ترجمة وتحرير نون بوست
أعلنت الصين شروعها في بناء أول قاعدة عسكرية بحرية في أفريقيا والتي ستكون في جيبوتي، علما بأن هذا البلد يضم العديد من القواعد العسكرية التابعة لمختلف البلدان، لعل أهمها قواعد الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. وبطبيعة الحال، إن توسيع الصين لوجودها العسكري في القارة السمراء سيساهم في دعم النشاط الاقتصادي الصيني.
نقطة قوية
في 11 من تموز/ يوليو، وصلت إلى شواطئ القارة السمراء مجموعة من السفن الحربية لبناء القاعدة العسكرية الأولى التابعة للصين في القارة الأفريقية. وخلال احتفال أقيم في الميناء الصيني تشانجيانغ، أعلن قائد البحرية الصينية، الأدميرال شين جين لونغ، رسميا أن السفن الصينية تتجه نحو سواحل القارة الأفريقية تحديدا إلى جيبوتي لبناء أولى القواعد العسكرية الصينية هناك.
سفينة الإنزال الصينية
وفقا لوسائل الإعلام، لم يتم الإعلان عن عدد أفراد الجيش الصيني الذين سيتواجدون في هذه القاعدة العسكرية، إلا أن بكين أعلنت أنها ستفتتح قاعدة جديدة لضمان السلام والأمن في المنطقة. وحسب ما صرح به ممثل عن وزارة الشؤون الخارجية، قنغ شوانغ، فإن افتتاح قاعدة عسكرية في جيبوتي إلى جانب وجود الجيش الصيني هناك جاء بعد مشاورات ودية بين الصين وجيبوتي.
تسعى الصين للتوسع على الصعيد الاقتصادي في القارة السمراء من خلال دعم وجودها العسكري في المنطقة
وتجدر الإشارة إلى أن الصين أشارت إلى أنها ستضطلع بمهام عديدة تشمل التعاون العسكري، والتدريبات المشتركة، فضلا عن مهام الإنقاذ الطارئة، والأهم من كل ذلك ضمان أمن واستقرار الممرات البحرية الإستراتجية.
وفي سياق متصل، خططت الصين لإقامة قاعدة عسكرية لها في جيبوتي منذ العام الماضي، وقد أعلنت وزارة الخارجية الصينية بتاريخ 21 كانون الثاني/ يناير من سنة 2016 عن توقيعها لاتفاق مع البلد الأفريقي حول مسألة إنشاء قاعدة عسكرية. وفي شهر تموز/ يوليو الحالي، أعلنت الصين عن شروعها في إنشاء “قاعدة الدعم” في جيبوتي، التي تحتل موقع إستراتيجي متميز يضمن لها تنفيذ المهام المطلوبة.
وبناء عليه، فإن هذا الخبر لا يعد مستغربا، خاصة أن الصين منذ فترة طويلة تعمل على تنفيذ عدد من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية في سياستها الخارجية. ومن المعروف عن الصين أنها من البلدان التي تفضل المصالح الاقتصادية على السياسية، وتعمل على توظيف السياسة لخدمة الاقتصاد. وعلى هذا الأساس، تتجه الصين نحو تنفيذ سياسة أكثر تعقيدا في أفريقيا، وهذا ما يكشف عنه تأسيس الصين لأولى قواعدها العسكرية في القارة الأفريقية، وذلك وفقا لما أكده رئيس مركز دراسات شمال أفريقيا والقرن الأفريقي بمعهد الدراسات الأفريقية، ألكسندر تكاشينكو.
حماية المصالح الاقتصادية
في الواقع، تسعى الصين للتوسع على الصعيد الاقتصادي في القارة السمراء من خلال دعم وجودها العسكري في المنطقة. فسنة 2000، اتسع نطاق المصالح الصينية في أفريقيا بشكل كبير، وفقا لما أكده الخبير الروسي تكاشينكو. كما تضاعف حجم التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا، لتتفق بذلك الصين على الشركاء التقليديين للبلدان الأفريقية، خاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. علاوة على ذلك، تستثمر الصين بكثافة في مجال البنية التحتية في عدد من بلدان القارة السمراء.
تواجه الصين العديد من التهديدات المسلحة التي تعطل سير عملية التبادل التجاري نظرا لتنامي الصراعات المسلحة في القارة السمراء
وفي شأن ذي صلة، تسعى الصين للنفاذ إلى مصادر المواد الخام، وتعتبر هذه المسألة بالنسبة لها واحدة من أهم الأوليات، التي من شأنها أن تمكنها من معالجة مشاكلها الاقتصادية. وبالتالي، يبدو أن جيبوتي ليست مستثناة من الخطة الاقتصادية الصينية في أفريقيا، فعلى الرغم من أن هذا البلد الصغير ليس لديه أي موارد طبيعية، إلا أنه يحظى بأهمية بالغة بالنسبة لبكين.
