في ظلّ تواصل ضعف نسبة النمو في تونس وتواصل الأزمة الاقتصادية هناك وارتفاع العجز في الميزان التجاري وتراجع سعر صرف العملة المحلية، من المنتظر أن تلتجأ الحكومة التونسية إلى رفع الدعم كليا عن أسعار بعض المواد الأساسية وتوجيهه نحو مستحقيه من الطبقات الضعيفة دون غيرها، حتى تتحكم البلاد في مواردها المالية، وهذا بحسب وجهة نظر الحكومة.
إجراءات استباقية
تدرس السلطات التونسية الحاكمة منذ فترة، مسألة إعادة النظر في منظومة دعم المواد الاستهلاكية، من أجل مزيد ترشيد الدعم وتوجيهه نحو مستحقيه، ومؤخّرا كشف الكاتب العام للجامعة العامة الكهرباء والغاز بالاتحاد العام التونسي للشغل، عبد القادر الجلاصي، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية في البلاد إنه “توجد سياسة لرفع الدعم تدريجيا عن الكهرباء في تونس“.
وأبرز الجلاصي أن الزيادة الأخيرة في تعريفة الكهرباء في يناير 2017، تعد من وجهة نظره، نوعا من رفع الدعم عن الكهرباء، وأضاف المسؤول النقابي ان الشركة التونسية للكهرباء والغاز لم تتحصل، سنتي 2016 و2017، على الدعم من الدولة في مجال الكهرباء ما يؤكد التوجه التدريجي في رفعه، الأمر الذي يؤثر لاحقا، وفق تقديره، على التوازنات المالية للشركة ومن ثمة على القدرة الشرائية للمواطن وإثقال كاهله خاصة.
تخضع أسعار المحروقات في تونس إلى آلية التعديل الآلي التي دخلت حيز التطبيق منذ سنة بتوصيات من صندوق النقد الدولي
وأوضح المسؤول النقابي أن كلفة إنتاج الكهرباء في تونس في حدود 176.2 مليم للكيلو واط/ساعة ويباع للفئات الاجتماعية ب 45 مليم للكيلوواط/ساعة، موضحا أن هناك فئات يفوق استهلاكها 200 كيلوواط/ساعة في الشهر تم الشروع في إلغاء الدعم عنها تدريجيا.
وسبق ذلك، إعلان وزارتا الطاقة والتجارة التونسيتان بداية شهر يوليو الحالي، عن تعديلات على أسعار البيع للعموم لبعض المواد البترولية، وطال التعديل أصناف البنزين الخالي من الرصاص بزيادة بمائة مليم ليصبح السعر الجديد 1750 مليم/لتر، أي 0.729 دولار والغاز والسولار بدون كبريت بزيادة بتسعين مليما ليصبح السعر الجديد 1510 مليم/لتر، ما يعادل 0.629 دولار والغاز والسولار العادي بزيادة بتسعين مليما ليرتفع الثمن الجديد إلى 1230مليم/لتر أي في حدود 0.512 دولار.
الترفيع في أسعار المحروقات في تونس
وتخضع أسعار المحروقات في تونس إلى آلية التعديل الآلي التي دخلت حيز التطبيق منذ سنة بتوصيات من صندوق النقد الدولي، حيث تقع مراجعة الأسعار في اتجاه الخفض أو الرفع أو الإبقاء على السعر المعتمد مرة كل ثلاثة أشهر، بحسب سعر البترول في السوق العالمية وتداعياته على الميزان التجاري وموازنة الدولة، ووفق دراسات اقتصادية تونسية، تستنزف المحروقات ما لا يقل عن 70 في المائة من نفقات الدعم الموجه للمواد الاستهلاكية.
