تصنف اليمن ضمن الدول البحرية بالأساس، فبالرغم من مساحتها الصغيرة (555ألف كم2) إلا أنها تملك شريطاً ساحلياً يقدر 2200كم وعشرات الجزر المأهولة وغير المأهولة، وأنشأت المدن الساحلية الأكبر وعدد من الموانئ الرئيسية إلى جانب عشرات الموانئ الصغيرة؛ لكن وجودها على “باب المندب” والتحكم فيه كان رغبة دائمة لأي دولة تريد الاستعمار الوصول إلى هذا المضيق إلى جانب بقاء عدن وميناءها محل أطماع دائمة، وحتى قبل ثلاث سنوات كانت الإمارات مسيطرة عليه باتفاقيه تجارية نقضتها حكومة مابعد ثورة فبراير/شباط 2011م، لكن أبوظبي الآن تعود بقواعد أكبر وأشمل.
دخلت أبوظبي حليفة النظام السابق اليمن عبر البوابة الجنوبية للبلاد، ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ونُشرت مقاطع فيديو تظهر أسراباً من الدبابات ومثلها من المدرعات الإماراتية وقواتها داخل مدينة عدن، كانت تلك حظة حاسمة في ظل محاولة مد نفوذها نحو أفريقيا وهذه هي الفرصة المناسبة، تأسيس قاعدة إقليمية للقوات الإماراتية يكون المرتزقة واليمنيين الموالين لأبوظبي وقودها في المستقبل في عدن. “جزيرة سقطرى” المحافظة وأرخبيلها كانت الهدف التالي فسيطرت أبوظبي عليها وأصبحت محميتها الخاصة وهذه الجزيرة تتحكم بشكل كامل بالخط الذي يمر من الهند إلى الغرب وتتوغل في أفريقيا إنه موقع استراتيجي بالفعل لـ”إسبرطة صغيرة” تملك المال للهيمنة وإقلاق العالم.
يناقش هذا التقرير القواعد الإماراتية وأهدافها في اليمن وسواحله.
أهمية مضيق باب المندب
يعتبر مضيق باب المندب، في الوقت الراهن، أحد أهم نقاط العبور البحري التي تستخدمها حاملات النفط في العالم، حيث يمر به ما يقرب من 4.7 مليون برميل من النفط يوميا، ويبلغ عرضه 28.9 كيلومتر فقط عند أضيق نقطة منه، والتي تمتد من رأس سيان في جيبوتي إلى رأس منهالي في اليمن.
وقد ازدادت أهميته بوصفه واحداً من أهم الممرات البحرية في العالم، مع ازدياد أهمية نفط الخليج العربي.
ولليمن أفضلية استراتيجية في السيطرة على المضيق لامتلاكه جزيرة بريم (ميون) الخاضعة لسيطرة الإمارات، ومن يملك هذه الجزيرة يسيطر على الممر الدولي الهام. ولم يتمكن أحد قبلاً من السيطرة على الجزيرة، ولأجل ذلك قامت القوى الكبرى وحليفاتها عملت على إقامة قواعد عسكرية قربه وحوله وذلك لأهميته العالمية في التجارة والنقل، إذ تملك الولايات المتحدة قاعدة في جيبوتي على الضفة الغربية لمضيق باب المندب، وتملك فرنسا أيضاً حضوراً عسكريا قديما في جيبوتي.
جزيرة ميون “بريم”
ولعل هذه القاعدة العسكرية أخطر قواعد الإمارات في البحر الأحمر، فالجزيرة التي هجّرت القوات الإماراتية مواطنيها ومنحت الجنسية الإماراتية (86 عائلة)، تحوي قاعدة أكبر وأوسع للإمارات في فوهة مضيق باب المندب.
وفي فبراير/شباط الماضي كشفت مجلة “جاينز” الأسبوعية المتخصصة بالأبحاث العسكرية، أن دولة الإمارات العربية المتحدة شرعت في بناء قاعدة عسكرية في الجزيرة، ونشرت المؤسسة صورة فضائية ليوم 14 يناير/ كانون الثاني 2017م والتي تبين وجود بناء الجديد لمدرج طائرات بطول 3200م على جزيرة ميون الواقعة في باب المندب.
