ترجمة وتحرير: نون بوست
يخضع قطاع غزة منذ سنة 2007، لحصار خانق تفرضه الدولة العبرية. وفي هذا السياق، عرض وزير النقل الإسرائيلي مشروعا لبناء جزيرة صغيرة مزودة بجسر يربطها بالقطاع. في المقابل، أثار هذا المشروع حفيظة الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
يوم 10 تموز/ يوليو، قدم وزير النقل والاستخبارات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، مشروعه خلال لقاء صحفي أجراه في القدس بحضور الصحافة الأجنبية، حيث عرض رسما بيانيا مستعملا مفتاح “يو إس بي”. وقد ظهر في الرسم البياني صورة للجزيرة الصغيرة، وكيف ستكون مجهزة بجسر مدني وتجاري يربطها بقطاع غزة.
وخلال عرض مختلف أبعاد المشروع، ظهر في الفيديو صورة فضائية للجزيرة قبل أن تقترب الصورة شيئا فشيئا باستعمال تطبيق “الزوم” نحو الشرق الأوسط، لتتوقف على قطاع غزة المطل على البحر الأبيض المتوسط. وقد تم عرض هذا الفيديو أولا على ثلة من الوزراء الإسرائيليين التابعين لخلية الأزمة خلال منتصف شهر حزيران/ يونيو. والجدير بالذكر أن هذا المشروع يهدف أساسا لتعزيز الحصار على قطاع غزة.
من المتوقع أن تنجر تل أبيب نحو حرب جديدة مع حركة حماس التي تحكم قطاع غزة
ومن جهته، يعمل يسرائيل كاتس على إقناع باقي الوزراء الإسرائيليين بالشروع في انجاز مشروعه، الذي بدأ يخطط له منذ سبع سنوات. وبالنسبة لزملائه في الحكومة، فقد أنصتوا جيدا لما يقوله كاتس خصوصا أن هذا المشروع تزامن مع خطورة الوضع الأمني المحيط بإسرائيل، حيث من المتوقع أن تنجر تل أبيب نحو حرب جديدة مع حركة حماس التي تحكم قطاع غزة. ويعود سبب ذلك أساسا إلى أزمة انقطاع الكهرباء التي تعصف بغزة منذ مدة، علما بأن حكومة رام الله تلعب ورقة الضغط على حركة حماس الإسلامية لإخضاعها.
محطة لتوليد الكهرباء.. ومدرج مطار
من خلال الصور الافتراضية التي عرضها الوزير الإسرائيلي، يمكننا فهم ماهية هذه الجزيرة المجهزة بجسر طوله 4.5 كيلو متر، كما أنها مجهزة بجميع البنى التحتية الضرورية لتركيز ميناء تجاري أو مدني. بالإضافة إلى ذلك، ينوي الوزير، حسب الفيديو، بناء محطة لتوليد الكهرباء و محطة أخرى لتحلية المياه. أما مستقبلا، يتضمن المشروع إنشاء مدرج لمطار على الجزيرة الصناعية.
وفيما يخص تكلفة بناء الجزيرة الصغيرة، تشير التوقعات إلى أن المشروع يحتاج إلى تمويل مالي يقدر بخمسة مليار دولار. كما أشار يسرائيل كاتس إلى أن الباب مفتوح أمام المؤسسات الخاصة للمساهمة في هذا المشروع. ومن المتوقع أيضا أن عملية البناء ستمتد إلى نحو مدة زمنية قدرت بخمس سنوات، مع الحفاظ على حق الشركات الأجنبية المهتمة بالاستثمار في البنية التحتية للجزيرة.
في حالة اندلاع أزمة أو أعمال عنف، فيكفي على حكومة تل أبيب أن تغلق الجسر الذي يربط الجزيرة بالقطاع
ومن جهته، صاحب فكرة المشروع، الوزير يسرائيل كاتس، لصحيفة لوموند الفرنسية أنه “يجب على دول الخليج العربي أن تشارك في هذا المشروع، ما سيكون بمثابة البادرة الطيبة نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل”. من جانب آخر، ذكر كاتس أن “الدولة العبرية ستظل المسؤولة الوحيدة عن أمن السواحل البحرية لهذه الجزيرة، كما لديها حق الرد على السفن التي تحاول الاقتراب منها أو من سواحل قطاع غزة. كذلك، يحق لنا تفتيش الحاويات الناقلة للبضائع التجارية عن طريق البحر”.
وحيال هذا الشأن، نوهت شاي غرونبرغ، الناطقة الرسمية باسم منظمة “غيشا” الإسرائيلية، التي تنادي بحرية التنقل للفلسطينيين، بأن “هذه الجزيرة ليست بمعجزة، وإنما دورها لا يقتصر إلا على تعزيز الرقابة الإسرائيلية المفروضة على قطاع غزة”. وأضافت غرونبرغ “أنه في حالة اندلاع أزمة أو أعمال عنف، فيكفي على حكومة تل أبيب أن تغلق الجسر الذي يربط الجزيرة بالقطاع”.
