في خطوة كانت منتظرة، أعلنت سلطات موريتانيا، أن مناطق حدودية واسعة من شمالها وشمالها الشرقي مع الجزائر، تعد مناطق عسكرية محظورة ومغلقة إلى أجل غير مسمى، محذرة المواطنين من دخولها لأن ذلك يعرضهم لخطر إطلاق النار، فما هي الأسباب التي دفعت نواكشوط لإعلان هذا القرار.
منطقة عسكرية مغلقة
أرجعت السلطات الموريتانية قرارها الأخير بغلق حدودها الشمالية مع الجزائر وجعلها منطقة عسكرية إلى الصعوبة التي تواجهها في التفريق بين المهربين والمدنيين، وقالت وزارة الدفاع الموريتانية، في بلاغ صحفي بثّ على القناة الرسمية مساء الأربعاء، إنّ هذا الإجراء جاء بعد اتساع حركة المهربين، وصعوبة التفريق بين المدنيين والضالعين في شبكات التهريب”.
وحدّدت سلطات “نواكشوط” المنطقة المعنية بالحظر في المربع الممتد بين “الشكات” في الشمال الشرقي و”عين بن تلي” في الشمال الغربي، و”ظهر تيشيت” في الجنوب الغربي و”لمرية” في الجنوب، ما يجعل مجموع الشريط الحدودي مع الجزائر منطقة محظورة على المدنيين. وقالت الوزارة إنه “طبقاً للقوانين المعمول بها فإن أي شخص يعبر أو يتجول في هذا الجزء من التراب الوطني يعرض نفسه لخطر إطلاق النار دون إنذار مسبق”، وفق نص البلاغ، وخلصت الوزارة إلى القول إنها “تطلب من جميع المواطنين والعابرين تجنب دخول المنطقة العسكرية المغلقة حفاظا على أرواحهم“.
عمليات عسكرية وأمنية
القرار الموريتاني، جاء مباشرة بعد تبادل قوة من الجيش الموريتاني النار مع مجموعة من مهربين مسلحين في شمال البلاد، وقالت وسائل اعلام محلية إنّ طائرة عسكرية تابعة للجيش الموريتاني دخلت في مطاردة مع مجموعة من المهربين على متن 4 سيارات مسلحة في المنطقة العسكرية المغلقة وقصفت إحدى السيارات، ما أدى لتعطل عجلاتها الخلفية، وتحول ركابها إلى السيارات الأخرى، وتواصلت المطاردة إلى أن دخلت السيارات في مجموعة من سيارات المنقبين عن الذهب.
ترتبط الجزائر مع موريتانيا بمجموعة من الاتفاقات الأمنية، أهمها معاهدة تأسيس اتحاد المغرب العربي عام 1989
حري بالذكر أن المنطقة الشمالية لموريتانيا تعرف نشاطا متزايدا لعصابات التهريب الدولي يمتد حيز نشاطها من حدودها مع مالي شرقا وحدودها مع الجزائر شمالا وصولا إلى منطقة الكركرات الحدودية غربا.
وترتبط الجزائر مع موريتانيا بمجموعة من الاتفاقات الأمنية، أهمها معاهدة تأسيس اتحاد المغرب العربي عام 1989، والاتفاقية الأمنية لتشكيل ما يسمى بمجموعة دول الميدان (الجزائر، وموريتانيا ومالي، والنيجر)، التي عقدت بمدينة تمنراست بالجزائر، في يوليو 2010. وتنص الاتفاقية على تبادل المعلومات المتعلقة بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، بالإضافة إلى اتفاقية أمنية ثنائية بين وزارتي الدفاع في البلدين وقعت عام 1988، ونصت على التعاون العسكري في مجالات التدريب بين البلدين، وتسهيل النقل الجوي العسكري.
التنقيب عن الذهب
عرفت المناطق الشمالية من موريتانيا خلال الأشهر الأخيرة انتشارا كبيرا للمنقبين عن الذهب، ووصل بعضهم إلى الأراضي الجزائرية حيث اعتقلوا هناك وحوكموا قبل أن يطلق سراحهم، كما مات بعضهم عطشا في تلك المناطق الصحراوية النائية. وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب موريتانيا، والتقارير الدولية التي تقدر نسبة البطالة في البلاد بأكثر من 30%، وجدت رحلات البحث عن الذهب في الصحراء اهتمامًا كبيرًا لدى الشباب الموريتاني رغم خطورتها.
