أوردت صحيفة “إسرائيل اليوم” أن أحد الزعماء الذين قابلهم نتنياهو خلال زيارته الأخيرة لإفريقيا قبل أسابيع قليلة، وشارك في مؤتمر اقتصادي لدول غربي إفريقيا في ليبيريا، كان إبراهيم أبو بكر كيتا رئيس مالي، والذي قال للصحيفة إن شبانًا كثر من بلده درسوا في “إسرائيل”، وحين سألته الصحيفة إن كان ينوي تجديد العلاقات مع “إسرائيل”، أجاب: “إن شاء الله”.
“العالم القديم يحتضر، لقد حان الوقت كي تغزو “إسرائيل” إفريقيا”، هذا ما تصدر العناوين في صحيفة “معاريف” في أثناء نشرها لتقرير أعده مراسلوها في تغطية لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامن نتنياهو لأربع دول إفريقية عام 2016، وتتابع الصحيفة قولها إن على “إسرائيل” تغيير رؤيتها لأوروبا كلاعبة وحيدة ومركزية في الحلبة الدولية، ولا بد من تعزيز علاقات “إسرائيل” مع الدول الإفريقية، والعالم يعيش في عصر نهاية البديهيات والمسلمات.
لا تبلغ نسبة الصادرات الإسرائيلية إلى دول إفريقيا إلا أكثر قليلا من 2% من جملة الصادرات الإسرائيلية إلى دول العالم، باستثناء السلاح والعتاد الحربي، لكن من المتوقع زيادة هذه النسبة وتطوير العلاقات التجارية مع إفريقيا
لقد كانت “إسرائيل” تظن أن العالم الغربي لن يتغير مطلقًا، وها هو لم يتغير فقط بل بدأ يتقارب مع إيران ويعطي ظهره لنا ولحلفائه العرب السنة، كنا نحسب أن الاتحاد الأوروبي القوة المتعالية وأن اليورو عملة الغد وأن مصائرنا مرتبطة بالقدرة على مسايرة السويد وما شابهها، وها هي بريطانيا تخرج من الاتحاد الأوروبي واليورو يترنح، واقتصاد دول أوروبا يضعف في ظل تدفق المهاجرين إليها.
تضع “إسرائيل” عينها على القارة الإفريقية، وتراقب مستوى التطور الاقتصادي الذي تشهده بعض دول القارة التي سجلت نموًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، مما جعل 7 من أكثر 10 دول نموًا على الصعيد العالمي هي دول إفريقية، الأمر الذي يجعل من القارة الإفريقية سوقًا واعدة واسعة أمام المنتجات الإسرائيلية، إضافة إلى كونها تملك ثروات باطنية وخامات طبيعية مهمة، مع العلم أن إسرائيل تمتلك شركات كبرى تعمل في إفريقيا، مثل شركة “أجريد أب” المتخصصة في المجال الزراعي واستصلاح الأراضي، وشركة “سوليل نيه” وتعمل في مشاريع الإعمار، وشركة “فنادق إفريقيا” التي تعمل في السياحة.
حاليًا لا تبلغ نسبة الصادرات الإسرائيلية إلى دول إفريقيا إلا أكثر قليلاً من 2% من جملة الصادرات الإسرائيلية إلى دول العالم، باستثناء السلاح والعتاد الحربي، لكن من المتوقع زيادة هذه النسبة وتطوير العلاقات التجارية بين إسرائيل وإفريقيا، خاصة في ضوء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وما سيتركه من تداعيات على الاقتصاد الأوروبي الذي يعاني أصلًا من أزمات مالية، وفي ظل أيضًا رفض دول الاتحاد الأوروبي استيراد المنتجات الإسرائيلية التي تنتج في المستوطنات، كل هذا يشير إلى حرص “إسرائيل” على العمل بجدية في الفترة القادمة من أجل زيادة مستوى العلاقات التجارية مع الدول الإفريقية.
أهم الشركاء الرئيسيين الأفارقة لإسرائيل: توغو، نيجيريا، جنوب إفريقيا، إثيوبيا، أوغندا، غانا، غينيا، تنزانيا، ساحل العاج، جنوب السودان، كينيا، مصر، وهي بلدان تستحوذ على معظم التجارة الإفريقية
وقد توجهت “إسرائيل” إلى البنك الدولي من أجل إنشاء صناديق إسرائيلية للاستثمار في القارة الإفريقية، وعملت كذلك على تطوير تعاونها مع بعض المؤسسات المالية الدولية الأخرى بهدف تمويل عدد من المشاريع في الدول الإفريقية، كما افتتحت “إسرائيل” عددًا من الملحقات التجارية الجدية في العديد من الدول الإفريقية، من أجل العمل على تذليل أي عقبات تواجه عمل شركاتها هناك.
لقد كان للزيارة التي قام بها نتنياهو في العام 2016 إلى بعض الدول الإفريقية أهداف متعددة، من أهمها فتح الأسواق الإفريقية أمام البضائع الإسرائيلية، وإعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية للقارة بغرض الهيمنة والتقسيم.
