ترجمة وتحرير نون بوست
في هذه الأيام، تطفو على الساحة السياسية في واشنطن شائعة غريبة ومجنونة تفيد بأن الولايات المتحدة سوف تستأجر جيش مرتزقة “لإصلاح” أفغانستان، ذلك البلد الذي يعيش في حالة حرب منذ سنة 2001. وإن صح ذلك، فإن الولايات المتحدة ستجبر على إنفاق مليارات الدولارات من أجل تنفيذ هذه الخطة. ومن خلال هذه المبادرة، تهدف واشنطن إلى إخراج الجنود الأمريكيين من مستنقع الحرب في أفغانستان، وإنهاء حربها فيها.
وبناء على هذا المعطى، ليس من المستغرب أن يكون كل من إريك دين برنس، مؤسس الشركة العسكرية الخاصة “بلاك ووتر وورلد وايد”، و”ستيفن فاينبرغ”، ذلك الملياردير، الذي يملك الشركة العسكرية العملاقة “دينكورب إنترناشونال”، وراء هذا المقترح. وقد قدم هذان الشخصان اقتراحهما بناء على طلب من ستيف بانون، كبير الإستراتيجيين الرئيس دونالد ترامب، وجاريد كوشنر، كبير مستشاريه وصهره.
وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مؤخرا مقالا كشفت من خلاله أن برنس وضع خطة حربية سوف يقودها، نائب ملك أمريكي، الذي سوف يقدم تقاريره مباشرة إلى ترامب. وعلى غرار الجنرال دوغلاس ماكارثر، الذي حكم اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، نائب الملك بإمكانه أن يضع كل القوى والصلاحيات الأمريكية في يد شخص واحد.
جيوش شركة الهند الشرقية البريطانية قد ألحقت ضررا كبيرا في الهند، وساهمت في إفلاس الشركة، ما اضطر دافعي الضرائب البريطانيين إلى كفالة الشركة في سنة 1770، ثم اضطرت الحكومة للسيطرة عليها، سنة 1874.
في الواقع، سوف تكون مهمة نائب الملك القيام بكل ما يلزم لتهدئة أفغانستان. إذا، لن يكون هناك قائد سري للحرب ينتمي إلى البيروقراطيين المزعجين في واشنطن، أو قواعد تقييدية مفروضة على الجنود. والجدير بالذكر أن نائب الملك، بالتعاون مع القوات الخاصة، سوف يكون قادرا على التحكم والسيطرة على العديد من جوانب الحياة في أفغانستان.
ولسائل أن يسأل، من سيكون نائب الملك؟ من المحتمل أن إيريك دين برنس يملك فكرة عن هوية النائب، وهو ما يثير القلق أكثر. فتحت إمرته، أطلق متعاقدون من شركة بلاك ووتر العسكرية النار على العديد من الناس، في ساحة المدينة في بغداد، ما أدى إلى مقتل 17 مدنيا.
وعندما سأله الكونغرس كيف عالج المخالفات التي اقترفها موظفوه في سنة 2007، قال “إذا كان هناك أي نوع من المشاكل التي تتعلق بموقف سيء، أو استعمال أسلحة قذرة، أو حتى عندما يقوم شخص بركوب دراجة شخص آخر، فنحن لن نتوانى عن إطلاق النار عليه، إذا لم يلتزم هذا الشخص بأوامرنا”.
بالإضافة إلى ذلك، عمل برنس على تطوير هذه الفكرة منذ فترة طويلة. وقد كتب في مقال نشره مؤخرا أن شركة الهند الشرقية البريطانية يجب أن تكون نموذجا للعمليات الأمريكية في أفغانستان. ففي عهد الإمبراطورية البريطانية، كانت هذه الشركة الخاصة أداة الاستعمار البريطاني في الهند لعدة قرون، فكان ذلك من خلال قيادة نائب الملك، الذي عمل بالتعاون مع القوى الملكية وجيش خاص من أجل السيطرة على السكان الأصليين للهند. في واقع الأمر، إن الحل الذي اقترحه برنس لأفغانستان يرقى إلى مفهوم الاستعمار الحديث.
