منذ عامين تقريبًا أطلق محرك البحث جوجل تجربة فريدة من نوعها، أكدت لنا أن المستقبل أقرب مما نتخيله، بعد أن قدم جوجل آلية برمجية تحاور الإنسان، وعلى الرغم من تعدد الآليات البرمجية التي يمكنها أن تحاور الإنسان مثل Siri في هواتف الآيفون إلا أن تجربة جوجل كانت مختلفة، حيث استطاعت ابتكار آلية تستطيع فهم السؤال وتحليله ومن ثم التفكير والوصول لإجابة خاصة بها دون تلقين من الإنسان.
تقوم آلية جوجل تلك باستخدام شبكات عصبية صناعية neural networks في تحليل وفهم كم ضخم جدًا من البيانات وذلك لتعلم نفسها الحوار، وقد تم مدها في التجارب بهذا الكم الضخم من البيانات من سيناريوهات الأفلام لتستطيع بعد ذلك المشاركة في الحوار وبناء رد على الأسئلة بناءًا على معلوماتها.
خلال العامين السابقين وصولًا إلى اللحظة التي تقرأ فيها المقال الآن، تم إنتاج عشرات الآلاف من البرمجيات التي تحاور الإنسان، بدأت في تطبيقها مؤخرًا المنصات المختلفة للصحافة الرقمية، كان أحدثها التطبيقات التي خرجت بها المواقع الإلكترونية للصحافة الرقمية العربية مثل تطبيق “نون بوت” الخاص بموقع نون بوست لتقديم نشرات يومية لمتابعي الموقع، وانتشرت تلك البرمجيات لتشمل المؤسسات والشركات وخصوصًا تلك الخاصة بالتسويق، وكذلك المطاعم ومتاجر الأزياء أيضًا.
تجربة نون بوست في البوت الإخباري “نون بوت”
تلقى نون بوت منذ إطلاقه ما يُقارب الـ 90 ألف رسالة من محادثيه على موقع فيسبوك من مختلف الأعمار والتي تركزت بين 15 : 35 عامًا، فيما أوضحت الإحصائيات أن 10% فقط من المستخدمين للبوت كانوا من خلال أجهزة الحاسوب، وهو ما يعني أن مستخدمي الموبايل أصبحوا شريحة كبرى متلقية للخدمات الإخبارية
ما هو البوت؟
حينما نذكر كلمة بوت أو برمجيات روبوت تحاور الإنسان فنحن نعني مُساعدات رقمية تفاعلية مثل منصات سيري وكورتانا ومساعد جوجل، لكنّها تتفاعل نصيًا وليس صوتيًا.
انتشرت تلك البرمجيات بشكل واسع بعد استخدامها منصات مثل منصات مواقع التواصل الاجتماعي للتواصل مع المستخدمين والمستهلكين، مثل إنتشار تلك “البوتات” على تطبيق “فيس بوك ماسنجر” على سبيل المثال بعدما سمحت شركة “فيس بوك” لتلك المساعدات الرقمية باستخدام تطبيقه “ماسنجر” للتواصل مع المستخدمين في عام 2016 ، أدى ذلك إلى تواجد ما يقرب من 33 ألف بوت على التطبيق خلال عام 2016 فقط منهم عشرة آلاف “بوت” في حالة نشطة وفعالة في الحديث مع المستخدمين في هذه اللحظة.
لا يكون فيس بوك المنصة الوحيدة لاستخدام الشركات التجارية أو التجارة الإلكترونية البوت أو “الروبوت الذي يحاور الإنسان” فقط، بل تستخدم تلك الشركات أو المؤسسات منصات مختلفة مثل تيليجرام أو Kik، إلا أنها في النهاية تحاول خدمة نفس الهدف، وهو الوصول إلى المستخدم أو المستهلك، والتحاور معه، وجمع أكبر قدر من المعلومات والبيانات عنه.
قامت إحدى شركات بحوث التسويق الأمريكية الكبرى “Forrester” بنشر دراسة عن علاقة التجارة الإلكترونية أو المؤسسات الرقمية بالبوتات أو الروبوتات التي تتحدث مع الإنسان، فوجدت أن 5٪ من الشركات حول العالم لديها بالفعل البوت الخاص بها، وهناك 20٪ من الشركات في المرحلة التجريبية، كما تخطط 32٪ من الشركات حول العالم لبرمجة الروبوت الخاص بها بالفعل.
يشير التقرير نفسه الخاص بشركة البحوث التسويقية أن الذكاء الاصطناعي قد وجد طريقه بالفعل ليكون جزءًا مهمًا من التجارة الإلكترونية والمؤسسات الرقمية، إلا أنه مازال في مرحلة الطفولة بحسب تشبيه الشركة، وعلى الشركات التجارية الإلكترونية والمؤسسات الرقمية تحديد الهدف من استخدامه، وتحديد الحدود المسموح بها لاستخدامه وتطبيقه، كما ينطبق الوضع على البوت أيضًا، فالهدف الأساسي منه هو أن يكون أداة ذات قيمة لكل من المستخدمين والمستهلكين وأيضًا للشركات.
