تنهي الجزائر عام 2023 بأحداث طبعت المشهد الداخلي والخارجي، أبرزها تحسن مؤشرات الاقتصاد، ورغم أنه ما زال مرتبطًا بأسعار النفط، فقد سمح للحكومة بزيادة في أجور العمال لمواجهة انهيار القدرة الشرائية، فيما تمثلت أكثر الأخبار سلبية خيبة عدم الانضمام لمجموعة بريكس والحرائق التي تكررت الصيف الماضي أيضًا مخلفة عشرات القتلى.
على الصعيد الخارجي، جددت الحكومة الجزائرية اهتمامها بالتوجه نحو العمق الإفريقي رغم التوترات الحادثة في جوارها بمنطقة الساحل، إضافة إلى تأكيد العلاقات الإستراتيجية مع الدول الحليفة كتركيا وقطر والصين وروسيا.
مؤشرات مشجعة
واصل الاقتصاد الجزائري في 2023 تعافيه، مستفيدًا من استقرار أسعار النفط عند 80 دولارًا للبرميل، وهو السعر المرجعي الذي تراه الجزائر منصفًا للمنتجين والمستهلكين، الأمر الذي سمح لها بأن ترتفع احتياطاتها من العملة الصعبة إلى 70 مليار دولار بعدما كانت في 2019 عند 42 مليار دولار.
وحسب أرقام البنك العالمي، فإن الاقتصاد الجزائري حقق نموًا بـ4.1% في 2023، فيما يعرف التضخم الذي تعدى 10% في بداية العام انخفاضًا في الفترة الأخيرة وصل حتى 9%.
يعود هذا التحسن في الأساس إلى عائدات النفط في اقتصاد ما زال يوصف بالريعي، إلا أن الحكومة تقول إن ذلك لا ينفي ملاحظة نقاط مضيئة في أداء اقتصادها، حيث نوعت من شركائها النفطيين، محاولة الاستفادة من الحرب الروسية الأوكرانية، لتصبح من أهم ممولي الغاز للقارة الأوروبية، بل إن هذه الفرصة جعلتها تستفيد من مشاريع منتظرة تخص تصدير الهيدروجين والكهرباء نحو شمال المتوسط.
لتحقيق ذلك، أعلنت شركة سوناطراك النفطية استثمارات بقيمة 50 مليار دولار للسنوات القادمة، لا تقتصر على الداخل المحلي، إنما بتعزيز استثماراتها الموجودة اليوم في النيجر وليبيا و البيرو، وقريبًا في تنزانيا.
وخارج قطاع المحروقات، حقق الاقتصاد الجزائري صادرات بقيمة 7 مليارات دولارات العام الماضي، وتأمل الحكومة أن تصل إلى 13 مليار دولار هذا العام، مستفيدة من التحسن في أداء قطاعات التعدين والبناء وبعض المنتجات الزراعية.
الحضور الدولي
سعت الجزائر في السنوات الأخيرة إلى أن تستعيد مكانتها الدولية التي ضيعتها في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، لذلك تعمل على وجودها ضمن المنظمات والهيئات الدولية في معظم المجالات، حيث استطاعت في 2023 أن تحصل على الدعم لتكون عضوًا غير دائم بمجلس الأمن الذي تطالب بتوسيع عدد أعضائه ابتداءً من 2034 لعهدة تمتد سنتين.
استطاعت الجزائر أن تفوز بالأغلبية الساحقة بعد دعم واسع من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتكون هذه المرة الرابعة في تاريخها، بعد عهدات 1968-1969 و1988-1989 و2004-2005.
انتخبت الجزائر أيضًا نهاية سبتمبر/أيلول الماضي في فيينا بالإجماع من طرف الدورة الـ67 للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية عضوًا في مجلس محافظي الوكالة للفترة الممتدة من 2023 إلى 2025 .
ونهاية نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، انتخبت الجزائر مرة أخرى من طرف الدورة الـ28 لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية بالإجماع في المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية عن منطقة إفريقيا لعهدة مدتها سنتين ابتداءً من 12 مايو/أيار 2024.
كما حصلت في 2023 على رئاسة لجنة تعزيز التعاون والمساعدة في اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد لسنة 2024، خلفًا لتايلاند، بالنظر إلى تجربتها في مكافحة الألغام المضادة للأفراد التي تعود إلى الثورة التحريرية ومساهمتها الفعالة في تحقيق الأهداف الإنسانية للاتفاقية.
