ترجمة وتحرير نون بوست
على الأرجح لم يكن قادة السعودية والإمارات العربية المتحدة يتصورون أن الأوضاع ستتطور بهذا الشكل عندما أعلنوا الحصار على قطر. فقد وصف الكثير من المسؤولين في كلا البلدين، علاوة على حلفائهم في مصر والبحرين، الإجراءات التي اتخذوها بشكل جماعي ومفاجئ في بداية حزيران/ يونيو الماضي؛ بأنها مؤسفة ولكن ضرورية، وتهدف إلى ثني قطر عن سياستها. وقد بدا الأمر حينها كأن قطر، التي يتهمها جيرانها بدعم الإرهاب في العالم، مثل الطفل الصغير المتمرد الذي يجب تأديبه.
ولكن، في هذا العالم الذي تحكمه الحسابات الجيوسياسية الواقعية، فإن هذه الحملة التي قادتها الرياض وأبوظبي ضد الدوحة لا يبدو أنها بصدد تحقيق أهدافها. وعوضا عن عزل قطر، فقد أدت في الواقع إلى تعزيز العلاقات القطرية مع القوى الإقليمية الأخرى؛ على غرار تركيا وإيران. كما أن عمان والكويت، عضوي مجلس التعاون الخليجي، امتنعتا عن الانضمام لهذا التحالف الرباعي.
وفي الأثناء، لا تزال المواد الغذائية وباقي البضائع تتدفق على موانئ ومطارات قطر بشكل طبيعي. وعلى الرغم من الرسائل المتناقضة والمرتبكة، التي صدرت عن البيت الأبيض، إلا أنه من الواضح أن الدبلوماسية الأمريكية تدفع نحو التصالح وإيجاد تسوية مع قطر، عوضا عن الضغط عليها وإخضاعها لمشيئة السعوديين والإماراتيين.
الإمارات تقف وراء عملية اختراق وكالة الأنباء القطرية وبعض مواقع التواصل الاجتماعي، التي جدت في أواخر أيار/ مايو الماضي، والتي أطلقت شرارة هذه الأزمة
وحيال هذا الشأن، كتب مارك لينش، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن، “أما فيما يخص حربهما الكارثية في اليمن، فإن السعودية والإمارات بالغتا في رسم أهدافهما وتوقع النجاح، بينما فشلتا في وضع خطة احتياطية في حال ما لم تسر الأمور كما هو مأمول. ويبدو أن الرباعي المعادي لقطر قد بالغ في تضخيم مخاوف الدوحة من العزلة من مجلس التعاون الخليجي، وبالغ أيضا في توقع قدرته على إلحاق الأذى بالجار القطري”.
بنايات تظهر عبر الماء في الدوحة، قطر، 5 حزيران/ يونيو.
وعلى خلفية الأزمة الخليجية، نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرا جديدا هذا الأسبوع عمّق من حالة الحرج التي تعيشها دول الحصار. فوفقا لمسؤولين في المخابرات الأمريكية، لم يتم ذكر أسماؤهم، فإن الإمارات تقف وراء عملية اختراق وكالة الأنباء القطرية وبعض مواقع التواصل الاجتماعي، التي جدت في أواخر أيار/ مايو الماضي، والتي أطلقت شرارة هذه الأزمة. وكان القراصنة الذين قاموا بعملية الاختراق حينها قد نشروا تصريحات كاذبة نسبوها لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يدعون فيها أنه أثنى على إيران معتبرا إياها قوة إسلامية، وأشاد بحركة حماس الفلسطينية.
وعلى الرغم من النفي الشديد الذي صدر عن الدوحة، فإن هذه الحملة التي شنتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر أدت إلى مقاطعة الإعلام القطري، ثم قطع العلاقات مع الدوحة وإعلان المقاطعة التجارية والدبلوماسية.
وفي سياق متصل، ذكر الصُحفيّان كارن ديونغ وإيلين ناكاشيما، “إن المسؤولين الأمريكيين اقتنعوا خلال الأسبوع الماضي من تحليل معلومات جمعتها وكالات استخباراتية أمريكية، بأنه في 23 أيار/مايو الماضي قام مسؤولون كبار في الحكومة الإماراتية بمناقشة هذه الخطة وكيفية تنفيذها. ولكن، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الإمارات قد نفذت عمليات الاختراق بنفسها أم تعاقدت مع جهة أخرى لتنفيذ هذه المهمة”.
وكان سفير دولة الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، قد نفى هذه الاتهامات في تصريح له مؤخرا، قائلا إن “الإمارات لم يكن لها أي دور من أي نوع في عملية الاختراق التي تحدث عنها ذلك المقال”. كما جدد العتيبة الاتهامات التي يوجهها بلده إلى قطر بسبب سياستها الخارجية المستقلة عن جيرانها، حيث أفاد، “إن الشيء الحقيقي في المقابل هو سلوك قطر، التي تمول وتدعم الإرهابيين مثل طالبان وحماس، وتشجع على العنف والتطرف، وتقوّض الاستقرار في دول الجوار” على حد حد تعبيره.