وفي هذا الإطار، يعتبر ميناء جيبوتي المنفذ الوحيد للبحر الذي سيمكن الصين من نقل الموارد والثروات الطبيعية القادمة من أثيوبيا المجاورة. وسنة 2016، قامت الصين ببناء سكة حديدية تربط بين أديس أبابا وجيبوتي، التي تساعد على نقل البضائع نحو ميناء جيبوتي ومنه إلى الصين. فضلا عن ذلك، وقع تأسيس الشركات الصينية على بعد 25 كلم من العاصمة جيبوتي، وتتمثل مهمة هذه الشركات الصينية في إعادة بناء ميناء جيبوتي ما يخول لها أن تصبح من أكبر الشركات في مجال تصدير المواد الخام القادمة من المناطق الداخلية في أفريقيا.
وفقا لتكاشينكو، تطورت معدلات النمو الاقتصادي الصيني خلال العقود الثلاثة الماضية. في المقابل، تواجه الصين العديد من التهديدات المسلحة التي تعطل سير عملية التبادل التجاري نظرا لتنامي الصراعات المسلحة في القارة السمراء. وبما أن الصين تستثمر بشكل كبير في تطوير العلاقات مع البلدان الأفريقية فإن عليها العمل بنشاط للحفاظ على الاستقرار السياسي في المنطقة.
في الوقت الراهن، تشهد أفريقيا حالة من الفوضى والتوتر نتيجة تهديدات الجماعات الإرهابية الدولية خلال العقدين الماضيين، ولعل هذا ما أكدته تقارير الخبراء. ومنذ سنة 2000، تحولت جيبوتي إلى مركز لتواجد العديد من القوات الدولية التي تعمل على مكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة المتطرفة المهددة لاستقرار الاقتصاد العالمي ككل وليس استقرار القارة الأفريقية فقط.
وحسب المعطيات المذكورة آنفا، تواجه جيبوتي العديد من التحديات الأمنية على الرغم من تمتعها بموقع جغرافي متميز، نظرا لأنها تجاور القراصنة الصوماليين الذين يهددون حركة الملاحة البحرية في القرن الإفريقي. إلى جانب هذا التهديد، يعد موقع جيبوتي قريبا جدا من الحرب الإثيوبية – الإريترية، وعلى الجانب الآخر من مضيق باب المندب تقع اليمن التي تمزقها الحرب منذ عدة سنوات. لذلك، ليس من الغريب أن تقيم الصين قاعدة عسكرية لها مثل الولايات المتحدة وأوروبا الغربية في هذا القطر تحديدا لحماية مصالحها.
ترحيب جيبوتي
مثلما ذُكر آنفا، تنضم القاعدة الصينية إلى عدد من القواعد العسكرية الأخرى التي تقع على أراضي هذا البلد الأفريقي. والجدير بالذكر أن جيبوتي تحتضن أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في أفريقيا (تضم أكثر من 4 آلاف جندي) وقاعدة فرنسية (فيها حوالي 3 آلاف جندي).
كما يتواجد في جيبوتي المئات من القوات العسكرية اليابانية، ويتم في الوقت الحالي بناء منشآت عسكرية لإيوائهم. أما في كانون الثاني/ يناير سنة 2017، وقعت المملكة العربية السعودية مع جيبوتي اتفاق لوضع قاعدة عسكرية خاصة بها.
أحد عناصر القوات الجوية الأمريكية، فيلق مشاة البحرية الذي يشارك إلى جانب قوات حفظ السلام، في جيبوتي، 5 كانون الثاني/ يناير 2017. صورة للقوات الجوية الأمريكية، الرقيب جوشوا جورج غارسيا.
حاليا، تحارب العديد من القوات؛ التي تضم قوات الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا وإسبانيا، بالإضافة إلى القوات القطرية، في ميناء جيبوتي القراصنة الصوماليين. وبعد الصراع الحدودي الإرتري الجيبوتي بين قوات جيبوتي وإريتريا سنة 2008، وعلى خلفية ذلك بذلت القوات القطرية جهودا محترمة لإيقاف النزاع، نظرا لتأثير هذه الحرب على دول الخليج العربي خاصة أن جيبوتي قريبة من مصادر الطاقة في الخليج العربي، كما تشرف على الممر الرئيسي للملاحة البحرية في المنطقة.
