ترجمة وتحرير نون بوست
أخبر السيناتور جون ماكين، رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ، رايان مكارثي، مرشح ترامب لمنصب وكيل وزراة الدفاع، أن الجيش الأمريكي يواجه في الوقت الراهن أزمة. وعموما، يشغل مكارثي حاليا منصب المدير التنفيذي لشركة “لوكهيد مارتن”، كما أنه تولى سابقا منصب مساعد وزير الدفاع الأمريكي، بوب غيتس.
في الحقيقة، قام العديد من أعضاء مجلس الشيوخ بتسليط الضوء على عتاد الجيش الأمريكي الذي ارتفعت قيمته لتبلغ مليارات الدولارت. ويشمل هذا العتاد النظام المقاتل المستقبلي الضخم الذى تبلغ قيمته 20 مليار دولار وشبكة المعلومات التكتيكية الحربية، وهو برنامج اتصالات فاشل تقدر قيمته بحوالي ستة مليارات دولار.
في المقابل، لا يحتاج الأمر إلى تفكير عميق لمعرفة الحاجة الملحة لكل من صفوف ضباط الجيش العام ومكتب أمانة الجيش إلى مؤهلات بشرية. كما لا يحتاج الجيش إلى مدير غير مؤهل لإدارة صندوق التحوط أو مهندس اجتماعي أو مسؤول آخر عن صناعة الدفاع ملتزم بالأعمال الروتينية.
في هذا السياق، يبدو أن الجيش في طريقه إلى خسارة الكثير من الأشياء ما لم يقم الرئيس الأمريكي بتعيين وزير للدفاع مطلع وقوي، مستعد إلى محاسبة جنرالاته والمطالبة بتغيير شامل. وإن بقي الأمر على حاله، سوف يخسر الجيش المعركة الأولى من حربه القادمة. وخلال القرن الواحد والعشرين، قد لا يحصل الأمريكيون على فرصة للقيام بمعركة ثانية.
في الواقع، لا علاقة لمشاكل الجيش بالأمور المالية، حيث أن الجيش الأمريكي يتلقى مبالغ سنوية تتراوح ما بين 137 و149 مليار دولار، بفضل قانون تقويض الدفاع الوطني لسنة 2017. والجدير بالذكر أن هذه المبالغ تفوق بدرجة كبيرة ميزانية الدفاع الوطني الروسي.
الجيش الأمريكي يتلقى مبالغ سنوية تتراوح ما بين 137 و149 مليار دولار
في المقابل، يعود الفشل في تحديث الجيش واستعداده إلى مقاومة الجنرالات المتعصبين للإصلاح التنظيمي الأساسي والعصرنة الحذرة وتغيير الطريقة التي ينبغي أن يقاتل بها الجيش مستقبلا. وفي هذا الشأن، قال الجنرال جورج واشنطن: “إذا اعتمدنا على الحكمة، دعونا نستعد للأسوأ”.
في 18 تموز/يوليو، سيقوم اللواء 173 المحمول جوا، إلى جانب وحدات الناتو المحمولة جوا، بعملية مشتركة بهدف اقتحام قاعدة بيزمر في بلغاريا. وتهدف هذه العملية إلى استعراض عملية الإستيلاء على المجال الجوي، التي ستسمح بعد ذلك لفوج الفرسان الثاني ببناء قوة قتالية والاستعداد للعمليات التي ستليها.
في الحقيقة، تعتبر هذه العملية بمثابة تدريب للقيام بعملية انتحار. وتجدر الإشارة إلى أن شركاءنا في أوروبا الشرقية والروس على علم بهذا الأمر. وتتطلب أي عملية مشتركة لدخول مسرح المعركة سيادة أمريكية على المستوى الجوي والبحري، فضلا عن تفوق شبكة معركة شاملة في المجال المستهدف.
والجدير بالذكر أن محاولة القيام بهذا “الدخول القسري” ضد المجال الجوي المحمي في روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية من شأنه أن ينتهي خلال دقائق حيث ستتم إبادة للمظليين ولواء الشاحنات الخفيفة المدرعة بالكامل.
