منذ نيلها استقلالها من فرنسا أو قُل قبلها بكثير، توجّهت تونس نحو الشمال غير مهتمة بالجنوب وامتدادها الإفريقي، فطوّرت علاقاتها غير المتكافئة بدول القارة الأوروبية اقتصاديًا وسياسيًا، فأصبحت في تبعية لها وتركت مجالاً خصبًا في إفريقيا كان لها أن تستثمر فيه وتجني أرباحًا كثيرة في مجالات عدّة.
ومع تراجع دول عديدة في أوروبا وبداية انهيار الاتحاد الأوروبي، بدأت تونس في تحويل بوصلتها نحو الجنوب إلى دول القارة السمراء لتدارك ما فات وتحقيق أرباح تعود بالنفع على شعبها الذي يعاني من مشاكل عديدة جراء الأزمات المتعاقبة التي يعيش على وقعها.
سعي لنيل نصيبها
رغم تواضع الوجود التونسي في دول القارة الإفريقية، فإن عددًا من المؤسسات الاقتصادية حققت نجاحًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة رغم توجهها بشكل منفرد، لتوسيع نشاطها في البلدان الإفريقية، وذلك مثل مكاتب الدراسات والمقاولات والمجمعات التجارية والأنشطة الزراعية.
وسبق لرجال أعمال تونسيين أن أسسوا في أكتوبر 2015، مجلس الأعمال التونسي الإفريقي، الذي يهدف إلى تمتين التعاون الاقتصادي بين تونس وإفريقيا وتعزيز العلاقات الثنائية بين المستثمرين وتأسيس إطار ملائم لتجميع الموارد والقيمة المضافة، وتعزيز التعاون فيما بين البلدان الإفريقية بهدف تحسين الأداء الاقتصادي والنمو الاقتصادي من خلال بعث مشاريع تصديرية مشتركة تساعد على زيادة حجم المعاملات الاقتصادية.
لا يتجاوز حجم الصادرات التونسية باتجاه إفريقيا 2.5% من إجمالي الصادرات إلى الخارج
ولتحقيق نجاعة اقتصادية أكبر، تستعد تونس لبدأ المشاورات والعمل على توقيع معاهدة السوق المشتركة لدول شرق وجنوب إفريقيا، المعروفة اختصارًا بـ “كوميسا” خلال مؤتمرها القادم شهر أكتوبر/تشرين الأول 2017، وهو التوقيع الذي بموجبه يتم النظر في قبول عضوية تونس في هذه المنظمة كي تكون بذلك الدولة رقم 20 بها.
وسبق لتونس أن رشحت نفسها لدخول هذه المنظمة التي يتجاوز حجم مبادلاتها التجارية قيمة 4.5 تريليون دولار عام 2005، غير أنها لم تكمل الإجراءات، حسب معلومات “كوميسا”، ثم عادت شهر فبراير/شباط 2016 لأجل طلب العضوية من جديد.
وتتيح “كوميسا” في مادتها الرابعة لهيئتها التنفيذية المكونة من رؤساء دول وحكومات المنظمة، إمكانية قبول دولة جارة لعدد من الدول الأعضاء، شرط الالتزام بشروط وأهداف المنظمة.
فرص كبرى وفرها مجلس الأعمال التونسي الإفريقي لرجال الأعمال التونسيين
ومن شأن انضمام تونس لهذه المجموعة الاقتصادية، حسب عدد من الخبراء، أن يمثل حزامًا اقتصاديًا للمصدرين التونسيين، كما من شأنه أن يساعد على المزيد من تدعيم صادراتها وتعزيز وجود المنتجات التونسية التي ستكون معفاة من الجمارك في دول شرق إفريقيا، ولا يتجاوز حجم الصادرات التونسية باتجاه إفريقيا 2.5% من إجمالي الصادرات إلى الخارج، وتتركز في دول غرب القارة، وتعد إثيوبيا الشريك الإفريقي الأول لتونس، يليها السنغال ثم ساحل العاج والكاميرون.
وتصدر تونس لإفريقيا العديد من المنتجات، مثل المواد الغذائية المصنعة، مواد التنظيف، الأدوية، الأدوات والكتب المدرسية، وتطمح المؤسسات التونسية إلى زيادة حجم صادراتها إلى القارة، التي حققت خلال السنوات الأخيرة معدلات نمو تراوحت بين 5 و6%، ويوجد في إفريقيا نحو 1000 شركة تونسية.
استراتيجية مطلوبة
لتحقيق الأهداف المطلوبة، يرى مراقبون ضرورة توفر الإرادة السياسية لذلك ووضع استراتيجية واضحة الملامح ومتعددة الجوانب، لذلك فالسعي لإعادة التموقع في القارة الإفريقية وسط حضور قوي للصين وتركيا هناك إلى جانب الدول الأوروبية، والدخول إلى أسواقها وخلق إمكانات مهمة لتشغيل الشباب وخاصة من بين حاملي الشهادات العليا يتطلب استراتيجية واضحة.
ضمن مسعاها للعودة إلى الحاضنة الإفريقية، أعلنت مؤخرًا الخارجية التونسية فتحها سفارتين جديدتين في كل من كينيا وبوركينا فاسو
وتقوم هذه الاستراتيجية حسب رأي بعض الخبراء على ثلاثة محاور مترابطة، لها في الآن نفسه بُعد سياسي ودبلوماسي واقتصادي، ويتطلب تنفيذها تخطيطًا محكمًا ووسائل وإمكانات مادية حتى تستطيع تونس تحقيق أهدافها، ولتجاوز العلاقات الظرفية مع دول القارة الإفريقية المتمثلة في البعثات الاقتصادية وإقامة معارض للمنتجات التونسية، يعتقد اقتصاديون أن الاندماج في الفضاء الاقتصادي الإفريقي يتطلب توفير النقل الجوي والبحري والمنظومة البنكية.
من شأن الخطوط الجوية الجديدة تنمية التبادل التجاري بين تونس ودول القارة
وفي سبتمبر 2016 فتحت تونس خطًا جويًا مباشرًا مع النيجر وفي أبريل الماضي فتحت خطًا جويًا آخر مع غينيا، كما استأنفت مؤخرًا رحلات الخطوط التونسية إلى الخرطوم التي كانت متوقفة منذ 28 عامًا، وضمن مسعاها للعودة إلى الحاضنة الإفريقية، أعلنت مؤخرًا الخارجية التونسية فتحها سفارتين جديدتين في كل من كينيا وبوركينا فاسو، علاوة على فتح 5 مكاتب تجارية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، يذكر أن تونس كانت لها 8 سفارات في إفريقيا تدعمت السنة الماضية بسفارتين في كينيا وبوركينا فاسو وفق معطيات وزارة الشؤون الخارجية التونسية.