سأصنع كوبًا من القهوة.. بل من الشاي، أريد كعكة صغيرة إلى جواره، فقد الشاي سخونته، سأصنع بديلًا له، لا.. أشعر بالجوع.. سوف أتناول غدائي، سأشاهد فيلمًا لأحصل على بعض الإلهام.. لنأخذ حمامًا.. أشعر بالنعاس.. البيت شديد الضوضاء.. سأنام اليوم وأكتب فجرًا في هدوء والجميع نيام.. لكن الحقيقة أنك “لن تكتب”!
هل تساءلت يومًا عن أسباب توقف إبداعك؟ أو ما يسمى الـ “Block”؟
إنه شعور داخلي يأكلك، أنت تعرف ما عليك كتابته، لكن قلمك لا يتحرك، أصابعك تتوقف فوق لوحة المفاتيح.. أنت لا تستطيع إخراجه، أو لا تستطيع إخراجه بالشكل المناسب، وها هي أولى المشاكل التي تواجهك “الخوف من النقص” أو “الرغبة في الكمال”.
دعنا نتحدث الآن عن أكثر الأسباب شيوعًا والتي قد تتسبب بشكل مباشر –أو غير مباشر- في السيطرة على إبداعك، تحكمها به.. بل وتكبيله في معظم الأحيان.
1- لعنة البحث عن الكمال:
هل هذا ما تعاني منه حقًا؟ ذلك الحوار يفتقد إلى البريق.. الكلمات خالية من الإبداع، جوفاء.. لم تكتبها من رحمك الإبداعي؟
هل تعلم أن كل هذا هو فقط محض مخيلة؟.. وأن ما تكتبه ليس بالسوء الذي يبدو عليه بالنسبة لك؟
وجود أكثر من مسودة للعمل شيء جيد لكن فقط عندما “تُنهي” العمل، لكن وجود أكثر من مسودة للفصل الأول لن يفضي إلى نهاية ما.. وذلك سيقودنا للنقطة الثانية.
2-الشك بالذات:
“لماذا أتهرب دائمًا من إبداعي؟ هل لأنني أخشى مواجهته بنقص قدراتي؟” كانديس بوشنيل – الصيف والمدينة
أن تعرف قدراتك جيدًا هو شيء ممتاز في الحقيقة، لكن أن تُحبط نفسك وتُنقص من قدراتك هو ما يسبب لك العجز عن الكتابة.
كيف تفرق بينهما؟
أنت ببساطة تعرف ما الذي تريد أن تكتبه لكنك لا تستطيع صياغته، فتبحث عن مواضيع مماثلة ترشدك إلى الأسلوب أو الطريق لكتابته، لكن كونك تعرف جيدًا أنك تستطيع كتابة هذا الشيء لكن عندما تخطه أمامك تشعر وكأنك أفسدته هذا يعتبر “شك بالذات” مهما أخبرك من حولك بمدى روعته ستظل تعتقد أن هناك شيء ما ينقصه، وهذه النقطة مرتبطة بالنقطة الماضية “الكمال” كما ذكرت.
3-الخوف مما تكتب:
“التوقف الإبداعي إنه فقط اسم آخر للخوف” جيكوب نوردباي – كاتب أمريكي
رُبما انتابك هذا الشعور من قبل: “لا أستطيع كتابة هذا الكلام”، “ماذا سيقول أهلي إن قرأوا ما أكتبه؟.. لماذا لا أصيغه بصورة أقل مباشرة؟”
هذه إحدى المشكلات الكبرى؛ فأنت عندما تكتب تفكر في الآخرين، وهذا ليس جيدًا، عليك التفكير في عملك، عالمك وشخوصك.. مغامراتك.. لا أن تخرج خارج هذا النطاق مفكرًا في من حولك لأنك ببساطة لن تذهب إلى أي مكان بهذه الطريقة.
قد تكون قادرًا على كتابة تقرير ما، مقال ما.. شيء يخص العمل، لكنك لا تستطيع فقط كتابة شيء يخصك، تُنجز شيئًا في روايتك الجديدة، أو تكتب بعض الأفكار المتعلقة بإحدى القصص، بل رُبما تستطيع مساعدة أحد الأشخاص في عمله الإبداعي الخاص على سبيل المثال “روايته” لكنك لا تستطيع فعل الشيء نفسه لذاتك!