كثيرا ما يعتقد المدنيون أن الضباط العامين ليس لديهم رحمة أو مشاعر عندما يتعلق الأمر بإبادة التكتيكات والمنظمات والتكنولوجيات الزائلة. من جهة أخرى، كيف دخل الجيش الأمريكي الحرب العالمية الثانية مع أفواج من الأحصنة بعد فترة طويلة من اكتساح الألمان لأوروبا باستخدام القوات المدرعة؟
يبقى تشتت حوالي 200 ألف جندي حول العالم يمثل أمرا أكثر خطورة مما سبق
في الواقع، لا مجال للشفقة في نفوس جنرالات الجيش من فئة أربعة نجوم عندما يتعلق الأمر بسحق روح المبادرة داخل الجيش النظامي. ومن جهتهم، ينحاز هؤلاء الجنرالات أكثر إلى صرف المليارات من الدولارات في تقنيات غير مثبتة، تعتبر قادرة على تحقيق النصر خلال المستقبل البعيد الغامض. كما يجنح هؤلاء الجنرالات إلى صرف الأموال لتحسين البرامج والأنظمة القديمة التي يعود تصميمها إلى سبعينات القرن الماضي. ومن الواضح أنه لا وجود لمعارضة حقيقية لمثل هذه الإجراءات داخل الكونغرس.
وإلى جملة الكوارث المذكورة آنفا، يجب لا ننسى إضافة الإلتزام القاسي لحوالي 200 ألف، من بين 475 ألف جندي تابع للجيش النظامي، بالتدريب، والإرشاد، والحضور، والقيام ببعثات خاصة لدعم المهمات في أفريقيا، والشرق الأوسط، وآسيا. ولا يخفى على أحد أن عمليات “مكافحة التمرد” قد قوّضت بشكل كبير قدرة الجيش الأمريكي على خوض حرب تقليدية عالية المستوى. لكن يبقى تشتت حوالي 200 ألف جندي حول العالم يمثل أمرا أكثر خطورة مما سبقه.
خلال سنة 1932، أخبر الجنرال دوغلاس ماكارثر، الذي شغل سابقا رئيس أركان الجيش، أعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب أن “تشتت الجيش النظامي إلى كتائب صغيرة منتشرة في بقاع متفرقة من العالم لا يخدم مصالح إنشاء قوة متاحة وكافية ومتوازنة وفعالة بغية مواجهة المراحل الأولى من حالة الطوارئ”. في المقابل، لم يُعر الكونغرس اهتماما لهذه المسألة ما دفع بماك آرثر إلى التقاعد. وبعد عشر سنوات وتحديدا خلال سنة 1942، خاض الجيش الأمريكي حربا لم يكن مستعدا للقتال فيها.
الولايات المتحدة تسير على خطى النموذج الكوري لحالة الطوارئ الذي تم تطبيقه منذ سنة 1950
لا تعتبر الأخبار السيئة موضع ترحيب من قبل العاصمة واشنطن، على الرغم من أنها ضرورية. وعموما، تكمن القوة القتالية للجيش في تشكيلاته القتالية وليس في العدد الجملي للجنود. أما اليوم، ينتشر الجيش على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، كما أن تشكيلاته القتالية تعتبر بمثابة آثار للحرب الباردة. وفي حال واجهت فرق فريق لواء القتالية تهديدا من شأنه أن يطال الدفاع الجوي والمدفعية الصاروخية والذخائر ناهيك عن الجيش، فمن المرجح أن تواجه هزيمة.
غير أنه لا شيء مما ذكر سابقا يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية بحاجة إلى نسخة معدلة من جيش الحرب العالمية الثانية أو الحرب الباردة. وتجدر الإشارة إلى أن الأمريكيين ليسوا بحاجة إلى عملية احتيال أخرى على غرار نظام القتال المستقبلي. عوضا عن ذلك، تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية إلى تشكيلات قتالية جديدة مصصمة لحرب مشتركة وموحدة ومتكاملة تكون أكثر فتكا من أي شيء شهدناه في الحرب العالمية الثانية.
يبدو أن العالم الذي عرفه الأمريكيون طيلة 50 سنة خلت في طريقه نحو الانهيار. علاوة على ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة تسير على خطى النموذج الكوري لحالة الطوارئ الذي تم تطبيقه منذ سنة 1950. وبالتالي، سيصدر التاريخ حكمه على إدارة ترامب من خلال اختياره لوزير الدفاع القادم.
المصدر: ناشيونال إنترست