بدأت لجنة التشريع العام في البرلمان التونسي أمس الخميس مناقشة مشروع قانون زجر (تجريم) الاعتداء على القوات الحاملة للسلاح، الذي يهدف حسب المدافعين عنه إلى تطوير الإطار التشريعي المنظم لعمل القوات الأمنية في ظل التحديات الجديدة والوضع الأمني الدقيق الذي مازالت تعيشه تونس، فيما يراه أخرون على رأسهم المنظمات الحقوقية “مرحلة خطيرة نحو مأسسة الإفلات من العقاب في القطاع الأمني التونسي”.
احتجاجات نقابية تعيد مشروع القانون إلى الواجهة
بعد أكثر من سنتين من بقائه حبيس رفوف البرلمان نتيجة موجة الرفض التي لقيها من المنظمات الحقوقية التونسية والأجنبية، عاد مشروع قانون زجر الاعتداء على القوات الحاملة للسلاح إلى الواجهة على إثر احتجاجات النقابات والهياكل الأمنية في مختلف القوات المسلحة، وتنظيمها وقفة أمام مقر البرلمان بباردو، يوم الخميس الماضي.
رئيس الاتحاد التونسي لنقابات قوات الأمن: “هذا القانون أصبح ضرورة ملحة لضمان حسن أداء الأمنيين لواجبهم في حماية الوطن والمواطنيين”
ودفعت هذه الاحتجاجات التي جاءت نتيجة تزايد الاعتداءات على الأمنيين ومقراتهم وسياراتهم الأمنية في الفترات الأخيرة والتي تجاوزت حسب النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي 6500 عملية اعتداء بالعنف الشديد منذ الثورة نصفها محاولات قتل أدت إلى عدد من الوفيات، مكتب البرلمان لتبني المشروع من جديد، ومنذ سنة 2011 إلى الأن تعرض 60 عون أمن تونسي للقتل و2000 اخرين لجروح واصابات متفاوتة حسب وزير الداخلية التونسي الهادي مجدوب.
ووفقا للناطق الرسمي باسم الأمن الوطني وليد حكيمة فقد تم تسجيل 276 اعتداء على أعوان الأمن أثناء مباشرتهم لعملهم خلال سنة 2016 مقابل 241 اعتداء سنة 2015، مشيرا إلى أن الاعتداءات على الأملاك الخاصة للإطارات والأعوان بلغت 14 اعتداء على المساكن الخاصة خلال سنة 2015 مقابل 12 اعتداء في 2016، في حين بلغ عدد الاعتداءات التي طالت وسائل النقل (سيارات ودرجات) 7 اعتداءات مقابل 10 اعتداءات خلال سنة 2016.
مطالب نقابية بإقرار مشروع القانون
وكان رئيس الاتحاد التونسي لنقابات قوات الأمن، عماد بلحاج خليفة، قد أكّد في وقت سابق أن هذا القانون أصبح ضرورة ملحة لضمان حسن أداء الأمنيين لواجبهم في حماية الوطن والمواطنيين، مشيرًا إلى أن تكرر الاعتداءات على الأمنيين وعائلاتهم ومراكز عملهم دون معاقبة أو تتبع المذنبين جعل من مواصلة العمل أمرًا مستحيلًا.
الداخلية والدفاع يشدّدان على ضرورة إقراره
وزير الداخلية التونسي الهادي مجدوب أرجع سبب دعمهم لمشروع هذا القانون، في جلسة الاستماع إليه أمس في البرلمان، إلى التداعيات الخطيرة للاعتداءات على القوات الأمنية، موضحها أن هذه التداعيات تطلبت استعجال النظر في القانون لتوفير الإمكانيات اللازمة لحمايتهم بالنظر إلى أهمية الدور الموكول لهم في توفير الأمن.
واعتبر الوزير التونسي أن التشريع التونسي والأحكام الحالية الواردة بالمجلة الجزائية منقوصة وغير كافية لضمان الحماية اللازمة للقوات الحاملة للسلاح والسلامة الشخصية لأعوانها بالمقارنة مع الأحكام التي اتخذتها عديد الدول في هذا المجال تطبيقا لتوصيات المؤتمر الثامن لمنظمة الأمم المتحدة لسنة 1990 والمتعلقة بحماية القوات الأمنية وردع المعتدين عليها .
وبين الوزير في هذا الصدد أن مشروع هذا القانون يحتوي على جملة من المبادئ أهمها التأكيد على أن هذا القانون يهدف إلى حماية استقرار المجتمع بأكمله عبر حماية قواته الحاملة للسلاح من الأخطار التي تتهدد سلامتهم وحياتهم باعتبارهم مسؤولين على حفظ الأمن وحماية المتساكنين مؤكدا ان ما ورد في مشروع القانون من عقوبات “لا يمس من حقوق الإنسان ولا يتعارض معها .