وتهدف سياسة دعم المواد الغذائية في تونس إلى إعادة توزيع الدخل الوطني والمحافظة على المقدرة الشرائية للفئات أصحاب الدخل الضعيف، إذ يتولى الصندوق العام للتعويض ضبط كلفة بعض المواد بهدف الضغط على أسعارها وجعلها في مستويات مقبولة، ويتم تعديل أسعار البيع للعموم لتغطية ارتفاع تكاليف إنتاج المواد المدعمة جزئيا مع الأخذ بعين الاعتبار لمستوى الدخل ومراعاة الإمكانات التي يمكن تعبئتها لتغطية كلفة الدعم.
مراجعة كاملة لمنظومة الدعم
رغم نفي المسؤولين نيتهم الرفع الكلي للدعم، فإن عديد المؤشرات تثبت عكس ذلك، حيث تعمل الحكومة الحالية ضمن مشروع قانون المالية للسنة القادمة التي ستكون صعبة للغاية بسبب تزايد الضغوط على المالية العمومية على إعادة تبويب الدعم وخفض النفقات العمومية لتفادي مزيد من التداين في ظل تواصل العجز التجاري وضعف نسبة النمو التي لم تتجاوز 2.1% في الربع الأول من العام الحالي.
يعتبر ملف منظومة الدعم من بين الملفات التي طالب صندوق النقد الدولي بمراجعتها ضمن حزمة التوصيات التي قدمها للحكومة التونسية
وبحسب بيانات رسمية فقد تجاوزت ميزانية الصندوق العام للتعويض (صندوق الدعم) قرابة الضعف في الفترة بين 2011 و2017، حيث قفزت من 730 مليون دينار (300 مليون دولار) إلى نحو 1.6 مليار دينار (640 مليون دولار) مقابل حصول الطبقات الضعيفة على 12% فقط من هذه الميزانية، فيما يذهب الباقي إلى الطبقات الغنية والفنادق والمطاعم، وتمثل ميزانية صندوق الدعم 1.7 % من الناتج الداخلي الخام للبلاد و5 % من ميزانية الدولة ونحو 26 % من نفقات الاستثمار، وهو ما أثر سلبا على التوازنات المالية العامة للدولة.
وتعمل وزارة المالية التونسية على تحضير مراجعة كاملة لمنظومة دعم المواد الأساسية ستعرض على مختلف الأحزاب السياسية والمنظمات، حسب وزير المالية بالنيابة محمد فاضل عبد الكافي الذي أكّد في تصريح إذاعي سابق أنه تم التأكد من أن هذه المنظومة لا ينتفع بها مستحقوها، وتخصصّ ميزانية الدولة 1.6 مليار دينار للدعم الغذائي، و650 مليون دينار للدعم طاقي و450 مليون دينار لدعم للنقل.
املاءات من صندوق النقد الدولي لرفع الدعم عن المواد الأساسية في تونس
وقبل 13 يناير 2011 لم تكن العديد من المواد الغذائية مشمولة بمنظمة الدعم قبل أن يلحقها آخر خطاب توجه به الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، في محاولة فاشلة منه لتهدئة الجماهير الثائرة والبقاء في السلطة بهذه المنظومة، ما أدى إلى تفاقم ميزانية صندوق الدعم. وتعتبر منظومة الدعم في تونس آلية أساسية لدعم المقدرة الشرائية للتونسيين، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين مختلف شرائح المجتمع من خلال إعادة توزيع الدخل الوطني والمحافظة على الطاقة الشرائية للفئات ذات الدخل الضعيف.
وتلتزم تونس ببرنامج إصلاح اقتصادي، توافقت عليه مع صندوق النقد الدولي وبموجبه وافق الصندوق، العام الماضي، على منحها قرضًا بقيمة إجمالية قدرها 2.8 مليار دولار موزعًا على شرائح تصرف على سنوات عدة، ويعتبر ملف منظومة الدعم من بين الملفات التي طالب صندوق النقد الدولي بمراجعتها ضمن حزمة التوصيات التي قدمها للحكومة التونسية خلال الزيارات الأخيرة التي ربط فيها بين تلك الإصلاحات وتوفير أقساط جديدة من القروض المتفق بشأنها مع الحكومة.