تتواصل ردود الأفعال الفلسطينية والعربية والإسلامية الغاضبة على قرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي غير المسبوق والأول من نوعه، بإغلاق المسجد الأقصى المبارك ومنع الصلاة بداخله لليوم (الثالث) على التوالي، كرد أولي على عملية القدس التي أسفرت عن ارتقاء ثلاث شهداء فلسطينيين ومقتل شرطيين إسرائيليين في اشتباك مسلح صباح (الجمعة).
وتعتبر هذه المرة الأولى التي يعلن فيها الاحتلال منع إقامة صلاة الجمعة في الأقصى، منذ الاحتلال الإسرائيلي للقدس في العام 1967، ففي 21 أغسطس 1969، اقتحم متطرّف أسترالي الجنسية، يدعى دينس مايكل، المسجد الأقصى من باب المغاربة، وأشعل النار في المصلى القبلي بالمسجد الأقصى، ومنعت حينها “إسرائيل” أداء صلاة الجمعة في رحاب الأقصى، وأغلقت الأبواب، وكانت تلك المرة الأولى التي تمنع فيها من قيام صلاة، منذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
وخشيت سلطات الاحتلال حينها من ردة فعل قوية عقب الحريق، وصرّحت رئيسة وزراء الاحتلال في حينه، غولدا مائير، على الموقف العربي قائلة: “عندما حُرق الأقصى لم أنم تلك الليلة، واعتقدت أن إسرائيل ستُسحق، لكن عندما حلَّ الصباح أدركت أن العرب في سباتٍ عميق”.
وعقب العملية البطولية، حوّلت سلطات الاحتلال مدينة القدس المحتلة وبلدتها القديمة إلى ثكنة عسكرية، وأغلق جنود الاحتلال مداخل البلدة القديمة ومنعوا المواطنين من الدخول أو الخروج، ووضعوا السواتر الحديدية على محيط أبواب البلدة القديمة، وسط توتر شديد يسود شوارع وأزقة المدينة.
كما أغلقوا جميع أبواب المسجد الأقصى وأخرجوا جميع المصليين من ساحاته، وجمعت قوات الاحتلال حراس المسجد الأقصى كافة عند باب “حطة”، وصودرت الهواتف النقالة الخاصة برجال الإطفاء، فيما ساد المكان حالة توتر شديد واستنفار في صفوف شرطة الاحتلال.
للمرة الثانية.. الأقصى تحت النار-
وفي إطار ردود الفعل الغاضبة على القرار الإسرائيلي، قال وزير شؤون القدس في السلطة الفلسطينية، عدنان الحسيني، إن إعلان الشرطة الإسرائيلية إلغاء صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى أمر غير مقبول ومرفوض فلسطينياً، معتبراً إلغاء إقامة خطبة وصلاة الجمعة أمر لم يحدث منذ العام 1969 على أثر حرق أجزاء من المسجد، مطالباً بضرورة التراجع عن هذا القرار الإسرائيلي.
وأضاف الحسيني: “ما يجرى في المسجد الأقصى أمر غير مقبول، ونحن نطالب بوقف إجراءات تعطيل الحياة للفلسطينيين في شرق القدس وترك المجال للعبادة “، موضحاً أن الاحتلال الإسرائيلي بكل سياساته ومضايقاته وضغوطه على الفلسطينيين هو من يتحمل المسؤولية عن أي ردود فعل، وبالتالي يجب إنهاء الاحتلال كونه جوهر المشكلة وسبب التوتر في القدس وفلسطين.
من جانبه حذّر الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى المبارك، ومفتي القدس والديار الفلسطينية، من مخططات جديدة تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرضها على المسجد الأقصى والمدينة المقدسة، بعد عملية القدس. وأكد أن الاحتلال سيحاول جيداً استغلال التوتّر السائد في مدينة القدس بعد عملية إطلاق النار، وفرض سياسة تصعيدية جديدة ضد المدينة والمسجد الأقصى، كان آخرها منع إقامة صلاة الجمعة في الأقصى.