وتسعى “إسرائيل” لأن تستحوذ القارة الإفريقية على ربع الصادرات الإسرائيلية، وتعتبرها “إسرائيل” سوقًا واعدةً للتوسع فيها من أجل بيع المنتجات والخبرات الإسرائيلية في مختلف المجالات، خاصة الهندسة واستصلاح الأراضي والري والأمن.
وأهم الشركاء الرئيسيين الأفارقة لإسرائيل: توغو، نيجيريا، جنوب إفريقيا، إثيوبيا، أوغندا، غانا، غينيا، تنزانيا، ساحل العاج، جنوب السودان، كينيا، مصر، وهي بلدان تستحوذ على معظم التجارة الإفريقية، كما أن “إسرائيل” تتحكم إلى حد بعيد بتجارة الأراضي في إفريقيا، وتشارك في عمليات نهب الثروات المعدنية بمساعدة النخب الإفريقية الفاسدة.
تعمد إسرائيل إلى منح الدول الإفريقية تسهيلات مالية مغرية، وكذلك تقديم قروض وائتمانات لتمكينها من استيراد البضائع منها
وتسجل المبيعات الإسرائيلية لإفريقيا ارتفاعًا مطردًا، فمثلًا بلغت عقود التسليح مع بلدان غرب إفريقيا في العام 2014 نحو 300 مليون دولار، وبلغ حجم التبادل التجاري بين “إسرائيل” وإفريقيا من نفس العام ملياري دولار، كما أن للحضور الاقتصادي الإسرائيلي في إفريقيا أوجه شتى، ففي كينيا مثلًا تستثمر الشركات الإسرائيلية في مجال الفنادق والخدمات، وفي ساحل العاج تعمل الشركات الإسرائيلية على بناء محطات الطاقة عبر الغاز الطبيعي، وتنشط بالماس في جنوب إفريقيا وبتسوانا.
وفي ظل الضغوطات الأوروبية على “إسرائيل” لوقف الاستيطان، وإلزامها بوضع علامة على الصادرات الإسرائيلية التي يكون مصدرها المستوطنات، وامتناع دول أوروبية أخرى عن استيراد منتجات المستوطنات، تلتفت “إسرائيل” إلى القارة الإفريقية للتعويض عن الأسواق التي فقدتها نتيجة سياساتها العدوانية التوسعية بحق الشعب الفلسطيني.
وتستخدم “إسرائيل” آليات وخطط من أجل زيادة مستوى التعاون الاقتصادي بينها وبين إفريقيا، لذلك تلجأ باستمرار لإجراء عمليات مسح شامل للأسواق الإفريقية، وتعد دراسات عن الأوضاع الاقتصادية لهذه الدول وطاقتها الاستهلاكية ومدى استيعابها للبضائع الإسرائيلية، ومن أجل تحقيق هذا الهدف ترسل بعثات ميدانية وتعد دراسات وأبحاث عن كل دولة إفريقية على حدة.
أيضًا تعقد اتفاقيات تجارية مع مختلف الدول الإفريقية، وتحرص على فتح ملحقات تجارية في السفارات الإسرائيلية الواقعة في إفريقيا، كما تعمد إلى منح الدول الإفريقية تسهيلات مالية مغرية، وكذلك تقديم قروض وائتمانات لتمكينها من استيراد البضائع من “إسرائيل”، وتحرص كذلك على تنظيم المعارض التجارية الثابتة والمتنقلة للترويج للسلع الإسرائيلية والدعاية لها، والعمل على اكتساب زبائن جدد وأسواق جديدة.
ومن جهة أخرى تنشئ إسرائيل شركات مشتركة إسرائيلية – إفريقية، تعمل في مجالات النقل والخدمات العامة والتجارة وتربية الدواجن والزراعة، ومن الملاحظ أن التجارة الإسرائيلية تزدهر بشكل أساسي في ست دول إفريقية هي جنوب إفريقيا وإثيوبيا ونيجيريا وغانا وكينيا وأوغندا، وهذه الأسواق تستوعب ما يقارب 75% من مجموع الصادرات الإسرائيلية إلى القارة الإفريقية.
ومن الملاحظ أنه خلال السنوات الأخيرة تزايد النشاط الاقتصادي والتجاري للصين في عدة دول إفريقية، لكن ما زالت هذه النشاطات الاقتصادية الصينية لم تشكل أي تهديدات للمصالح الأمريكية بعد، وفي وسط هذه التشابكات في القارة الإفريقية دخلت قوى إقليمية جديدة مثل إيران التي تجد في القارة الإفريقية وسيلة لبسط نفوذها على منطقة الشرق الأوسط، فتغلغلت في عدد من دول إفريقيا، لكن الوضع قد تغير في العام 2016، فنتيجة للضغوط السعودية قطعت جيبوتي والصومال وجزر القمر علاقتهما مع إيران، وقدمت إريتريا مساعدة لوجستية للسعودية في حربها في اليمن على الحوثيين.
