي تعود إلى ما قبل العام 2010.
في إحدى المراسلات، بتاريخ 21 أغسطس/آب 2016، يعتب “فوزي” على “تيمو كمال” تدمير حياته وتوريطه مع قناة “الجزيرة”؛ حيث اعتاد منذ تركها، في 2013، على مهاجمتها في وسائل الإعلام المصرية والعالمية.
ويستغرب “فوزي” من قرار السلطات المصرية منعه من دخول مصر منذ أن غادرها في 2013، ويطالب بإيجاد حل لتلك المسألة، مستنكراً أن يكون غاية النظام الحالي بالقاهرة “تحطيم من يُخلص له”، في إشارة لتعاونه مع الأجهزة الأمنية في مصر.
وجاء الرد من “كمال”، بعد يوم واحد؛ حيث ذَكر “فوزي” بأنه ساعد في الإفراج عنه فور القبض عليه في القضية المعروفة إعلاميا بـ”خلية الماريوت” في مصر.
ولامه على قبول العمل في قناة “الجزيرة” من الأساس، مذكراً “فوزي” بأنه لم يطلب التواصل مع الأجهزة الأمنية المصرية، إلا من أجل “تأمين” نفسه بعد أحداث 30 يونيو/حزيران 2013.
“فوزي” و”قضية الماريوت”
و”قضية الماريوت” تعود أحداثها إلى أواخر 2013؛ حيث وجهت السلطات المصرية اتهامات لثلاثة من صحفيي “قناة الجزيرة الإنجليزية” ومتهمين آخرين، شملت “نشر أخبار كاذبة عن مصر، وبث مواد تضر بالبلاد”، وهي الاتهامات التي تنفيها القناة. والصحفيون الثلاثة هم: محمد فهمي الذي يحمل الجنسية الكندية (تنازل عن المصرية لاحقاً)، والمصري “باهر محمد”، والأسترالي بيتر غريست.
وفي أغسطس/آب 2015، قضت محكمة مصرية، في حكم غير نهائي، بالسجن المشدد 3 سنوات على الصحفيين الثلاثة، قبل أن يتم ترحيل “فهمي” إلى كندا (عقب تنازله عن جنسيته المصرية) و”غريست” إلى أستراليا، استنادا لقانون مصري يجيز ترحيل المتهمين الأجانب لبلادهم، بينما لا يزال “باهر” يُحاكم على ذمة القضية، ولكن مطلق السراح منذ فبراير/شباط من العام ذاته.
تظهر تلك الوثائق العلاقة القديمة بين صحفي الجزيرة السابق، وجهات أمنية مصرية، والتي تعود إلى ما قبل العام 2010.
كان “فوزي” تعرض للاعتقال مع صحفيي “الجزيرة” في تلك القضية، في ديسمبر/كانون الأول 2013، إلا أنه تم الإفراج عنه في ظروف غامضة خلال ساعات من اعتقاله، وقبل تحويله للمحاكمة، ولاحقاً سافر للولايات المتحدة.
المراسلات تكشف الغموض عن تلك الظروف؛ إذ يرد “تيمو كمال” على عتب فوزي من قرار منعه من العودة لمصر، قائلاً له: “يجب أن أذكرك أنه لولا مجهوداتي كان زمان حضرتك في السجن الآن؛ لأن حضرتك طلبت التواصل عند إحساسك بالتورط مع قناه الجزيرة وبعد ثورة 30 يونيو”.
كما ذذكر “كمال” “فوزي” بأنه استفاد كثيرا من عمله من الجهات الأمنية المصرية، دون أن يوضح شكل الاستفادة.
وقال له: “تعاونك مع بلدك كان غرضه الحقيقي التأمين، وده مش (وهذا ليس) عيب، لكن اللي حضرتك بتعيشه دلوقتي (الآن) (يقصد: المنع من دخول مصر) ضريبة”، دون أن يوضح السبب في هذا المنع.
وفي ختام رده، قال “كمال” لـ”فوزي”: “موضوعك مش في إيدي (ليس في يدي) الآن. ده (هو) مع القيادة السياسية”.
وفي رسالة لاحقة، رد “فوزي” على “كمال”، موضحا له أنه يتواصل مع الجهات الأمنية المصرية منذ سنوات طويلة، وليس فقط بعد أحداث 30 يونيو 2013.
