بعد غلق الطريق البحرية بين ليبيا وإيطاليا وصعوبة وصول المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين من ليبيا إلى سواحل القارة العجوز، تحوّل المهاجرون الأفارقة إلى المملكة المغربية حيث يستقر الآلاف هناك في مدن الشمال في انتظار فرص لاجتياز الحدود المغربية الإسبانية خلسة والوصول إلى الهدف المنشود والجنة المبتغاة، غير آبهين بالصعوبات والمخاطر التي تعترضهم وتنتظرهم على حد سواء، مما أثار خشية المغربيين حكومة وشعبًا من إمكانية إغراق بلادهم بالمهاجرين الأفارقة غير النظاميين.
تضاعف عدد المهاجرين غير الشرعيين
رغم بقاء الطريق البحري بين ليبيا وإيطاليا المسار الأفضل للاجئين الأفارقة غير الشرعيين للوصول إلى السواحل الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، فقد عرف هذا الطريق تقلصًا في عدد مرتاديه مقابل ارتفاع عدد مرتادي الطريق الغربي الرابط بين المملكة المغربية والمملكة الإسبانية.
وفي سنة 2017، تضاعف عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين عبروا البحر من شمال إفريقيا إلى إسبانيا مقارنة بالعام الماضي، ليتفوق على مسار ليبيا – إيطاليا كأسرع نقاط الدخول إلى القارة الأوروبية نموًا، وفي شهر يونيو الماضي زاد اللجوء عبر مسار إسبانيا بشكل كبير إذ وصل 1900 مهاجر غير شرعي، أغلبهم شبان من غينيا وساحل العاج وجامبيا والكاميرون، إلى سواحل منطقة الأندلس في جنوب إسبانيا ليصل الرقم إلى 4 أضعاف العدد المسجل في نفس الشهر من العام الماضي.
ارتفع عدد المهاجرين السريين الذين وصلوا إسبانيا ما بين يناير الماضي و12 من يوليو الحالي، انطلاقًا من شمال إفريقيا، بنسبة 200% مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية
وكانت الداخلية الإسبانية قد أكدت وصول 5972 مهاجرًا غير شرعي إليها، منذ بداية السنة الحالية إلى 22 من يونيو الحالي، 5654 (94.6%) منهم عبر مضيق جبل طارق انطلاقًا من السواحل المغربية، مقابل تسجيل وصول ما يقارب 2248 مهاجرًا في نفس الفترة من السنة الماضية، ووفقًا لإحصائيات رسمية فقد ارتفع عدد المهاجرين السريين الذين وصلوا إلى منطقة الأندلس، ما بين يناير الماضي و12 من يوليو الحالي، انطلاقًا من شمال إفريقيا، بنسبة 200% مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية.
في مقابل ذلك، كشف أحدث تقرير إحصائي صادر عن الداخلية الإيطالية، الجمعة، أنه منذ الأول من يناير الماضي بلغ عدد المهاجرين غير الشرعيين القادمين 85 ألفًا و150 شخصًا، أي بارتفاع قدره 10.85%، مقارنة بنفس الفترة من 2016، والتي وصل فيها 76 ألفًا و813 شخصًا.
ارتفاع عدد المهاجرين غير الشرعيين رغم المخاطر التي تترصدهم
وفي وقت سابق أعلنت المفوضية الأوروبية أنها أعدت خطة عمل جديدة تهدف إلى وقف الهجرة غير القانونية عبر البحر المتوسط، ومساعدة إيطاليا وتحمل الدول الأعضاء مسؤولياتها تجاه مسألة تقاسم أعباء اللاجئين الموجودين داخل حدود الاتحاد، وتضمنت الخطة مجموعة إجراءات تهدف إلى مساعدة إيطاليا لتحمل أعباء تضاعف أعداد المهاجرين القادمين إليها عبر ليبيا.
أسباب هذا الارتفاع
تعود أسباب ارتفاع عدد المهاجرين غير الشرعيين القاصدين أوروبا عبر المغرب، حسب خبراء، إلى المخاطر التي تواجه المهاجرين الأفارقة في ليبيا بسبب هشاشة الوضع الأمني وانتشار الإتجار بالبشر والعنف والفوضى والاختطافات والاعتداءات وعدم الاستقرار السياسي هناك، ومع تفكك الدولة الليبية ومؤسساتها وانتشار السلاح والفوضى في كامل أنحائها وغياب سلطة مركزية تحكم سيطرتها على البلاد، ارتفعت وتيرة الإتجار بالبشر في هذا البلد العربي حتى أصبحت بعض ساحاته أسواقًا للعبيد، حيث يباع المهاجرون بشكل علني قبل أن يحتجزوا مقابل فدية ويكرهوا على العمل دون أجر أو يتم استغلالهم جنسيًا.
كثيرًا ما يعترض العديد من المهاجرين بشدة على التعريفات السطحية المعتمدة في التفريق بين اللاجئين والمهاجرين لأسباب اقتصادية
ويواجه المهاجرون الأفارقة الذين يقعون فريسة للمهربين سوء تغذية وانتهاكات ويُستخدم أغلبهم كعمالة يومية في البناء والزراعة، ويتقاضى بعضهم أجرًا والبعض الآخر يكره على العمل دون أجر، فيما تتعرض النساء إلى الاغتصاب وتجبر على العمل بالدعارة، وقد يموت بعضهم بسبب الجوع والمرض، وفق المنظمة الدولية، بالإضافة إلى ذلك، فإن انشغال القوات الأمنية المغربية بمواجهة احتجاجات حراك الريف المتواصلة منذ أكتوبر 2016، ساهم في تمكن عدد من المهاجرين المرابطين في المملكة من ركوب البحر صوب السواحل الإسبانية، تزامنًا مع تحسن أحوال الطقس في السواحل بين إسبانيا والمغرب.
