إدارة الصراع مع العدو الإسرائيلي لفظـة معـاصرة طرحتها تغيرات واقع الساحة الفلسطينية والحياة الاجتماعية الفلسطينية، المقاومة فعـل تجددٍ وذكـاءٍ ولـه فضل في استمرار الانتفاضة الفلسطينية بهذا الزخم إذ أنه – هذا الفعل – لم يعـد مقتصرًا على أساليب المقاومة الحربيـة التقليدية بل تم تطويره عبر الزمن وابتكار أساليب جديدة تكون ندًا لقوة الكيـان ومسانديه.
حركة مقاطعة “إسرائيل” العالمية هي حركة انطلقت من فلسطين في يوليو 2005 لتصبح اليوم حركة عالمية تهدف أساسًا لمقاطعة “إسرائيل”
كما تسعى الحركة إلى تشجيع المنتج الوطني وتوفير البديل للمنتج الإسرائيلي من حيث الجودة والسعر، ورغم النجاحات المتتالية التي تحققها على الصعيد الدولي، فإن تأثيرها لا يزال ضعيفًا على المستوى المحلي حيث تعتبر السوق الفلسطينية في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث تسويق المنتجات الإسرائلية.
رهـان رابح: حركة المقاطعة العالمية، فن الإحراج
حركة مقاطعة “إسرائيل” العالمية هي حركة انطلقت من فلسطين في يوليو 2005 لتصبح اليوم حركة عالمية تهدف أساسًا لمقاطعة “إسرائيل” وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، حركة ذات نشاطاتٍ متصاعدة تشكل ركيزة حيوية في مراكمة إنجازات المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي دفع تل أبيب إلى التحذير بأن الحركة يمكن أن تشكل خطرًا استراتيجيًا على دولة “إسرائيل” مستقبلاً.
إحدى فعاليات حركة المقاطعة العالمية لـ”إسرائيل”
تراكم إنجازات الحركة عالميا سيحدث اضطرابًا في السوق الإسرائيلية، خطوة أولى يمكن أن تؤدي مع الوقت إلى تصاعد المقاطعة ضد “إسرائيل” بكل أشكالها حول العالم، مع اكتساب أصدقاء جدد ومنظمات ونقابات عمالية ذات تأثير، بذلك، المقاطعة بثوبها الاقتصادي ستحد من قدرة الشركات الإسرائيلية.
تستلهم الحركة هيكلها التنظيمي من حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة مارتن لوثر كينغ، وحركة النضال ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا بقيادة نيلسون مانديلا.
وقعت أكثر من مائة وسبعين منظمة فلسطينية غير حكومية وأحزاب سياسية ونقابات مهنية وهيئات واتحادات وحملات شعبية على عريضة نداء حركة المقاطعة التأسيسة لتبدأ توسعها العالمي وتركيزها على الظهور الإعلامي والعمل الخارجي الذي يختلف من بلدٍ إلى آخر، فبعض النشطاء يمكن أن يقرروا مقاطعة جميع الجامعات الإسرائيلية، بينما يقاطع البعض الآخر الشركات المتورطة في الاستثمار بشكل غير قانوني في مستوطنات الضفة الغربية والأراضي المحتلة.
أمـا داخل فلسطين، تتمثل خطة العمل في مقاطعة المنتجات والمؤسسات الإسرائيلية ونشر التوعية بين الفلسطينيين عن أهمية المقاطعة، تعتبر اللجنة الوطنية لمقاطعة “إسرائيل” إحدى أهم الأدوات التي يتم استخدامها للتعبئة الشعبية.
الحملة ليست فرعًا للحملة العالمية لمقاطعة “إسرائيل”، بل شريكًا مستقلاً عنها في تونس انطلقت الحملة في صيف 2014 خلال الحرب الصهيونية على قطاع غزة
حسب موقع الحركة الإلكتروني فقد خسر الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة حملة المقاطعة الأوروبية للمنتجات الزراعية من المستوطنات الإسرائيلية ما يقدر بـ6 مليارات دولار في 2013 و2014، ومن المرشح أن تصل الخسائر نتيجة المقاطعة إلى 9.5 مليارات دولار مع نهاية هذا العام.
إضافة إلى ذلك، فقد أعلنت في الفترة الماضية، أعداد متزايدة من الشركات الكبرى أو البنوك سحب استثماراتها، سواء من “إسرائيل” أو شركات داعمة لها، فعلى سبيل المثال، أعلن صندوق بيل غيتس سحب استثمارات بقيمة 182 مليون دولار من شركة G4S الأمنية التي تعد أكبر شركة أمنية في العالم، وتقدم خدماتها لـ”إسرائيل” في مجال حماية الحواجز العسكرية وخدمات مصلحة السجون، كما خسرت الشركة مجموعة من العقود في بريطانيا والنرويج والاتحاد الأوروبي وجنوب إفريقيا.
علاوة على ذلك، انضم إلى قائمة المقاطعين بعض صناديق التقاعد الضخمة وشركات وبنوك، مثل صندوق التقاعد الهولندي (PGGM)، صندوق التقاعد الحكومي النرويجي اللذين سحبا استثمارات من شركات “إسرائيلية” متورطة في دعم الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي.
كما بدأت أيضًا بعض الشركات الإسرائيلية تخسر بعض عقودها في مجموعة من دول العالم، نتيجة نشاط حركة المقاطعة، كما حصل مع شركة “ميكوروت” الإسرائيلية للمياه التي خسرت عقدًا في الأرجنتين بقيمة تصل إلى 170 مليون دولار، وإضافة إلى ذلك، خسرت الشركة عقديْن في كلٍ من هولندا والبرتغال.
