بعد فشل ضمّ أحزاب المعارضة إلى الحكومة الجديدة تعمل السلطات الحاكمة في الجزائر الأن على تنظيم حوار وطني بين جميع الأطراف السياسية والمدنية والنقابية حول العديد من الملفات الهامة في كل المجالات لبحث سبل الخروج من الأزمات التي تعرفها البلاد سياسية واقتصادية واجتماعية.
انتظار موافقة الرئيس بوتفليقة
في انتظار موافقة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بدأت الحكومة الجزائرية استعداداتها لإطلاق مبادرة حوار سياسي تشارك فيها مجمل القوى السياسية والمدنية، حيث أعلن رئيس الحكومة الجزائري عبد المجيد تبون، السبت بالجزائر العاصمة، أن قرارا حكوميا متعلقا بفتح حوار وطني مع الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية والنقابات جاهز وسيتم إصداره بعد موافقة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة.
كشف تبون أن المؤتمر سيفضي إلى صياغة تقرير نهائي على أساسه سيتم التحاور مع الخبراء في كل المجالات ومن بينها المالي
وقال رئيس الحكومة إنه تم الانتهاء من قرار فتح قنوات حوار وتشاور مع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين وإرساله إلى رئيس الجمهورية، مؤكّدا أن الأمر الحكومي سيمكن من بدء حوار وطني بين الحكومة والأطراف السياسية والمدنية والنقابية حول العديد من الملفات الهامة في كل المجالات.
وأعلن تبون أن حكومته ستجري اتصالات مع أطراف عديدة من بينها “الأحزاب الممثلة في المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة والجمعيات الأهلية”. أضاف أن “الجميع سيكون حاضرا لإبداء رأيه من خلال مؤتمر مفتوح سيكون فرصة للتعبير عن مختلف الآراء”. وكشف أن المؤتمر سيفضي إلى صياغة تقرير نهائي على أساسه سيتم التحاور مع الخبراء في كل المجالات ومن بينها المالي.
التوافق للخروج من الأزمات
أمام ارتفاع حدّة الأزمات التي تعرفها البلاد، ترفع الحكومة الجزائرية شعار “التوافق” للخروج منها، حيث قال رئيس الحكومة الجزائري إن حكومته تعي أن التوافق حول القضايا الوطنية المهمة سيسهل تحقيق أهداف خطة عملها لتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية. وأكد على أهمية التوافق لتجاوز صعوبات فرضتها الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن تراجع أسعار النفط. وشدّد تبون، خلال عرضه برنامج الحكومة أمام أعضاء مجلس الأمة، بعد حصوله على موافقة المجلس الشعبي الوطني، على أن “بناء إجماع وطني لتسيير الأزمة الاقتصادية للحفاظ على استقلال البلاد وسيادة قرارها الاقتصادي، سيسهّل كثيرا بلوغ الأهداف المسطرة في مخطط عملها“.
يصرّ تنبون على رفع شعار “التوافق” للخروج من أزمات البلاد
وتمر الجزائر بأزمة اقتصادية خانقة تهدد توازناتها الكبرى، بسبب تراجع مداخيلها، نتيجة تدهور أسعار النفط المورد المالي الأساسي للبلاد، منذ يونيو 2014. ونزلت مداخيلها النفطية من سقف 68 مليار دولار في 2013، إلى نحو 27 مليار دولار العام الماضي، وهو ما دفع الحكومة إلى تقليص الإنفاق العمومي، والاستعانة بمدخرات احتياط النقد الأجنبي للحد من تأثيرات هذه الأزمة التي أربكت ماليتها العامة، ودفع الهبوط الحاد في الأسعار العالمية للنفط الخام الحكومة الجزائرية لخفض الإنفاق% 9 خلال سنة 2016، على أن ترتفع نسبة الخفض على مدى السنوات القليلة المقبل.
