رحلة الأمل إلى أرض الأحلام، أخذت من عمره 34 يوما، بدأت من ميناء “جشمة” بمدينة إزمير غرب تركيا، وانتهت به إلى النمسا، بتكاليف وصلت إلى نحو 4500 يورو، تنوعت فيها وسائل التنقل ما بين الإبحار، والسير على الأقدام ساعات طويلة وسط الغابات، وانحشار 17 شخص في مركبة عادية صغيرة، فضلا عن الاعتقال والمعاملة السيئة.
ومع وصوله إلى الأرض التي يحلم بها ملايين الراغبين بالهجرة الشرعية، يروي الشاب السوري (م.ا)، بعضا من المعاناة التي تحيط بعمليات الهجرة غير الشرعية، ليس للسوريين وحسب، بل لفلسطينيين وآفارقة وغيرهم، مما يدعو للتساؤل عن الأسباب التي أجبرت هؤلاء على سلوك هذا الطريق، والتعرض للمعاناة الكبيرة.
وسرد المهاجر الفار من الخدمة العسكرية في سوريا، تفاصيل رحلته، حيث انطلق 15 شخصا من بينهم 7 فلسطينيين، في قارب سريع من ميناء جشمه، في رحلة استمرت 25 دقيقة للوصول إلى الأراضي اليونانية، طلب ربان المركب في منتصف الرحلة منهم، رمي نصف حقائبهم في البحر تخفيفا للوزن كي يسير القارب، مؤكدا أنه كان يكذب عليهم.
وبعد نزولهم قبل 5 امتار من الشاطئ، وتبلل ملابسهم، يضيف المهاجر، في اتصال مع مراسل الأناضول، أنهم مشوا 50 مترا لتأتي سيارة وتسأل من هم، فقالو إنهم سوريون، فطلب منهم أن يلحقوه، لتأتي حافلة وتقلهم إلى مخيم مخصص للمهاجرين غير الشرعيين في جزيرة “كويوس” اليونانية، حيث مكثوا في المخيم 10 أيام، في محاولته الأولى للهجرة. فيما أكد أن هذه المحاولة كانت الخامسة لبعض المهاجرين المرافقين له.
وأوضح أن “صعوبة هذه المسافة القصيرة، تكمن في اعتقال خفر السواحل اليوناني للمهاجرين وإعادتهم إلى تركيا، أو تعرضهم لما يسمى بالكوماندوز الالماني، وهنا يلعب الحظ دوره مع المهاجر، فقد يرميه الألمان في الماء، أو يضعوه في قارب مطاطي مثقوب، وسرقة جميع ممتلكاته”، حسب تعبيره. في وقت أكد فيه أن السفر في قارب مطاطي عادي، يطيل من عمر الرحلة لتصل إلى نحو 6 ساعات، وتزيد من مخاطر تعرضهم للأخطار السابقة.
بالتوازي مع ما سبق، يشرح الشاب السوري أنه بعد 10 أيام في كويوس، “خرجوا من المخيم ومعهم ورقة للتنقل صالحة لمدة 6 أشهر، انتقلوا بعدها إلى أثينا بحرا، وأمضوا فيها 5 أيام، تواصلوا خلالها مع عدة مهربين ينسقون السفر جوا، إلا أن التكاليف مرتفعة وتصل إلى 5500 يورو، ونسبة النجاح تصل إلى نحو 30%، في حين أن الشاحنة تكلف 5000 يورو للوصول إلى إيطاليا، وبرا إلى النمسا تبلغ التكاليف نحو 4000 يورو”، موضحا أنها غير مضمونة أيضا.
ويتابع الشاب كاشفا مزيدا من التفاصيل بالقول “ذهبنا إلى جزيرة سالونيك، وقررنا مع 3 من الزملاء سلوك طريق مقدونيا، إلا أن الشرطة اليونانية كانت لهم بالمرصاد، وطلبت منهم العودة إلى سالونيك، فأعادوا المحاولة في اليوم التالي، وبعدها مشوا باتجاه الحدود عبر الأراضي الزراعية لمدة ساعتين، إلى أن وصلوا لكوخ مهجور على الحدود اليونانية المقدونية، بقوا فيه ليلة واحدة، وفي صباح اليوم التالي عند الساعة الرابعة استمروا بالمشي باتجاه مقدونيا، وبعد مسير مسافة نصف ساعة، نبح فيها جميع الكلاب الذين مروا بهم، قطعوا الطريق ومشوا 200 متر، ليقعوا في فخ الشرطة المقدونية، التي أحسنت معاملتهم، وبقوا ليلة في المخفر عادوا بعدها إلى الكوخ بعد الافراج عنهم”.