واعتبر الحسيني هذا الإجراء خطيراً وغير مسبوق، واعتداء مرفوضاً على حرية العبادة وعلى المقدسات الإسلامية في المدينة المقدسة، وجزءً من المخططات “المبيّتة” لدى الاحتلال لفرض سياسته التصعيدية ضد المسجد المبارك لوضع يده عليه بشكل كامل. وأضاف خطيب المسجد الأقصى: “الاحتلال يستغل كل تصعيد وتوتّر في المسجد الأقصى لتمرير خططه التهويديّة والعدوانية الخطيرة”، مؤكداً أن التوتّر سائد الآن، وحكومة الاحتلال تتحمل المسؤولية الكاملة عن تداعيات هذه الأحداث والجرائم بحق الفلسطينيين ومقدساتهم.
إغلاق الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى، يعتبر تصعيداً خطيراً
بدورها، قالت حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، إن :” إغلاق الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى، يعتبر تصعيداً خطيراً”، داعية الشعب الفلسطيني إلى شدّ الرحال إلى الأقصى. وأوضح المتحدث باسم “فتح”، أسامة القواسمي، أن ما يجري في الأقصى ومحيطه أمر خطير للغاية ومحاولة لتنفيذ مخطط إسرائيلي معد سلفاً، متابعا هذا “المخطط نرفضه تماماً ولا يمكن تمريره بأي شكل من الأشكال”، داعياً الأمة العربية إلى العمل الجاد والفوري للتصدّي للمخطط الإسرائيلي بحق المسجد الأقصى، ومدينة القدس.
من جانبها، اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، عملية الأقصى تعبير عن إصرار الشباب الفلسطيني المنتفض على مواصلة حماية الأقصى من انتهاك الاحتلال، حتى لو كلفهم ذلك أرواحهم ودمائهم.
وقال حازم قاسم، المتحدث باسم الحركة إن “العملية بقدر ما هي رد على جرائم الاحتلال وإرهابه، فهي رد على وجود الاحتلال أصلا على الأرض الفلسطينية، واغتصابه لمقدسات شعبنا”، مؤكداً أن الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني، لن توقف انتفاضته، ولن تمنعه من مواصلة المقاومة، مشيرا إلى أن العملية تؤكّد على اتجاه بوصلة النضال الفلسطيني نحو مقدسات وثوابت فلسطين.
إلى ذلك، دعا نشطاء ومقدسيون ورجال دين، إلى شد الرحال إلى الأقصى وإقامة الصلاة فيه تحديا لقرار الاحتلال. وأطلق نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ #انزل_صل_في_الأقصى؛ ردًّا على القرار الإسرائيلي التصعيدي الأخير. حيث اجتاحت التغريدات التي مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما “فيسبوك” و”تويتر” دعت كلها إلى كسر القرار الإسرائيلي، وتحدي الاحتلال، وجعل شوارع القدس والشوارع القريبة من الأقصى ساحات صلاة.
هذه المرة الأولى التي يعلن فيها الاحتلال منع إقامة صلاة الجمعة في الأقصى، منذ احتلال القدس في العام 1967
عباس يدين العملية والأردن تغضب
وعلى الجانب الأخر، عبر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خلال اتصال هاتفي مع رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن إدانته ورفضه لعملية المسجد الأقصى التي نفذها ثلاثة شبان وأدت إلى مقتل شرطيين إسرائيليين. وجرى اتصال بين عباس ونتنياهو عقب العملية، حيث عبر عباس عن رفضه الشديد وإدانته لـ”الحادث الذي جرى في المسجد الأقصى، كما أكد رفضه لأي أحداث عنف من أي جهة كانت، وخاصة في دور العبادة”، على حد تعبيره.
