استكمالاً للمقال السابق عن الإحصاءات والنسب المتعلقة بالإيمان والتدين والالتزام في العبادات، نسلط الضوء في هذا المقال على البُعد السياسي للتدين في تركيا والذي تم قياسه بشكل تقريبي في استطلاع يونيو 2017 (أجرته شركة MAK للاستطلاعات) ، وقد ذكرنا أن الأرقام والنتائج قد تشير إلى حقائق صادمة ولكن هذه الصدمة ستخفت كثيرًا عند مقارنتها بسنوات ما قبل 2002 التي كان الحجاب فيها محظورًا (قصة النائبة مروة قاوقجي الشهيرة)، وكان رئيس الوزراء لا يستطيع أن يؤدي الشعائر الدينية إلا سرًا كما حدث في عهد مندريس على سبيل المثال، وقد حبس أردوغان لإلقائه شعرًا فيه معاني دينية ثورية أواخر التسعينيات.
ساهمت سنوات تكريس العلمانية في تركيا في الكثير من ذلك، وقد جاء هذا صريحًا على لسان رئيس البرلمان الحالي إسماعيل كهرمان الذي قال العام الماضي: “القوى العلمانية سعت إلى اقتلاع الإسلام من ذاكرة الأتراك ومن هوية تركيا، على الرغم من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حاول تجنب الدخول في سجال الهوية العلمانية أكثر من مرة”.
ولعل هذا يقودنا إلى النظر في الانعكاس السياسي للتدين في تركيا بأبعاده المختلفة سواء التنظيمية أو التوجهات الانتخابية، ونبدأ بالانتماء للجماعات والطرق الدينية التي لها حضور وتأثير في تركيا، ففيما يتعلق بالانتماء للجماعات والطرق الدينية في تركيا، قال 15% إنهم ينتمون لطرق دينية، وقال 60% إنهم لا ينتمون لأي جماعة دينية، وقد أفادت الدراسة أن المجيبين عن هذا السؤال أبدوا الكثير من التردد في الإجابة عليه، ولعل هذا يرجع لأحداث محاولة انقلاب 15 تموز ووقوف جماعة غولن ورائه.
أثار سؤال الاستطلاع هل ترى الدول الإسلامية بحاجة لقيادة دينية مثل نظام الخلافة؟ ضجة أيضًا، حيث قال 54% إنهم يرون ضرورة ذلك فيما قال 40% إنهم لايرون ذلك صحيحًا
أما الإجابة عن سؤال: هل تغيرت وجهة نظرك تجاه الجماعات الدينية بعد تنفيذ جماعة غولن لانقلاب 15 تموز؟ قال 35% إن ذلك تسبب في جعلهم ينظرون بطريقة سلبية للجماعات الدينية، وقال 50% إن ذلك أورث لديهم قناعة بوجوب مراقبة بنية الجماعات الدينية، وقال 12% إن الأمر لم يغير لديهم شيئًا.
الأكثر أهمية
ولعل الأكثر أهمية هو ما يلي: فقد اعتقد 51% أنه عند اختيار نائب في البرلمان أو رئيس بلدية فإن العامل الديني مهم جدًا في الاختيار، وقال 24% إن ذلك مهم جزئيًا، بينما قال 20% إن ذلك غير مهم على الإطلاق.
ولعل هذه النتيجة مهمة جدًا في اعتبارات الأحزاب السياسية، فقد تكون مع شيء من الجهد حاسمة في أي استفتاء قادم، وظهر هذا في الاستفتاء الأخير في 16 من أبريل، حيث صوتت الكتلة العلمانية في حزب الحركة القومية مع الكتلة العلمانية في حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطية ضد الاستفتاء، لكن الاستفتاء نجح بنسبة 51%.
أثار سؤال الاستطلاع: هل ترى الدول الإسلامية بحاجة لقيادة دينية مثل نظام الخلافة؟ ضجة أيضًا، حيث قال 54% إنهم يرون ضرورة ذلك فيما قال 40% إنهم لا يرون ذلك صحيحًا.
أكد عدد من الباحثين أن الرئيس الذي سيخلف الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان سيكون من حزب العدالة والتنمية كونه أقوى الأحزاب الموجودة على الساحة التركية
الدين والحياة
فيما يتعلق بالزواج من فتاة أو من شاب قال 51% من المستطلعة آراؤهم إن الدين مهم جدًا، وقال 24% إن ذلك مهم جزئيًا وقال 20% إن ذلك غير مهم على الإطلاق.
وفيما يخص تبادل التحية، قال 41% إنهم يستخدمون عبارة “السلام عليكم”، وقال 24% إنهم يستخدمون كلمة “مرحبًا وصباح الخير”، وقال 30% إنهم يستخدمون عبارة “كيف الحال”، ويرتفع قول السلام عليكم في أعمار فوق 30 عامًا، وفي الإجابة على سؤال، هل تشعر بالندم عندما ترتكب ذنبًا؟ قال 90% إنهم يشعرون بالندم، فيما قال 2% إنهم لا يشعرون بالندم.
ولعل ما يمكن أن نقوله هنا، إن نسبة الـ51% تكاد تكون ثابتة وربما متصاعدة في تركيا، وهذا ما جعل عددًا من الباحثين يؤكدون أن الرئيس الذي سيخلف الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان سيكون من حزب العدالة والتنمية كونه أقوى الأحزاب الموجودة على الساحة التركية، وهذا الرئيس سيكون متدينًا وسيعمل على احترام القيم الدينية وإبداء المزيد من التضامن تجاه الدين الإسلامي.
وفي هذا السياق تم تسليط الضوء على البُعد الديني في سلوك الرئيس أردوغان وحديثه عن الموت وزيارته لقبور الخلفاء بعد قبر أبي أيوب الأنصاري صاحب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وقراءته للقرآن الكريم في عزاءات شهداء المحاولة الانقلابية، وتأثر قطاعات من الشعب التركي بهذا السلوك بشكل إيجابي وبعضها بشكل سلبي.
يبدو أنه لا يتوفر حاليًا شخصية يمكن أن تجتمع عليها المعارضة، فضلاً عن توفر شخصية تمتلك مؤهلات تستطيع منافسة مؤهلات الرئيس أردوغان
ولعل ما سبق عن كون الرئيس القادم سيكون متدينًا، يشي لنا بالسبب الذي جعل حزب الشعب الجمهوري سابقًا يوافق على ترشيح أكمل الدين إحسان أوغلو كمنافس لأردوغان في السباق الرئاسي في 2014، حيث كان الرجل يتقلد منصب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، فيما سيكون هذا البعد حاضرًا أيضًا في دائرة المسح الحالي لمرشح المعارضة في انتخابات 2019.
وقد بدت بعض البوادر تظهر ومنها على سبيل المثال ما طفا على صفحات الجرائد من دعوة الرئيس السابق لحزب الشعب الجمهوري دينيز بايكال للحديث مع عبد الله غول ليكون مرشحًا للمعارضة، ولكن يبدو أنه لا يتوفر حاليًا شخصية يمكن أن تجتمع عليها المعارضة، فضلاً عن توفر شخصية تمتلك مؤهلات تستطيع منافسة مؤهلات الرئيس أردوغان.