ترجمة وتحرير نون بوست
كتب كريم فهيم، بمساهمة كارول موريلو
وفق ما صرح به جهاز الاستخبارات الأمريكية، فإن الإمارات العربية المتحدة هي من خطط ونفذ عملية اختراق المواقع الحكومية القطرية، ومواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإخبارية، في أواخر شهر أيار/ مايو. وكان الهدف من ذلك، نشر مقولات باطلة نسبت لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ما تسبب في نشوب أزمة بين قطر وجيرانها.
وفي هذا الصدد، أشار مسؤولون في الجهاز الاستخباراتي إلى أن البيانات الجديدة، التي جمعتها وكالات الاستخبارات الأمريكية، تؤكد أنه في 23 أيار/ مايو اجتمع مسؤولون سامون في الحكومة الإماراتية لمناقشة مخطط اختراق المواقع القطرية وكيفية تنفيذه. ويبقى مسؤولو الجهاز غير متأكدين ما إذا كانت الإمارات هي من أشرف على عملية الاختراق، أم كلفت جهة ثانية للقيام بهذه المهمة. وكان من بين ما نشره الهاكرز باسم أمير قطر منشورات يصف فيها الأمير إيران بالقوة الإسلامية، ويمدح حركة حماس.
والمثير للاهتمام أن عملية اختراق المواقع ونشر تلك الأمور قد وقعت بتاريخ 24 أيار/ مايو، أي بعد فترة قصيرة جدا من إنهاء ترامب لاجتماع مطول حول مكافحة الإرهاب، أجراه مع قيادات الخليج العربي المقربة من المملكة العربية السعودية، التي أكدت له أنها متحدة.
وبناء على تعليقات أمير قطر المزعومة، أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر مباشرة قطع تعاملها مع الإعلام القطري. ثم قطعوا علاقاتهم بقطر وأعلنوا المقاطعة التجارية والدبلوماسية، ما أدى إلى دخول المنطقة في دوامة سياسية ودبلوماسية اعتبرها وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، أزمة قد تضر بجهود محاربة الإرهاب، وخاصة مجابهة تنظيم الدولة.
وعلى خلفية تقارير وكالات الاستخبارات الأمريكية، أفاد سفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن، يوسف عتيبة، أن ما نشره جهاز الاستخبارات “باطل”، قائلا إنه “لا دور للإمارات في عملية الاختراق الموصوفة في التقرير”. وأورد السفير أن ما هو مسلّم به هو سلوك قطر، خاصة عندما يتعلق الأمر بتمويلها ودعمها للمتطرفين من طالبان وحماس والقذافي وتعاملها معهم، وإثارتها للعنف وتشجيعها على التطرف بهدف زعزعة أمن جيرانها.
إثر ذلك، كُشفت العديد من الحقائق بعد أن تم اختراق البريد الإلكتروني الخاص بعتيبة وقد تناولت الصحف محتوياته منذ عدة أشهر. وقد ادعت منظمة “غلوبال ليكس”، أنها الجهة المسؤولة عن تنفيذ عملية قرصنة بريد السفير الإلكتروني، ما يوحي بأنها منظمة تدعم قطر. وقد كشفت العديد من الرسائل البريدية أن الإمارات عازمة منذ سنوات على كسب دعم صنّاع القرار والمفكرين الأمريكيين خاصة فيما يتعلق بصراعها مع قطر.
والجدير بالذكر أن جميع دول الخليج أعضاء في التحالف الأمريكي ضد تنظيم الدولة. ففي قاعدة الحديدة، هناك أكثر من 10.000 جندي أمريكي يتخذون من هذه القاعدة الجوية بقطر مقرا لهم، في قاعدة هي المقر الرئيسي للقيادة في المنطقة. كما تستضيف البحرين الأسطول الخامس للقوات البحرية الأمريكية، فضلا عن أن جميع تلك الدول من الزبائن الأوفياء لأجهزة الدفاع الأمريكية وتساند السياسة الخارجية لأمريكا بمختلف الطرق.
علاوة على ذلك، كشف الصراع في المنطقة الفارق الحاد بين ترامب، الذي ساند الجانب السعودي والإماراتي من خلال ما نشره من تغريدات، وتيلرسون الذي حث على إيجاد حل توافقي وأمضى غالبية الأسبوع الماضي في بذل الجهود الدبلوماسية بين عواصم المنطقة، التي لم تأتي أكلها المنتظر.