مصالح هؤلاء الأشخاص تتمحور حول كيفية جني المزيد من الأرباح وليس الاكتراث بمستقبل أفغانستان ومصيرها. فضلا عن ذلك، تبعث حقيقة أن هذه الفكرة تلقى رواجا كبيرا في الجناح الغربي رسالة إلى العالم بأكملها، خاصة للمقاولين العسكريين
في المقابل، يواجه المقترح الذي وضعه البرنس العديد من التحديات والمشاكل. فعلى سبيل المثال، طُرد ماكارثر على يد الرئيس هاري ترومان بسبب إساءة استخدام سلطته ونفوذه، لذلك أصبح ماكارثر نموذجا سيئا عن نائب الملك. كما أن جيوش شركة الهند الشرقية البريطانية قد ألحقت ضررا كبيرا في الهند، وساهمت في إفلاس الشركة، ما اضطر دافعي الضرائب البريطانيين إلى كفالة الشركة في سنة 1770، ثم اضطرت الحكومة للسيطرة عليها، سنة 1874.
أما بالنسبة لبرنس، ستكون قوة المرتزقة الكبيرة لشركة الهند الشرقية البريطانية نموذجا يحتذى به “لبلاك ووتر 2.0″، التي سوف توفر فرصة عمل هائلة لشخص ما يملك صلات بالبيت الأبيض. (شقيقته هي بيتسي ديفوس، وزيرة التربية والتعليم.)
وفي كانون الثاني/ يناير، عقد برنس اجتماعات سرية في سيشيل، ولعب دور الوسيط السري بين ترامب وفلاديمير بوتين، في حين أن المتحدث باسم برنس نفى علاقة ترامب بهذا الاجتماع. وبعد فشل الحرب التي قادها في العراق، ساعد برنس أبوظبي على إنشاء جيش سري في الصحراء والعمل مع الصين في أفريقيا.
وعلى الرغم من سجل البرنس الحافل بالإخفاقات والفضائح السياسية، إلا أنه يبدو أن الفكرة التي اقترحها قد اكتسبت زخما كبيرا في واشنطن. ففي الإدارة الأمريكية، يعتبر بانون من الأشخاص الذين دعموا الفكرة التي اقترحها برنس في الكونغرس، فضلا عن العديد من الأشخاص الآخرين من الصناعة العسكرية الخاصة.
في الواقع، إن مصالح هؤلاء الأشخاص تتمحور حول كيفية جني المزيد من الأرباح وليس الاكتراث بمستقبل أفغانستان ومصيرها. فضلا عن ذلك، تبعث حقيقة أن هذه الفكرة تلقى رواجا كبيرا في الجناح الغربي رسالة إلى العالم بأكملها، خاصة للمقاولين العسكريين.
نيجيريا ليست البلد الوحيد الذي استعان بالمرتزقة من أجل حل مشاكله الداخلية فبلدان مثل روسيا، والإمارات، وأوغندا، وحتى بعض الجماعات الإرهابية، قاموا بتوظيف مقاتلين خاصين لشن حروب سرية في أماكن مختلفة في العالم
وبناء عليه، من المرجح أن تزدهر هذه الأعمال العسكرية مرة أخرى! ففي حال اتضح أن الولايات المتحدة تسير نحو إمكانية الاستعانة بمصادر خارجية من أجل حل مشاكلها السياسية الخارجية المستعصية، فمن المحتمل أن هذه الخطة سوف تدفع السوق إلى توليد أعداد هائلة من هؤلاء المقاتلين. لذلك، يمكن للمرء أن يعتقد أن انتهاكات شركة الهند الشرقية البريطانية القديمة لن تتكرر في عصرنا الحديث، ولكنهم مخطئون.
