عرفت قطر فوائد جمة للاستثمارات القطرية في الخارج بعد الأزمة الخليجية التي اندلعت في 5 يونيو/حزيران من قبل محور الرياض – أبو ظبي، في الوقت الذي كان يُعتقد أن تلك الاستثمارات تحقق خسائر ولا فائدة مرجوة منها، إذ تتأثر بأي أزمة عالمية وأي أزمات الاقتصادية تحصل في تلك البلدان، وقد وجهت انتقادات لتلك الاستثمارات المتوزعة في أنحاء عديدة حول العالم، من حيث توجهها للدول الأوروبية والولايات المتحدة وروسيا وتركيا أكثر من الدول النامية والفقيرة في أفريقيا مثلا، بالإضافة إلى كون بعض تلك الاستثمارات بحاجة إلى توطين في قطر ليستفيد الاقتصاد المحلي والمواطن منها، تتعزز عبرها قطاعات الاقتصاد كالصناعة والخدمات والتجارة.
خلال الأعوام السابقة سعت قطر لاستثمار الفائض المالي في الميزانية المتأتي من مبيعات الغاز والنفط في قنوات استثمارية في الخارج، عوضًا عن إعادة ضخها في الاقتصاد المحلي. وفي الواقع فإن كثير من البلدان وأبرزها الدول النفطية إضافة إلى الدول التي وجدت فائض مالي من الصناعة كالصين مثلا، وجهت أموالها الفائضة للاستثمار في الخارج لأهداف اقتصادية بالدرجة الأولى وسياسية بالدرجة الثانية، وقد سعت قطر إلى توزيع تلك الاستثمارات وعدم تجميعها في مكان واحد واستحوذت على حصص كبيرة لشركات وعقارات مهمة حول العالم.
الاستثمارات القطرية في العالم
تتنوع استثمارات قطر في مختلف القطاعات والمجالات، لتشمل المصارف والعقارات والزراعة، والمناجم والنفط وشركات السيارات، والنوادي الرياضية العالمية وغيرها، كما تمتد هذه الاستثمارات من ماليزيا والهند شرقًا، إلى أوروبا شمالاً وأفريقيا جنوبًا، وتنتهي في الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية غربًا.
تمكنت قطر عبر الاستثمارات الخارجية من امتلاك ورقة قوية لتمرير مصالحها، وقوة ناعمة تمكنت من استغلالها في هذا الظرف الحالك الذي تمر به قطر
وقد بلغ إجمالي استثماراتها في الخارج نحو 35.6 مليار دولار مع نهاية العام 2015. في حين تشير منظمة الأونكتاد “مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية”، أن قيمة الاستثمارات القطرية الخارجية بلغت نحو 43.2 مليار دولار في عام 2015. وفضلا عن تلك الاستثمارات فلدى قطر محفظة استثمارية كبيرة يديرها جهاز قطر للاستثمار، وتُقدر بنحو 335 مليار دولار بنهاية يونيو 2016، وفقًا لمعهد صناديق الثروة السيادية، لتحتل بذلك المرتبة 14 عالميًا ضمن قائمة أكبر الصناديق السيادية على مستوى العالم.
لقطر حصة تقدر بـ10% في شركة “إمباير ستايت” العقارية التي تدير مبنى “إمباير ستايت” في صفقة قدرت بـ622 مليون دولار
وقد توزعت الاستثمارات القطرية في أنشطة متنوعة حول العالم فالقطاع المالي والتأمين حاز على نسبة 36% من إجمالي حجم الاستثمارات الخارجية، وأنشطة النقل والتخزين والمعلومات والاتصال 31%، ثم أنشطة التعدين واستغلال المحاجر 27%.
الاستثمارات القطرية في الخليج العربي
بلغت قيمة الاستثمارات القطرية في المنطقة العربية نحو 30.4 مليار دولار خلال الفترة من عام 2003 حتى أبريل 2016، لتصبح بذلك رابع أكبر مُصدّر للاستثمارات البينية في المنطقة العربية. وعلى مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ضخت قطر استثمارات بقيمة 8.6 مليارات دولار بنهاية عام 2015، أي ما يوازي 24% من إجمالي الاستثمارات القطرية في الخارج، بحسب بيانات FDI markets التابعة لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
لدى قطر محفظة استثمارية كبيرة يديرها جهاز قطر للاستثمار، وتُقدر بنحو 335 مليار دولار بنهاية يونيو 2016، وفقًا لمعهد صناديق الثروة السيادية، لتحتل بذلك المرتبة 14 عالميًا ضمن قائمة أكبر الصناديق السيادية على مستوى العالم.