ورُبما يتعلق الأمر بنوع كتابة جديد تحاول تجربته، كأن تنتقل بين الواقعية والفانتازيا أو الرعب، أو استخدام أسلوب سرد مختلف كأن تستبدل الراوي العليم بأسلوب المخاطب.
5-البحث عن الإلهام:
“لقد تعلمت أشياءً كثيرة وأنا أكتب روايتي الأولى منها أن (الإلهام) كلمة سيئة، وعادةً ما يستعملها بعض الكتاب اعتباطًا لكي يرتدوا رداء الفنانين المحترمين”
أمبرتو إيكو – اعترافات روائي ناشئ
بحثك عن الإلهام لن يفضي إلا لتضييع المزيد من الوقت، اجعل من نفسك ملهمك الأول، فهي أول ما يقرأ لك، رُبما لن تكون أفضل الناقدين لك، فأحيانًا تكون شديدة التعنيف، كثيرة التململ، وأيضًا تجيد الهجوم، وأحيانًا أخرى تُعميك بتفاخرها، فاحذر منها أشد الحذر.
كيفية التعامل مع التوقف \ القلق الإبداعي:
1- احصل على دعم:
الكتابة أغلب الوقت فعل فردي، لكن هذا لا يمنع أنه بإمكانك الحصول على دعم عن طريق حضور “ورشات الكتابة” أو عمل واحدة مع أصدقائك عبر الإنترنت، كورشات المذاكرة.. جميعكم تقرؤون لبعضكم البعض، تشاركون أفكاركم، وتحاولون الكتابة عن طريق وضع “موعد تسليم” محدد.. هذا عادةً يجدي نفعًا .
2- تخطي العثرات:
جزء من الكتابة هو “الفشل في الكتابة”، يجب عليك تعلم تخطي عثراتك الكتابية، ثقتك في ذاتك هي ما يجعلك تستمر، الشك في الذات لن يجعلك تذهب إلى أي مكان، بل يجب عليك التركيز على الأفكار الإيجابية عن نفسك، فكر دائمًا فيما أنجزته في الماضي، ما فزت به، وما استطعت القيام به، هذا سيجعلك تتقدم خطوة أخرى نحو إنهاء ما بدأته.
3- فكر في الكتابة كحرفة:
قد يختلف البعض في هذا قائلًا أن الكاتب ليس حرفيّ، بالطبع الكاتب ليس حرفي، لكن يجب عليه معاملة الكتابة وكأنه حرفيّ، إن كانت بذرة الكتابة “الموهبة” فإن ما ينميها هو الحرفية، القراءة الكثيرة، المذاكرة، سؤال الكتاب، قراءة نموذجات تحمل أفكارًا وأساليب مختلفة.. تعامل مع الكتابة وكأنها شيء تتعلمه، لا يوجد من وُلد مبدعًا والقلم في يديه يخط به ما يشاء.. تذكر دائمًا هذا .
4- لا تفعل الشيء نفسه مرارًا:
ماذا يحدث لو علقت؟ هل عليك المحاولة من جديد؟ لا.. ليس عليك المحاولة كثيرًا في شيء لا تستطيع الكتابة عنه، اتركه لحين، ليس وكأنه خيارك الأخير، هناك الكثير من الأفكار حاول البحث عن غيره، وستجد نفسك تُقاد إليه من جديد بالكثير من الأفكار .
رُبما يساعدك على ذلك مجموعات الكتابة، العصف الذهني، الكتابة من المنتصف للبداية، التسجيلات الصوتية، رسم الخطوط الرئيسية للحدث وغيرها…
5- نمط الكاتب المفضل :
قد يكون اقتراحًا سخيفًا لكن لتفعل فعلًا مسليًا.. لأن الكتابة في أساسها من أكثر الأفعال المسلية.. عليك مثلا محاولة الكتابة على نمط كاتبك المفضل؛ فلو كان كاتبك المفضل هو “هاروكي موراكامي” عليك كتابة جزء من عملك وكأن “موراكامي” هو الذي يكتبه، فقط لا تتوقف عن الممارسة، لأنه كلما تمارس الكتابة تحسنت جودة ما تكتب.
يجب عليك أيضًا أن “تقرأ” ككاتبك المفضل، فكل هؤلاء الكتاب العظام لم يصبحوا هكذا فقط بالفطرة أو حتى بالموهبة بل بالكثير من القراءة، اجعلها عادة يومية.. أو اقرأ ككاتب وليس كقارئ.