من جانبه قال وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني خلال جلسة استماع بلجنة التشريع العام والمخصصة للنظر في مشروع قانون زجر الاعتداء على القوات الحاملة للسلاح إن مشروع هذا القانون جاء لسد فراغ قانوني مبينا أن بعض البلدان الديمقراطية قد قامت بسن هذا النوع من التشريعات لحماية قواتها الأمنية.
انطلاق مناقشة مشروع القانون في لجنة التشريع العام بالبرلمان
وبيّن أن هذا المشروع سيحمي العسكريين في تعاملهم مع وضعيات دعم السلطات المدنية وحماية المنشآت العسكرية الموجودة داخل المدن كالإدارات والثكنات لاسيما وأن القوات العسكرية وفي بعض الوضعيات تكون غير محمية وغير مؤطرة قانونيا في صورة وجود مشاكل مع مواطنين كما يمكن لهذه المسالة أن يكون لها تداعيات سلبية خاصة من الناحية القضائية.
رفض وتنديد من المنظمات المدنية
وشهد مشروع قانون زجر المعتدين على الأمنيين موجة رفض وتنديد من قبل المجتمع المدني والإعلام، منذ عرضه في إبريل/نيسان 2015 من قبل حكومة الحبيب الصيد. وينص مشروع هذا القانون على توفير حماية خاصة للأمنيين وعائلاتهم وممتلكاتهم ومقارهم ووسائل عملهم والتجهيزات الموضوعة تحت تصرفهم، نتيجة تخوفهم من عودة أساليب التضييق القديمة على الحريات، وضرب المكاسب التي جاء بها دستور الجمهورية الثانية في حال اقراره من قبل البرلمان.
طالبت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين مباشرة بعد إقرار حكومة الحبيب الصيد لمشروع هذا القانون، الحكومة بـ “السحب الفوري” له
واعتبرت منظمات حقوقية تونسية ودولية أن مشروع هذا القانون يحتوي بنودا تمثل خطرا على الحقوق والحريات، وتعطي نفوذا مفرطا لقوات الأمن لا تتماشى مع دستور البلاد، من جهتها حذّرت منظمة العفو الدولية أمس من مشروع هذا القانون الذي سيجيز استخدام الأمن “غير المبرر للقوة القاتلة”، ويسمح القانون التونسي بفض الاعتصامات والمظاهرات غير المرخصة أو تلك التي تخرج عن طابعها السلمي، لكنه وضع ضوابط في فض المظاهرات ومنها التدرج في استخدام القوة.
واعتبرت مديرة الأبحاث لدى منظمة العفو الدولية في شمال أفريقيا هبة مرايف في بيان أن مشروع القانون “مرحلة خطيرة نحو مأسسة الإفلات من العقاب في القطاع الأمني التونسي”. وأضافت أنه سيجيز في الواقع “استخدام الشرطة للقوة القاتلة” حتى في حال عدم تعريض حياة الغير للخطر، ما يتناقض مع أحكام القانون العام الدولي، بحسب البيان. وقالت “في تونس غالبا ما تفلت الانتهاكات المرتكبة باسم الأمن من العقاب، ما أنشأ مناخا طاغيا من تفادي المحاسبة لاعتبار القوى الأمنية أنها فوق القانون”.
تخوّف من مشروع القانون في حال المصادقة عليه
وسبق أن أكّدت منظمة “هيومن رايتس واتش” أن المنظومة القانونية التونسية لا تشكو من أي فراغ تشريعي مثل ما يدّعي المدافعون على هذا القانون، حيث يحمي القانون بالفعل كل أعوان القوات المسلحة في تونس وموظفي الدولة بصفة عامة. إلى جانب ذلك طالبت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين مباشرة بعد إقرار حكومة الحبيب الصيد لمشروع هذا القانون، الحكومة بـ “السحب الفوري” لمشروع القانون لأنه “يؤسس لدولة ديكتاتورية بوليسية” و”يستهدف حرية الصحافة والتعبير” الوليدة في البلاد.
يتضمن مشروع القانون 20 بندًا تتضمن أحكامًا وعقوبات جزائية تصل إلى حدود 20 عامًا
وفي أيار/مايو 2015 دعت 13 منظمة حقوقية دولية بينها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية ومراسلون بلا حدود البرلمان التونسي الى إلغاء بنود إشكالية في مشروع القانون “تجرم سلوك الصحافيين والمبلغين والمدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم ممن ينتقدون الشرطة، كما تسمح لقوات الأمن باستخدام القوة المميتة في غير حالات الضرورة القصوى لحماية النفس البشرية”.
ويتضمن مشروع القانون 20 بندًا تتضمن أحكامًا وعقوبات جزائية تصل إلى حدود 20 عامًا، ومخالفات مالية تصل إلى 50 ألف دولار للمخالفين، وتتراوح التهم بين تهديد الأمنيين، أو أحد أفراد عائلاتهم، أو الاعتداء عليهم، أو على مقرات عملهم ومحلات سكناهم. في المقابل يرفع مشروع القانون أي مسؤولية جزائية عن أعوان الأمن في حالات القتل والاعتداء أثناء أدائهم مهامهم.