وفي نفس الليلة، يتابع المهاجر السوري، “عدنا للمحاولة تحت الأمطار، إذ مشينا نحو 50 دقيقة، إلا أن شدة الأمطار دفعتنا للاحتماء تحت إحدى الجسور لنحو 5 ساعات، فيما بعض الأشخاص واصلوا طريقهم بالمشي لعشرين ساعة، وآخرون مشوا 26 ساعة، تعرضوا خلالها لعمليات سطو من عصابات مقدونية، سرقت منهم بالقوة أموالهم وملابسهم، فيما انتظرت مع زملائي قدوم سيارة أجرة أقلتنا لمدة ساعين وصولا إلى الحدود الصربية”.
وأردف قائلا “وصلنا إلى مدينة “لويان” المقدونية عند الساعة 6 صباحا، والتي تقع بالقرب من حدود صربيا، عندها طوقت الشرطة الحي الذي نزلوا فيه، واعتقلت 87 شخصا، ونجحوا بالاختباء في منزل على شكل “خرابة” من الخارج، وبقوا فيه ساعة واحدة، مشوا بعدها إلى صربيا قرابة الساعتين في جبال ممتلئة بالثلوج، إلى حين وصولهم لنقطة كان يتوجب وصول سيارتين إليها، وكانوا في مجموعة حينها من 9 أشخاص، ليتفاجؤا بقدوم سيارة تشبه مركبة الغولف، لكنها اكبر قليلا، فاضطروا للصعود عليها”.
وكشف أن “4 أشخاص ركبوا في صندوق السيارة، و4 آخرين ركبوا في المقعد الخلفي، فيما ركب أحدهم بجانب السائق، وتعرضوا لمخاطر انقلاب المركبة مرتين، لتستغرق رحلتهم 5 ساعات حتى وصولهم لمنطقة تقع قبل عاصمة صربيا بلغراد، عندها استقلوا سيارتي أجرة إلى مخيم المهاجرين غير الشرعيين في العاصمة بمنطقة “فوكا فاج”، ليستمعوا إلى قصة من سبقهم بيوم واحد، وكيف أن 17 شخصا استقلوا سيارة مشابهة قبل يوم واحد، في رحلة مشابهة، أسفرت عن مشاجرة بين المهاجرين، وحدوث حالات تقيؤ عند البعض، نتيجة “الانحشار” في سيارة واحدة، حسب ما سمعوا منهم”.
أما بعد وصولهم إلى المخيم، أوضح أن “الرجل الذي اتفقوا معه من قبل اتصل بهم، وأحضر سيارتين نقلتهم إلى حدود البوسنة، دون أن يقيموا في المخيم، وأسكنهم في منزله حيث اغتسلوا وغسلوا ملابسهم، وبقوا عنده 15 يوما، لأن الأسبوع الأول كان لإجراء الحوالات المالية، أما في الأسبوع الثاني فألقي القبض على مالك السيارة التي كانت ستنقلهم إلى هنغاريا، وعقب ضغوط على المهرب، خرج هو مع 7 آخرين قبل البقية، بعد أن ارتفع عدد المنتظرين في المنزل إلى 30، إلى أن وصلوا لحدود هنغاريا وبالتحديد مدينة (سبوتيسا)، لافتا إلى أن المهرب دأب على الكذب عليهم في كل مرحلة”.
وتستمر دراما المجموعة بعد أن “حلوا عند مجموعة من الصرب، وهم عبارة عن عصابة مافيا، واحتجزوهم في الطابق التاني للمبنى، وأقفلوا عليهم الباب، وأطعموهم وقدموا لهم “السجائر”، كما احتجز في نفس المكان المهرب وصديقه، وبعد 3 أيام حاول المهرب الهروب مع صديقه، وتمكنوا من ذلك، فيما بقوا هم عقبها نحو 35 ساعة من دون طعام، ليفرج عنهم الصرب فيما بعد، قبل أن ينقلهم المهرب عبر سيارات إلى مستودع قديم، فهاجم المهاجرون الغاضبون عليه، فيما أوضح الأخير لهم أن العصابة تريد النصب عليه بمبلغ 18 الف يورو”.