ولم تكن الحكومة اليمنية على عِلم بالقاعدة الإماراتية في الجزيرة التي تقع في فوهة باب المندب، وحسب مسؤول يمني تحدث لموقع عربي 21 الذي يبث من لندن أن المخابرات الأمريكيَّة هي من أعطت صوراً للقاعدة المذكورة وهو ما زاد من حِدة التوتر بين أبوظبي والرئيس اليمني الذي رفض في وقت سابق إعطاء ولي عهد أبوظبي حقاً في تأجير جزيرة سقطرى وأقال نائبه ورئيس الوزراء خالد بحاح (ابريل/نيسان2016) بعد معلومات أن الرجل سيوقع عقداً لتأجير الجزيرة للإماراتيين.
وكان نشر الصحفي البريطاني المتخصص في قضايا الشرق الأوسط جيريمي بيني صورا وخرائط على صفحته في تويتر في مايو/أيار توضح الإنشاءات التي تقوم بها القوات الإماراتية في جزيرة ميون، وما يعتقد أنه مدرج طائرات جديد يتم إنشاؤه, متوقعا أن تنتهي الإمارات من إكمال بناء المدرج وإنشاءات أخرى مع نهاية هذا العام.
“ذوباب” و”المخا”
وحوّل الإماراتيون بلدة “ذو باب” القريبة من باب المندب إلى قاعدة عسكرية يتحكمون فيها بالكامل، وهجروا جميع سكان البلدة البالغين نحو عشرة آلاف مواطن, ونقلوهم إلى خيام في منطقة صحراوية وفي ظروف قاسية, وحوّلوا مساكنهم إلى ثكنات عسكرية.
كما حوّلوا ميناء المخا إلى قاعدة عسكرية لهم, ووضعوا فيها نحو أربعمئة من قواتهم ومنعوا اليمنيين من الاقتراب منها، وأصبح الميناء حكرا عليهم تصل إليه سفنهم الحربية وإمداداتهم العسكرية.
وحسب تقرير لتلفزيون الجزيرة بُثّ في (16 يوليو/تموز) الجاري فـ”نتيجة لهذا الوضع، تمنع القوات الإماراتية صيد الأسماك -الذي يعتبر مصدر رزق معظم السكان- على طول الشريط الساحلي من باب المندب وحتى ميناء المخا”.
وشكل الإماراتيون قواتٍ محلية تضم مئات من أبناء الساحل الغربي من الموالين لهم بشكل كامل، ولم يتم إدراجهم أو اعتمادهم في القوات الحكومية اليمنية، وهم يشكلون -إلى جانب آخرين من أبناء الجنوب- “الحزام الأمني” الذي تشرف عليه الإمارات.
ولا يجرؤ أحد في المخا على انتقاد الإماراتيين أو انتقاد الأوضاع السائدة في المنطقة، ومن يفعل ذلك يختطف ويتم التحقيق معه وينقل إلى عدن حيث تمتلك الإمارات وقوات تابعة لها سجونا سرية.
وتشير معلومات إلى أن طلبا إماراتيا قدم للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بأن تكون مديريات المخا، وذو باب، وموزع، ومقبنة، والوزاعية محافظة مستقلة عن محافظة تعز وتضم إلى إقليم عدن.
ميناء عصب
في وقت حرج للإمارات بعد انهيار وطرد القوات من جيبوتي بعد مشادات كلامية وصلت إلى الصفع بين المسؤولين الإماراتيين والجيبوتيين وقطع العلاقات وإلغاء عمليات عسكرية كانت جاهزة لتحرير عدن من الحوثيين في ابريل/نيسان 2015م، اضطرت الإمارات إلى اللجوء إلى ارتيريا منافسها الإقليمي، ووقعت الدولة الخليجية عقد ايجار لمدة ثلاثين عاماً كجزءٍ من اتفاقية الشراكة المبرمة، لغرض إقامة قاعدةٍ عسكرية للإمارات في ميناء عصب العميق وغير النشط ومطار عصب المجاور الذي يتميّز بسطحه الصلب ويضمّ مدرجاً يمتد على طول 3500 متر قادراً على استقبال طائرات نقلٍ ضخمة، من بينها طائرات “بوينغ سي-17 غلوب ماستر 3” التي يقودها السلاح الجوي الإماراتي. كما وافقت دول الخليج على تقديم حزمةٍ من المساعدات المالية وتعهّدت بتحديث “مطار أسمرة الدولي”، وإنشاء بنيةٍ تحتية جديدة، وزيادة إمدادات الوقود إلى إريتريا.