واستقبلت السعودية والإمارات رؤوس أموال قطرية بقيمة 3.8 مليارات دولار، و1.2 مليار دولار على التوالي، والبحرين ما قيمته 21 مليون دولار. أما في مصر، فقد بلغت الاستثمارات القطرية نحو 14.7 مليار دولار حتى عام 2015. وتدرس قطر بعد الأزمة إخراج تلك الاستثمارات من البلدان التي فرضت عليها الحصار واستبدالها بأماكن أخرى في العالم.
الاستثمارات القطرية في تركيا
تعد قطر من الدول الأوائل بالاستثمار بتركيا بحجم استثمارات تزيد عن 20 مليار دولار، كما يبلغ حجم استثمارات الشركات التركية العاملة في قطر نحو 11.6 مليار دولار. ويشهد حجم التبادل التجاري التركي مع قطر ارتفاعًا ملحوظًا وصل إلى 1.720 مليار دولار، مع توقعات بتصاعد حجم هذا التبادل، في ظل التعاون المتنامي بين البلدين، ليتعدى الملياري دولار.
بعض أكبر وأهم استثمارات قطر في دول العالم
ومن المتوقع أن ينعكس تحسن العلاقات بين قطر وتركيا ليحمل فرصا مهمة للبلدين فيما يتعلق بزيادة الاستثمارات وحجم التبادل التجاري ليتعدى 5 مليارات دولار سنويًا، وقد أشار مستثمرين أتراك في هذا الشأن أنهم يسعون لدعم قطر في المجالات ذات الحاجة، والحصول على بيئة استثمارية جديدة.
استثمارات قطر في أوروبا وأمريكا
تنتشر الاستثمارات القطرية في عواصم أوروبية عديدة إذ يتجاوزحجم تلك الاستثمارات في ألمانيا 25 مليار يورو (28.2 مليار دولار) كما أن جهاز قطر للاستثمار يعد أكبر مساهم في شركة فولكس فاجن الألمانية لصناعة السيارات، إلى جانب صفقة استحواذ كبرى لشركة جلينكور على شركة إكستراتا عام 2012، وهي الصفقة التي بلغت قيمتها 29 مليار دولار.
أعلن جهاز قطر للاستثمار في 2014 عن نيته لاستثمار 20 مليار دولار في آسيا على مدار 6 سنوات
وقُدِرت الاستثمارات القطرية في بريطانيا بما لا يقل عن 35 مليار دولار عام 2014، متوزعة في العديد من القطاعات الاقتصادية. إذ تملك قطر عقارات ومتاجر وفنادق في أرقى أحياء لندن، أبرزها استثمارات في كناري وارف، وحصص من فندق سافوي، وناطحة السحاب شارد، ومتاجر هارودز، والقرية الأوليمبية، وبرج HSBC. ولا تقتصر الاستثمارات على العقارات وحسب، إذ تملك هيئة الاستثمارات القطرية 22% من مجموعة “جيه سينزبيري”، وتعد أكبر المساهمين فيها، كما يملك صندوق قطر السيادي حصة 20% من مطار هيثرو الدولي، فيما رفعت الخطوط الجوية القطرية حصتها في الشركة المالكة للخطوط الجوية البريطانيةIAG SA إلى 20%.
قُدِرت الاستثمارات القطرية في بريطانيا بما لا يقل عن 35 مليار دولار عام 2014
بالإضافة إلى مشتريات كثيرة أضافها الصندوق إلى أصوله، مثل شركة “سونغبيرد” العقارية البريطانية التي تملك حي “كناري وراف” المالي في لندن مقابل 3.9 مليار دولار، و10% في سلسلة متاجر “كورتو إنجليس” وهي أكبر سلسلة محال سوبر ماركت ومتاجر تجزئة في إسبانيا مقابل 1.1 مليار دولار، كما أضاف إلى محفظته حصة تصل قيمتها إلى نحو مليار دولار في بنك “أوف أميرك” ثاني أكبر المصارف التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية، و2% حصة في شركة النفط الفرنسية العملاقة توتال بقيمة تجاوزت ملياري يورو، و20% من شركة “بي إيه إيه” التي تدير عددًا من المطارات في بريطانيا وعلى رأسها مطار هيثرو مقابل 900 مليون جنيه استرليني.
تعد قطر من الدول الأوائل بالاستثمار بتركيا بحجم استثمارات تزيد عن 20 مليار دولار
وفي صفقات الملابس اشترى الجهاز بيت الأزياء الإيطالي الشهير فالنتينو مقابل 857 مليون دولار، و 5.2% من أسهم شركة المجوهرات “تيفاني” الأمريكية. ولديه أيضًا العديد من الاستثمارات الرياضية في أوروبا على رأسها نادي باريس سان الفرنسي عام 2011.