وأشارت إلى أن عباس طالب بإلغاء الإجراءات الإسرائيلية بإغلاق الأقصى أمام المصلين، محذرًا من تداعيات هذه الإجراءات أو استغلالها من أي جهة كانت لتغيير الوضع الديني والتاريخي للاماكن المقدسة. فيما أكد نتنياهو لعباس أنه لن يتم تغيير على الوضع القائم للاماكن المقدسة، كما طالب بـ”تهدئة الأمور من قبل جميع الأطراف”.
طالبت الحكومة الأردنية “إسرائيل” بفتح المسجد الأقصى أمام المصلين فوراً، داعية إياها إلى عدم اتخاذ أية إجراءات من شأنها تغيير الوضع التاريخي القائم في القدس والمسجد الأقصى
في ذات السياق استنكرت دول عربية وإسلامية، قرار إغلاق سلطات الاحتلال الإسرائيلي المسجد الأقصى ومنع الصلاة فيه لأول مرة منذ سنة 1969، واستنكرت قطر “بشدة” منع سلطات الاحتلال إقامة صلاة الجمعة في الحرم القدسي للمرة الأولى منذ نحو 84 عاماً.
وقالت وزارة الخارجية القطرية “إن إغلاق جيش الاحتلال الحرم القدسي، وإعلانه منطقة عسكرية ومنع المصلين من دخوله، يمثل انتهاكاً خطيراً لحرمة المقدسات الإسلامية واستفزازاً لمشاعر المسلمين”، مطالبةً المجتمع الدولي “بتحمل مسؤولياته لوقف هذه الانتهاكات”.
من جهتها، طالبت الحكومة الأردنية “إسرائيل” بفتح المسجد الأقصى أمام المصلين فوراً، داعية إياها إلى عدم اتخاذ أية إجراءات من شأنها تغيير الوضع التاريخي القائم في القدس والمسجد الأقصى. وبدوره، قال رئيس الشؤون الدينية التركي، محمد غورماز، إنه لا يوجد أي مبررٍ مشروعٍ لإغلاق المسجد الأقصى أمام المسلمين”.
موجة تحريض إسرائيلية
وبعد “عملية الأقصى”، انهالت تصريحات مسئولين إسرائيليين محرضين حكومة كيانهم للرد بعنف على العملية، ودعوا لإغلاق الأقصى وتكثيف اقتحامه. وذكرت الإذاعة العبرية، أن قرارا بإغلاق الأقصى “حتى إشعار آخر” ومنع إقامة الصلاة فيه، قد اُتخذ إثر جلسة مشاورات عاجلة عقدها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، مع وزيري الجيش و”الأمن الداخلي” ورئيسي هيئة الأركان العامة للجيش وجهاز المخابرات “شاباك” والمفوض العام للشرطة ومنسق أعمال الحكومة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
حرض النائبان الإسرائيليان يهودا غليك (من حزب الليكود)، وشولي معاليم (من حزب البيت اليهودي)، على ضرورة الرد على عملية القدس، و”عدم المرور عليها بصمت”
وأوضحت الإذاعة، أن السلطات الأمنية الإسرائيلية قرّرت تنفيذ حملة تمشيط واسعة في الأقصى ومحيطه؛ للتأكد من عدم وجود أسلحة فيه. من جانبها، دعت وزير الثقافة الإسرائيلية ميري ريغيف، إلى فتح الأقصى في وجه المستوطنين لاقتحامه والصلاة فيه، وهو الموقف الذي توافق معها فيه عضو الـ”كنيست” بتسلايل سموتريش، والذي دعا لإغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين المسلمين.
فيما اقترحت منظمة “جبل الهيكل” اليمينية، تكثيف البناء الاستيطاني وزيادة الفترات المخصّصة للاقتحامات اليهودية للأقصى، وتوافق رئيس بلدية القدس نير بركات ووزير “الأمن الداخلي” الإسرائيلي غلعاد أردان، على اعتبار العملية “تجاوزا جديدا للخطوط الحمراء كافة”، فيما دعا الأخير إلى إعادة دراسة الترتيبات الأمنية في المدينة المحتلة، ومنع تصعيد التوتّر فيها.