التنقيب عن الذهب ملاذ الموريتانيين
وكانت السلطات الجزائرية قد أطلقت في يونيو الماضي سبيل المنقبين الموريتانيين الـ 29 الذين سبق وأن اعتقلتهم قبل أسابيع على الحدود مع موريتانيا، حيث اطلقت سراح أربعة ثلاثين من المنقبين عن الذهب، من بينهم خمسة سودانيين كانوا قد دخلوا الأراضي الجزائرية خطأ بعد محاولتهم التنقيب عن الذهب شمال موريتانيا. وسمحت موريتانيا العام الماضى لعشرات الآلاف من الموريتانيين بالتنقيب عن الذهب فى شمال نواكشوط ضمن إطار لا يتجاوز منطقة واحدة لكن المغامرين سعوا فى البحث عن الذهب فى عدة مناطق بالرغم من عدم شرعيتها وهو ما حملهم على دخول الاراضى الجزائرية بطريق الخطأ.
علاقات متوترة بين البلدين
رغم عدم الافصاح عن ذلك، تعرف العلاقات الجزائرية الموريتانية فتورا كبيرا، حيث مرت العلاقات الثنائية بين البلدين بنوبات من المد والجذر السياسي والعسكري في العقد الأخير بصورة خاصة، وفي نهاية أبريل 2015، شهدت العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وموريتانيا، توترا وفتورا، بعد قرار موريتانيا طرد المستشار الأول بسفارة الجزائر في نواكشوط بلقاسم الشرواطي، إثر اتهامه بالوقوف خلف مقال نشر بإحدى الصحف الإلكترونية الموريتانية اعتبرت أنه يسيء لعلاقات موريتانيا الخارجية، وما تمخض عنه من رد فعل جزائري بطرد أحد المستشارين بسفارة موريتانيا بالجزائر ليلقي بظلاله القاتمة على العلاقات بين البلدين طيلة العامين الماضيين.
يرجع خبراء، سبب هذا التصدع في العلاقات بين البلدين إلى القلق الجزائري من محاولات موريتانيا بناء منظومة أمنية جديدة دون إشراكها لمواجهة الإرهاب في دول الساحل
وبفضل الوساطة التونسية التي أسفرت عن تخفيف التوتر بين الجانبين، دخلت العلاقات بين موريتانيا والجزائر في إطار التهدئة من جديد، حيث قررت الدولتان العودة للتنسيق الأمني في ديسمبر الماضي، وإنهاء أزمة دبلوماسية تواصلت 5 أشهر، إلَّا أن هذه التهدئة لم تدم طويلًا، فسرعان ما نشبت الأزمة الأخيرة بين البلدين، التي جمدت الجزائر على أثرها تعاونها العسكري مع موريتانيا، خلفية نواكشوط لإقامة حلف أمني في منطقة الساحل مع جوارها الإفريقي (النيجر وتشاد وبوركينا فاسو ومالي) وتسيير دوريات أمنية من دون إشراك الجزائر، وهو ما اعتبرته هذه الأخيرة بمثابة محاولة خلق توازنات جديدة في المنطقة تضعها خارج مجريات الأحداث.
تصدّع العلاقات بين البلدين يؤثّر على مجهودات دول المنطقة للتصدّي للتهريب والإرهاب
ويرجع خبراء، سبب هذا التصدع في العلاقات بين البلدين إلى القلق الجزائري من محاولات موريتانيا بناء منظومة أمنية جديدة دون إشراكها لمواجهة الإرهاب في دول الساحل، وتنامي التنسيق الأمني في المنطقة دون الرجوع إليها، في الوقت الذي تعد فيه الجزائر البلد الأكبر والأغنى بموارده بين الدول الموقعة على هذا التجمع، مما اعتبرته انتهاكًا صارخًا لمبادئ العلاقات الدولية والشراكة الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين.
ويعتقد مراقبون، أن استقرار العلاقات بين البلدين الشقيقين يبقى رهين تعاطي موريتانيا مع ملف الصحراء وعلاقتها بالمغرب من جهة، والعمل على إشراك الجزائر في أنشطة مجموعة دول الساحل الإفريقي من جهة أخرى.