نسوق هذا الكلام لنصل إلى نتيجة مفادها أن “إسرائيل” تتوجس من الوجود التجاري الصيني في إفريقيا وأيضًا من الوجود الإيراني، ورغم أن هذا الوجود لم يصل – كما أسلفنا – إلى مرحلة تهديد المصالح الأمريكية، فإن “إسرائيل” تسعى أيضًا إلى محاصرة والحد من هذا الوجود الإيراني والصيني لبسط وتعزيز نفوذها أكثر في القارة الإفريقية لفتح أسواقها أمام المنتجات الإسرائيلية.
ولأن إفريقيا أيضًا تمتلئ بالبضائع الآسيوية والصينية رخيصة الثمن، بحيث يصعب على المنتجات الإسرائيلية منافستها، تحارب إسرائيل الوجود الآسيوي هناك من جهة، ومن جهة أخرى تركز على تسويق المنتجات التي تعتمد على الأمن، وهو المجال الأكثر استقطابًا للأفارقة.
من المعلوم أن “إسرائيل” تعتمد بشكل رئيسي في علاقاتها التجارية مع الدول الإفريقية على الملحقيات والمكاتب التجارية في تلك الدول، لأن هذه المكاتب المنتشرة في العديد من المدن والعواصم الإفريقية تنظم وتشرف على علاقاتها الاقتصادية مع إفريقيا، وتمثل ذراعها التجارية.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، لو نظرنا للتعاون الاقتصادي بينها وبين إثيوبيا، أشار تقرير صادر عن “المعهد الإسرائيلي للصادرات والتعاون الدولي” أن حجم الصادرات الإسرائيلية إلى إثيوبيا بلغ 18 مليون دولار في العام 2008، بينما بلغت الواردات الإسرائيلية من إثيوبيا لنفس العام ما قيمته 46 مليون دولار، حيث تصدر إسرائيل إلى إثيوبيا المواد الكيميائية والآلات الصناعية والبرمجيات، وتستورد منها المنتجات الزراعية والتبغ، وهناك نحو 121 شركة إسرائيلية تعمل في مجال تصدير السلع الإسرائيلية إلى إثيوبيا التي تضاعفت الصادرات الإسرائيلية إليها أكثر من ثلاثين مرة خلال التسعينيات من القرن العشرين.
إسرائيل تسرق الأسواق العربية وتنهب خيرات إفريقيا وتتمدد على حساب الدول الإقليمية وتنافس الدول العظمى
أما فيما يتعلق بكينيا، فقد بلغت قيمة الصادرات الإسرائيلية إليها 97 مليون دولار في العام 2007، وبلغت قيمة الواردات الإسرائيلية من كينيا لنفس العام 22 مليون دولار، وتصدر “إسرائيل” إلى كينيا المحركات والأجهزة الكهربائية والمواد الكيماوية والبرمجيات والبلاستيك، وتستورد منها المنتجات الزراعية والحيوانية والأخشاب، وتوجد 235 شركة إسرائيلية تعمل في تصدير السلع إلى كينيا، وقد تضاعفت الواردات مرتين خلال عام واحد، وتضاعفت كذلك الصادرات الإسرائيلية مرة واحدة.
أما في الكونغو فقد وصلت الواردات الإسرائيلية من الكونغو إلى حدود مليون دولار تقريبًا، بعد أن كانت صفرًا، أما الصادرات فقد وصلت إلى 5.2 مليون دولار بعد أن كانت أقل من مليون دولار في العام 2007.
فيما يخص الصادرات الإسرائيلية إلى دول حوض النيل وصلت إلى ما قيمته 186.1 مليون دولار في العام 2008، ثم انخفضت إلى 109.3 مليون دولار في العام 2009، أما الواردات الإسرائيلية من دول حوض النيل فقد بلغت ما قيمته 83.7 في العام 2009، بعد أن كانت 74.8 في العام 2008، أي بزيادة ملحوظة.
وزيرة الخارجية الكينية أمينة محمد التي رافقت رئيس بلدها في الزيارة إلى “إسرائيل”، أشارت إلى أن أصدقاء إسرائيل في القارة الإفريقية أكثر من غير الأصدقاء، وفي حديثها لصحيفة جيروزليم بوست قالت كبيرة الدبلوماسية الكينية: “أنا اتحدث عن دول إفريقيا، ولعل 40 دولة من بين الـ54 دولة التي تشكل القارة تنظر لإسرائيل باعتبارها دولة صديقة مقرّبة”.
إسرائيل تسرق الأسواق العربية وتنهب خيرات إفريقيا وتتمدد على حساب الدول الإقليمية وتنافس الدول العظمى، وبالتالي فإن ما يحصل في ملف العلاقات الإفريقية الإسرائيلية يجري بصمت ويحمل الكثير من الدلالات الخطيرة على المصالح العربية، ويضع العرب أمام تحديات غير مسبوقة، فهل نستيقظ قبل أن نصبح من الغافلين؟