كانت المملكة المغربية وجبهة البوليساريو الطرفان المباشران في قضية الصحراء الغربية منذ بدايتها، ورغم ذلك فهذه القضية عرفت في عديد الفترات تدخّل دول أخرى فيها، وهذه المرة تحوّلت الأعين إلى جنوب القارة السمراء، إلى دولة جنوب إفريقيا حيث يدور فصل جديد من قضية الصحراء التي لا ينتظر لها حلاّ في القريب العاجل أو حتى المتوسط حسب خبراء.
تنديد مغربي بالقرار الجنوب إفريقي
ندّدت السلطات المغربية بقرار جنوب إفريقيا قبول دعوى قضائية لجبهة البوليساريو من الناحية الشكلية، والتي أدت إلى حجز سفينة مغربية محملة بالفوسفات في المياه الإقليمية لها، معتبرة أن القرار الجنوب إفريقي “قرار سياسي غلف بصيغ قانونية وقضائية”، وقال مصطفى الخلفي، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني الناطق الرسمي باسم الحكومة، أمس الخميس بالرباط، إن هذا القرار المخالف للقانون الدولي “تشويش على مسار أممي يعمل على تسوية هذا النزاع، وانتهاك صريح للمقتضيات الخاصة بحرية الملاحة التجارية”.
يأتي هذا الموقف المغربي ردا على قضاء جنوب إفريقيا، قبوله لدعوى جبهة البوليساريو بشأن الحجز على باخرة مغربية محمّلة بنحو 50 ألف طن من الفوسفات
وأضاف أنه “شكّل تطورا خطيرا وغير مسبوق ذا بعد سياسي”، مؤكدا أن المغرب كان متأكدا من قوة وسلامة ملفه القانوني، باعتبار أن الاستثمارات المسجلة على مستوى الأقاليم الجنوبية فيما يتعلق بالفوسفاط تتم في إطار القانون الدولي ومقتضيات السيادة الوطنية.
وأعلن الخلفي أنه “لا يمكن للمغرب أن يقبل بأي مزايدة في الموضوع، الذي لن يواجه بغير الرفض الكامل واعتماد كافة الخطوات التي ستتم في هذا المجال”، مشددا على أن هذا “قرار سياسي ظالم لبلادنا، وهو ما لم يتم اعتماده عندما اتخذت بنما قرارا احترم القواعد المؤطرة”. وتقول السلطات المغربية إنّ موضوع الاستفادة من الثروات الطبيعية لمنطقة النزاع لا يثير أي إشكال من زاوية الشرعية القانونية، هو شأن سيادي يعمل المغرب على معالجته في إطار المقتضيات الدستورية السياسات الداخلية.
مثلت شحنات الفوسفاط إحدى أبرز نقاط الخلاف بين الطرفين
ويأتي هذا الموقف المغربي ردا على قضاء جنوب إفريقيا، قبوله لدعوى جبهة البوليساريو بشأن الحجز على باخرة مغربية “تشيري بلسوم” تحمل علم جزيرة مارشال، محمّلة بنحو 50 ألف طن من الفوسفات كانت في طريقها إلى ميناء في نيوزيلندا قبل أن يتم حجزها بالمياه الجنوب إفريقية في الثالث من مايو الماضي، وكانت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط بالمغرب أن أعلنت رفضها لقرار المحكمة الجنوب إفريقية، وعبّرت عن استغرابها لهذا “القرار الذي يتذرع بالطابع “المعقد” لموضوع هو حاليا مرتبط بمسلسل دولي”.
وسبق أن تقدّمت مجموعة «المكتب الشريف للفوسفات» لدى محكمة جنوب أفريقيا بالطعن في قرار اعتراض سفينة الفوسفات التي أبحرت من ميناء العيون في اتجاه رأس الرجاء الصالح في أيار (مايو) الماضي، وتقدر قيمة الصفقة بنحو 5 ملايين دولار.
قضايا مماثلة
وخلال الشهر الجاري ربحت الرباط قضية مماثلة، بعدما قررت محكمة في بنما الإفراج عن سفينة مغربية محملة بالفوسفات كانت في طريقها من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ، وأكدت المحكمة البنمية أنها غير مختصّة بمثل هذه النزاعات والخلافات ذات الطابع السياسي المحض.
وتُلزم الاتفاقيات الدولية لقانون البحار، “مونتيغو باي” لسنة 1982 التي صادقت عليها دولة جنوب إفريقيا، الدول الساحلية باحترام حق المرور للسفن التجارية في مياهها الإقليمية، ويمنع الأمر بحجزها ما عدا في حالات ضيقة محددة عندما يشكل عبورها ضررا على أمن الدولة الساحلية وسلمها، أو إخلالا بحسن نظامها العام، أو تهديدا للبيئة الطبيعية.
قبل أيام قليلة، أعلنت الحكومة المغربية عن ترسيم مياه الحدود البحرية في سواحل الصحراء للمرة الأولى منذ استرجاع هذه الأقاليم منتصف السبعينيات
وكانت “جبهة البوليساريو” قد طعنت في الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي والمغرب الذي تم تطبيقه عام 2012، وقالت إنه لا ينبغي أن يشمل الصحراء الغربية، وفي ديسمبر 2016، ألغت محكمة في الاتحاد الأوروبي الاتفاق جزئيا، حيث خلصت إلى أنه لا يراعي بشكل تام حقوق الصحراويين، لكن الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي طعنت في الحكم لدى محكمة العدل الأوروبية، وهي أعلى محكمة في التكتل، تقول جبهة البوليساريو إن المنتوجات البحرية والزراعية القادمة من الصحراء والمتوجهة نحو الأسواق العالمية، تابعة لها وليس المغرب باعتبار أن الصحراء تحت سيطرتها وتعود إليها، حسب قولهم.
تعتبر جبهة البوليساريو منتوجات الصحراء تابعة لها
وقبل أيام قليلة، أعلنت الحكومة المغربية عن ترسيم مياه الحدود البحرية في سواحل الصحراء للمرة الأولى منذ استرجاع هذه الأقاليم منتصف السبعينيات، وإدراج المجالات البحرية قبالة تلك السواحل في المنظومة القانونية الوطنية، ومثّل الهدف الأبرز لترسيم المغرب للحدود البحرية في سواحل الصحراء، حسب خبراء، سدّ الطريق أمام المساعي التي تخوضها جبهة البوليساريو داخل أسوار المحاكم الدولية بخصوص “منتجات الصحراء، حيث يعتبر غياب المياه المقابلة لسواحل الصحراء عن التشريعيات المغربية مدخلا ممكنا للطعن في حقّ المملكة في استغلال وتصدير ثروات المنطقة.