تضج مواقع التواصل الاجتماعي في السودان، هذه الأيام، بصور وفيديوهات المدنيين الذين يحملون الأسلحة في مناطق شمال وشرق البلاد، استعدادًا لقتال قوات الدعم السريع حال اجتاحت مدنهم وقراهم، رغم تحذيرات النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان من خطورة هذه الخطوة.
وتزداد المخاوف من استخدام المدنيين للسلاح في تصفية خلافات شخصية أو أهلية، في ظل انتشار خطاب الكراهية ومحاولات تجريم الآخرين بذريعة أنهم قاعدة أو قاعدة محتملة لقوات الدعم السريع، علاوة على تزايد حالات الاستقطاب القبلي.
نهر النيل أسود للعاجبوا والمو عاجبوا
🦅💪💥✌🔥👌#التعبئة_العامة#المقاومة_الشعبية_المسلحة#الجيش_لا_يخون#بل_بس#جيش_واحد_شعب_واحد#البلابسة_حماة_السودان#بلابسة_اولاد_بلد_نقعد_نقوم_على_كيفنا#الجيش_السوداني_يمثلني pic.twitter.com/QcbExHFeOO
— عبد الغني نور (@abdo_Elgni) December 27, 2023
تسليح دون تنظيم
يمتلك السودان، منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان هذا العام، تجربة مؤلمة من خطوة تسليح المدنيين في مدينة الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور، عندما حصل سكانها على السلاح من مخازن الشرطة وجهاز المخابرات العامة، لتنتقم منهم الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها عبر هجوم شامل أدى إلى مقتل الآلاف من قبيلة المساليت.
ولا يظهر أن مواطني القرى والمدن التي يُجري تسليحهم هذه الفترة، يتعظون من مأساة ما حدث في الجنينة، حيث سارعوا إلى حمل السلاح بما في ذلك المراهقين عوضًا عن الضغط في اتجاه إنهاء الحرب بالطرق السلمية، رغم عدم وجود تنظيم سواء عسكري أم شبه عسكري ينضوي تحته المدنيين المسلحين.
نظارة قبيلة #الرشايدة تحشد أبنائها للدفاع عن الوطن ومساندة القوات المسلحة.#التعبئة_العامة #السودان #كسلا#الخرطوم #مدني #sudan #khartoum pic.twitter.com/zb0zrxPl92
— غـ ـاندي خالد (@9klid) December 25, 2023
وأعلن قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان في 27 يونيو/حزيران 2023 التعبئة العامة مع دعوة الشباب إلى الانضمام للقوات المسلحة، حيث استجاب الآلاف منهم، الذين تلقوا جرعات تدريبية تضمنت إطلاق النار وفك وتركيب الأسلحة الخفيفة، فيما عُرفوا بـ”المستنفرين”.
حمّل بعض السودانيين الجيش مسؤولية انسحابه من مدينة ود مدني بولاية الجزيرة، التي فرضت قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة عليها في 18 ديسمبر/كانون الأول الحاليّ، كما انتقدوه على عدم تسليح المستنفرين للدفاع عن الولاية، مما دعا مواطني بقية المناطق إلى المسارعة في التسليح تحسبًا لهجوم الدعم السريع المتوقع لمدنهم وقراهم.
إن عدم وجود تنظيم ينضوي تحته المسلحون نبه له نائب قائد الجيش في مجلس السيادة مالك عقار، الذي دعا إلى تنظيم وتسليح المستنفرين تحت إمرة القوات المسلحة للحيلولة دون أن يصبحوا جماعات مسلحة للتكسب السياسي.
#التعبئة_العامة اتخطت مرحلة الكـ ـلاش والآن تم تنصيب الدوش ـكات على البكاسي
الله اكبر على كل من طغى وتجبر#تعال_كنتقدر pic.twitter.com/AdYuK5pCrY
— فرحان سعيد (@fr7an4u) December 26, 2023
من أين يأتي السلاح؟
خطوة توزيع السلاح على المدنيين بحد ذاتها كارثة اكتوى السودان بنارها سنوات طويلة، منذ تسليح المراحيل في ولايات كردفان لمجابهة الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية في جنوب السودان، مرورًا بالجنجويد الذين قاتلوا الحركات المسلحة في دارفور نيابة عن النظام السابق، وهم الذين تكونت قوات الدعم السريع منهم.
في السابق وعند تسليح المدنيين في مناطق جغرافية محددة، كان يوجد نوع من التنظيم، لكن هذه المرة لا يوجد أي نوع من أنواع التنظيم ما يجعل التسليح المتسارع حاليًّا أسوأ كارثة، لأنه نظرًا لتوسع رقعة انتشار السلاح فإن مستقبل البلاد سيكون بأيدي المليشيات وقادة الحرب إذا طالت الحرب.
تُمجد الثقافة الاجتماعية السائدة في وسط وشمال السودان الرجل القوي الذي يُدافع عن ماله وعرضه وأرضه ويواجه المخاطر دون أن يبالي بسلامته الشخصية، وهذا أمر لا يمكن فصله عن سباق التسلح الذي يتنامى لعدم وجود تطمينات ولو كاذبة من أن قوات الدعم السريع لن تُنفذ ما اعتادت عليه حال اجتاحت مناطقهم، وأعني سلب ونهب ممتلكاتهم.