من جانب آخر، أشارت شاي غرونبرغ إلى أن “هذه الجزيرة تعد بمثابة مقاطعة جديدة، لذلك يطرح السؤال الآتي، هل سترفرف فوقها الراية الفلسطينية أم الإسرائيلية؟ وهل سنعتبرها أرضا مقدسة من جملة الأراضي المقدسة المتنازع عليها بين المسلمين واليهود أم لا؟”.
“الهدف من بناء هذه الجزيرة يتمثل في تعزيز إسرائيل لرقابتها على القطاع”
في سياق مغاير، أشار الوزير الإسرائيلي إلى أن تنفيذ هذا المشروع يتطلب قرار مسبقا من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لأن بناء هذه الجزيرة المجهزة بجسر حديث يمكن أن يراه البعض اختراقا لاتفاقية أوسلو الموقعة سنة 1993. وبرر الوزير الإسرائيلي حصار بلاده البحري لقطاع غزة منذ سنة 2007، بأنه جاء نتيجة “دواعي أمنية” المتمثلة أساسا في وقف تمرير الأسلحة نحو حركة حماس.
لا يقتصر دور هذه الجزيرة سوى على تعزيز الرقابة الإسرائيلية المفروضة على قطاع غزة. كما أنها ستزيد من عزلة القطاع مع باقي الأراضي الفلسطينية على غرار، الضفة الغربية
وفي سياق متصل، أثارت فكرة بناء جزيرة صناعية حفيظة الطرف الفلسطيني والطرف الإسرائيلي. فبالنسبة للطرف العبري، هناك إمكانية في أن تتسبب هذه الجزيرة في الحد من دور الجيش في تأمين وتفتيش البضائع التجارية التي تمر عبرها. أما بالنسبة للجانب الفلسطيني، فإنه يرى أن هذه الجزيرة لا تعد سوى مناورة تكتيكية إسرائيلية لتعزيز الاحتلال والحصار المفروض على قطاع غزة.
وفي شأن ذي صلة، أكدت شاي غرونبرغ “كما ذكرت سلفا، لا يقتصر دور هذه الجزيرة سوى على تعزيز الرقابة الإسرائيلية المفروضة على قطاع غزة. كما أنها ستزيد من عزلة القطاع مع باقي الأراضي الفلسطينية على غرار، الضفة الغربية. وأرى أنه من الأولى أن يُرفع الحصار عن قطاع غزة ويُعاد فتح المعابر المغلقة لتسهيل عملية تنقل البضائع والأشخاص”. ولعل هذا ما أكدته إحدى المنظمات الإنسانية، التي نشرت تقريرا بينت فيه أن قرابة 85 بالمائة من المنتجات المصنوعة في قطاع غزة كانت موجهة أساسا نحو أسواق الضفة الغربية قبل فرض الحصار سنة 2007.
تحمّس نتنياهو
تعتبر مسألة تشريك دول عربية خليجية في المشروع من بين العوائق التي يمكن أن تعرقل بناء هذه الجزيرة، خاصة أن إطلاق هذا المشروع تزامن مع أزمة الخليج العربي، وفي ظل عدم تسجيل أي تقدم سياسي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وبالنسبة لصاحب الفكرة، فإن هذه الجزيرة الصناعية ستساهم في خروج إسرائيل من عزلتها الإقليمية خصوصا مع تشريك الدول الخليجية في تمويل بنائها.
وفي هذا السياق، ذكر يسرائيل كاتس “لقد بدأت أفكر في التخطيط لهذا المشروع منذ سنة 2010، وقد دفعني سبب وجيه لذلك، وهو انسحاب جيشنا من على مشارف قطاع غزة سنة 2005، حيث رفضت مصر تولي مسؤولية رقابة حدود القطاع البحرية. وأنا أرى أن هذا المشروع يعد بمثابة منفذ لشعب غزة وبوابة نحو العالم”.
هذه الجزيرة الصناعية ستساهم في خروج إسرائيل من عزلتها الإقليمية خصوصا مع تشريك الدول الخليجية في تمويل بنائها
وفي الوقت الحالي، أكد يسرائيل كاتس أن مشروعه من الممكن أن يتحصل على إجماع خلية الأزمة، حيث أفاد أن “كل أعضاء خلية الأزمة بما في ذلك المسؤولين العسكريين يدعمون المشروع، إلا ليبرمان. فوزير الدفاع يرى أن المشروع برمته يصب في صالح حماس… أما ردة فعل نتنياهو فقد شدت انتباهي، حيث أبدى رئيس الوزراء تحمسه حتى قبل الخوض في نقاش المشروع ، لكنه في نفس الوقت لم يحدد موقفه النهائي ولم يؤكد ما إذا كان مؤيدا أم رافضا لفكرة المشروع”.
المصدر: لوموند