يوصف قانون الموازنة لعام 2017 بالأكثر صرامة منذ سنوات بسبب تضمنه إجراءات تقشفية وزيادة في الضرائب ورفع جزء من الدعم على الوقود ومواد استهلاكية أساسية
وسبق لنقابات عمالية تنفيذ مسيرات واحتجاجات في مناسبات عديدة ضد قرارات التقشف التي فرضتها الحكومة السابقة بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد. وقوبلت إجراءات أقرها البنك المركزي بالجزائر مؤخرا لتعويم العملة المحلية جزئيا (الدينار)، بانتقادات حادة من قبل الخبراء والاقتصاديين. وانخفض الاحتياطي الوطني من النقد الأجنبي بشكل متسارع، حيث نزل من نحو 200 مليار دولار إلى 108 مليارات دولار، حسب أرقام حكومية رسمية.
ويوصف قانون الموازنة لعام 2017 بالأكثر صرامة منذ سنوات بسبب تضمنه إجراءات تقشفية وزيادة في الضرائب ورفع جزء من الدعم على الوقود ومواد استهلاكية أساسية، من جهته أصدر صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي تحذيرًا من أن الجزائر باتت على شفير أزمة مالية حادّة وشيكة نتيجة تداعيات انهيار أسعار النفط ومضاعفات تراجع إيرادات البلاد، وجاء في التقرير أن الجزائر مقبلة على أزمة خانقة ما لم تتغير السياسات المالية المتبعة حاليًا التي أدت إلى عجز متواصل في الاقتصاد الكلي وميزان المدفوعات والميزان التجاري.
توسيع دائرة المسؤولية وإعادة توزيعها
رغم تبرير الحكومة دعوتها إلى عقد حوار وطني ببحثها عن “التوافق” بين جميع المكونات للخروج من أزمات البلاد، يرى مراقبون، أن السبب الرئيسي وراء هذا الحوار ارتفاع الاحتجاجات الاجتماعية وخوفها من امكانية انفجار الجبهة الداخلية، تحت ضغط السياسات التقشفية. فبفتح حوار شامل مع القوى السياسية والاجتماعية، يمكن للحكومة أن توسّع دائرة المسؤولية وتعيد توزيعها لضمان استقرار أكبر في البلاد، وشهدت الجزائر الأشهر الماضية احتجاجات في عدة مناطق داخل البلاد، لإثناء الحكومة عن فرض برنامجها التقشفي الذي إنه يهدد السلم الاجتماعية والمقدرة الشرائية للجزائريين حسب عدد من الخبراء الاقتصاديين.
مساع حكومية لتقاسم مسؤولية الأزمة بين الجميع
وفشلت حكومة عبد المالك سلال السابقة في إيجاد حلول اقتصادية للخروج من التبعية للمداخيل النفطية، كما فشلت أيضًا في اكتساب تعاطف الجبهة الاجتماعية مع حزمة الإجراءات التقشفية المطبّقة منذ العام 2015، ويتهم كثيرون حكومة سلال بالفشل الذريع في تحقيق الانتقال الاقتصادي وإقناع الشارع الجزائري بخياراتها التقشفية، وهي الرسالة التي تجلت في مقاطعة 65% من الجزائريين للانتخابات التشريعية الأخيرة، وتعبير ربع المقترعين باختيارهم للبطاقة البيضاء.
ومن المنتظر أن تطبق الجزائر” نموذجًا جديدًا للنمو الاقتصادي “في السنوات الأربعة القادمة يركز على إصلاح النظام الضريبي لتحقيق مزيد من الإيرادات وتقليص الاعتماد على صادرات الطاقة، ويستند النموذج الاقتصادي الجديد في الجزائر إلى سياسة ميزانية تم تجديدها وتعتمد على تحسين عائدات الجباية العادية بما يمكنها مع آفاق 2019 من تغطية نفقات التسيير إلى جانب نفقات التجهيز العمومي غير القابلة للتقليص.
المعارضة تتحفّظ
هذه المبادرة الحكومية، قوبلت بتحفّظ من قبل قوى عدّة في المعارضة الجزائرية واعتبرها بعضها ” محاولة للتهدئة السياسية”، واشترطت “حركة مجتمع السلم”, أكبر أحزاب الإسلامية في الجزائر، أن يكون هناك أفق سياسي متبوع بإصلاح اقتصادي، معلنة تمسكها بإنشاء هيئة مستقلة لتنظيم ومراقبة الانتخابات.
