قالها الكيان الإسرائيلي من قبل، ولم نستغرب ذلك، فهي تهدد وجوده وتتوعده بالفناء، حسب قولهم، أما أن تقولها دولة عربية هي بمثابة الشقيق الأكبر للعرب والمسلمين وقبلتهم، فذلك مدعاة للحيرة والاستغراب قبل الرفض والاستنكار.
“حماس منظمة إرهابية”، هكذا قال السفير السعودي في الجزائر سامي بن عبد الله الصالح دون أي مقدمات، ليشارك “إسرائيل” تصنيف من حمل البندقية دفاعًا عن شرف الأمة المغتصب في قائمة الإرهاب في الوقت الذي كان حريًا به أن يقدم ودولته كل الدعم للمقاومة الفلسطينية المتمركزة على الثغور.
ليست الأولى
رغم غياب اسمها عن قائمة الـ59 التي أصدرتها الدول الأربعة المحاصرة لقطر الشهر الماضي، بشأن تصنيف أشخاص ومنظمات كإرهابيين، قال السفير السعودي في الجزائر بمقابلة تليفزيونية إن حماس تسعى لإحلال المشاكل في المنطقة، لافتًا إلى أنها حركة مصنفة على قوائم الإرهاب.
وكان السفير السعودي سامي بن عبد الله الصالح سُئل في حوار مع تليفزيون النهار الخاص: هل حماس إرهابية؟ فرد “طبعًا.. هي على القائمة (قائمة الإرهاب) إذا كانت تسعى لخلق المشاكل”، وأضاف “حق المقاومة مكفول لمنظمة التحرير، وليس الجلوس في فندق خمس نجوم في قطر ويدير المؤامرات من هناك، المفروض أن يجلس مع شعبه ويقدم قضيته أمام شعبه”، في إشارة إلى استضافة قطر لعدد من قيادات “حماس”، بينهم خالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق للحركة.
تصريحات سامي بن عبد الله الصالح، لم تكن التصريحات الأولى من النظام السعودي بشأن حركة المقاومة الإسلامية حماس، فهي تأتي بعد قرابة شهر من مطالبة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، دولة قطر، بوقف تمويل الحركة حماس واعتبارها إرهابية.
كانت حماس قد عبرت عن رفضها لتصريحات الجبير، واعتبرتها تحريضًا على الحركة
وفي أثناء زيارته للعاصمة الفرنسية باريس في يونيو الماضي، قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في كلمة نقلتها وسائل إعلام عربية ودولية: “لقد طفح الكيل، وعلى قطر أن تُوقِف دعمها لجماعات مثل حماس والإخوان المسلمين”، مضيفًا: “لا نهدف إلى الإضرار بقطر، ولكن عليها أن تختار طريقها”.
وكانت حماس قد عبرت عن رفضها لتصريحات الجبير، واعتبرتها تحريضًا على الحركة وأمرًا غريبًا على مواقف المملكة التي اتسمت بدعم قضية الشعب الفلسطيني وحقه في النضال، وفي بيان لها قالت حماس: “تصريحات الجبير تمثل صدمة لشعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية التي تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها المركزية”.
وأشارت حماس إلى أن الأمة تنظر إليها باعتبارها حركة مقاومة مشروعة ضد الاحتلال الصهيوني الذي يمثل العدو المركزي للأمتين العربية والإسلامية، خاصة أنها وقوى المقاومة الفلسطينية تدافع عن أرض الإسراء والمعراج وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ودعت في بيانها المملكة العربية السعودية إلى وقف التصريحات التي تسيء للمملكة ولمواقفها تجاه قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
مطالبة باستدعاء السفير
تصريحات السفير السعودي أثارت جدلاً كبيرًا في الجزائر، حيث طالب حزبان إسلاميان باستدعائه، وقال ناصر حمدادوش رئيس الكتلة النيابية لحركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي في الجزائر)، في بيان له: “على السفير السعودي أن يحترم شعور الشعب الجزائري تجاه القضية المركزية، وهي قضية عقائدية تصل إلى درجة الوفاء بمقولة الرئيس الراحل هواري بومدين أن الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”.
وأضاف في البيان “لا نريد أن يتم الزج بالدولة الجزائرية في هذه المواقف المخزية تجاه القضية الفلسطينية، ولا الانخراط في هذا المسعى الانبطاحي أمام إسرائيل”، ودعا حمدادوش السفير السعودي إلى سحب تصريحه العدائي تجاه المقاومة الفلسطينية، وألا يستغل منصبه الدبلوماسي في الجزائر للترويج لتوجهات غير عربية وغير إسلامية.
وقال رئيس كتلة حركة مجتمع السلم إن الأولى بالسعودية دعم المقاومة الفلسطينية، كخط الدفاع الأول عن الأمة، ورفع الحصار عن غزة، مضيفًا: “الأولى بالسعودية – وهي التي تدعي الزعامة الدينية للعالم العربي والإسلامي – أن تكون المثل الأعلى في الدفاع عن المقدسات وحق الشعوب في المقاومة والجهاد لتحرير الأرض والدفاع عن العرض، وألا تفرق بين حرمة المسجد الأقصى المبارك والحرمين الشريفين، وطالب حمدادوش الخارجية الجزائرية باستدعاء هذا السفير، وتنبيهه إلى خطورة هذه التصريحات على أرض الجزائر، وهي تصريحات ومواقف غير مرحب بها.