وفي ديسمبر/كانون الأول2016م نشر مركز ستراتفور للدراسات الاستراتيجية والمخابراتية الأمنية (أمريكي) تقريراً يفيد أن الإمارات تقوم بتطوير تلك القاعدة العسكرية لتضيف لها طائرات حديثة، ونشرت صوراً بالأقمار الصناعية تؤكد ذلك التطوير.
ويقول المركز: “وبالإضافة إلى العتاد الجوي الذي ركزته الإمارات في قاعدة عصب، هناك أيضا وحدة برية كبيرة التي تضم على الأقل كتيبة مدرعة مجهزة بدبابات لوكلير القتالية فرنسية الصنع. ومع ذلك فإن الأصول الجوية هي الأسرع في الانتشار، حيث تعطي طائرات ميراج 2000 فرنسية المنشأ المتمركزة في القاعدة لأبوظبي ليس فقط القدرة على إجراء عملياتها في اليمن بكل سهولة، ولكن أيضا القدرة على إبراز قوتها في أماكن أخرى حول البحر الأحمر وخليج عدن”.
وعلق المركز على ذلك: ومن المحتمل أن تواصل دولة الإمارات العربية المتحدة تعزيز علاقاتها العسكرية مع البلدان في جميع أنحاء المنطقة، ولكن قدرتها على السلطوية ستزداد معها. وتشكل القاعدة بالقرب من عصب تحولا كبيرا في السياسة العسكرية لدولة الإمارات العربية المتحدة حيث تصبح جزءا من مجموعة صغيرة من البلدان التي تحتفظ بقواعد في الخارج”.
أرض الصومال
في فبراير/شباط 2017م طفت إلى السطح اتفاقية عسكرية بين أبوظبي وجمهورية (إقليم أرض الصومال) الانفصالية لإقامة قاعدة عسكرية على بعد 278 كم جنوب مضيق باب المندب، و“ميناء بربرة” ما يكشف نوايا إماراتية أكبر ببناء قواعد عسكرية أكثر وأكبر على الشواطئ البحر الأحمر قرب المضيق الاستراتيجي الهام.
وقال وزير الخارجية في أرض الصومال سعد علي شيري عن الاتفاق إن الطائرات الحربية الإماراتية قادرة على تنفيذ الضربات الجوية الأولى في اليمن. معتقداً أن ذلك سيستهدف الحوثيين في البلاد، مع أن الحوثيين يتم استهدافهم من قاعدة “عصب” بأرتيريا، فـ”بربرة” أقرب بكثير من عدن عنه من المحافظات الشمالية كما قاعدة “عصب”.
شيري أشار في تصريحات لوكالة اقتصاد أمريكية تابعت الاتفاق منذ البداية “بلومبرج” إلى ما يقدمه الاتفاق للإمارات وقال: يمكن للقوات المسلحة الإماراتية عموما أن تستخدم القاعدة في بربرة، في جميع العمليات “فلم يتم وضع أي قيود على العمليات التي يمكن أن تقوم بها”. وينص الاتفاق (السري) على أن سلاح الجو الإماراتي وحده يمكن أن يستخدم المطار وليس أي من حلفائه.
وأضاف: “ستكون مثل أي قاعدة أخرى في العالم”. “سوف يستخدمونها كنوع من مرافق المراقبة، مرفق تدريب، وأحيانا كمرفق تشغيلي”. ولم يستجب مسؤولون بوزارة الخارجية الإماراتية لطلبات التعليق-حسب ما ذكرت “بلومبرج”.
وأوضحت مجلة نيوزويك الأمريكية، أن تصويت برلمان جمهورية أرض الصومال يعطي الحق للإمارات بتطوير القاعدة العسكرية والبحرية على مساحة 40 كيلومتر مربع، وفقًا للخطة التي قدمها الجيش الإماراتي إلى حكومة جمهورية أرض الصومال في أثناء المفاوضات.
قاعدة جيبوتي
في 2005 وقعت اتفقت الإمارات مع جيبوتي على إدارة ميناء جيبوتي، واستخدام المطار الرئيسي في العمليات العسكرية بالتنسيق مع الجانب الجيبوتي. وتنفيذاً لذلك كان من المقرر انطلاق الطائرات لمواجهة الحوثيين في اليمن من هذه القاعدة إلا أن أمراً مثيراً حدث أدى إلى طرد القوات السعودية والإماراتية.