أهيمة استخدام البوت بالنسبة للشركات
أتاح الذكاء الاصطناعي للروبوتات أن تحل محل الإنسان في التعامل مع المستهلك من أجل جمع المعلومات الخاصة به من خلال البحوث التسويقية (Marketing Research) أو من أجل إقناعه بشراء منتج معين أو بزيارة موقع بعينه، فالبوت الآن على قدرة من التطور تمكنه من الرد السريع على أسئلة المستخدمين والمستهلكين، كما يُتوقع أن يصل إلى مرحلة من التطور يقوم فيها بإقناع المتحدث إليه بشيء ما، أو أن يقوم بمنحه النصيحة أو الاستشارة في أمور مثل ما إن يجب عليه أن يقوم بشراء تأمين صحي على الحياة أم لا.
5٪ من الشركات حول العالم لديها بالفعل البوت الخاص بها، وهناك 20٪ من الشركات في المرحلة التجريبية، كما تخطط 32٪ من الشركات حول العالم لبرمجة الروبوت الخاص بها بالفعل.
يستخدم البوت التفاعلي الآن قدراته في تسهيل الأمور اليومية على المستهلكين مثل البحث عن عنوان الشركة أو رقم هاتفها، أو حتى الأسئلة الخاصة بالمنتجات التي تقدمها، وصولًا بإمكانية طلب تلك المنتجات من الشركة من خلال البوت التفاعلي الخاص بها.
من تجربة نون بوست مع نون بوت الإخباري
من خلال نفس العملية السابقة يستطيع البوت جمع المعلومات المختلفة من المستخدمين المتحدثين إليه، مثل ميولهم ورغباتهم، معلوماتهم الديموغرافية، تطلعاتهم بالنسبة للمنتجات أو الخدمات المستقبلية التي يتوقعون إصدارها من الشركة أو المؤسسة الرقمية، وهي العملية التي ستختصر على شركات البحوث التسويقية عناء الوصول إلى المستخدم ومحاولة التحايل عليه لجمع تلك المعلومات منه، فبدلًا من ذلك يمكنهم الحصول على تلك المعلومات من خلال دردشة قصيرة مع البوت التفاعلي.
كما هو الحال في تجربة نون بوت المذكورة سابقًا، فهو سيعطيك أهم ميزة يبحث عنها الجمهور الآن في التطبيقات والمواقع الإخبارية، وهي “التفاعلية” مع ما ينشر، لأن تناقل الأخبار بشكله التقليدي الحالي يتم بشكل غير تفاعلي، ولكن مع نون بوت، سيكون التفاعل هو الميزة الأهم
لماذا يعتمد التسويق الرقمي على البوت أحيانًا؟
يعد الأمر الأكثر أهمية في اعتماد التسويق الرقمي على البوت التفاعلي هو الحصول على اهتمام الجمهور، فالجمهور يحب أن يشعر باهتمام الشركات به، وهو العامل الذي قد يزيد من ولاء المستهلكين لمنتج معين أو لمنصة معينة، ومن خلال دردشات قصيرة مع البوت، تكفي لإنشاء علاقة قوية بينه وبين الجهة التي يمثلها البوت في حديثه مع المستهلك.
يعد البوت التفاعلي بمثابة قيمة اقتصادية للشركات التجارية الإلكترونية والمؤسسات الرقمية أيضًا، إذ يختصر تكلفة إنشاء تطبيق جديد من الصفر، ذلك لأنه يمكنه العمل على منصات يستخدمها الناس بالفعل مثل فيس بوك ماسنجر.
بوتات مرحة
لا يمنع أن يتمتع البوت بحس الفكاهة، فهو جزء لا يتجزء من محاولة اكتساب ولاء المستخدم، فهناك بوت Xiaoice في الصين المملوك من شركة مايكروسوفت، حيث يتظاهر بكونه يقوم بشخصية المراهق الذي يتمتع بحس الفكاهة والسخرية، وهو الأمر الذي جعله يحظى بعشرات الملايين من المستخدمين الذين يتحدثون إليه يوميًا.
“دوم” البوت الخاص بدومينوز بيتزا
بوت للبيتزا
حينما أدرك “دينيس مالوني”، المدير الرقمي لسلسة مطاعم البيتزا المشهورة دومينوز، الإمكانية التي يملتكها البوت التفاعلي منذ ثلاثة سنوات، قرر أن يكون لدومينوز بوت تفاعلي خاص به يستطيع العملاء والزبائن التحاور مع المطعم وطلب طلباتهم من خلاله.
من المتوقع أن يصل البوت التفاعلي من التطور التكنولوجي إلى مرحلة يتشابه فيها الحديث معه بالحديث مع الأشخاص الحقيقين، وهذا ليس بغريب، فقد استطاعت شركة جوجل بالفعل تصميم ذلك البوت التفاعلي الذي وُصف بالبوت الفلسفي الذي باستطاعته تحليل الأسئلة الوجودية والفلسفية والإجابة عليها.