وكثيرًا ما يعترض العديد من المهاجرين بشدة على التعريفات السطحية المعتمدة في التفريق بين اللاجئين والمهاجرين لأسباب اقتصادية، ذلك أن الهجمات الإرهابية التي شهدتها الصحراء على مدى سنوات جعلت من المستحيل أن تميز بين القرويين الذي يفرون من المتمردين الإسلاميين والذين يفرون من الفقر.
جيبا سبتة ومليلة
يعتبر جيبا سبتة ومليلة المحتلتين من أفضل نقاط العبور إلى أوروبا للمهاجرين الأفارقة غير الشرعيين الذين يحاولون التسلل إليهما إما عن طريق تسلق سياجيهما الحدوديين أو السباحة على طول سواحلهما، ويحاول البعض العبور بالقوارب رغم تشديد البلدين المراقبة، ونتيجة هذه المحاولات المتكررة وتمكن الآلاف من العبور، عززت إسبانيا إجراءات الأمن في المنطقة بتمويل حصلت على جانب منه من السلطات الأوروبية، كما سنت قانونًا يمكن شرطة حدودها من منع اللاجئين من التقدم بطلبات للجوء.
الحاجز الحدودي في مدينة سبتة
وفي وقت سابق قالت المنظمة الدولية للهجرة إن عام 2016 كان الأسوأ بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين، حيث لقي نحو 5000 شخص حتفهم في أثناء عبورهم البحر المتوسط في طريقهم إلى أوروبا، وبين مطلع يناير و30 من سبتمبر 2016، وصل 10.800 مهاجر إلى إسبانيا عن طريق البر أو البحر وفقًا للمنظمة، وتشير تقديرات إلى أن 4663 مهاجرًا لقوا حتفهم في البحر المتوسط السنة الماضية، ويسعى المهاجرون الذين يدخلون سبتة بصورة غير قانونية للوصول إلى مركز حقوقي إسباني مؤقت، حيث يستطيعون من حيث المبدأ تقديم طلب اللجوء.
وجدة والناظور معاقل الأفارقة
رغم هذا الارتفاع المسجل في عدد المهاجرين غير الشرعيين القاصدين أوروبا عبر المغرب، فإن التنقل إلى إسبانيا يشهد صعوبات كبرى، وأمام هذه الصعوبات نتيجة انسداد كل نقاط العبور، وانكماش مافيا تهريب البشر نحو أوروبا، وتعدد نقاط المراقبة على السواحل من ليبيا إلى المغرب، والضغط على بلدان نقاط العبور وتحويلهم إلى “دركي” من أجل محاصرة الأفارقة الراغبين في العبور نحو أوروبا، فقد تحولت غابات كل من وجدة والناظور إلى معاقل الأفارقة، في شكل مجموعات تضم جنسيات موحدة.
من بين ما أنتجته هذه التجمعات بروز عصابات منظمة بين هؤلاء الأفارقة
ويسهر على تنظيم هذه المجموعات “رؤساء” كل حسب مهامه، يترأسهم رئيس المعقل، وفقًا لتقارير إعلامية، ومن بين ما أنتجته هذه التجمعات بروز عصابات منظمة بين هؤلاء الأفارقة، ومافيات تقوم بأعمال غير شرعية كبيع المخدرات بكل أنواعها وتسهيل عمليات ترويجها، أو احتراف النصب والاحتيال وتزوير العملة المغربية، وقطع الطرق أحيانًا في وجه المارة.
التلويح بورقة المهاجرين
رغم ما يعانيه المغرب من ارتفاع عدد المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين فوق أراضيه في انتظار فرصة لذهابهم للقسم الشمالي من البحر الأبيض المتوسط، فكثيرًا ما استعملت الرباط هذه المسألة للضغط على الاتحاد الأوروبي، وفي فبراير الماضي هددت المملكة الاتحاد الأوروبي باستعمال ملف الهجرة لمعاقبته إذا لم ينفذ مقتضيات اتفاقه الفلاحي مع المغرب بكامله دون المساس به، ملوحة باستعمال ورقة الهجرة، بعد أكثر من شهر من رفض محكمة العدل الأوروبية طعن جبهة البوليساريو في اتفاقية التبادل الفلاحي القائمة بين الاتحاد والمغرب بدعوى استغلال الثروات الطبيعية للمناطق المتنازع عليها.
ما فتئت المغرب تلوح باستعمال ورقة المهاجرين كلما دخلت في أزمة مع الاتحاد الأوروبي
حيث جاء في بيان “كل إعاقة لتنفيذ هذا الاتفاق تعد مسًا مباشرًا بآلاف من مناصب الشغل لدى هذا الجانب وذاك في قطاعات جد حساسة، مع ما يحمله ذلك من خطر حقيقي لعودة تدفق المهاجرين الذي نجح المغرب بفضل مجهود متواصل في تدبيره واحتوائه”.
ويرتبط المغرب مع الاتحاد الأوروبي باتفاقية شراكة من أجل الهجرة والتنقل بين الطرفين، تم توقيعها سنة 2013 وتهدف إلى ضبط تيارات الهجرة والتنقل وتحقيق ملاءمة العرض والطلب على العمالة ومكافحة الهجرة السرية وتحسين الحماية الدولية للاجئين وتنظيم حركة الأدمغة وتنقلها كبديل عن حركة هروب الأدمغة.