“مقاومة الاحتلال الصهيوني في فلسطين حركة تحرر التزمت ثورة نوفمبر وشهدائها بدعمها الثابت والمستمر ضد الاحتلال”
في ذات السياق قال أحمد الدان، الأمين العام لحركة البناء الوطني (إسلامية)، في بيان له: “ننتظر من الدبلوماسية الجزائرية استدعاء السفير لإبلاغه موقف الجزائر، ومطالبته باحترام الشعب الجزائري ومواقفه المؤيدة لتحرير فلسطين والأقصى”.
وأضاف أن المنتظر من السفير مراعاة المشاعر العامة للشعب الجزائري، وهو حر في موقف بلاده، لكن الدبلوماسية لها تقاليدها التي لا يجوز تجاوزها، ومقاومة الاحتلال الصهيوني في فلسطين حركة تحرر التزمت ثورة نوفمبر (الثورة التحريرية ضد فرنسا بين 1954 و1962) وشهدائها بدعمها الثابت والمستمر ضد الاحتلال.
غضب كبير
إلى جانب ذلك، تداول نشطاء جزائريون وعرب على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي (تويتر وفيسبوك) هاشتاجًا تحت عنوان “طبعا مقاومة“، وآخر تحت عنوان “حماس مقاومة مش إرهاب“، تضمنا انتقادات لتصريحات السفير السعودي سامي بن عبد الله الصالح.
في هذا الشأن كتبت جزائرية تدعى سلمى سيسي تغريدة على تويتر جاء فيها “في بلادنا لا توجد سفارة صهيونية، ونرفض أي تصريح صهيوني في أرض الشهداء”.
وكتب جزائري آخر يدعى عبد الحليم كيان تغريدة جاء فيها “#طبعا_مقاومة دعم حماس أشرف لنا من التعامل مع عملاء إسرائيل الذين حاصروا شعبًا عربيًا مسلمًا في شهر الغفران وشتتوا عائلات”.
#طبعا_مقاومة دعم حماس أشرف لنا من التعامل مع عملاء إسرائيل الذين حاصر وا شعبا عربيا مسلما في شهر الغفران و شتتوا عائلات.
— Abdelhalim Kian (@abdelhalimkian) July 13, 2017
وتحت وسم “حماس مقاومة مش إرهاب”، كتب ناشط يضع اسم “سوري حر”: “من يدافع عن أهلنا في فلسطين، عن كرامتهم، حياتهم وأطفالهم ونسائهم ليسووووووو إرهابيين، أبطال حماس كل حر وشريف معكم”.
#حماس_مقاومة_مش_ارهاب
من يدافع عن اهلنا في فلسطين ..عن كرامتهم
حياتهم واطفالهم ونسائهم …
ليسووووووو أرهابيين
أبطال حماس كل حر وشريف معكم
— سوري ..حر✌ (@lord5573) July 12, 2017
لماذا كل هذا العداء السعودي لحماس؟
لسائل أن يسأل لماذا كل هذا الرفض السعودي لحركة مقاومة عرف عنها دفاعها المستميت عن بلادها وعن القضية المركزية للعرب والمسلمين، ليس رفضًا فقط بل عداءً أيضًا، وصل حد نعتها بالإرهاب في محافل عدة.
ويقول متابعون إن هذا الرفض والعداء السعودي لحماس، نابع من أن المملكة ترى في حركة المقاومة الإسلامية تهديدًا لخياراتها وللمعسكر الذي تنتمي إليه في المنطقة، وتعكس تصريحات ومواقف المسؤولين السعوديين، في العديد من محطات الصراع بين المقاومة و”إسرائيل”، أن ضربات المقاومة التي كان يتردد صداها في تل أبيب، كانت أعراض آلامها تظهر أيضًا في الرياض.
ترى السعودية التي تطمح في تطبيع علاقاتها مع “إسرائيل” في إخضاع حماس مدخلًا لإخضاع مجمل الساحة الفلسطينية حتى تقبل بخيار التطبيع
ليست المرة الأولى التي تظهر فيها الهوة العميقة بين خيارات الشعب الفلسطيني المقاوم والمملكة السعودية التي لا تتردد في التعبير عن استعداداها لإضفاء شرعية عربية وإسلامية على الاحتلال الإسرائيلي، وصولًا إلى اعتباره حليفًا علنيًا في خريطة موازين القوى الإقليمية.
وترى السعودية التي تطمح في تطبيع علاقاتها مع “إسرائيل” في إخضاع حماس مدخلًا لإخضاع مجمل الساحة الفلسطينية حتى تقبل بخيار التطبيع، وما الموقف السعودي الذي عبر عنه سفيرها في الجزائر وقبله وزير الخارجية إلا صدى وامتداد لهذه الرغبة السعودية التي تم الاتفاق على تفاصيلها في القمة العربية الإسلامية الأمريكية الأخيرة في الرياض بإشراف ترامب.
منذ زيارة ترامب للمملكة، اشتد موقف الرياض تجاه حماس
ويمثل الموقف السعودي ارتدادًا للموقف الإسرائيلي والأمريكي اللذين لا يرضيان بأقل من الخضوع والاستسلام الصريح والمباشر الذي يتمثل بالاعتراف بوجود “إسرائيل” والتخلي الصريح عن خيار المقاومة المسلحة، ومن ثم الجلوس على طاولة المفاوضات من موقع الضعف والمتلقي لإملاءات الآخرين.