ترجمة وتحرير نون بوست
كتب باسمه الغصين، وجيفري ستاسي
أغرق الحصار الدبلوماسي والاقتصادي، الذي تفرضه السعودية وحلفاؤها على قطر، منطقة الشرق الأوسط في مستنقع جديد من الخلافات. فيوم 5 حزيران/ يونيو، أعلنت البحرين، ومصر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، مقاطعتها لقطر متهمة إياها بدعم بعض الجماعات الإرهابية الإقليمية. ولكن السبب الحقيقي الذي يقف وراء فرض هذا الحظر على الدوحة كان يتمثل في العلاقة التي تربط بين قطر وإيران.
وتجدر الإشارة إلى أن الصراع القطري السعودي قد وصل بشكل سريع إلى ذروته، خاصة بعد أن منح مجلس التعاون الخليجي قطر موعدا نهائيا في الثاني من شهر تموز/ يوليو للرد على 13 مطلبا تتراوح بين إنهاء العلاقات مع إيران وإغلاق محطة تلفزيون الجزيرة. في المقابل، لم يكن من المحتمل أبدا أن تلبي قطر هذه المطالب، نظرا لأن الكثير من المطالب، التي اشترطت دول الحصار على قطر الوفاء بها، استندت في واقع الأمر إلى “فرضيات زائفة”.
وبما أن قطر لم تمتثل لأي من مطالب مجلس التعاون الخليجي، فإن عدم وجود الترابط والتنسيق بين دول الحصار كان واضحا. ودون وضع خطة بديلة، فإنه من غير المرجح لهذه الدول أن تحاول تصعيد الخلاف مع قطر بصفة فورية. بدلا من ذلك، من المحتمل أن تستمر الأزمة لبعض الوقت لتضع الدول المتنازعة في حالة من “الشلل الدبلوماسي المتبادل”. وبالتالي، ربما ستفرض دول مجلس التعاون الخليجي “عقوبات رمزية” إضافية، ولكن أيا من طرفي الأزمة لن يتراجع عن مواقفه في الوقت القريب.
في الحقيقة، إن الزلات التي وقعت فيها دول الحصار بقيادة الرياض منذ اندلاع الأزمة دفعت قطر مباشرة نحو إيران وتركيا لتستورد منهما احتياجاتها العاجلة من الغذاء، فضلا عن أنها منحت طهران مزايا تجارية هامة إلى جانب تقوية العلاقات الدبلوماسية القطرية الإيرانية. وفي هذه الحالة، يبدو أن الحصار لن يفضي إلى عودة الدوحة إلى أحضان مجلس التعاون الخليجي. وهو ما سيؤكد أساسا أن القيادة الجديدة في السعودية تميل إلى المبالغة في إحكام قبضتها.
بالإضافة إلى ذلك، إن سلوك السعودية دفع قطر أكثر نحو إيران، فضلا عن أنه قد أضعف بدوره “التكتل الذي يلعب دورا حيويا في استقرار المنطقة وحركتها التجارية”. والجدير بالذكر أن الكويت ليست من بين دول الحصار؛ حيث سافر الأمير الكويتي إلى العديد من البلدان في جميع أنحاء المنطقة، من أجل لعب دور الوسيط بين الدولة المتنافسة الجديدة في المنطقة والحفاظ على بقاء اتحاد دول مجلس التعاون الخليجي.
ولعل السؤال الجوهري عند هذه المرحلة هو، لماذا ارتكبت الرياض مثل هذا الخطئ “الفادح”؟ مما لا شك فيه أن المخاوف السعودية بشأن دعم قطر للمتطرفين حقيقية، فضلا عن رغبتها في أن تحد قطر من علاقاتها مع إيران. في المقابل، من المفارقات الواضحة في هذه القضية أن دولة الإمارات العربية المتحدة تمتلك علاقة وثيقة مع إيران على غرار قطر، حتى أنها تفتح موانئها الجوية للطائرات الإيرانية في حين تغلقها في وجه الطائرات القطرية.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن السعودية تتغاضى وتتسامح مع العلاقات التي تربط الإمارات بإيران، لأن أبوظبي لا تتحدى الهيمنة السعودية في المنطقة، على عكس قطر، التي يُنظر إليها على أن لها طموحات “هائلة” يمكن أن تقوض الغلبة السعودية.