ويأتي السلاح إلى أيدي المواطنين من مخازن الجيش ومن التهريب وتجار الأسلحة، ولم يُبدِ قادة القوات المسلحة امتعاضًا من تسليح المدنيين، ما يؤكد رضاهم عن الخطوة التي تتضاعف خطورتها حال جرى توقيع اتفاق سلام لإنهاء الحرب، لاستحالة جمعه.
وبعد أن فرضت قوات الدعم السريع شبه العسكرية، التي تتخذ من الوحشية عقيدة ووسيلة لتجنيد المزيد من المقاتلين، سيطرتها على ولاية الجزيرة، بات الطريق ممهدًا أمامها لاجتياح باقي مناطق وسط السودان قبل التوجه لولايات شرق أو شمال البلاد.
خطورة التسليح
يقول المحلل السياسي محمد بدوي، في مقال نشره بموقع سودان تربيون، إن قوات الدعم السريع تنفذ وبطرق مختلفة تعبئة مضادة، ما يجعل المدنيين الذين يجدر حمايتهم من طرفي الحرب، ينزلقون كوقود في سياق الحرب، وهذا أمر يطيل من أمد القتال الذي يستهدف المدنيين سواء في أرواحهم أم تقليص المساحات الآمنة.
ويشير إلى أن جهود التعبئة في الترويج للتسليح واستنفار قوات الدعم السريع عبر الإدارات الأهلية – قادة القبائل – تدفع البلاد نحو الانزلاق العرقي، قبل أن يوضح نقطة في غاية الأهمية وهي أن هذه الجهود تُباعد بين الشعب ونضاله نحو التغيير، ويعني بذلك الانتقال إلى الديمقراطية.
ويوضح محمد بدوي أن تصاعد دعوات التسليح، عبر القيادات الأهلية والسياسية، يطرح سؤالًا عن مصدر التسليح، كجزء من سلسلة علاقة الحرب الحاليّة بالحلفاء الإقليميين والدوليين وأسواق السلاح المختلفة، ما يشير إلى تعدد أطراف النزاع، وهذا بدوره يشكل مجموعات من تجار السلاح والذهب والممتلكات المسروقة، لتصب دعوات التسليح والخطاب السالب وقودًا جديدًا في ظل حرب واسعة وعنيفة في محيط متعدد الحدود المفتوحة.
ومن الواضح أن السودان على وشك بلوغ مرحلة الحرب الشاملة التي ستكون قتال الكل ضد الكل، ولن يكون أي مجتمع بمنأى عنها، مهما حاول الابتعاد عنها بتجريم الآخرين، والاحتقان الأهلي وصل مداه.
السودان يقترب كل يوم من الحرب الأهلية الشاملة، فإذا كانت الدعم السريع تعتمد على القواعد الاجتماعية في التجنيد، فمن يريد أن يُقاومها الآن مدنيون مسلحون يعتمدون على القواعد الاجتماعية بصورة رئيسية
وقد بدأ سكان من قرى ولاية سنار المحاذية لولاية الجزيرة في مقاومة قوات الدعم السريع المهاجمين بلداتهم، ولن يكون واضحًا في وقت قصير إلى من تميل الكفة عسكريًا، رغم استحالة مواجهة مدنيين يحملون أسلحة كلاشنكوف لقوات مسلحة بأسلحة ثقيلة وتعتمد بصورة رئيسية في قتالها على كثافة النيران.
إن نظرة واحدة إلى حساب الهيئة العامة للمقاومة الشعبية السودانية توضح مدى اتساع رقعة التسليح في انتظار المواجهة المرتقبة مع قوات الدعم السريع، كما أن مقاومة مواطني قرى ولاية غرب سنار للمليشيا ستحسم أمر أولئك المترددين وتدفعهم إلى التسليح لتلافي خسارتهم ممتلكاتهم وأراضيهم دون مقاومة.
ولا يبدو أن القادم في السودان مطمئنًا، فسكانه يملكون خيارين فقط: إما مغادرته أو مقاومة التمدد المحتمل لقوات الدعم السريع في مناطق شمال وشرق السودان وبقية مدن الوسط، وتتطلب المغادرة أموالًا لا تتوفر عند معظم السودانيين بعد فقدانهم أعمالهم ووظائفهم وممتلكاتهم، ليصبح خيار المقاومة هو الراجح، بينما لا يمكن الجزم إلى أين يقود هذا الخيار، فهل إلى حرب أهلية شاملة أم هزيمة الدعم السريع؟
ومن المحتمل ألا يُهزم الدعم السريع بعد أن انضم إليه قادة حرب جُدد، لم يكونوا أصلًا ضمن صفوفه، من أمثال أبو عاقلة كيكل الذي عُين قائد للفرقة الأولى في ولاية الجزيرة بواسطة قائد قوات الدعم السريع، فهو والآخرون يملكون قاعدة اجتماعية يمكن أن تنضم إليهم، كما أن الدعم السريع كانت ولا تزال قوامها الرئيسي التجنيد القبلي.
إذًا، السودان يقترب كل يوم من الحرب الأهلية الشاملة، فإذا كانت الدعم السريع تعتمد على القواعد الاجتماعية في التجنيد، فمن يريد أن يُقاومها الآن مدنيون مسلحون يعتمدون على القواعد الاجتماعية بصورة رئيسية، ولا يوجد بوادر جادة لقطع الطريق أمام الاحتراب الأهلي عبر إنهاء الحرب سلميًا.