ماذا عن الثقافة؟
ركز الكيان الصهيونـي في العشرية الأخيرة على استخدام الثقافة كشكل من أشكال البروباجندا لتحسين صورة الاستعمار الاستيطاني المفروض على الشعب الفلسطيني، في محاولةٍ لتبرير جرائمه العنصرية وتبييض تاريخـه.
على خطى مناهضة نظام الفصل العنصري الجنوب إفريقي ودعوة الفنانين والكتاب والمؤسسات الثقافية إلى مقاطعة جنوب إفريقيا ثقافيًا، انطلق الحديث عن مقاطعة “إسرائيل” ثقافيًا بالتوازي مع تركيزها على استغلال ذلك الجانب للترويج لتاريخٍ مزيـف حاضر مبني على باطل، الحملة الوطنية لمقاطعة “إسرائيل” تحث المؤسسات الثقافية الدولية على مقاطعة والعمل على إلغاء الفعاليات أو الأنشطة أو المشاريع التي تشمل “إسرائيل”.
يرفض حاليًا آلاف الفنانين من كل أنحاء العالم أداء عروض لهم في “إسرائيل”، بمن فيهم مجموعة من النجوم العالميين مثل روجر ووترز من فرقة بينك فلويد، ولورين هيل وآلاف الكتاب والأدباء حول العالم، كالكاتب الإنجليزي العالمي إيان بانكس، الذي – على فراش موته – ترك بيانًا يدعو لمقاطعة الكيان، كوصية للأدباء الشبان ومعجبيه حول العالم، استراتيجية المقاطعة الفنية، تهدف لهدم صورة العدو الحضاريـة وكسر ذريعة فصل الفن عن السياسة.
المقاطعة الثقافية سلوك يومي نضالي يهدف إلى عزل “إسرائيل” معنويًا، وكشف ضلوع مؤسساتها الثقافية والثقافية في تبرير العنف والميز المسلط على الشعب الفلسطيني.
“إلـى تونس”.. الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني
الحملة ليست فرعًا للحملة العالمية لمقاطعة “إسرائيل”، بل شريكًا مستقلاً عنها في تونس، انطلقت الحملة في صيف 2014 خلال الحرب الصهيونية على قطاع غزة، وبادرت منذ ذلك الوقت إلى إرساء أرضية عمل لتجربةٍ تونسيـة بنفس استراتيجية المقاطعة بوصفها شكلاً من أشكال المقاومة استئناسًا بتجربة الحملة العالمية.
منذ إعلان المواعيد النهائية لمهرجان قرطاج في دورته الثالثة والخمسين قبل نحو أسبوعين والجدل في الوسطين الثقافي والسياسي لا ينقطع بسبب إدراج عرض للكوميدي المعروف بدعمه للكيان الصهيوني ميشال بوجناح.
المقاطعـة هي سلوك استراتيجي وثقافة وجبَ تبنيها والتعود عليهـا وتمريرها للنشء، كشكلٍ من أشكال المقاومة بطـابعٍ سلمي طويــل النفس عابر للحدود
بذلك عادت إشكالية جدوى المـقاطعة الثقافية تطفو على السطح مرة أخرى، كانت الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني قد وجهت رسالة مفتوحة إلى وزير الثقافة ومدير مهرجان قرطاج، قبل نحو أسبوع، تحت عنوان “لا مكان، مهما كانت جنسيتهم، في مسارحنا ومهرجاناتنا”، وطالبت بسحب دعوة ميشال بوجناح، الاتحاد التونسي العام للشغل كذلك وانطلاقًا من شعاراته المركزية الداعمة لفلسطين، دعا وزارة الثقافة إلى تحمل مسؤولياتها والتحري في كل العروض التي تبرمج، وتغليب العروض التونسية في ظرف اقتصادي صعب.
استراتيجية المقاطعة هي أداة نضالية سرعان ما تحولت إلى محور عملٍ للقوى الديمقراطية العربية والعالمية لتوظيف مبادئ حقوق الإنسان ضد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه.
أمـا عن تفعيل هذه الاستراتيجية، فإلى جانب جهود الحملة العالمية لمقاطعة “إسرائيل” والمنظمات المشابهة حول العالم، فقد انتظمت السنة الماضية (6 أغسطس 2016) في تونس، أعمال المؤتمر الأكاديمي الدولي بعنوان “استراتيجية المقاطعة في النضال ضد الاحتلال ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي: الواقع والطموح”، والذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة بالتعاون مع فرعه في تونس.
تم تقديم مجموعة من المداخلات العلمية تناولت بعض تجارب المقاطعة في ماليزيا وتشيلي وأستراليا، في خطوة مهمـة لنشر ثقافة المقاطعة والدعوة إلى الالتفاف حول القضية الفلسطينية والخروج بخطة عمل متكاملة لتعميم المقاطعة ونشر مشروعها الهادف لعزل الكيان الصهيوني.
مؤتمر جاء بعد 70 سنة من صدور أول مقاطعة رسمية من جامعة الدول العربية، قرار تأثر بتغيرات الواقع العربي على امتداد تلك الفترة وانتشار موجات العنف والتطرف وتراجع القضية الفلسطينية وظهور الإرهاب كقضية محورية على الساحة العربية.
المقاطعـة سلوك استراتيجي وثقافة وجبَ تبنيها والتعود عليهـا وتمريرها للنشء، كشكلٍ من أشكال المقاومة بطـابعٍ سلمي طويــل النفس عابر للحدود.
لكـن كل سلوكٍ لا يجد حاضنة سياسية وإرادة فعليـة عبر الآليات التشريعية، هو سلوك قصير التأثير، المـقاطعة هي خطوة تمهيدٍ لقطعٍ كـلي مع الكيان الصهيوني، خطـوة ستتدعم فعليًـا بتجريم التطبيع.