الزلات التي وقعت فيها دول الحصار بقيادة الرياض منذ اندلاع الأزمة دفعت قطر مباشرة نحو إيران وتركيا لتستورد منهما احتياجاتها العاجلة من الغذاء
لسوء الحظ، يبدو أن ترامب كان محفزا أساسيا للحصار عندما كان يتحدث بقوة ضد إيران ومصلحة المملكة العربية السعودية أثناء زيارته الأخيرة للمنطقة. إلا أنه كان بإمكانه أن يستغل بسهولة الفرصة لمناقشة حيثيات الحرب على تنظيم الدولة. ومن الواضح أن الانتقادات اللاذعة التي وجهها ترامب لإيران لم تشجع الرياض فقط على اتخاذ مثل هذه الخطة تجاه الدوحة، بل ساهمت في مزيد من التقارب بين إيران وتركيا.
في الوقت ذاته، إن استمرار الخطاب العدائي لإدارة ترامب تجاه إيران أحبط النخبة الإيرانية في الحفاظ على اتفاقها مع الولايات المتحدة على الرغم من أن إدارة ترامب أكدت أن ذلك الاتفاق الذي أُبرم في عهد سلفه سوف يبقى ساري المفعول. وقد أكّد ذلك رسميا كل من وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، ومستشار الأمن القومي، هربرت ماكماستر.
وفي رسالة إلى رئيس مجلس النواب بول رايان في أبريل/ نيسان، كتب تيلرسون “تؤكد هذه الرسالة أن شروط المادة 135 من قانون الطاقة الذرية لسنة 1954، بصيغتها المعدلة، حسب قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني لسنة 2015 (القانون العام 114-17)، الصادر في 22 أيار/ مايو من سنة 2015، سارية المفعول انطلاقا من تاريخ 18 نيسان/ أبريل 2017”.
ومع ذلك، إذا استمر ترامب في التقليل من شأن إيران وتهميشها، فإن إيران من المحتمل أن تخالف هذه الاتفاقية، هذا إن لم تنقضها بالكامل. فعندما كانت تتفاوض مع الولايات المتحدة على هذه الصفقة، خفضت إيران من دعمها للمجموعات الشيعية في المنطقة. والمثير للاهتمام أن الدعم الإيراني لحزب الله، (والأسد) في سوري، والميليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن، قد ارتفع بعد أن أبرمت طهران تلك الصفقة مع الولايات المتحدة.
السعودية تتغاضى وتتسامح مع العلاقات التي تربط الإمارات بإيران، لأن أبوظبي لا تتحدى الهيمنة السعودية في المنطقة، على عكس قطر
بطبيعة الحال، كانت السياسات التي تتبعها قطر في المنطقة لا تنسجم مع طموحات وتطلعات بعض البلدان الخليجية الأخرى. فقد كانت بعض سياساتها سليمة إستراتيجيا، بما في ذلك استثماراتها العديدة في المنشآت العسكرية الأمريكية، على غرار قاعدتي العديد والسيلية العسكرية، في حين أن السياسات القطرية الأخرى كانت، بنظر دول المنطقة الأخرى، غير سليمة، مثل دعم جماعة الإخوان المسلمين.
ومع ذلك، تحظى جماعة الإخوان المسلمين باحترام واسع بين عامة السكان في قطر، الأمر الذي يجعل من الصعب القضاء على هذه الجماعة من منظور قطري دبلوماسي. من جانب آخر، تعتقد بعض النخب السیاسیة في قطر أن السماح لجماعة الإخوان المسلمین بدخول الساحة السياسية مع مراقبتها يعد بمثابة توازن إستراتيجي يمنع حدوث أي اضطرابات سیاسیة محلیة في قطر، وقيام هذه الجماعة بأية أنشطة إرهابية عنيفة. ونتيجة لذلك، انتقدت المملكة العربية السعودية دولة قطر لتسامحها مع جماعة الإخوان المسلمين.