وأتم الجهاز صفقة شراء 3 من أشهر الفنادق العالمية في بريطانيا والولايات المتحدة التابعة لمجموعة “صحارى” الهندية الاستثمارية العالمية، حيث بلغت الصفقة نحو 772 مليون دولار مقابل فندق “غروفنر هاوس” في لندن وفندقي “بلازا” و”دريم دوان تاون” في نيويورك. وفي مدينة نيويوروك أيضًا اشترى الجهاز 10% في شركة “إمباير ستايت” العقارية التي تدير مبنى “إمباير ستايت” في صفقة قدرت بـ 622 مليون دولار أي ما يعادل 29.6 مليون سهم من الفئة A” ” مقابل 21 دولارًا للسهم الواحد.
الاستثمارات القطرية في روسيا
بدأ التعاون الاستثماري بين روسيا وقطر يتطور منذ العام 2013 عندما اشترى صندوق الثروة السيادي القطري أسهمًا بقيمة 500 مليون دولار في بنك “في تي بي” ثاني أكبر مصرف في روسيا. تستثمر قطر في السوق الروسي، بالتعاون مع شركة جلينكور في ديسمبر/ كانون الأول الماضي من خلال شراء حصة من شركة روسنفت الروسية بصفقة كبرى بلغت 11 مليار دولار، كما اشترت 24.9% من مطار سانت بطرسبرغ في يوليو/تموز الماضي، إلى جانب استثمار مباشر بقيمة ملياري دولار تديره الدولة الروسية عام 2014
اشترى جهاز قطر للاستثمار برج “آسيا سكوير” في سنغافورة الذي يضم مكاتب لشركات عالمية من بينها غوغل وسيتي غروب مقابل 2.4 مليار دولار أي ما يعادل 1960 دولار للقدم المربع ما جعل الصفقة إحدى أغلى الصفقات ثمنًا في شراء المباني في العالم..
وأعلن رئيس جهاز قطر للاستثمار “عبد الله آل ثاني” أن الجهاز والصندوق الروسي للاستثمار المباشر أبرما صفقة جديدة بقيمة ملياري دولار مشيرًا إلى أنه قد تم استثمار 500 مليون دولار أخرى وأنه يجري الاستثمار في مطار “بولكوفو” في مدينة سانت بطرسبورغ.
اشترت قطر حصة من شركة روسنفت الروسية بصفقة كبرى بلغت 11 مليار دولار
كما وافقت اللجنة الحكومية للاستثمار الأجنبي على بيع حصة تبلغ نحو 25% من أسهم شركة “بولكوفو” المشغلة لمطار بولكوفو في سان بطرسبورغ مقابل 239 مليون يورو، وبحسب صحيفة “فيدوموستي” الروسية المتخصصة في الشأن الاقتصادي أشارت في عدد لها أن هناك اسثمارات جديدة بين روسيا وقطر من بينها صفقة قد تصل إلى 49% من أسهم شركة “يارغيو” صاحبة ترخيص استكشاف وإنتاج الهيدروكروبونات بحقل ياروديسكي في دائرة “يامالو نينتس” ذات الحكم الذاتي حتى العام 2029.
الاستثمارات القطرية في آسيا
أعلن جهاز قطر للاستثمار في 2014 عن نيته لاستثمار 20 مليار دولار في آسيا على مدار 6 سنوات، والتوسع في بكين ونيوديلهي، وأكمل الجهاز صفقة شراء برج سكوير في سنغافورة من شركة BlackRock في صفقة بلغت 2.5 مليار دولار، بالإضافة لصفقات كبرى متعددة في هونج كونج. وينوي الجهاز أيضًا الدخول في استثمارات مستقبلية في الصين بقيمة 10 مليارات دولار.
واشترى جهاز قطر للاستثمار برج “آسيا سكوير” في سنغافورة الذي يضم مكاتب لشركات عالمية من بينها غوغل وسيتي غروب مقابل 2.4 مليار دولار أي ما يعادل 1960 دولار للقدم المربع ما جعل الصفقة إحدى أغلى الصفقات ثمنًا في شراء المباني في العالم. والجدير بالذكر أن الغاز القطري الذي يُصدر لآسيا حيث تستوعب الأسواق الآسيوية نصف إنتاج قطر من الغاز المسال حسب العام 2015 وتعد هونج كونج، واليابان، وكوريا الجنوبية وتايوان من البلدان الأكثر شراءًا للغاز القطري.
تلك الاستثمارات المتوزعة في بقاع مختلفة من العالم، ظهرت فائدتها بعد الأزمة الخليحية مع قطر إذ تمكنت عبر تلك الاستثمارات من امتلاك ورقة قوية لتمرير مصالحها، وقوة ناعمة تمكنت من استغلالها في هذا الظرف الحالك الذي تمر به قطر. فقد لعبت المصالح الاقتصادية المتشابكة ما بين قطر وأوروبا وآسيا وروسيا وتركيا خصوصًا وبدرجة أقل في أمريكا، دورًا مهمًا في وقوف أغلبية تلك الدول إلى جانبها في أزمتها مع الخليج.