على غرار برنس، كنت أعمل مقاولا عسكريا خاصا لسنوات. عملت في الغالب في أفريقيا، حيث ساعدت في وقف عمليات الإبادة الجماعية قبل أن تبدأ، وطرد أمراء الحرب، فضلا عن التعاون مع بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. كما أبرمت صفقات أسلحة في أوروبا الشرقية، وأسست بعض الجيوش الصغيرة التي تعمل لصالح الولايات المتحدة.
استنادا إلى تجربتي، أود أن أقول أنه ليس كل ما يقترحه برنس يعد مجنونا. فنحن نشهد نسخة جديدة من صراع بين رجال الأعمال سوف يكتسح ساحات المعارك، علما بأن هؤلاء سوف يبيعون الحرب إلى أي شخص يستطيع تحمّل خسائرها.
عموما، لن يحمل هؤلاء الجنود أسلحة ضعيفة أو تقليدية، بل سيكونون مدعومين بطائرات مسلحة ووحدات القوات الخاصة. وعلى الرغم من ادعاءات أولئك الذين لم يشاهدوا معركة فعلية، فإن المقاتلين المتعاقدين من القطاع الخاص يمكن أن يكونوا فعالين جدا، وهذا ما ساهم في ازدهار هذه الصناعة العسكرية.
وفي سياق متصل، تتجه جميع البلدان نحو إيجاد حلول عسكرية خاصة لحل مشاكلها، ولكن بطرق سرية أو ملتوية. فعلى سبيل المثال؛ قبل سنتين، استأجرت نيجيريا، بصفة سرية، مرتزقة بعد صراع دام ستة أعوام للقضاء على جماعة بوكو حرام، التي تصنف من بين إحدى الجماعات الإرهابية الجهادية في العالم.
وخلال المهمة، استخدم المرتزقة طائرات هليكوبتر هجومية وفرق القوات الخاصة، واستطاعوا تحقيق ما لم يتمكن الجيش النيجيري بمفرده من تحقيقه، فقد تمكنوا من طرد تنظيم بوكو حرام من الكثير من الأراضي في نيجيريا. وبالتالي، يتساءل البعض بهدوء عما إذا كان يمكن استخدام نفس هذه الإستراتيجية العسكرية ضد تنظيم الدولة أو حركة الشباب.
وتجدر الإشارة إلى أن نيجيريا ليست البلد الوحيد الذي استعان بالمرتزقة من أجل حل مشاكله الداخلية فبلدان مثل روسيا، والإمارات، وأوغندا، وحتى بعض الجماعات الإرهابية، قاموا بتوظيف مقاتلين خاصين لشن حروب سرية في أماكن مختلفة في العالم، فضلا عن أن العديد من السفن قامت بتجنيد المرتزقة لمحاربة القراصنة.
سوف يساهم المرتزقة في خلق المزيد من الحروب والمعاناة للشعوب. ومن أجل تحقيق الربح، سوف يؤجج هؤلاء المقاتلين المزيد من النزاعات المسلحات
فضلا عن ذلك، يوجد بعض المحاربين السيبرانيين الخاصين، الذين يطاردون القراصنة الذين يهاجمون عملاءهم. عموما، يبدو أن إدارة ترامب ساعدت في رواج هذه التجارة السيبرانية، وخير دليل على ذلك يتمثل في الهجوم الإلكتروني الذي استهدف العالم بأسره، في الفترة الأخيرة.
بصفتي متعاقد عسكري سابق، لا يمكنني التفكير في حل أسوأ بالنسبة لأفغانستان. فهناك العديد من المخاوف التي تتعلق بشأن السلامة، والمساءلة، والأخلاق، التي يمكن أن تترتب عن استخدام مثل هذه الإستراتيجية العسكرية في مثل هذه الأنواع من الحروب. فعندما كنت في هذه الصناعة، حظيت بفرص متعددة تسمح لي بإيقاف عقدي وتشكيل حرسٍ بريتوري.