ولفت أيضا إلى أنه بعد ذلك وبنفس اليوم، انقسموا لمجموعتين، الأولى 6 أفراد يذهبون مع مجموعة يمشون خلالها على الأقدام نصف ساعة، فيما المجموعة الأخرى يمشي معها اثنان، طمعا بالمشي 5 دقائق، وذهبت كل مجموعة بطريق مختلفة، وكان الشاب السوري ضمن الستة، ليمشوا 3 ساعات متواصلة مع مهربين بوسنيين، ولكن الشرطة الهنغارية اعتقلت الشخصين الآخرين في المجموعة الأخرى، وتعرضا للضرب والذل وتعرية الملابس، وأحدهم اضطر للتوقيع على طلب اللجوء السياسي، فيما رفض الآخر، وهو موجود في مخيم المهاجرين بهنغاريا”.
وبعد وصولهم إلى هنغاريا، يتابع المهاجر، “أُخبروا بأن سيارتين ستقل مجموعتين كل واحدة 6 أشخاص إلى النمسا، إلا أن المركبة التي جاءت كانت عبارة عن حافلة نقل صغيرة، نقلت 16 شخصا، الأمر الذي خالف الاتفاق، وقبل انتهاء الرحلة بالعاصمة فيينا بـ 54 كيلومتر، نزل الجميع وسألوا عن القطار من أجل الذهاب إلى فيينا، وصولا إلى مخييم اللاجئين فيها”.
وهكذا يضيف الشاب السوري، أن الرحلة “استغرت 34 يوما، 15 منها في اليونان، و19 يوما للوصول إلى النمسا، لتصل الرحلة إلى نهايتها بالنسبة له، فيما لم تنته الآلام لمجموعة من المهاجرين، على حد قوله، منذ أكثر من شهر في مقدونيا، حينما ألقي القبض عليهم، ولا أحد يعرف مصيرهم حتى الآن، في حين كلفت الرحلة بعض الأشخاص نحو 8500 يورو”.
أما فيما يتعلق بالمخاطر التي لاحقتهم، فلخص ذلك بالقول “أقسى شيء هو رؤية عائلات تبحر مع الأطفال، وسط كذب واستغلال المهربين، وقبل أسبوع من وصولهم لليونان، سمعوا أن الكوماندوز الألماني ألقى بطفل عمره 6 سنوات في البحر، فلحقت به أمه، ليموت الاثنان، إضافة إلى المشي لساعات طويلة تصل لحد 25 ساعة، والمعاناة تحت قبضة الشرطة المقدونية التي وصف معاملتها بالأسوا”.
وأضاف أن “المعاملة في صربيا لم تكن أيضا جيدة، فيما وضع الطعام كان مقبولا باستثناء بقائهم بلا طعام 35 ساعة، إذ كانت تقدم لهم علب لحوم (مرتديلا)، ولبن وخبز وعصائر، ورغم كذب المهربين، إلا أن معامتهم لا بأس بها نتيجة مصالحهم مع السوريين، وفي بعض الأحيان ضرب مهاجرون مهربين”.
كما اوضح أنهم شاهدوا في رحلتهم أناسا علقوا في الغابات 4 أيام، أكلوا خلالها من أوراق الأشجار، وسمعوا أن عائلة أخرى علقت في الغابة بين صربيا وبلغاريا 7 أيام، وعائلة أخرى عالقة في حدود هنغاريا بسبب العاصفة، وانخفاض درجات الحرارة إلى -13، مؤكدا أن معاملة الهنغاريين أيضا سيئة جدا للسوريين، والتعامل معهم وكأنهم “جراثيم”، وضربهم ودفعهم إلى الأرض، بجانب القمامة، رغم أنهم لا يسرقون المقتنيات، ولكنهم يعرون المعتقل ويسجنوه 10 أيام قبيل تسليمهم لصربيا، التي تعتقلهم وتفتشهم أيضا، وتأخذ هواتفهم الجوالة، ويبيعوه للسوريين أنفسهم، وإذا لم يشتروا منهم يكسرون الهواتف، أو إذا لم يكن لديهم أموال”.
وتعاني سوريا من أزمة مستمرة منذ أكثر من 3 سنوات، فيما لم تفلح جميع جهود التهدئة والحلول السياسية للأزمة، وآخرها فشل الجولة الثانية من مفاوضات جنيف للسلام بين النظام السوري والمعارضة السورية.
المصدر : الأناضول