في المقابل، كان يمكن للعديد من البلدان الأخرى أن تنتقد بسهولة السعوديين ودول الخليج الأخرى لدعمهم لبعض الجماعات المتطرفة ومساهمتهم في انتشار أيديولوجية التطرف داخل حدود بلدانهم. وخلاصة القول أن عدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط ليس في مصلحة الولايات المتحدة، علاوة على أن اتباع سياسة الحصار يعتبر من السياسات التي أثبتت فشلها بشكل واضح.
بالإضافة إلى ذلك، أدى عدم الاستقرار السياسي، خلال العديد من الأزمات السابقة المماثلة، إلى ظهور العنف المسلح في المنطقة. وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن يؤدي هذا الصراع إلى إلحاق أضرار دائمة بعلاقات قطر مع جيرانها والتسبب في تفكك شامل لدول مجلس التعاون الخليجي.
لا يزال هناك مجال للدبلوماسية من أجل إيجاد حل، طالما أن التصعيد الفوري في الأزمة الخليجية لم يحدث بعد
علاوة على ذلك، فإن التقارب القطري نحو إيران سيفضي إلى تحول كبير في موازين القوى في المنطقة، لترجح كفة إيران على حساب حليفة الولايات المتحدة، السعودية، وهذه النتيجة هي عكس ما كانت ترغب في أن تحققه سياسة الحصار.
وفي شأن ذي صلة، إن استمرار الخطاب العدائي تجاه إيران من إدارة ترامب سوف يحبط النخبة الإيرانية في الامتثال للصفقة النووية. وفي حال استمر البيت الأبيض في إثارة العداء بين السعودية وقطر، قد يؤدي ذلك إلى فقدانه للدعم السياسي المحلي في قطر، الذي يحصل عليه من القواعد العسكرية الأمريكية المتمركزة على الأراضي القطرية، التي أثبتت أنها جزء لا يتجزأ من العمليات الأمريكية لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط.
وبالتالي، إن أفضل أمل للسعودية وحلفائها يكمن في التوصُّل إلى حلول تحفظ ماء وجهها، نظرا لأن الإبقاء على الوضع الراهن يعتبر في حد ذاته “وسيلة واهية” لتحقيق أهداف السعودية الإستراتيجية، التي من شأنها أن تُبعد قطر أكثر وتدق أسافين عدة في مجلس التعاون الخليجي.
عموما، لا يزال هناك مجال للدبلوماسية من أجل إيجاد حل، طالما أن التصعيد الفوري في الأزمة الخليجية لم يحدث بعد. ومن المرجح أن يتضمن اتفاق حل الأزمة التزام خاص من قطر بتقليل دعمها لجماعة الإخوان المسلمين مع استعادة العلاقات الاقتصادية مع دول المجلس. كذلك من المتوقع أن تحقيق مثل هذه النتيجة سيستغرق بعض الوقت، على الرغم من أنها تعطي شعورا واضحا لكلا الجانبين بالتوصل لحل توافقي، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان هناك توجه نحو هذه الخطوة المفيدة من قبل الطرفين.
ومع ذلك، إن وجود 11 ألفًا من القوات الأمريكية في قاعدة قطر، التي تنطلق منها العمليات العسكرية الموجهة ضد تنظيم الدولة، ه كفيل بأن يدفع إدارة ترامب نحو التوسط في إيجاد هذا حل توافقي. وتجدر الإشارة إلى أن السيناتور الأمريكي بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، قد أعلن أنه سيعرقل مبيعات الأسلحة المستقبلية لدول الخليج لحين حل الأزمة. وبالتالي، من الحكمة أن يتجه ترامب نحو حل النزاع الخليجي والتركيز أكثر على هزيمة تنظيم الدولة، وإنهاء الحرب الأهلية في سوريا.
المصدر: فورين أفيرز