لكنها بالمقابل أخفقت بالمجال الرياضي في أن تحصل على عضوية المكتب التنفيذي للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، بعدم حصد رئيس اتحاد الكرة السابق جهد زفيزف الأصوات الكافية، ما جعله يقدم استقالته على الفور عقب هذا الإخفاق الذي لم يتم التسامح معه رسميًا وشعبيًا.
التوجه شرقًا
رغم التضييق الغربي على روسيا، فإن الجزائر أكدت في 2023 على شراكتها الإستراتيجية مع موسكو من خلال الزيارة التي أداها الرئيس عبد المجيد تبون في يونيو/حزيران الماضي، والتي توجت بتوقيع إعلان الشراكة الإستراتيجية المعمّقة بين البلدَين، حيث تم الإمضاء حينها على اتفاقات تتعلق بالتسليم بين البلدَين والتعاون في مجال الاتصالات العامة، وحماية النباتات والموارد المائية، والعدل والثقافة، واستكشاف الفضاء الخارجي للأغراض السلمية.
وقال تبون: “الضغوط الدولية لن تؤثر على علاقتنا مع روسيا“، مؤكدًا في الوقت ذاته “ارتياحه لتوافق الرؤى تجاه الملفات التي تمَّ تناولها خلال المحادثات، ومنها قضية الصحراء الغربية والوضع في منطقة الساحل والقضية الفلسطينية، وكذا التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، فضلًا عمّا يجري في ليبيا”.
أتبعت هذه الزيارة التي كان طابعها اقتصاديًا فقط، بزيارة رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة في يوليو/تموز، وذلك لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين، فالجزائر تصنف ضمن الزبائن الرئيسين للسلاح الروسي.
وتأكد إبقاء الجزائر على علاقاتها الجيدة مع المعسكر الشرقي، بالزيارة التي أداها تبون إلى الصين في يوليو/تموز الماضي، وتوجت بالتوقيع على 19 اتفاقية في عدة قطاعات، تخص قطاعات السكك الحديدية وتحويل التكنولوجيا، والتعاون الفلاحي والاتصالات، والرياضة والاستثمار والتعاون التجاري، والداخلية والتهيئة العمرانية والبحث العلمي والقضاء والتنمية الاجتماعية والطاقات المتجددة والهيدروجين، وقطاعات أخرى، إضافة إلى وعود باستثمارات صينية بالجزائر تصل إلى 36 مليار دولار.
ولإبعاد تهمة الانحياز إلى المعسكر الشرقي حرصت الجزائر على تنويع شراكتها، وذلك من خلال المباحثات المستمرة مع الجانب الأمريكي، وبالخصوص في الجانب الأمني، حيث زار الولايات المتحدة وزير الخارجية أحمد عطاف في أغسطس/آب، وبحث مع نظيره أنتوني بلينكن واقع وآفاق الشراكة الأمريكية.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن في رسالة لتبون بمناسبة الذكرى الـ61 لاستقلال الجزائر: “لقد ساهمت الشراكة المستدامة بين الجزائر والولايات المتحدة في تعزيز السلام والازدهار لشعبينا ولشعوب العالم.. نعمل معًا على مواجهة التحديات الأمنية الإقليمية الرئيسية بما في ذلك مكافحة التطرف والإرهاب”.
وبالنسبة للعلاقات مع أوروبا، فقد زار الرئيس تبون البرتغال، وكان مقررًا أن يزور إيطاليا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي للمشاركة في منتدى الحوار المتوسطي رفيع المستوى، إلا أن تأجيل هذا الحدث أرجأ الزيارة إلى أهم شريك أوروبي للجزائر في الوقت الحالي.
كما كانت لوزير الخارجية عطاف زيارات قادته إلى كل من إيطاليا وبريطانيا وألمانيا وصربيا وغيرها من الدول، بالنظر إلى أن الجزائر تريد تعديل اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الموقع في 2003.
لكن هذا لا يعني أن كل العلاقات مع أوروبا تسير بالشكل ذاته، فالعلاقات مع فرنسا تظل متقلبة، حيث لم يحدد تبون موعد زيارته إلى باريس التي كانت مقررة في يونيو/حزيران الماضي حتى اليوم، رغم حدوث تقدم في المحادثات بين البلدين بعد فترة تشنج عاشتها جراء عدم التفاهم بشأن القضايا الخلافية المعروفة المتعلقة بالذاكرة والهجرة والشراكة الاقتصادية وغيرها.