وذكر في السياق أن شخص يدعي المستشار “زياد أبو غزالة” (لم يوضح منصبه لكن يبدو أنه يعمل في جهة سيادية مصرية) هو من طلب منه وقف التواصل، قائلاً: “لم أنقطع إلا عام 2010 بطلب من المستشار زياد أبوغزالة، الذي طلب مني ذلك، وقال بالحرف: (الأوامر بتيجي (تأتي) من مصر. اقطع الاتصال”.
“تشويه” صورة “الجزيرة”
وتظهر المراسلات، أيضاً، أن “فوزي” كان يعطي لتلك الجهات؛ تفاصيل عن البرامج والأعمال التي سيقوم بها في “الجزيرة”.
ففي إحدى المراسلات، يرسل إلى “كمال” رسالة قال فيها: “توجد فعالية بدعوه من حزب الحرية والعدالة (الحاكم في مصر إبان حكم الرئيس محمد مرسي)، وبعض الناشطين ومنظمات حقوق الإنسان ستعقد بجامعه هارفرد كليه الحقوق وستبث مباشر علي (قناة) الجزيرة مباشر”.
أيضاً، تظهر المراسلات تنسيقاً واضحاً مع الجهات الأمنية المصرية بشأن القضية التي رفعها على قناة “الجزيرة” أمام القضاء الأمريكي، والتي تهدف لـ”تشويه” سمعتها.
إذ أوضح في إحدى المراسلات مع “كمال” أن القضية التي رفعها تنقسم إلى شقين؛ أهمها الشق الأخلاقي أمام العالم؛ فهو يريد من خلالها الترويج إلى أن “الجزيرة استغلت قضية ماريوت ضد مصر”، وأنها “تخلت عن موظفيها المدانين في تلك القضية بسبب أجنداتها الإعلامية لدعم الحركات المتطرفة”.
كما قال إنه سيروج لكون السبب الرئيس وراء القبض على المتهمين في “قضية ماريوت” هو “عدم إلتزام” شبكة الجزيرة بقرار إلغاء تراخيصها في مصر، و”إرسال صحفييها إلى هناك، وعدم حمايتهم، والتخلي عنهم لاحقاً”.
وتكشف الوثائق، أن “فوزي” – لرفع قضيته – تعاقد مع نفس مكتب المحاماة الذي تعاقد معه كذلك الصحفي السابق في “الجزيرة” محمد فهمي لرفع قضية مماثلة على القناة ذاتها، ودور “فهمي” في قبول المكتب للقضية.
كما تكشف قيام “فوزي” بتأمين التغطية الإعلامية لقضيته على “الجزيرة” عبر نفس شركة الاستشارات الأمريكية، التي تعاقد معها “فهمي” بطلب مباشر من السفير الاماراتي واشنطن، يوسف العتيبة.
وتظهر المراسلات، أيضاً، أن “فوزي” كان يعطي لتلك الجهات؛ تفاصيل عن البرامج والأعمال التي سيقوم بها في “الجزيرة”.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” نشرت، الأسبوع الماضي، تحقيقاً كشف أن السفير العتيبة دفع لـ”محمد فهمي” ربع مليون دولار أمريكي لرفع دعوى قضائية ضد قناة “الجزيرة” والتحريض عليها.
وتعليقاً على المراسلات المسربة بين “فوزي” و”تيمو كمال”، اتصلت “الأناضول” مع “فوزي”، في إطار منحه حق الرد، لكنه رفض التحدث حول الموضوع ونفاه بشكل عام؛ وطلب عدم الاتصال مرة أخرى.
وبينما يشارك “فوزي” في مظاهرات تنظم في أمريكا ضد تركيا؛ بحجة الدفاع عن حقوق الصحافة، تقدم للعمل في قناة “تي آر تي وورلد” التركية من خلال مكتب واشنطن للعمل فيها، حسب مصادر بالقناة.
تظهر المراسلات تنسيقاً واضحاً مع الجهات الأمنية المصرية بشأن القضية التي رفعها على قناة “الجزيرة” أمام القضاء الأمريكي، والتي تهدف لـ”تشويه” سمعتها
في السياق ذاته، صرح مصدر من شبكة “الجزيرة”، للأناضول، إن “الموسسة ستدرس هذه الوثائق، وستعلق عليها في وقت لاحق”.
وأضاف أن “علاقة شبكة الجزيرة بالمدعو محمد فوزي انتهت منذ فترة بسبب إعادة هيكلة مكاتبها”.
ورفض المصدر الخوض في أية تفاصيل شخصية أخرى متعلقة بـ”فوزي”، والقضية التي قرر رفعها ضد “الجزيرة” خاصة أن المسالة لا تزال محل نظر الجهات القانونية.
المصدر: الأناضول