الأهمية الجغرافية
في الواقع، تفتقر جيبوتي لأي موارد طبيعية أو ثروات، إلا أنها تتمتع بموقع جغرافي متميز جدا جعل الرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر جيلي، يحاول الاستفادة من ذلك قدر الإمكان. وبالتالي، من شأن عملية إنشاء قواعد بحرية في جيبوتي أن توفر دخلا كبيرا لهذا البلد الأفريقي الصغير. بالإضافة إلى ذلك، توفر القواعد العسكرية الأجنبية فرص عمل كثيرة للسكان المحللين في مجال البناء. كما تساهم هذه المشاريع في تطوير البنية التحتية للبلاد، ناهيك عن الضمانات الأمنية التي توفرها، والتي تحمي البلاد من التهديدات القادمة من الصومال وإريتريا.
الصين من جهة تواجه خطر الإرهاب الدولي، ومن جهة أخرى، تواجه منافسة شرسة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية
وفي السياق نفسه، يمثل القراصنة والجماعات الإرهابية الصومالية مصدر إزعاج لكل القوى العالمية، التي تجمعها علاقات اقتصادية مع الدول الأفريقية، ما يجعل من جيبوتي المكان الأنسب للتعامل معهم. ومن جهة أخرى، تقع جيبوتي في الجانب الجنوبي الغربي لمضيق باب المندب الذي يصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب.
كما تطل جيبوتي على الممر البحري من المحيط الهندي وعلى الساحل الغربي للملكة العربية السعودية وميناء إيلات الإسرائيلي. علاوة على ذلك، تستفيد جيبوتي من قناة السويس الرابطة بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر. مما يفضي إلى أن جيبوتي أحد أهم المواقع الإستراتيجية للتجارة العالمية ما يفسر اختيار الصين لهذا البلد بالذات لبناء أولى قواعدها العسكرية.
وفقا للخبراء، هذا البلد الأفريقي الصغير أحد أهم الشرايين البحرية في العالم وسوف تستمر أهميته في النمو أكثر، نظرا لتنامي أهمية الدور الإستراتيجي لمضيق باب المندب الذي سيساهم في تفعيل الجهود الدولية الفاعلة.
سلسلة اللؤلؤ
وفقا لنائب رئيس مركز البحوث الاقتصادية والاجتماعية، بافل كامينوف، تعد القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي إحدى أهم حلقات “سلسلة اللؤلؤ”. وقد ظهر هذا المصطلح سنة 2004، لدى الباحثين الأمريكيين تعليقا على نوايا الصين التوسعية الاقتصادية على المحيط الهندي.
ووفقا للخبراء، لن تكتفي الصين بإنشاء طرق تجارية من جنوب الصين إلى البحر الأبيض المتوسط عبر بحر الصين الجنوبي ومضيق ملقا، ثم إلى المحيط الهندي وباب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس. لكن، تواصل الصين الامتداد من خلال العمل بنشاط لبناء القاعدة العسكرية الصينية الأولى في أفريقيا، التي ستعزز مكانة الصين في القارة السمراء.
العمل تحت الستار
وفقا لكامينوف، تسعى الصين لتوسيع نشاطها الاقتصادي في جميع أنحاء العالم وتعمل على خاصة على ضمان أمن طرق النقل خ في أهم محاور النقل العالمية. وأضاف الخبير، أن الصين أولا وقبل كل شيء تحرص على ضمان سلامة طرق المنتجات النفطية التي تم شراؤها من قبل، وتعد سلامة هذه الطرق حيوية جدا بالنسبة للصين لحماية واردتها النفطية التي تم شراؤها من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ووفقا للخبراء، إن الصين من جهة تواجه خطر الإرهاب الدولي، ومن جهة أخرى، تواجه منافسة شرسة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. وحسب وجهة نظر الخبير كامينوف، سيجعل الصراع العسكري الأمريكي مع الصين مسألة صمود القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي أمرا صعبا. وأضاف الخبير، أنه على الرغم من العلاقة التنافسية بين الصين والولايات المتحدة، إلا أنه تجمعهما العديد من النقاط المشتركة وسبل التعاون في المجال الاقتصادي، إذ أن حجم التبادل التجاري بينهما يصل إلى ما يقارب 600 مليار دولار.
في المقابل، يناضل الأمريكيون من أجل تعزيز مكانتهم في آسيا والمحيط الهادي من خلال إقامة العديد من التحالفات المختلفة. أما في أفريقيا، فإن العلاقات معقدة نوعا ما، كما تحاول الصين قلب موازين القوى إلى صالحها، لذلك تعد مسألة إنشاء القاعدة العسكرية خطوة فارقة في سبيل تحقيق ذلك.
المصدر: روسكايا فيسنا