على سبيل المثال؛ في روما القديمة، اغتال الحرس الإمبراطوري، الذي يعرف بسمعته السيئة، 14 امبراطورا، وعيّن خمسة منهم. وبالتالي؛ تعتبر البريتوريانية من الأشياء الحقيقية التي عايشتها العصور القديمة والحديثة، وهي من الأمور التي لا يمكن لبرنس أو لنائب الملك إحكام السيطرة عليها بسهولة.
في المقابل، ماذا سيحدث لو عرضت روسيا أو الصين أو باكستان على هذا الجيش الخاص صفقة أفضل؟ سوف تكون هناك حرب مزايدات من أجل الحصول على ولاء هذه القوات، وهو ما شاهدت أمراء الحرب يفعلونه في أفريقيا. وعلى عكس الجنود، سيكون هؤلاء المقاتلين أقرب إلى المنتجات التي تعرض على موقع إي باي للحرب.
ومن هذا المنطلق، سوف يساهم المرتزقة في خلق المزيد من الحروب والمعاناة للشعوب. ومن أجل تحقيق الربح، سوف يؤجج هؤلاء المقاتلين المزيد من النزاعات المسلحات. وطالما هناك شخص ما يدفع لهم، سوف يكون هناك دائما حرب لبدئها أو توسيعها أو إطالة أمدها. في الحقيقة، يكشف لنا التاريخ أن هؤلاء المقاتلين غالبا ما يتزاحمون لإبرام العقود، مستغلين بذلك الكثير من الأبرياء.
في العصور الوسطى، قام المرتزقة، في بعض الأحيان، بابتزاز مدن بأكملها. وهذا ما عاشته، قرابة 37 مرة، مدينة سيينا الإيطالية، بين سنة 1342 و1399. فضلا عن ذلك، قامت المرتزقة بإنشاء بعض الممالك بمحض إرادتها أو حتى السيطرة على البعض منها واحتلال أخرى؛ على غرار ما حدث في ميلانو، سنة 1400. في بعض الأحيان، تم انتدابهم لارتكاب بعض الجرائم الوحشية. بالإضافة إلى ذلك، في سنة 1377، أُمر الجيش الخاص للبابا بسحق مدينة تشيزينا، وقتل جميع سكانها.
في واقع الأمر، إن هؤلاء المتعاقدين ليسوا دائما أشرارا، بل يمكن أن يكونوا قوة دافعة للخير، إذ يمكنهم منع ارتكاب الأعمال الوحشية الجماعية، وأن يكونوا شرطة لأمراء الحرب، فضلا عن مطاردة الجماعات الإرهابية، وزيادة بعثات حفظ السلام، وتكوين جيوش رسمية، وتطبيق سيادة القانون. وأنا أعلم ذلك لأنني فعلت هذه الأمور.
وفي حين أن كل المهام التي ذكرتها أنفا قابلة للتنفيذ، فهي تتطلب مجموعة صغيرة من المرتزقة التي يجب أن تعمل في ظل ظروفٍ معينةٍ ومراقبةٍ مناسبةٍ. وهذا يختلف تماما عن جيش المرتزقة الهائل، الذي يخطط برنس إرساله لأفغانستان من أجل السيطرة عليها.
والجدير بالذكر أنه يجري حاليا، خصخصة الحروب الأمريكية، إلا أن التنصل من المسؤولية ليس إستراتيجية فعالة لمعالجة المشاكل المتنامية، بيد أن برنس يعتقد أنه يمكنه تسخير المرتزقة لتحقيق مصالح الولايات المتحدة. لذلك، قام بطرح مثل هذا المقترح رفقة رواد هذه الصناعة العسكرية. في حين أن الولايات المتحدة ليست مستعدة لتنفيذ مثل هذا الفكر الراديكالي، ولن تكون أبدا.
المصدر: الأتلانتيك