وحسب معهد واشنطن “ففي البداية، سعت المملكة العربية السعودية ودولة «الإمارات» إلى استخدام جيبوتي، التي تقع مباشرة عبر خليج عدن، من أجل دعم عملية تحرير عدن، ولكن شاء القدر أن يتدخل في ذلك. ففي أواخر نيسان/أبريل 2015، أدّت مشادةٌ كلامية بين رئيس “سلاح الجو الجيبوتي” ودبلوماسيين إماراتيين إلى إفساد العلاقات بين البلدين، بعد أن حطّت طائرة إماراتية كانت تُشارك في الضربات الجوية لتحالف “عاصفة الحزم” في اليمن، في “مطار جيبوتي الدولي” من دون ترخيص.
وقد تطوّرت تلك المشادة بالفعل إلى تضارب بالأيدي تلقّى خلالها نائب القنصل الإماراتي علي الشحي لكمةً أدّت إلى نشوب نزاع دبلوماسي بين البلدين. وسرعان ما تفاقمت حدّة الخلاف في ظلّ التوتر الذي كان مخيًّماً في السابق على العلاقة بين البلدين على خلفية نزاعٍ قانوني استمرّ فترةً طويلة حول عقدٍ لـ “محطة حاويات دوراليه”، وهي أكبر ميناء للحاويات في أفريقيا تديرها “شركة موانئ دبي العالمية” التي تشغّل “المحطات البحرية الإماراتية” التي مقرها في دبي، وتُعتبر واحدة من أكبر أصول القوة الناعمة في الإمارات.
وفي 4 أيار/مايو 2015، قطعت الإمارات العربية المتحدة وجيبوتي رسمياً العلاقات الدبلوماسية بينهما وأقدمت جيبوتي على طرد القوات السعودية والإماراتية من منشأةٍ كائنة في منطقة هراموس المجاورة لـ “معسكر ليمونييه”، وهي قاعدةُ (تستخدمها “القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا” و”قوة المهام المشتركة في القرن الأفريقي”) كان قد أنشأها في السابق “الفيلق الأجنبي الفرنسي” واستأجرها في مطلع شهر نيسان/أبريل تحالف دول الخليج لدعم عملياته في اليمن”.
لكن يبدو أن العلاقات عادت مجدداً في النصف الثاني لعام 2016م وعادت القوات الإماراتية من جديد إلى الميناء الاستراتيجي، كما أن السعودية ستبني قاعدة عسكرية في نفس الدولة.
رغبة محمد بن زايد
وحسب موقع ” Tacticalreport” فقد أشار إلى رغبة ولي عهد ابوظبي محمد بن زايد آل نهيان، في المشاركة جنباً إلى جنب مع القوات البحرية الحليفة، الأمريكية والمصرية، في تأمين ساحل اليمن حتى مضيق باب المندب.
بن زايد وبحسب التقرير، كشف عن استهدافه تعزيز دور البحرية الإماراتية في حماية المضيق الآن وفي السنوات القادمة، ضمن خطة دولته لتوسيع الانتشار العسكري في مضيق هرمز وساحل اليمن وباب المندب وحتى سواحل القرن الأفريقي.
الموقع المصنف بأنه استخباراتي نقل عن مصادر مقربة من القيادة العامة للقوات المسلحة الإماراتية أن هناك اتصال دائم بين بن زايد ووزارة الدفاع الأمريكية وذلك لتوسعة وتعزيز دور البحرية الإماراتية في هذه المنطقة، مضيفًا أن النفوذ الإماراتي -المدعوم أمريكيا – في القرن الإفريقي يعتمد على استراتيجية شراء واستئجار وإدارة موانئ ومطارات ذات أهمية عسكرية واقتصادية متنوعة، كما في ميناءي عدن وجيبوتي، إضافة إلى بناء القواعد العسكرية كما في بربرة شمال غرب الصومال.
الحضور الإماراتي في دول إريتريا والصومال وجيبوتي، جاء في سياق التنافس الإقليمي والدولي على هذه المنطقة، ولم تكن الأهداف العسكرية فيما يتعلق بدعم القوات الإماراتية المشاركة في حرب اليمن، والحفاظ على تأمين المدن الجنوبية اليمنية التي سيطرت عليها القوات الإماراتية، هي الأهداف الوحيدة لمساعي الإمارات تعزيز نفوذها في هذه الدول.