وعلى ضوء هذه المسألة، قال هاموند مساعد تيلرسون يوم الأحد، “لا نتوقع أي تقارب محتمل”، إلا أن وزارة الخارجية قد تركت خلفها بعض الاقتراحات لدى “الكتلة السعودية” وقطر وهي “مجموعة من المبادئ التي يجب على جميع الدول الموافقة عليها حتى نخلق أرضية مشتركة نقف عليها”.
وحيال هذا الشأن، أكدت قطر في العديد من المناسبات أن مواقعها قد اخترقت ولكنها لم تكشف بعد نتائج تحقيقاتها. وقد قال مسؤولو جهاز الاستخبارات الأمريكية أن عمل قطر نظري بسبب تورط البعض في السعودية والإمارات ومصر في عملية الاختراق. كما لم يتبين بعد تورط دول أخرى في المخطط.
وفيما يخص الأزمة القطرية، تحدث مسؤولون في الاستخبارات الأمريكية وغيرهم عن أبعاد الأزمة الحساسة بشرط الحفاظ على سرية هوياتهم، بينما رفض مكتب مدير الاستخبارات القومية التعليق، كذلك فعلت وكالة الاستخبارات الأمريكية. أما مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي قالت قطر إنه يساعدها في تحقيقاتها، رفض هو الآخر التعليق. وقد أجاب متحدث باسم السفارة القطرية في واشنطن من خلال الإشارة إلى تصريح الوكيل العام باسم قطر، علي بن فطيس المري، الذي قال الشهر الماضي، “لدى قطر حقائق تفيد أن أجهزة آيفون تم استخدامها من دول الجوار في عملية الاختراق”.
وبخصوص التحقيق، أشار هاموند إلى أنه لا علم له بمستجدات التحقيقات التي تقوم بها الاستخبارات حول الإمارات العربية المتحدة، أو إن كان تيلرسون على وعي بها. وقد فتحت عملية الهاكرز باب عداء كان مقفلا بين مملكات الخليج وقطر. وقد كانت سنة 2013 آخر مرة ظهر فيه الصراع جليا بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى، إذ اتهموا الإمارة بإيواء أعدائهم السياسيين، ودعم الإخوان المسلمين، وتمويل الإرهاب بما في ذلك الجماعتين اللتين تصنفهما أمريكا ضمن الجماعات الإرهابية؛ حماس وحزب الله، وباستخدام وسائل إعلام تدعمها الدولة من أجل زعزعة الأمن في المنطقة.
من جهتها، ترى قطر، الغنية بالطاقة التي تحكمها عائلة غير منتخبة، في التحالف السعودي محاولة من قبل جيرانها الأوتوقراطيين لمواجهة توجهاتها الليبرالية. بشكل منفصل حذرت الولايات المتحدة قطر من عدم مراقبة أصحاب الثروات الطائلة هناك، الذين قد يمولون خلسة المجموعات الإسلامية الإرهابية، وهي حركة قامت بها الولايات المتحدة من قبل مع المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج الأخرى. وقد وعدت قطر باتخاذ بعض الإجراءات من أجل تطبيق اتفاق 2014 مع الآخرين، وقد أنجزت القليل.
خلال اليومين اللذين زار فيهما دونالد ترامب الرياض، التقى الأعضاء الستة في مجلس التعاون الخليجي، وهم السعودية والإمارات والكويت والبحرين وعمان وقطر، وتم عقد جلسات فردية خلف الأبواب الموصدة مع قيادات المجلس، حتى مع الأمير القطري. وي صباح يوم 22 أيار/ مايو، ألقى ترامب خطابا، أمام 50 قياديا إسلاميا من مختلف أرجاء العالم، دعا فيه إلى التسامح الديني والوحدة في مواجهة الإرهاب. وفي وقت متأخر من ذلك الصباح ظهرت تلك البيانات الباطلة على شريط الأخبار في فيديو نشرته وكالة قطر نيوز على قناتها في اليوتيوب. وظهرت المعلومات نفسها في تغريدات على حسابات حكومية.
في الواقع، انتشرت تلك الأخبار انتشار النار في الهشيم بين وسائل الإعلام الحكومية السعودية، وتواصلت حتى بعد إعلان قطر أن تلك الأخبار باطلة. وأغلقت الإمارات جميع قنوات البث القطرية داخل حدودها، بما في ذلك شبكة الجزيرة، التي تمولها قطر والأكثر مشاهدة في العالم العربي.
في الأسبوع الأول من حزيران/ يونيو، قادت المملكة العربية السعودية عملية قطع العلاقات وأمرت كل القطريين داخل حدودها بمغادرة البلاد، وأغلقت حدودها البرية والبحرية في وجه القادمين إليها من قطر، التي ليس لها أي معابر برية إلا مع السعودية.