الخط التحريري لقناة الجزيرة الإخبارية القطرية، الذي يعتبره جيرانها مستفزا، لذلك تسعى الرياض وأبوظبي لغلق هذه القناة
وفي شأن ذي صلة، يذكر أن هذه المنطقة شهدت في الماضي العديد من الخلافات والشائعات والتوترات بين الجيران الخليجيين، حيث شهدوا سنة 2014 قطيعة في العلاقات. آنذاك، انتشرت تقارير صحفية مفبركة حول منع مواطنين سعوديين وإماراتيين من الدخول إلى سلسلة محلات هارودز الشهيرة في لندن، والتي يمتلكها صندوق سيادي قطري.
ومن هذا المنطلق، يعتبر المحللون أن المأزق الحالي، الذي تمر به العلاقات بين قطر وجيرانها، ليس إلا امتداد لفترة طويلة من الخلافات والتوترات، بسبب غضب جيران الدوحة من قيامها باستغلال قدراتها المالية للعب دور كبير على الصعيد العالمي. أما حاليا، تدور الخلافات حول دعم كل طرف لمجموعات بطريقة غير مباشرة، في إطار حروب بالوكالة تدور في سوريا وليبيا، بالإضافة إلى الخط التحريري لقناة الجزيرة الإخبارية القطرية، الذي يعتبره جيرانها مستفزا، لذلك تسعى الرياض وأبوظبي لغلق هذه القناة.
في الحقيقة، يبدو أن القطريين اختاروا الذهاب في طريق دبلوماسية مختلفة عن جيرانهم، وقاموا بفتح مكاتب لفصائل سياسية ومجموعات على غرار تنظيم طالبان وحركة حماس، من أجل لعب دور الوساطة في الصراعات الإقليمية.
وفي هذا الإطار، علّق الصحفي ديكلان والش في صحيفة نيويورك تايمز حول هذا الأمر قائلا، “إن ما تمتاز به قطر من فخامة ورفاهية كبيرة جعلها الوجهة المفضلة لعديد الجماعات المسلحة، وأصحاب رؤوس الأموال وأصحاب الإيديولوجيات، بما أن الدوحة باتت مدينة محايدة تماما مثل فيينا خلال الحرب الباردة”.
وحيال هذا الشأن، ذكر دايفد روبرتز، مؤلف كتاب “قطر: ضمان الطموحات العالمية للمدينة الدولة”، خلال لقاء له مع مجلة التايمز، “لطالما كانت الدوحة الوجهة التي يستقر فيها كل الملاحقين، ومن تعرضوا للاضطهاد، وغير المرغوب فيهم من طرف بلدانهم. ولم تكن الأيادي التي تلاحق هؤلاء قادرة على الامتداد إلى داخل هذه المنطقة، إذ أنه إذا كنت محميا من قبل شيوخ قطر فسيتسنى لك اللجوء إليها ولن يتجرأ أحد عليك”.
وفي الأثناء، تتواصل حلقات هذه الأزمة المشتعلة بين دول الخليج العربي الثرية. فخلال الأسبوع الماضي، أجرى وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، جولة مكوكية من المباحثات في الكويت وقطر والسعودية، في محاولة لنزع فتيل الأزمة. وما يزيد من تعقيد الوضعية هو أن كل هذه الدول حليفة لواشنطن، حيث تستضيف قطر أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، لذلك يفضل تيلرسون أن يدعو الجميع للتهدئة والعودة إلى سالف عهدهم، من أجل التركيز على مسائل أخرى أكثر أهمية مثل الحرب على تنظيم الدولة، إلا أن جهوده إلى حد اليوم لم تكن مثمرة.
في سبيل حل الأزمة، قام تيلرسون بمناورة علنية في الدوحة، من خلال توقيع مذكرة تفاهم مع الجانب القطري تنص على التعهد ببذل مزيد من الجهد لوقف تمويل المجموعات المتطرفة في الشرق الأوسط وباقي أنحاء العالم. ولكن، سرعان ما أثارت هذه الخطوة الجدل، حيث افتخر القطريون بكونهم أول دولة في المنطقة تمضي اتفاقا من هذا النوع، وهو ما دفع الدول المتحالفة ضدها للسعي للقيام بنفس الأمر. وقد علقت الصحفية كارول موريلو في الواشنطن بوست قائلة، “إن ادول الحصار الأربع اعتبرت نفسها صاحبة الفضل في الضغط على الدوحة لتوقيع هذه المذكرة، وفي نفس الوقت اعتبرت هذه الخطوة غير كافية لرفع الحصار”.
يوم الاثنين، بينما كان الإماراتيون ينفون التهم الموجهة لهم حول القيام بعملية الاختراق، نشرت السفارة السعودية في واشنطن تغريدة تضمنت مقطعا من لقاء للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وجه فيه اتهامات لقطر. وقد اعتبرت هذه التصريحات دليلا جديدا على ضعف التنسيق بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية حول حيثيات هذه الأزمة، وتذكيرا جديدا بأن هذا الخلاف في الخليج لن ينتهي قريبا.
المصدر: واشنطن بوست