حاول حزب العدالة والتنمية خلال خطابه بعد محاولة الانقلاب في 15 من تموز الماضي التركيز في تحميل المسؤولية عن الانقلاب لطغمة داخل الجيش التركي استطاعت جماعة غولن اختراق الجيش من خلال إدخالها إلى الكليات العسكرية قبل عقدين من الزمن، محاولاً بذلك من جهة النأي بنفسه عن المواجهة مع كل مكونات الجيش خاصة أن قيادات مهمة من الجيش رفضت التجاوب مع مطالب الانقلابيين ومن بين الأسماء التي رفضت التماشي مع الانقلاب الجنرال خلوصي أكار رئيس أركان الجيش.
ومن جهة أخرى مركزًا على عدم تهديد الاستقرار في البلاد من خلال تجنب الحديث عن أي خلل جوهري في أهم مؤسسة من مؤسسات الدولة وهي الجيش الذي كان بالأصل يخوض أكثر من معركة في الداخل والخارج.
وصحيح أن قرارات مهمة قد اتخذت في البلاد بعد الانقلاب من أجل تجنب وقوع محاولة الانقلاب مرة أخرى من ضمنها إعادة هيكلة وتبعية المؤسسات العسكرية وإغلاق جميع الكليات العسكرية وإنشاء جامعة دفاع موحدة وإلحاق جميع قيادات الأركان البرية والبحرية والجوية بوزارة الدفاع، وكذلك الحال تم إجراء تعديلات دستورية بعد استفتاء 16 من أبريل يصبح بموجبها دور رئيس الجمهورية أكثر تأثيرًا وأهمية وخاصة فيما يتعلق بإعطاء التعليمات والقرارات.
تأييد حزب العدالة والتنمية والتضامن معه داخل صفوف الجيش لا يصل حتى إلى 1%، علمًا أن حزب العدالة والتنمية بالنظر إلى النتائج التي حققها في العمليات الانتخابية الأخيرة تقدر كتلته التصويتية داخل المجتمع التركي بأكثر من 50% وهذا يضعنا أمام حقيقة تناقض توجهات الشعب والجيش
ومن المعروف أن الجيش التركي له تاريخ معروف بتنفيذ الانقلابات والوصاية على الجهات السياسية في البلد، ومع معرفة أن الذي قام بمحاولة انقلاب 2016 كانت جماعة غولن فإن هذا يعطي مؤشرًا بأن انقلاب جماعة غولن لم يكن في جوهره ضمن مسار الانقلابات السابقة رغم أنه حاول أخذ غطائها من خلال استخدام عبارة ـتاتورك “سلام في الداخل وسلام في الخارج” كشعار وهدف تلاه الانقلابيون في بيان إعلان الانقلاب.
وبما أن وجود جماعة غولن يمثل أقلية داخل الجيش وقد تأكد هذا بعد عمليات التطهير التي جرت للمشتبه بهم والمتهمين في داخل صفوف الجيش، فقد أصبح من المهم الاطلاع على نظرة ورؤية بقية أفراد الجيش وخاصة القيادات العليا تجاه التطورات السياسية التي تجري في البلاد والاستقطاب ومستقبل البلاد بشكل عام.
وفي هذا السياق فقد سلط عدد من الكتاب الأتراك مؤخرًا الضوء على بعض الإحصاءات والمعلومات التي رشحت بهذا الخصوص، فقد ادعى بعض الكتاب الأتراك أن نسبة تأييد حزب العدالة والتنمية والتضامن معه داخل صفوف الجيش لا تصل حتى إلى 1%، علمًا أن حزب العدالة والتنمية بالنظر إلى النتائج التي حققها في العمليات الانتخابية الأخيرة تقدر كتلته التصويتية داخل المجتمع التركي بأكثر من 50%، وهذا يضعنا أمام حقيقة تناقض توجهات الشعب والجيش أو أن الجيش لا يمثل كتلة كبيرة “الكتلة الأكبر” من المجتمع التركي.
وفي ذات السياق ووفق دراسات أجريت من متخصصين فإن القيمة الأساسية والتي تتخذ كفلسفة حياة للضباط في الجيش التركي هي الأتاتوركية، وفيما حددت هذه الدراسات التدين في تركيا في 4 مظاهر (الصوم والإيمان بالآخرة والموقف من الربا والعلاقة بين الدين والعلم)، فقد وجد أن 85% من ضباط الجيش ضد وجود هذه المظاهر في المجتمع وليس في المجتمع فحسب، فبالنسبة لموضوع الحجاب الذي كان قضية صراع طويلة في تركيا، فإن هذا القسم المتمثل في 85% يرى أن النساء المحجبات لا بد أن يمنعن من العمل في مؤسسات الدولة والحجاب يجب أن يمنع مجددًا، وربما صدر تقرير عن صحيفة حرييت أحدث ضجة قبل أشهر بعد أن أشار إلى عدم ارتياح العسكر لقرار السماح للمحجبات بالعمل في الدولة.
العلاقات بين الرئيس والحكومة من جهة ورئيس الأركان تبدو جيدة إلا أن الجيش في معظمه يبدو مختلفًا في الرؤى مع حزب العدالة والتنمية وهذا يعد عائقًا كبيرًا وأساسيًا في دولة تريد أن تحافظ على مكانة دولية وإقليمية فضلاً عن محافظتها على استقرارها الداخلي
ولعل الأخطر في هذه النتائج إثبات حقيقة اختلاف قيم 85% من الجيش عن قيم وتوجهات الحزب الحاكم يضاف إليه أن الـ15% المتبقيين يوجد شبهات ومؤشرات غير قوية على علاقات وارتباطات لهم بجماعة غولن، ولكن ما يراه البعض مؤشر تفاؤل أن هناك بعض التأييد لشخصية الرئيس أردوغان في أوساط الجيش وليس لحزب العدالة والتنمية، ففي الرتب الدنيا وبعد الانقلاب دعم 50% سياسات الرئيس، لكن في الرتب العليا كان الدعم مقتصرًا فقط على 30%.
وقد ذكر في الصحافة التركية أن 70% من الجيش قالوا لا للتعديلات الدستورية في استفتاء 16 من أبريل، في حين دعم التعديلات 30%، وقد اعتبر البعض هذا الدعم مؤقتًا وغير ثابت وأن هناك حقيقة مفادها أن دعم الرئيس أردوغان في الجيش منخفض جدًا.
ورغم أن العلاقات بين الرئيس والحكومة من جهة ورئيس الأركان تبدو جيدة، فالجيش في معظمه يبدو مختلفًا في الرؤى مع حزب العدالة والتنمية وهذا يعد عائقًا كبيرًا وأساسيًا في دولة تريد أن تحافظ على مكانة دولية وإقليمية فضلاً عن محافظتها على استقرارها الداخلي.