وقال رئيس الحركة، عبد الرزاق مقري في هذا الشأن: “حين كنا نتحدث عن مخاطر السياسة المنتهجة من قبل الحكومة، بشأن الاقتصاد الوطني، وبينها مثلاً صناعة السيارات بالطريقة الخاطئة التي هي عليها إلى الآن، كانت أحزاب الموالاة تدافع عن الحكومة المسؤولة عن هذا، واليوم أصبحت الحكومة ذاتها، ممثلة في رئيسها، تقول نفس ما كنا نقوله، لولا كشف المعارضة هذا الأمر لما تغيرت الموازين داخل السلطة ذاتها“. واعتبر مقري أن السلطة تخشى من اتساع شعبية المعارضة، وتحاول سحب الملفات منها بتبنّي أفكارها، وأحزابها المغلوبة على أمرها تتبعها.
اعتبرت جبهة القوى الاشتراكية أن دعوة تبون “سطو على مبادرة الإجماع الوطني” التي أطلقتها في السنوات الأخيرة
واشترطت حركة مجتمع السلم الإسلامية فتح الحوار بطرح الأزمة السياسية على طاولة المفاوضات، وعدم حصر جدول الأعمال في الأزمة الاقتصادية، وإقحام القوى الفاعلة في التحولات القاسية التي تنوي الحكومة مباشرتها. ولا ترى الحكومة والقوى الموالية لها أن الوضع السياسي يستدعي فتح مشاورات بشأنه، لأنها تعتقد أن المؤسسات تسير بشكل عادي، وتربط طموحات التغيير بالاستحقاقات الانتخابية المبرمجة.
بدورها، قالت “جبهة العدالة والتنمية”، التي يرأسها عبد الله جاب الله، إن الحوار لن يكون فعالاً إلا إذا أفضى إلى توافق وطني لمعالجة القضايا المصيرية للأمة، حتى يساهم في إعادة بناء جسر الثقة بين المواطن ومؤسساته، ويتجاوز بالتالي مشكلة ضعف شرعية المؤسسات المنتخبة. وشدد الحزب، في بيان له، على أن مخطط عمل الحكومة، مهما تضمن من وعود اقتصادية واجتماعية وسياسية للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية، والنص الصريح على الفصل بين المال وممارسة السلطة، فإنه يظل ناقصًا بسبب ضعف شرعية الهيئة التشريعية، وعدم الحزم في محاربة الفساد والتبذير، والإفلات من العقاب، وغياب التوافق الوطني لرسم معالم المستقبل.
تحفظ المعارضة الجزائرية يقترن بتقديم عديد الشروط
من جانبها، اعتبرت جبهة القوى الاشتراكية أن دعوة تبون “سطو على مبادرة الإجماع الوطني” التي أطلقتها في السنوات الأخيرة، من أجل حلحلة الانسداد السياسي في البلاد. واتهمت الدعوة بـ “محاولة توريط القوى السياسية والاجتماعية، في مسار التراجع عن المكتسبات الاجتماعية، والانحراف عن أحد أبرز مبادئ الدولة وهو الطابع الاجتماعي”. وقال زعيم الجبهة عبد المالك بوشافة إن “السلطة تريد عبر مبادرتها توريط وإقحام الفاعلين السياسيين والاجتماعيين في برنامجها التقشفي، الذي يسعى إلى التراجع عن المكتسبات الاجتماعية”. وأوضح أن “عدم التكفل ببعض القضايا الوطنية والدولية، يعكس التفسخ المتقدم للدولة، وسوء الحكامة”.
ولم تعد القوى والشخصيات المعارضة في الجزائر، حسب خبراء، تثق في المشاورات التي تجريها السلطة، على خلفية تجاهل السلطة لمطالب ومقترحات قوى المعارضة في سلسلة المشاورات التي أجرتها في مايو 2012 بشأن تعديل الدستور، عبر رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح. وكذلك المشاورات التي أجرتها السلطة في يونيو 2014 عبر رئيس الحكومة السابق، عبد المالك سلال، وفي سبتمبر 2015 مع رئيس الديوان الرئاسي، أحمد أويحيى.