وبعد قطيعة دامت نحو 20 شهرًا، استأنفت الجزائر الشهر الماضي علاقتها مع إسبانيا بتعيين سفير جديد في مدريد.
وقال وزير الخارجية أحمد عطاف، إن إعادة السفير إلى مدريد جاء عقب عودة إسبانيا إلى موقفها السابق الذي عبرت عنه صراحة من خلال خطاب رئيس الحكومة بيدرو سانشيز في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالعودة إلى الموقف الأوروبي، وعبرت عنه صراحة أيضًا عبر البوابة الإلكترونية لوزارة الخارجية.
وإقليميًا، أكدت الجزائر وتركيا في 2023 شراكتهما الإستراتيجة في مختلف العلاقات من خلال زيارات متبادلة لرئيسي البلدين، وارتفاع الاستثمارات التركية بالجزائر إلى 6 مليارات دولار لتكون بذلك أول دولة مستثمرة بالجزائر، فيما يطمح البلدان لرفعها قريبًا إلى 10 مليارات دولار.
امتحانات
لم تكن 2023 سهلة بالنسبة للجزائر في بعض الملفات، بداية بالخيبة التي تلقتها بعد عدم قبول انضمامها إلى مجموعة بريكس، رغم الوعود التي حصل عليها الرئيس تبون خلال زيارته إلى روسيا والصين، بالنظر إلى أن الأمر تعلق بأهم حليفين للجزائر خارجيًا.
وفي جوارها الإفريقي، تتعرض الجزائر في الأشهر الأخيرة إلى اختبار حقيقي جراء توتر العلاقة مع الجارة مالي التي استدعى مجلسها العسكري سفير الجزائر في بماكو عقب استقبال الجزائر للسياسي والداعية محمود ديكو، وهو ما جعل الجزائر ترد على ذلك بالمثل، لكن المجلس العسكري صعّد الخلاف باستدعاء سفيره في الجزائر للتشاور، وهو ما لم ترد الجزائر عليه.
ورغم هذا الخلاف، تبقى فرص تجاوز هذه الأزمة قائمة، بالنظر إلى أن تصريحات المسؤولين الماليين تؤكد التزامهم باتفاقية الجزائر 2015 التي تظل الإطار الدولي لحل الأزمة في مالي.
وفي النيجر التي شهدت انقلابًا في 26 يوليو/تموز الماضي ضد حكم الرئيس محمد بازوم، لم يسر مقترح الجزائر لتولي دور الوساطة بين الأطرف في البلاد لتجاوز نيامي هذه الأزمة إلى مبتغاه، رغم أنها كانت وراء منع تدخل عسكري أجنبي في نيامي سعت إليه فرنسا المطرودة من البلاد، وذلك بعد أن استطاعت الجزائر إقناع مجموعة إيكواس بوجهتها لحل الأزمة في نيامي.
وساهمت اللقاءات التي خاضتها الدبلوماسية الجزائرية مع الولايات المتحدة ودول أوروبية كإيطاليا وألمانيا، إضافة إلى دعم وجهتها من المعسكر الشرقي في تجنب تكرار ما حدث ليبيا ومالي سابقًا.
وداخليًا، واجهت الجزائر الصيف الماضي تحديًا طبيعيًا جديدًا، تمثل في الحرائق التي ضربت مناطق مختلفة من شمال البلاد، وتسببت في وفاة 34 شخصًا على الأقل بينهم عسكريون، الأمر الذي وضع الحكومة تحت المجهر بالنظر إلى تكرر هذه الكوارث كل عام.
وبمقارنة ما عاشته الجزائر في 2022 بـ2023، فإن العام الحالي كان أقل ضررًا على مختلف الأصعدة، وبالخصوص في جانبه الاقتصادي رغم تراجع القدرة الشرائية لكثير من الجزائريين، وهو ما تحاول الحكومة دعمه بزايدات جديدة في الأجور مطلع السنة الجارية التي ستشهد في نهايتها انتخابات رئاسية جديدة لا يستبعد ترشح تبون لها للفوز بولاية ثانية.