بالإضافة إلى اتهامهم لها بتمويل الإرهاب وزعزعة أمنهم الداخلي، اتهمت قطر بتقربها من إيران، التي تعتبرها السعودية أكبر أعدائها في المنطقة، وأبرز الداعمين للإرهاب في العالم بحسب الولايات المتحدة. ولكن، لدى إيران علاقات تجارية قوية مع غالبية دول الخليج بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، وتشارك قطر في أكبر حقل غاز طبيعي في العالم.
في اليوم الذي سبق إعلان المقاطعة، أشاد دونالد ترامب بقطر بشكل غير مباشر فقال في تغريدة له، “من الرائع أن نرى ملك المملكة العربية السعودية و50 دولة تسانده، وأعربت عن استعدادها للتصدي لتمويل الإرهاب، وكان الكل يشير إلى قطر”.
في الوقت نفسه، دعا تيلرسون ووزير الدفاع، جيم ماتيس، إلى الجلوس على طاولة المفاوضات وإيجاد حل سريع للصراع. عندما أصدرت السعودية وحلفاؤها قائمة بها 13 مطلبا “غير قابل للنقاش” تنص على ضرورة غلق قطر لقناة الجزيرة وطرد مجموعة من الناس تلاحقهم تهم الإرهاب، أفادت وزارة الخارجية الأمريكية أن المطالب غير منطقية وأن تمويل الإرهاب مجرد سحابة للصراع الطويل القائم في المنطقة وكان من الأجدر حله من خلال الوساطة والتفاوض.
في المقابل، رفضت قطر كل المطالب، وقد ساندها تيلرسون معتبرا أن حلف السعودية كان وحشيا. ولكن، عندما طلب ترامب تخفيف المقاطعة لأنها تزيد الوضع الإنساني والأمني تعقيدا، قال إنها إجراءات قاسية ولكنها ضرورية.
وفي شأن ذي صلة، بين هاموند، “كانت النتيجة الوحيد من زيارة تيلرسون للمنطقة الأسبوع الماضي إمضاء اتفاق ثنائي مع قطر حول وقف تمويل الإرهاب، وهي الدولة الوحيدة في الخليج التي وافقت على التوقيع على هذا الاتفاق.
يوم الجمعة، قال تيلرسون للصحافيين قبل ركوبه طائرة العودة إلى واشنطن إن الزيارة كانت مثمرة، “أولا، من المهم أن نستمع إلى جميع الأطراف لمعرفة مدى عمق الأزمة، ومدى ارتباط هذه المشكلات بالجانب النفسي”. كما أقره بأنه ترك خلفه اقتراحات للطرفين وصفها بأنها “الطرق التي قد تدفع نحو الأفضل”. بالإضافة إلى ذلك، أفاد تيلرسون أن جميع الدول مطالبة بالوقوف معنا، إذ أنه “من المهم جدا لنا من وجهة نظر أمنية أن تعيش منطقة الشرق الأوسط في استقرار، وهذا الصراع لن يساعد أبدا في تحقيق الهدف المرجو”.
وسياق مخالف، عندما سُئل عن تغريدات ترامب وتعليقاته، أجاب تيلرسون “أن تكون وزير خارجية دولة ما يختلف عن أن تكون المدير التنفيذي لإكسون”، حيث كان يعمل سابقا. وأضاف تيلرسون، “لأنني كنت صاحب القرار النهائي”. وهو في هذا يشير إلى قيمة العمل مع الفريق، وقال، “إن القرار كان محترما ويخضع لإجراءات محددة”.
وفي هذا السياق، بين تيلرسون، “ليست هذه من صفات حكومة الولايات المتحدة، ولا أقول هذا من باب الانتقاد، هذا مجرد وصف للحقيقة”. وعلى الرغم من أن تيلرسون وترامب لم يأتيا من عالم السياسة لكنه قال، “إن عملي السابق وضعني في تواصل مع باقي العالم وجعل من السهل علي الدخول في مثل هذه الرهانات”.
من جانبه، أكد دونالد ترامب في حوار له مع شبكة البث المسيحي على وجود اختلاف بسيط بينه وبين تيلرسون فيما يتعلق بأزمة الخليج. وفي سياق متصل اشار دونالد ترامب، “إن قطر تغرد خارج السرب الآن، ولكنها ستعود مرة أخرى”. وعندما سُئل عن القاعدة العسكرية في قطر قال ترامب إن الأمر لا يهم الآن، وأضاف أيضا “سنكون بخير، وإن اضطررنا للمغادرة فيجب أن نوجد 10 دول ترغب في استضافتنا، وسيدفعون تكاليف بناء القاعدة”.
المصدر: واشنطن بوست